فلسفة الحج في الكتاب والسنة

يعتبر الحج من العبادات المهمة، والشعائر المقدسة، فيه مصالح كبيرة وسمات عظيمة، وآثار إيجابية، فالحج فريضة خاصة بالمسلمين في وقت خاص، وشروط خاصة، فرضها الله لكي تكون تمريناً للفرد من أجل نيل الكمالات التي أعدّها الله لعباده الراغبين بالكمال.

إنّ بحث فلسفة تشريع الحج أو التشريعات الإلهية الأخرى عمل حسن، خصوصاً إذا ما أردنا نشر الدين، أو مخاطبة من ينكر الله؛ فنبيّن له مقاصد الشريعة من الحكم المفروض، إلا أنَّه ينبغي علينا أن ندرك قضية في غاية الأهمية ونلتزم بها، ونجعلها نصب أعيننا، وفي لب قلبنا وفكرنا، بأنّنا لو لم نتمكن من معرفة الحكمة من وراء تشريع ما؛ فلا يكون في ذلك أيّ تأثير سلبي على التزاماتنا بالشريعة الإسلامية، وطاعاتنا لله؛ لمعرفتنا بصدورها عن الله، وإيماننا المطلق بصدق الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي جاء بهذا التشريع وبلّغه إيّانا، فنحن متعبدون بكلِّ الأحكام الإلهية صغيرها وكبيرها، قديمة كانت وموجودة في شريعة سابقة، أو حديثة لم تشرع في شريعة قبل الإسلام، عرفنا علّة تشريعها أم لم نعرف؛ وذلك لأنّ المشرع عالم حكيم.

لا شك ولا ريب أنّ الله تبارك وتعالى لم يُشرع الحج إلا لحكمة، وذلك لأنَّه حكيم عليم بمصالح العباد، و لا يصدر من الحكيم إلا ما يكون فيه فائدة للعباد، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[1]، وعليه فالحج تشريعٌ إلهيٌ لا يخلو من الأهداف الكثيرة والجمة للعباد.

لقد كشفت لنا الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة عن جوانب من فلسفة الحج، وأوضحت بعض الأهداف والمقاصد من تشريع هذه الشعيرة المقدسة، إلا أنّ ما كشف جزء بسيط من المقاصد والحكم والمصالح والأهداف التي تستوعبها عقول البشرية.

فلسفة الحج في القرآن الكريم

أشار القرآن الكريم إلى أهداف هذا التشريع الإلهي المهم بصورة مجملة، قال الله عَزَّ وجَلَّ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وهذه الآية صريحة في اشتمال الحج على منافع للناس، ولا بُدَّ أنّ هذه المنافع والفوائد تُشكِّل جزءً من فلسفة الحج وأهدافه المنشودة، ولو أردنا إلقاء الضوء على المنافع المتصورة للحج لوجدناها كثيرة ومتنوعة لا تكاد تجتمع في غيرها من العبادات، وهذه المنافع قد تكون تربوية أو عبادية، أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

1.موضع عبادي تؤدى فيه الطاعة والقرب إلى الله تعالى، من خلال أداء هذه الفريضة بنسك عبادية مخصصة، فللفريضة آثار خاصة من حيث المجموع، ولكلِّ نسك من الحج أثره الخاص، ومن خلال ذكر الله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}، وقوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}[2]، فقد ورد أنّ تشريع الطواف أشواطاً سبعة فيه أثر لرفع الحجب، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِنَانٍ انَّ الرِّضَا (عليه السلام) كَتَبَ إِلَيْهِ فِيمَا كَتَبَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ: (عِلَّةُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ انَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلا لِلْمَلَائِكَةِ أَنِّي جاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ فَرَدُّوا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذَا الْجَوَابِ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَذْنَبُوا فَنَدِمُوا فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ فَاسْتَغْفَرُوا فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَعَبَّدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعِبَادُ فَوَضَعَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ بَيْتاً بِحِذَاءِ الْعَرْشِ يُسَمَّى الضُّرَاحَ ثُمَّ وَضَعَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بَيْتاً يُسَمَّى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ بِحِذَاءِ الضُّرَاحِ ثُمَّ وَضَعَ هَذَا الْبَيْتَ بِحِذَاءِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ فَطَافَ بِهِ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَجَرَى ذَلِكَ فِي وُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)[3].

