مراسيم العزاء الحسيني في ضوء القرآن الكريم

يرى الشيعة الامامية ان مظاهر العزاء الحسيني بالطريقة المتعارفة في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) انما هي من شعائر الدين الحنيف، وقد دل على ذلك القران الكريم والسنة الشريفة، ويعتقد اتباع هذه المدرسة ان هذا العزاء وهذه الطقوس تبدا بالحزن والبكاء وإقامة مجالس الوعظ والإرشاد، والمواكب، وتنتهي بإعداد جيل حسيني شعاره بالثارات الحسين (عليهم السلام) في اخر الزمان يقوم هؤلاء بنصرة الامام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) في اقامته لدولة العدل الإلهي. فهذه المراسيم انما أسست من قبل اهل البيت (عليهم السلام) بهذه الطريقة العاطفية لكي تستمر مسيرة اهل البيت (عليهم السلام) حتى تنتهي بدولة العدل الإلهي .

مظاهر العزاء الحسيني وفق منهج القران الكريم

لما نرجع الى الآيات القرآنية سنجد ان هناك طائفة كبيرة من الآيات العامة والخاصة التي تدل على ضرورة احياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) وتعظيم امرهم، وإعلان مودتهم، وذكر مظلوميتهم ونشرها بين أصناف المجتمع، وضرورة اعلان الولاء لهم نظرياً وعملياً، والبراءة من اعدائهم واليك بعض هذه النصوص القرانية الكريمة :

أولا : مراسيم العزاء الحسيني تعظيم لشعائر الله عز وجل

قال اللّه تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب)، فان هذه الآية المباركة فيها دلالة واضحة على محبوبية ورجحان تعظيم شعائر الله والمراد من التعظيم هنا هو العلو والرفعة اي بمعنى لا تبتذلوها ولا تستهينوا بها وانما يجب تعظيمها، واما المراد من الشعائر فبحسب تتبع الاصل اللغوي لهذه الكلمة هو العلامة، قال أبو البقاء: شعائر اللّه اعلام دينه التي شرعها الله، وقال الزجاج: يعني بها كل متعبدات الله التي اشعرها اللّه او جعله اعلاما لنا، وقال الكلبي في التسهيل: معالم دين، وقال ابن منظور في لسان العرب: انما قيل شعائر لكل عَلمٍ مما تعبد به لان قولهم شعرت به: علمته، ولهذا سميت الاعلام التي هي متعبدات اللّه تعالى: شعائر والمشاعر مواضع المناسك، فعندما تقول ان الصفا والمروة من شعائر اللّه بمعنى انها تشعر، وتعلم ان هذا الامر احد العلامات والاثار الدالة على طاعة اللّه تعالى، وعندما يقال شعائر اللّه اي علاماته التي ندب الله تعالى اليها وامر بالقيام بها، ومن هنا فان تخصيص مصطلح ( الشعائر ) بمناسك الحج هذا خطا محض وذلك لأنه لا دلالة على التخصيص بل بدلالة ( من ) التبعيضية في قوله تعالى: ( ان الصفا والمرة من شعائر الله) دليل واضح على ان الشعائر لها مصاديق عدة وغير مختصة بمناسك الحج)، قال الشهيد الثاني: المراد بشعائر الإسلام الأمور التي تختص بشرعه كالآذان والصلاة وصوم شهر رمضان(1).

ثانيا: ان احياء مراسيم عاشوراء من مصاديق اعلان لمودة لأهل البيت عليهم السلام ابد الدهر

قال اللّه تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى)، وهذه الآية واضحة في وجوب مودة اهل البيت(عليهم السلام) والمودة غير المحبة فان المراد من المحبة هي الميل النفساني اتجاه شخص، فهذه تسمى محبة لا مودة ، اما المودة فهي اظهار وابراز واعلان هذه المحبة، فقوله: (قل لا أسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى) يعني انا لا اريد مكافئة على جهودي وتعبي وتضحياتي وعلى ما بذلته في سبيل نشر هذه الدعوة فلا اريد اي مكافئة الا مودة اهل البيت(عليهم السلام) واظهار حبهم، وإعلان الولاء لهم، ثم اليس من مصاديق مودتهم هو التألم لما جرى عليهم من المصائب وذكر ما جرى عليهم من الابتلاءات، واليس من موارد المودة هو ذكر فضائلهم واذاعتها ونشرها، والبراءة من عدوهم ومن ظالميهم وقاتليهم ومن رضي بظلمهم فمن المستحيل ان تودهم وتود اعدائهم، وهذا الدليل القرآني واضح جدا لأنه يتناسب كثيرا مع الفطرة السليمة.

ثالثا : حث القران الكريم على الاستنكار وإبراز المظلومية

ان المتتبع للآيات القرآنية المباركة يجد ان الله تعالى قد ذكر حوادث تاريخية تتعلق بمظلومية بعض الأشخاص، وحث على ضرورة ابراز تلك المظلوميات وقام بالاستنكار لمن يقوم بهذا الفعل ووجه الاستنكار تارة للقاتل وأخرى للامة، و في كل مرة نقرأ فيها القران الكريم نمر على تلك الحوادث ونتاثر بها وربما نبكي لمجرياتها ونأخذ منها الدروس والعبر، فلم يذكرها القران الكريم الا لهذه الجوانب لنأخذ منها الدروس، والعبر، ونتأثر بها ونعلن الولاء من خلالها للّه تعالى ولأوليائه، ونظهر البراء من تلك الأفعال ونبتعد عنها ومن هذه الحوادث التي دونها لنا القران الكريم حادثة قتل قابيل لأخيه هابيل والتي كان أساسها الحسد قال تعالى: ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(2)،وكذلك حادثة قتل الأنبياء وإعلان القران لتلك المظلومية الكبيرة والاستنكار لها قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)(3)، وكذلك مسالة قتل أصحاب الاخدود قال تعالى (قتل أصحاب الاخدود)وغيرها من الآيات المباركة التي دونت مظلومية الحجج الإلهية وغيرهم، ومن هنا نقول ان ما يقوم به اتباع اهل البيت(عليهم السلام) من ابراز مظلومية الحسين (عليه السلام) فهي طريقة قرآنيه استخدمها القران الكريم حيث انه لم يهمل الحوادث الكبرى في التاريخ البشري بل ابرز جميع تلك المظلوميات، فما هو المانع اذن عندما يقف اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) ويذكرون مظلومية النبي والائمة(عليهم السلام) اليس قولهم يوم عاشوراء (قتل الحسين بكربلاء)، واخبار الناس بتفاصيل الواقعة هو نفس الطريقة التي ذكر بها القران الكريم أصحاب الاخدود حيث قال تعالى (قتل أصحاب الاخدود)، واليس الاستنكار الذي يقوم به اتباع اهل البيت عليهم السلام لما جرى على أبي عبداللّه(عليه السلام) هو نفس المنهج الذي ذكر في القران الكريم الذي يستنكر فيه قتل الأنبياء حيث قال تعالى : (َلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

الهوامش:------

(1) أنظر مسالك الافهام الشهيد الثاني ج3 ص 16 -كليات ابي البقاء ج1 ص 542، تهذيب الازهري ج1 ص 266 ، التسهيل في علوم التنزيل ج1 ص 22.

(2) المائدة الآية 30

(3) آل عمران الآية 11

المرفقات

: الشيخ وسام البغدادي