لم يكن فيمن ساهم في قتل الحسين عليه السلام احد من الشيعة فان لمفهوم التشيع معنى واضحا ومحددا، ولم يكن هذا المفهوم ينطبق على واحد ممن شارك في قتل الحسين عليه السلام فضلا عن دعوى ان كل ممن شارك كان من الشيعة ، فهذه الدعوى تعد جناية على التاريخ ومجافاة للحقيقة وتظليلا للراي العام، ولا يخفى كل من له ادنى معرفة ان منشأ هذه الدعوى هو الاضغان الكامنة، والحقد الدفين على المتمسكين بالحسين عليه السلام ، ومرادهم منها دفن الحقائق وان لا يعرف الناس من هم قتلة الحسين عليه السلام فان من شارك في قتل الحسين عليه السلام يمكن تصنيفهم الى عدة طوائف:
الطائفة الاولى: كانوا من الخوارج او من ينحو نحوهم في الاعتقاد بخروج الحسين عليه السلام عن الاسلام، او انه كان مخطئاً وعاصياً والعياذ باللّه كعبد الله بن حوزة، وعمروا بن الحجاج وغيرهم.
الطائفة الثانية: كانوا ممن غرتهم الدنيا في الحظوة من يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد (لعنهم الله) وهؤلاء وان كان منهم يعرف مقام الحسين عليه السلام وانه لا يحل لهم استبحاة دمه الا انهم لا يكترثون لذلك.
الطائفة الثالثة: كانوا ممن يحملون الحقد والضغينة على الامام الحسين عليه السلام ، فكانت مشاركتهم بدافع التشفي، والانتصار لاضغان كانوا يحملونها في صدورهم لذا قالوا له عليه السلام : (إنما نقاتلك بغضاً لأبيك)[1].
الطائفة الرابعة: كانوا ممن استبد بهم الخوف من بطش يزيد وعبيد الله بن زياد لعنهم الله، فقد روى ابن سعد في طبقاته وقال: لما سرح ابن زياد عمر بن سعد، وامر الناس فعسكروا في النخيلة وامر ان لا يتخلف احد منهم، وصعد المنبر فقرض معاوية...، وقال: ( فايما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة ثم ان ابن زياد استخلف الكوفة عمرو بن حرث، وابو القعقاع بالتطواف في الكوفة فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب حاجة له بالكوفة فاتى به ابن زياد فقتله فلم يبق احد الا خر ج الى العسكر في النخيلة فهذا نص من نصوص كثيرة تدل على ذلك.
الطائفة الخامسة: وهم الغالبية ممن خرج على الحسين عليه السلام، وهم أهل الشام، فقد وردت روايات كثيرة في أمهات مصادرنا تنص على أن الذين شاركوا في محاصرة الامام الحسين عليه السلام، وقتله، والتشفي به، وإعلان الفرح والسرور على قتله هم أهل الشام والشواهد على ذلك كثيرة جداً منها ما روه الكليني رحمه اللّه عن أبان عن عبد الملك قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعا وعاشورا من شهر المحرم فقال: تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم بكربلا واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين صلوات اللّه عليه وأصحابه رضي الله عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر ولا يمده أهل العراق - بابي المستضعف الغريب - ثم قال: وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله [عراة] أفصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب اللّه عليهم وعلى ذرياتهم وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ومن ادخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك)[2].
شيعة آل أبي سفيان هم قتلة الحسين عليه السلام
أن الحسين عليه السلام قد وصفهم في يوم عاشوراء بأنهم شيعة آل أبي سفيان، فقال عليه السلام: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون .
ولم نرَ بعد التتبع في كل كلمات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وخُطَبه في القوم واحتجاجاته عليهم أنه وصفهم بأنهم كانوا من شيعته أو من الموالين له ولأبيه .
كما أنّا لم نرَ في كلمات غيره عليه السلام من وصفهم بهذا الوصف، وهذا دليل واضح على أن هؤلاء القوم لم يكونوا من شيعة أهل البيت عليهم السلام، ولم يكونوا من مواليهم[3].
شدة العداوة لا تتناسب مع إتهام الشيعة
أن القوم كانوا شديدي العداوة للحسين عليه السلام، إذ منعوا عن الإمام الماء وعن أهل بيته وقتلوه سلام الله عليه وكل أصحابه وأهل بيته، وقطعوا رؤوسهم، وداسوا أجسامهم بخيولهم ، وسبوا نساءهم ، ونهبوا ما على النساء من حلي . . . وغير ذلك، قال ابن الأثير في الكامل ج4 ص80: ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب إلى الحسين عليه السلام فيُوطئه فرسه، فانتدب عشرة، منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي، وهو الذي سلب قميص الحسين عليه السلام، فبرص بعدُ، فأتوا فداسوا الحسين عليه السلام بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره، وقال : (وسُلِب الحسين ما كان عليه ، فأخذ سراويله بحر بن كعب، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته ، وهي من خز، فكان يُسمَّى بعدُ (قيس قطيفة)، وأخذ نعليه الأسود الأودي ، وأخذ سيفه رجل من دارم، ومال الناس على الورس والحلل فانتهبوها، ونهبوا ثقله وما على النساء، حتى إن كانت المرأة لتنزع الثوب من ظهرها فيؤخذ منها)، وكل هذه الأفعال لا يمكن صدورها إلا من حاقد شديد العداوة ، فكيف يُتعقَّل صدورها من شيعي مُحِب ؟!
قتلة الحسين عليه السلام هم أعوان بنو أمية ومتأمريهم
أن المتأمِّرين وأصحاب القرار والزعماء لم يكونوا من الشيعة، وهم يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعبد الله بن زهير الأزدي، وعروة بن قيس الأحمسي، وشبث بن ربعي اليربوعي، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، والحصين بن نمير، وحجار ابن أبجر..
وكذا كل من باشر قتل الحسين عليه السلام أو قتل واحداً من أهل بيته وأصحابه، كسنان بن أنس النخعي، وحرملة الكاهلي، ومنقذ بن مرة العبدي، وأبي الحتوف الجعفي، ومالك بن نسر الكندي، وعبد الرحمن الجعفي، والقشعم بن نذير الجعفي، وبحر بن كعب بن تيم الله، وزرعة بن شريك التميمي، وصالح بن وهب المري، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحصين بن تميم وغيرهم .
فهذه هي الطوائف التي خرجت على الحسين عليه السلام، فاين الشيعة منهم، فالشيعة هم اتباع الامام المفترض الطاعة وكان الحسين عليه السلام مفترض الطاعة، فمن خالفه لا يعد من الشيعة لانه خالف الامام وخرج عن طاعته وهذا هو معنى التشيع وهذا ما يؤمن به الشيعة، نعم ان الشيعة الذين خرجوا على الحسين هم شيعة ال ابي سفيان (لعنهم الله)، اما شيعة الحسين عليه السلام فهم اصحابه الذين بذلوا مهجهم دون ابي عبدالله عليه السلام من امثال حبيب بن مظاهر(رضوان الله تعالى عليه).
الهوامش:------
[1] ينابيع المودة ، ص 346 .
[2] الكافي ج4 ص 147
[3] بحار الأنوار 45 / 51 . اللهوف في قتلى الطفوف ، ص 45 .
اترك تعليق