هل تلازم نظرية (عالَم الواقع)، إمكانية وجود الشريك لله تعالى؟!

يتبلور البحث بشأن (الواقع) لدى غير واحد من الفلاسفة، حين التركيز على ثلاثة مباحث عادة هي: أصالة الوجود والماهية. مباحث نفس الأمر. مساوقة الشيئية للوجود.

يتبلور البحث بشأن (الواقع) لدى غير واحد من #الفلاسفة، حين التركيز على ثلاثة مباحث عادة؛ هي:

أصالة الوجود والماهية.

مباحث نفس الأمر.

مساوقة الشيئية للوجود.

ومن خلال الخوض في هذه الأبحاث، يمكن الاطلاع على اتجاهات متعدّدة بشأن النسبة بين (الواقع) و (الوجود) لدى هؤلاء الفلاسفة..

فمنهم من يرى تساويهما، ومنهم من يقول: إن (عالم الواقع) يعمّ (عالم الوجود).

وبحسب هذه النظرية، يرى صاحبها تعلّق بعض المفاهيم بعالَم الواقع وضرورة تحقَقها فيه.. العالَم الذي يعمّ عالَم الوجود والتكوين من حيث السعة ويشتمل عليه.

ويذكر من تلك المفاهيم: الوجود الرابط، المعدومات، حسن الأفعال وقبحها، لوازم الماهيات، والمعقولات الثانية الفلسفية وغيرها، وذلك مع اقراره بخارجيتها، لكنّه يرى تحقّقها في عالَم الواقع، لا عالم الوجود.

ومن جملة ما يركّز عليه في الاستدلال على نظرية عالَم الواقع:

*القضايا الصادقة التي يفرض فيها الموضوع معدومًا في الذهن وفي الخارج منذ البداية بالحمل الأوّلي الذاتي.

*اتحاد ظرف العروض والاتصاف في المعقولات الثانية الفلسفية.

*المعقولات الثانية التي يستحيل فرض تحقّقها في عالَم الوجود.

وممّا يؤخذ على هذه النظرية من الإشكالات: 

أنّها تنتهي إلى ارتفاع النقيضين، وإمكانية استبدال عالَم الواقع بعالَم الذهن، و غير ذلك... .

ومن الإشكالات التي لا بأس من التركيز عليها: أن هذا الرأي يلازم القول بإمكان وجود الشريك لله تعالى، وذلك لأن القول بعالَم الواقع يعني: وجود ثوابت كونية غير مخلوقة أزلية أبدية وغير قابلة للتغيير والانعدام (كما يصرّح بذلك بعض أصحاب هذه النظرية!).. وبذلك يفتح الباب للقول باحتمالية الشريك لله سبحانه وما شابه ذلك. 

ولا يصح أن يقال: إن هذا مستحيل. لأن هذا الاحتمال لا يمكن رفعه طبقًا لهذه النظرية، وإنّ عدم معرفتنا بالشريك واعتقادنا باستحالته لا يلازم عدم وجوده ما دام الاحتمال موجودًا إن التزمنا بلازم هذه النظرية!

وبعبارة أخرى: كما يقول أصحاب هذه النظرية بأن (مساوي المساوي مساو) حقيقة ثابتة غير مخلوقة لا يوجد فيها أي مناط للتغيير، فمن الممكن أن نحتمل وجود حقائق أخرى كهذه، لم يكشف عنها العقل الفلسفي إلى يومنا هذا، ولا سبيل لاستحالة أي احتمال من هذا القبيل حسب مفروض النظرية.

إن قيل: لا يتغير في عالم الواقع شيء، خلافًا لعالم الوجود فإنه لا ينفك عن التغير.

قلنا: لم يكن التغيير مستحيلًا إلا مع فرض اجتماع النقيضين. 

وإن اجتماع النقيضين يقوم على فرض وحدة الزمن.

وإن الثبات والاستمرارية يخالف وحدة الزمن.

 فالنتيجة: إن التغير ليس مستحيلًا مع فرض الاستقرار والأزلية، وكل ما يفترض ثابتًا أزليًا مستمر الزمن، يمكن التغير فيه، سواء كان موطنه عالم الواقع أم عالم الوجود والتكوين.

وإذا انتفى التلازم بين الثبات وإمكانية التغير، وكانت الأشياء الثابتة غير قابلة للتغيير؛ فإن الاختلاف بين العالمَين لا تأثير له في المقام، وكما أن حقيقة (مساوي المساوي مساو) لم تكن مخلوقة في عالم الواقع، فإن إمكانية وجود مثل هذه الحقائق في عالم التكوين والوجود تكن موجودة أيضًا، وعليه: لم يعد ممنوعًا ومستحيلًا أن نحتمل وجود الشريك للباري وتعدّد القدماء.

 عَنِ اَلدَّقَّاقِ، عَنِ اَلْكُلَيْنِيِّ، عَنْ عَلاَّنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: اِعْلَمْ عَلَّمَكَ اَللَّهُ اَلْخَيْرَ، أَنَّ اَللَّهَ قَدِيمٌ وَاَلْقِدَمَ صِفَةٌ دَلَّتِ اَلْعَاقِلَ عَلَى أَنَّهُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ فِي دَيْمُومِيَّتِهِ، فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ اَلْعَامَّةِ مُعْجِزَةُ اَلصِّفَةِ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ قَبْلَ اَللَّهِ وَلاَ شَيْءَ مَعَ اَللَّهِ فِي بَقَائِهِ، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ فِي بَقَائِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَالِقاً لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقاً لِمَا لَمْ يَزَلْ مَعَهُ؟! وَ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ لَكَانَ اَلْأَوَّلُ ذَلِكَ اَلشَّيْءَ لاَ هَذَا وَكَانَ اَلْأَوَّلُ أَوْلَى بَأَنْ يَكُونَ خَالِقاً لِلثَّانِي مِنَ اَلثَّانِي لِلْأَوَّلِ...، اَلْحَدِيثَ.

إن قيل: إذا كانت استحالة التغيّر لا يمكن إثباتها إلا بافتراض وحدة الزمن، فكيف اعتبرتم التغيير مستحيلاً بحق الله تعالى؟

قلنا: إن استحالة التغير على الله تعالى تفهم من الاطلاع على تغيّر المخلوقات؛ لأن معرفة الله تعالى بالله بأنه شيء لا كالأشياء، لا تحصل إلا بتنزيهه عن صفات المخلوقات؛ إذ لا طريق لنا إلى معرفته وتصديقة إلا بمعرفة آثاره ومخلوقاته سبحانه وتعالى.

الامام الحسین علیه السلام: وَأُعَرِّفُهُ بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ... يُوَحَّدُ وَ لَا يُبَعَّضُ مَعْرُوفٌ بِالْآيَاتِ مَوْصُوفٌ بِالْعَلَامَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعال‏.

والحمد لله رب العالمين.

: الشيخ علي الحسون