قَالَ الإمام الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِأَصْحَابِهِ: قَدْ وُلِدَ لِي شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فالِقُ الْبِحَارُ، وَشَبِيهُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ)[1]، ويمكن أن نبيّن بعض أوجه الشبه بما نستطيع فهمه وادراكه من كلام الإمام الرضا (عليه السلام) بما يلي:
إنّ قول الإمام شبيه موسى بن عمران وشبيه عيسى بن مريم (عليهما السلام) إشارة إلى شبهه في جهات مشتركة بينهما وإشارة لاشتراكه في ما انفرد كلّ نبي به؛ وبهذا يكون الإمام جامعاً لكلّ ما لديهما.
أولاً: جهات الشبه المشتركة
الجهة الأولى: وهي كون الإمام الجواد (عليه السلام) له مقام الحجية من الله على الخلق، (وَهُوَ مَعْدِنِ عِلْمِي وَ مَوْضِعِ سِرِّي وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي)[2].
الجهة الثانية: كما أنّ الأنبياء مصطفون من قبل الله قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[3]، وكذلك هو الحال بالنسبة للإمام الجواد (عليه السلام) بكونه المصطفى والمختار من قبل الله تعالى لمنصب الإمامة.
الجهة الثالثة: اثبات عصمة الإمام الجواد (عليه السلام) كما هو الحال للأنبياء(عليهم السلام), وفي ذلك دلالة على علو مقامه كما هو الحال بالنسبة للأنبياء.
الجهة الرابعة: كما أنّ الأنبياء (عليهم السلام) مسددون ومؤيدون بالمعجزات فكذا الحال للإمام الجواد (عليه السلام) فقد ورد في معجزاته وكراماته الكثير.
ثانياً: جهات الشبه لما انفرد به كلّ نبي
أ- شبهه من نبي الله موسى (عليه السلام):
الجهة الأولى: كما أنّ ولادة نبي الله موسى الكليم (عليه السلام) كانت مصدر فرح وسعادة, وقرة عين لأمه ومحبيه, فقد قال تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}[4]، وقال تعالى مخبراً عن حال آسيا: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ}[5]، وكذا الأمر كان في ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) فقد كانت ولادته قرة عين لأبيه والمحبين، فقد ورد في حديث اللوح الأخضر (لَأُقِرَّنَّ عَيْنُهُ بِمُحَمَّدِ ابْنِهِ وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَوَارِثُ عِلْمِهِ)[6].
الجهة الثانية: إنّ كليم الله (عليه السلام) عاش في بيت عدو الله، وكذا الإمام الجواد (عليه السلام) فقد عاش في بيت المأمون تحت المراقبة المشددة.
الجهة الثالثة: إنّ نبي الله موسى والإمام الجواد (عليهما السلام) بالرغم من عيشهما في محيط فاسد، إلا أنّه لم يؤثر عليهما ولم يخرجهما عن الصراط المستقيم قيد أنملة، بل كانا مناراً ومشعلاً لهداية العالمين.
الجهة الرابعة: إنّهما (عليهما السلام) بالرغم من عيشهما في موارد البذخ والترف إلا أنّ ترف العيش والدعة والراحة الموجودة في قصور السلاطين لم تستهوِ قلوبهم.
ب- شبهه من نبي الله عيسى (عليه السلام):
الجهة الأولى: من كون الإمام الرضا عليه السلام) لم يرزق بغيره، وكذا مريم (عليها السلام), فعَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ فَقَالَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِي: أَمَا أَنَّهُ لَا يُولَدُ لِي إِلَّا وَاحِدٍ)[7]،
الجهة الثانية: اتهمت السيدة والدة الإمام الجواد (عليهما السلام)، وسيء بها الظن، كما اتهمت والدة النبي عيسى مريم (عليهما السلام) وسيء بها الظن، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}[8]، وهذا ما حصل مع الإمام الجواد من التعريض بوالدته والتشكيك بكون الجواد من أبيه الرضا (عليهما السلام)، فقد ورد عن الحسن بن علي عن علي بن جعفر أنّه قال: (وَ اللَّهِ لَقَدْ نَصَرَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنِ: إِي وَاللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَقَدْ بَغَى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ، فَقَالَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ: إِي وَاللَّهِ وَنَحْنُ عُمُومَتُهُ بَغَيْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنِ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ صَنَعْتُمْ فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ؟ قَالَ: قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ وَنَحْنُ أَيْضاً: مَا كَانَ فِينَا إِمَامُ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُوَ ابْنِي، قالُوا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَدْ قَضَى بِالْقَافَةِ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْقَافَةُ، قَالَ: ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ فَأَمَّا أَنَا فَلَا، وَلَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ وَلْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَلَمَّا جاؤوا أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ وَاصْطَفَّ عُمُومَتُهُ وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَأَخَذُوا الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَلْبَسُوهُ جُبَّةَ صُوفٍ وَقَلَنْسُوَةً مِنْهَا وَوَضَعُوا عَلَى عُنُقِهِ مِسْحَاةً وَقَالُوا لَهُ: ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيهِ، ثُمَّ جاؤوا بِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالُوا: أَلْحِقُوا هَذَا الْغُلَامَ بِأَبِيهِ، فَقالُوا: لَيْسَ لَهُ ههنا أَبُ وَلَكِنَّ هَذَا عَمُّ أَبِيهِ، وَهَذَا عَمُّ أَبِيهِ، وَ هَذَا عَمِّهِ، وَهَذِهِ عَمَّتُهُ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُ ههنا أَبُ فَهُوَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ، فَإِنَّ قَدَمَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَاحِدَةُ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالُوا: هَذَا أَبُوهُ. قَالَ عَلِيِّ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامَ) ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّهِ)[9].