2. الحج من موارد التكافل الاجتماعي للفقراء والمساكين، من خلال توفير اللحوم التي هي من أفاضل الطعام، والتي تعطى للفقراء من لحوم الأضاحي، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[4]، وقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[5].

3. في الحج نشر لكلمة التوحيد، وإظهار لمعالم الدين؛ من خلال التواجد في موسم الحج والعمرة، وأداء المناسك الخاصة التي تدل على دين الإسلام؛ فهي دعوة عملية بلسان الفعل أي دعوة غير لسانية، أو قل دعوة بصورة غير مباشرة للإسلام من خلال أحياء تلك الشعائر المقدسة، والتي يعود نفعها على المكلف، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[6]، وقال تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}[7]، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[8].

4. الحج مورد من الموارد العملية لدفع الفرقة؛ وذلك من خلال النهي عمّا من شأنه أن يكون مقدمة للفرقة، من جدال وما شاكله، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[9].

5. يعتبر الحج مؤتمراً لتبليغ للأحكام المهمة، والقرارات المصيرية؛ ومن هنا كان إعلان البراءة من المشركين، ونهيهم عن اقتراب المسجد الحرام، والتصريح بكونهم أنجاس عند بيت الله الحرام في موسم الحج؛ فالمكان والوقت والفريضة كانت عناصر مهمة قد لوحظت من أجل التبليغ بهذا الحكم، قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[10]، ومن هنا ينبغي على المسلمين مراعاة قيام اللقاءات والمؤتمرات في هذه الأماكن العبادية لتكون عزة ومنعة وحصانة للمسلمين، وذات أثر كبير وفعال في نفوس المسلمين.

6. مورد للاجتماع والوحدة، وأداء التكليف، وبيان للطاعة لولي الأمر عند النداء لهذا الاجتماع، من قبل الرجال والنساء؛ وبهذا سيكون الاجتماع في ذلك الموسم ممّا يتخوف منه الأعداء؛ لما فيه من طاعة لذلك النداء وتلك الكلمة، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[11].

7. إنَّ الحج موسم للتزود من المعصوم، من خلال زيارته فقد ورد عن أهل البيت في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[12]، أنَّ المراد من ليقضوا تفثهم أن يزوروا الإمام، ويعرضوا عليه النصرة ويخبروه بولايتهم له، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ ذَرِيحِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي فِي كِتَابِهِ بِأَمْرِ فَأَحَبَّ أَنْ أَعْمَلُهُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، قَالَ: لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ لِقَاءُ الامام)[13]، وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَرَأْى النَّاسَ بِمَكَّةَ وَما يَعْمَلُونَ قَالَ فَقَالَ: (فَعَّالُ كفعال الْجَاهِلِيَّةِ أَمَا وَاللَّهِ مَا أُمِرُوا بِهَذَا وَما أُمِرُوا إِلاَّ أَنْ يَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ فيمروا بِنَا فَيُخْبِرُونَا بِوَلَايَتِهِمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتِهِمْ)[14].

8. إنَّ الحج درس عملي لضبط النفس وتخليتها عن الشهوات والملذات، بل ترك المباحات؛ ومن هنا كانت المحرمات على الحاج ما دام محرماً لله، وهذا درس لانقياد الإنسان نحو الإنسانية والعبودية المحضة لله تعالى، من خلال منعه عن أذية النملة والقمل والبراغيث، فهي مكان للانضباط الإنساني على أعلى المستويات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[15].

9. في أيام الحج دعوة للتجرد عن الذنوب وتركها، والتزود من التقوى؛ فهي درس عملي نحو العصمة والتخلي عن كلِّ منفر عن ساحة القدس، قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[16].

10. يعتبر الحجاج وفد الله وضيوفه، فهي دعوة من الله بصورة واضحة وصريحة لاستحباب استضافة الآخرين إن كان في ذلك صلاحهم، ضمن مواقيت محددة أو مطلقة، وأداء خدمات الضيافة في بيت الله فقد قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[17]، فلعظيم الخدمة من رفادة وسقاية باهوا بها الأوائل وتسابقوا على أداءها، أو نحو إشارة ودعوة لضيافة الآخرين خارج البيت المحرم في بيوتنا، ولقد نقل بأنَّ من أسباب تسمية إبراهيم بخليل الله؛ لكونه ممّن يطعم الطعام، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: (مَا أَتَّخِذُ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً، إِلَّا لِإِطْعَامِهِ الطَّعَامِ، وَصَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامُ)[18]، فالإطعام أحد جزئي الحكمة والعلّة التي من أجلها أتخذ خليلاً.

