4-البيضة:
وهو المنزل الرابع للركب الحسيني في العراق وتبعد عن ذو حسم مسافة 25 كم تقريبا وفيها خطب الحسين عليه السلام بأصحابه واصحاب الحر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أَیُّهَا النّاسُ؛ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ(صلى الله علیه وآله) قالَ: «مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرُمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِاللهِ بِالاِثْمِ وَ الْعُدْوانِ فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفِعْل، وَ لاَ قَوْل، کانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ یُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ». ألا وَ إِنَّ هؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّیْطانِ، وَ تَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَ اَظْهَرُوا الْفَسادَ، وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَیءِ، وَ أَحَلُّوا حَرامَ اللّهِ، وَ حَرَّمُوا حَلالَ اللّهِ، وَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ غَیَّرَ. قَدْ أَتَتْنی کُتُبُکُمْ، وَ قَدِمَتْ عَلَىَّ رُسُلُکُمْ بِبَیْعَتِکُمْ أَنَّکُمْ لا تُسَلِّمُونی وَ لا تَخْذُلُونی، فَاِنْ تَمَمْتُمْ عَلى بَیْعَتِکُمْ تُصیبُوا رُشْدَکم، فَأَنَا الْحُسَیْنُ بْنُ عَلِىٍّ، وَابْنُ فاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ(صلى الله علیه وآله)، نَفْسی مَعَ أَنْفُسِکُمْ، وَ أَهْلی مَعَ أَهْلیکُمْ، فَلَکُمْ فِىَّ أُسْوَةٌ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ نَقَضْتُمْ عَهْدَکُمْ، وَخَلَّعْتُمْ بَیْعَتی مِنْ أَعْناقِکُمْ فَلَعَمْری ما هِىَ لَکُمْ بِنُکْر، لَقَدْ فَعَلْتُمُوها بِأَبی وَ أَخی وَابْنِ عَمِّی مُسْلِم! وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِکُمْ، فَحَظُّکُمْ أَخْطَأْتُمْ، وَ نَصیبُکُمْ ضَیَّعْتُمْ (فَمَنْ نَّکَثَ فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ) وَ سَیُغْنِى اللّهُ عَنْکُمْ، وَ السَّلامُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللّهِ وَ بَرَکاتُهُ)).
5-عذيب الهجانات:
وفي الطريق مابين البيضة وعذيب الهجانات يقوم الحر التميمي بمسايرة الحسين عليه السلام وهو يقول له: ( ياحسين أني أذكرك الله في نفسك فأني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قتلت لتهلكن فيما أرى)، فقال له الحسين عليه السلام: (افبالموت تخوفي وهل تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ما أدري ما أقول لك ولكن أقول كما قال اخو الاوس لابن عمه:
سأمضِي وما بالموتِ عارٌ على الفَتى *** إذا ما نَوى حَقّاً وجاهَدَ مُسلِما
ووَاسَى الرِّجالَ الصـالحينَ بنفسِهِ *** وفارَقَ مَثبوراً وخالفَ مُجرِمَا
فإنْ عِشـتُ لم أندَمْ وإنْ مِتُّ لَم أُلَمْ *** كَفَى بِكَ مَوتاً أنْ تُذَلَّ وتُرغَمَا
فلما سمع ذلك الحر من الحسين عليه السلام تنحى عنه وكان يسير في ناحية والحسين عليه السلام في ناحية أخرى حتى أنتهوا الى عذيب الهجانات، وكانت بها هجائن النعمان ترعى هناك فأذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحهم يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له الكامل، ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه، فلما أنتهوا الى الحسين عليه السلام أنشده هذه الابيات:
يا ناقتي لا تذعري من زجري **** وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر*** حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر ***أتى به الله لخير أمر
ثمة أبقاه بقاء الدهر
فقال الحسين عليه السلام: (أما والله أني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا).
وفي تلك المنطقة جرى حديثا طويلا بين الحسين والحر من جهة والاربعة من جهة اخرى، حيث أراد الحر التميمي أن يحبس الاربعة أو يردهم، فقال الحسين عليه السلام: (لأمنعهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وأنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من أبن زياد)، فقال الحر: (أجل! لكن لم يأتوا معك)، فقال الحسين عليه السلام: (هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فأن تممت ما كان بيني وبينك والا ناجزتك)، فكف عنه الحر عندئذ.
وجرى حديثا بين الحسين عليه السلام والاربعة نفر في المكان ذاته
الحسين عليه السلام: (أخبروني خبر الناس وراءكم!)
أحد الاربعة ( مجمع بن عائد): (أما اشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم ، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك وأما سائر الناس بعد فأن أفئدتهم تهوي اليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك).
الحسين عليه السلام: (أخبروني فهل لكم برسولي لكم؟)
الاربعة: (من هو؟)
الحسين عليه السلام: (قيس بن مسهر الصيداوي الأسدي!)
الاربعة: (نعم أخذه الحصين بن تميم قائد شرطة أبن زياد، فبعث به الى أبن زياد، فأمره أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك ولعن أبن زياد وأبيه، ودعا الى نصرتك وأخبرهم بقدومك، فأمر به أبن زياد فألقي به من طمار القصر).
الحسين عليه السلام: (ترقرقت عيناه ولم يملك دمعه، ثم قال{فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِیلاً }، اللهم إجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك).
الطرماح: (والله أني انظر فما أرى معك احداً!، ولو لم يقاتلك الا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة اليك يوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه!، فسألت عنهم، فقيل إجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون الى الحسين، فأنشدك الله أن قدرت على ان لا تقدم عليهم شبراً الا فعلت، فأن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ، ما أنت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجا، أمتنعنا والله به من ملوك حمير وغسان ومن النعمان بن المنذر ومن الاسود والاحمر فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم نبعث الى الرجال ممن بأجا وسلمى من طيء فوالله لا يأتي عليك عشرة ايام حتى تأتيك طي رجالا وركبانا ثم أقم فينا ما بدا لك، فأن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين الف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل اليك ابدا ومنهم عين تطرف).
الحسين عليه السلام : (جزاك الله وقومك خيراً.. أنه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الامور في عاقبة).
الطرماح: (أودعك، وأسال الله أن يدفع عنك شر الجن والانس، أني قد امترت لاهلي من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم فاضع ذلك فيهم، ثم أقبل أليك إن شاء الله فأن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك).
الحسين عليه السلام : (إن كنت فاعلا فعجل رحمك الله).
الطرماح: (علمت أن الحسين عليه السلام مستوحش الى الرجال حتى يسألني التعجيل، فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم، وأوصيت، فأخذ أهلي يقولون إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم!، فأخبرتهم بما أريد، وأقبلت في طريق بني ثُعل من طي حتى اذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه اليّ فرجعت).
اترك تعليق