الجهة الثالثة: تكلمه (عليه السلام) في المهد كما تكلم عيسى بن مريم (عليهما السلام), فقد روت السيدة حكيمة قالت: قَالَ الامام الرِّضَا (عليه السلام): يا حَكِيمَةُ الزمي مهده. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فَقُمْتُ ذَعِرَةً فَأَتَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامَ) فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَمِعْتُ عَجَباً مِنْ هَذَا الصَّبِيِّ فَقَالَ: مَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: يا حَكِيمَةُ مَا تَرَوْنَ مِنْ عَجَائِبُهُ أَكْثَرُ)[10].
الجهة الرابعة: إنّ نبي الله عيسى (عليه السلام) قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ}[11]، وكذلك الإمام الجواد بكونه المولود المبارك, فعن يَزِيد بْنِ سَلِيطِ الزَّيْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ لِي: (يَا يَزِيدُ، وَإِذَا مَرَرْتَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَلَقِيتَهُ وَسَتَلْقَاهُ، فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامُ، أَمِينُ، مَأْمُونُ، مُبَارَكُ)[12]، وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (هَذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودُ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْهُ)[13].
الجهة الخامسة: استلامه لمنصب الإمامة وهو صغير السن, كما حدث لنبي الله عيسى من قبل فعَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ): قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَكُنْتَ تَقُولُ: يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً، فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ فَقْرُ عُيُونُنَا، فَلَا أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ، فَإِنْ كَانَ كَوْنُ فَإِلَى مَنْ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ قَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ!؟ قَالَ، وَمَا يَضُرُّهُ مِنْ ذَلِكَ شئ، قَدْ قَامَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْحُجَّةِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ)[14].
الجهة السادسة: التأييد بروح القدس الذي أيد به نبي الله عيسى من قبل الله تعالى به, فقد قال تعالى: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ}[15]، وقد روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقُلْتُ: (جُعِلْتُ فِدَاكَ تَسْأَلُونَ عَنْ الشئ، فَلَا يَكُونُ عِنْدَكُمْ عِلْمِهِ؟ فَقَالَ: رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: تتلقانا بِهِ رُوحُ الْقُدْسِ)[16].
الهوامش:--------
([1])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٥٠ ص ١٥.
([2])ميرزا محمد تقي الأصفهاني, مكيال المكارم ج ٢ ص ١٠9.
([3])سورة آل عمران, آية: 33.
([4])سورة طه, آية: 40.
([5])سورة القصص, آية: 9.
([6])الشيخ الطبرسي, الاحتجاج ج ١ ص٨٦.
([7])ابن أبي الفتح الإربلي, كشف الغمة المؤلف ج 3 ص95.
([8])سورة النساء, آية: 156.
([9])الشيخ الكليني, الكافي ج ١ ص ٣٢٢.
([10])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٤٨ ص ٣١٦.
([11])سورة مريم, آية: 31.
([12])( )الشيخ عزيز الله عطاردي, مسند الإمام الرضا (عليه السلام) ج ١ ص٢٣.
([13])قطب الدين الراوندي, الخرائج والجرائح ج۱ ص۳۸4.
([14])االشيخ الكليني, الكافي ج ١ ص ٣٨٣.
([15])سورة المائدة, آية: 110.
([16])محمد بن الحسن الصفار, بصائر الدرجات ص ٤٧١.
اترك تعليق