هذه عشرة كاملة في فلسفة الحج وأهدافه ومقاصده مستله من كتاب الله عز وجل.

فلسفة الحج في الأحاديث الشريفة

لقد جاءت الأحاديث والروايات الشريفة معلنة عن المنافع التي أجملها القرآن الكريم؛ فتحدثت عن فلسفة الحج وأهدافه ومقاصده ومنافعه، ومنها:

1. التعارف ونقل التجارات وتقوية الجانب الاقتصادي: حيث يعد الموسم من الطرق المحركة للاقتصاد العالمي اليوم من خلال توفير الطعام للحجاج، وموارد السفر من وسائل النقل، ومن شراء الأضاحي وتوزيعها ومن خلال شراء الهدايا للمحبين، فقد رَوى هِشَامُ بْنِ الْحَكَم قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) فَقُلْتُ لَهُ: (مَا الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ الْحَجَّ وَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ: (وَأَمَرَهُمْ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الطَّاعَةِ فِي الدِّينِ وَمَصْلَحَتِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ، فَجَعَلَ فِيهِ الِاجْتِمَاعَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ لِيَتَعَارَفُوا، وَلِيَنْزِعَ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَلِيَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمُكَارِي وَالْجَمَّالُ).

2. التذكير برسول الله (صلى الله عليه وآله): يعتبر الحج نوع تذكير وارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله)، والسير وفق ما سار عليه، واتخاذ نهجه المبارك؛ فهو الأسوة الحسنة قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[19]، وفي قصصه العبرة والموعظة قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[20]، قال الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان علّة الحج عندما سئل: (وَلِتُعْرَفَ آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَتُعْرَفَ أَخْبَارُهُ، وَيُذْكَرَ وَ لَا يُنْسَى)[21].

3. كثرة المال وسعة الرزق: يعتبر الرزق والسعة فيه من القضايا والمسائل المهمة التي يهتم بها الفرد وحثّ عليها الله فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}[22]، والتي قد تؤدي إلى عدم استقراره واطمئنانه بحرمان الرزق، بل قد تؤدي إلى خروجه عن الصراط وعن الإيمان، وقد ورد أنّ من الفوائد التي تعود بالنفع على الحاج كثرة ماله وسعة رزقه، فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) إِنِّي قَدْ وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى لُزُومِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ بِنَفْسِي أَوْ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِمَالِي، فَقَالَ: وَقَدْ عَزَمْتَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنْ فَعَلْتَ فَأَبْشِرْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ)[23].

4. غفران الذنوب: حيث يرجع الحاج من دون ذنب كثوب نقي، قال أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام) في بيان أهمية الحج: (اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ فَلَا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا، وَأَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ مَنْ أَمَّهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ ..)[24].

5. الحج دلالة ومعلماً كما أشرنا إليه مسبقاً في الحديث عن فلسفة الحج في الكتاب، قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) مُذكراً أهمية هذه الشعيرة الإلهية المقدسة: (...جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً ...)[25].

6. كسر التكبر لدى الفرد من خلال تواضعه وذلته بين يدي الله، فعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ)[26]، فمهما بلغ فلا بُدَّ أن يطوف ببيت الله، وأن يأتي بتلك المناسك وإلا مات خارجاً عن الإسلام، فعَنْ ذَرِيحِ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الاسلام مَا يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ حَاجَةُ تُجْحِفُ بِهِ أَوْ مَرَضُ لَا يُطِيقُ مَعَهُ الْحَجَّ أَوْ سُلْطَانُ يَمْنَعُهُ فَلْيَمُتْ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً)[27].

7. يعتبر الحج من سبل التوبة، ومن العلامات المذكرة بالرجوع إلى الله، والداعية إلى الوفود على الله والرجوع إليه، والاعتصام به عند بيته المحرم في أيام معلومات، قال الإمام الرضا (عليه السلام) في بيان علّة الحج: (لِعِلَّةِ الْوِفَادَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ مَا اقْتَرَفَ الْعَبْدُ تَائِباً مِمَّا مَضَى)[28].

