مفاد الشبهة : يقول البعض ان الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قد صرحا في بعض كتبهما بحرمة التقليد والرجوع الى العلماء حيث قال الطوسي (التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة – وهو حقيقة التقليد – فذلك قبيح في العقول )، وقال الشيخ المفيد:(إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك، إن الله تعالى يقول: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون).
وقال : (من أجاب ناطقاً فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان )[1] .
جواب الشبهة : ان هذه الشبهة قد طرحها بعض المشككين، ولكن من المؤسف ان هذا تدليس، وكذب صريح على الشيخ المفيد والشيخ الطوسي يريدون بذلك استغفال الناس، وذلك لان كلام الشيخ الطوسي او المفيد لا يتعلق في مسالة التقليد بالفروع وانما حديثهم هذا عن مسالة التقليد في العقائد وباتفاق مدرسة اهل البيت ان التقليد في اصول العقائد من المحرمات وكلام العلمين انما يختص في العقيدة والدليل على ذلك امران:
الامر الاول: ان الشيخ الطوسي قدس سره قد ذكر ذلك في كتاب الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، وفي بداية الحديث حول مباحث العقيدة، وقد صرح بان التقليد بالعقيدة قبيح عقلا وليس في الفقه، ولكن هؤلاء المستشكلين يوهمون الناس ويقتطعون الكلام ولم يذكروه بتمامه، وهذا نص ما قاله الشيخ الطوسي قدس: (التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة – وهو حقيقة التقليد – فذلك قبيح في العقول، لأن فيه إقداما على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلا لتعريه من الدليل، والإقدام على ذلك قبيح في العقول، ولأنه ليس في العقول تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز أن يتساوى الحق والباطل)[2] ،[3] .
اما الشيخ المفيد قدس سره فهو كذلك قد ذكر حرمة التقليد ويقصد به الحرمة في العقائد، وليس في الفروع وقد ذكر ذلك في كتابه تصحيح اعتقادات الامامية وهو كتاب متعلق بالعقيدة واليك نص كلامه: ( وأما الكلام في توحيده ونفي التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس فمأمور به ومرغب فيه، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة وأخبار متظافرة، وأثبت في كتابي (الأركان في دعائم الدين) منها جملة كافية، وفي كتابي (الكامل في علوم الدين) منها باباً استوفيت القول في معانيه وفي (عقود الدين) جملة منها، من اعتمدها أغنت عما سواها، والمتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي، وموضح عن قصوره عن المعرفة ونزوله عن مراتب المستبصرين، والنظر غير المناظرة، وقد يصح النهي عن المناظرة للتقية وغير ذلك، ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة.
قال الله تعالى ذاكراً لمقلدة من الكفار وذاما لهم على تقليدهم: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُم .
وقال الصادق عليه السلام: (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل .
وقال: إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك، إن الله تعالى يقول: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون.
وقال: من أجاب ناطقاً فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان)[4] .
الامر الثاني: والذي يؤيد ما ذكرناه في الامر الاول هو عندما نرجع الى كلمات الشيخ الطوسي قدس في كتبه الفقهية نجد انه قد صرح بجواز التقليد والرجوع الى الفقهاء وهذا يعني أن ما ورد عنه في التحريم هو خاص في العقائد وليس الفقه.
قال الشيخ الطوسي في العدَّة : (والذي نذهب إليه أنه يجوز للعامِّيِّ الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالِم، يدلُّ على ذلك: أني وجدتُ عامَّةَ الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها، ويُسوِّغون لهم العمل بما يفتونهم به، وما سمعنا أحداً منهم قال لمُستفتٍ: لا يجوز لك الاستفتاء، ولا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرتُ، وتعلم كما عَلِمتُ، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان الخَلقُ العظيمُ عاصروا الأئمة عليهم السلام، ولم يُحكَ عن واحد من الأئمة النكير على أحد من هؤلاء، ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يُصَوِّبونهم في ذلك، فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه) .
الهوامش:---------
[1] تصحيح اعتقادات الامامية ص 73 .
[2] الاقتصاد – الشيخ الطوسي – ص 10 – 11.
[3] في هذا المقطع يقسم الشيخ الطوسي قدس التقليد الى نوعين: الاول: التقليد من غير حجة ودليل وهذا قبيح ، وذلك لانه يلزم منه عدم الاطمئنان على صحة ما يعتقد به لان التقليد من غير دليل جهل لعدم ثبوت الدليل من جهة، ولأنه عقلا لا يمكن ان يكون تقليد الموحد اولى من تقليد الملحد ولا يمكن ان يتساوى الحق مع الباطل.
[4] ويعني الامام عليه السلام بذلك ان من واستمع الى ناطق واستجاب له وعمل به ( فقد عبده ) أي اطاعه، فان كان ما يتحدث به الناطق عن الله تعالى فقد ( عبد الله ) أي اطاع الله عز وجل ، اما ان كان ما ذكره الناطق عن الشيطان فقد ( عبد الشيطان ) أي اطاعه) .
اترك تعليق