8. صحة البدن من خلال القيام بتلك الأعمال التي تعتبر شاقة وفيها جهد كبير من طواف وسعي ورمي وفي كلِّ ذلك ما يلاقي الحاج في وسط الزحام، عَنْ خَالِدِ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): (حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ)[29].

9. الحج جهاد المستضعفين: لأهمية الجهاد الذي جعل باب خاص فتحه الله لخاصة أوليائه فقد جعل الحج بحكم الجهاد بالنسبة إلى الضعفاء من المسلمين، كالنساء والعبيد، أو غير الموسرين مالياً للحج، أو المعاقين عن القتال بسبب ما، قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): (...وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ...)[30].

10. عدم كتابة الذنوب عليه لأربعة أشهر على الحاج، فقد روي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لِأَيِّ شئ صَارَ الْحَاجُّ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ الذَّنْبُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ أَبَاحَ الْمُشْرِكِينَ الْحَرَمَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِذْ يَقُولُ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}[31]، ثَمَّ وُهِبَ لِمَنْ يَحُجُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَيْتَ الذُّنُوبَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)[32].

11. يحفظ الحاج في أهله وماله فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (الْحُجَّاجُ يَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: ....وَصِنْفٌ يُحْفَظُ فِي أَهْلِهِ وَ مَالِهِ، فَذَاكَ أَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ الْحَاجُّ)[33].

12. أمان عن الحمى: المرض من نعم الله على الإنسان؛ لما فيها من ثواب إن كان منّة إلهية يراد منها رفعة العبد، أمّا إن كانت الحمى عن ذنب فبما أنَّ الحج يكفر الذنوب كما تقدم، وما دام العبد يدمن الحج فهو محل لغفران ذنبه من قبل الله؛ فيكون الحج والعمرة أمان عن الحمى لمدمنهما، فعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): (لَا يُحَالِفُ الْفَقْرُ وَالْحُمَّى مُدْمِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)[34].

الهوامش:---------

([1])سورة آل عمران, آية: 97.

([2])سورة البقرة, آية: 128.

([3])الشيخ الصدوق, علل الشرائع ج ٢ ص ٤٠٦.

([4])سورة البقرة, آية: 196.

([5])سورة الحج, آية: 36.

([6])سورة الحج, آية: 32. 

([7])سورة آل عمران, آية: 97.

([8])سورة البقرة, آية: 158.

([9])سورة البقرة, آية: 197.

([10])سورة التوبة, آية: 3.

([11])سورة الحج, آية: 27.

([12])سورة الحج, آية: 29.

([13])الشيخ الكليني, الكافي ج ٤ ص ٥٤٩.

([14])الشيخ الكليني, الكافي ج ١ ص ٣٩٢.

([15])سورة المائدة, آية: 95.

([16])سورة البقرة, آية: 197.

([17])سورة التوبة, آية: 19.

([18])الشيخ الصدوق, علل الشرائع ج ١ ص٣٥.

([19])سورة الأحزاب, آية: 21.

([20])سورة يوسف, آية: 111.

([21])الشيخ حرّ العاملي, وسائل الشيعة ج8 ص 9.

([22])سورة الملك, آية: 15.

([23])الشيخ الكليني, الكافي ج ٤ ص ٢٥٣.

([24])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٧٥ ص ١٠٠.

([25])ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٢٣.

([26])الشريف الرضي, نهج البلاغة ج ١ ص ٢٧.

([27])السيد البروجردي, جامع أحاديث الشيعة ج ١٠ ص ٢٢٩.

([28])الشيخ الصدوق, عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج ١ ص ١٢٦.

([29])الشيخ الحر العاملي, الفصول المهمة في أصول الأئمة ج ٣ ص ٢٣١.

([30])ابن أبي الحديد, شرح نهج البلاغة ج ١٨ ص٣٣٢.

([31])سورة التوبة, آية: 2.

([32])الشيخ عزيز الله عطاردي, مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ج ٢ ص ٢١٧.

([33])الشيخ الكليني, الكافي ج ٤ ص ٢٥٣.

([34])نفس المصدر, ص ٢٥٤.

المرفقات

: الشيخ أمجد سعيد اللامي