خارطة الوصول إلى ثمرات زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)

إن المشكلة الاساسية التي تعالجها هذه المقالة هي أن الروايات الشريفة عنهم(عليهم السلام) ذكرت لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) فوائد وثمار وآثار عديدة يطمع العاقل بها جملة وتفصيلا، لكننا إما لانحص على ثمارها وجزائها أو نحصل على بعض تلك الثمار وذلك الجزاء، فيسأل الإنسان نفسه لماذا، وما هو طريق الحل للوصول إلى الغاية القصوى، وهي الحصول على تمام الأثر وكل الجزاء؟ 

والوصول إلى ذلك كله يتوقف على معرفة قيمة ومكانة هذه الزيارة التي تحدث فيها تلك الآثار والنتائج، فما هي حقيقة هذه الزيارة؟

وفي معرض هذا السؤال نقول:

جاء عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: ((أن زيارة الحسين(عليه السلام) أفضل ما يكون من الأعمال))[1]، وجاء أيضاً بسنده عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار قبر الحسين(عليه السلام)، قال: ((كان كمن زار الله في عرشه...))[2]، والكاف هنا كما يقول أهل الاختصاص للتشبيه، والتشبيه في اللغة هو التمثيل، فنقول: هذا يشبه هذا وهو له مثيل، وهو عقد مُماثلة بين أمرين أو أكثر سواء قُصد اشتراكهما في صفة أو أكثر، ويكشف عن هذا الاشتراك في النص بأداة المماثلة لبيان غرض ما يقصده المتكلّم، وهنا المماثلة تمت على أساس الواقع والمطابقة لا الفرض وبعض الصفات، وهو أن من قصد زيارة الحسين(عليه السلام) قصد الله تبارك وتعالى في عرشه، والقصد هناك لا نعني قصد الجهة المادية، فالله(جلّ وعلا) يقول في كتابه الكريم: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}[3]، فهو ليس كمثله شيء، وعلى هذا انحصر قصده(جلّ وعلا) بقصد الإمام الحسين(عليه السلام) خليفته في الأرض، إذ نقرأ هذا المعنى في نص الزيارة الجامعة لأئمة المؤمنين(عليهم السلام): ((...مَنْ أَرَادَ اللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ...))[4]، وهي زيارة شريفة مشهورة عند الشيعة صحيحة السند والدلالة، إذن زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) هي في حقيقتها زيارة لله تبارك وتعالى.

ولأهمية هذا الأمر وما يترتب عليه من آثار نهتم بكيفية أداء هذه الزيارة، ونقصد بالكيفية: الطريقة التي نؤدي بها هذا العمل الذي وصفه الحديث الآنف الذكر بأنه أفضل الأعمال، إذن من المسلم أن أعمال الإنسان كثيرة ويكفي في اختيار أفضلها وترجيحه على بقية الأعمال عبارة أفضل الأعمال، فما هي هذه الكيفية التي نزور بها الإمام الحسين(عليه السلام)؟

وفي بداية الأمر لابد أن نسأل ما معنى الزيارة؟ والجواب: أن الزيارة مأخوذة من الزور الذي يعنى أعلى الصدر، فعندما يزور إنسان آخر مال إليه وتلقاه بصدره بقصد وغاية هي الأنس به أو إيناسه أو التبرك به، أو لحاجة خاصة، وهي إما يتم اللقاء عن قرب أو تكون الزيارة عن بعد أو من قريب وهذا مخصوص بزيارة الأماكن والموقع الذي يحل به المزور[5]، فعلى هذا فإن زيارة الحسين(عليه السلام) تعني قصد الميل إلى الإمام الحسين(عليه السلام) والتوجه إليه من قريب أو بعيد لغرض الاستئناس به والتبرك وقضاء الحاجة، وهي بهذا مشتملة على ما دار عليه المعنى اللغوي.

ومن ثمرات هذه الزيارة التي تختلف عن زيارة الأشخاص العاديين أن لمجرد زيارته من دون قصد الأنس والتبرك وطلب الحاجة موجب لأن يكون الزائر مشمول بدعاء النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة الزهراء(عليهما السلام) والأئمة الطاهرين(عليهم السلام)، كما ورد في الرواية الشريفة ضرورتها، إذ يروى بإسناده عن محمد بن مسلم، عن الأمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: ((مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر له بالإمامة من الله))[6]، وهي إكرام من الله لزائره بواسطته وبركته(عليه السلام) فلولاه لا نحصل على هذه الثمرات.

أما في يوم القيامة فقد ورد بسنده عن الإمام أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ: أين زُوَّار الحسين بن عليِّ، فيقوم عُنُقٌ مِن النّاس لا يُحصيهم إلاّ الله تعالى، فيقول لهم: ما [ذا] أردتم بزيارة قبر الحسين؟ فيقولون: يا رَبِّ أتيناه حُبّاً لرسول الله وحُبّاً لعليٍّ وفاطمة؛ ورَحمةً له ممّا ارْتُكِبَ منه، فيقال لهم: هذا محمَّدٌ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين فالحقوا بهم؛ فأنتم معهم في دَرَجَتهم؛ الحقوا بِلِواءِ رَسولِ اللهِ، فينطلقون إلى لِواء رَسول الله فيكونون في ظِلِّه ـ واللِّواء في يد عليٍّ عليه السلام ـ حتّى يدخلون الجنّة، فيكونون أمام اللِّواء وعن يمينه وعن يَساره ومِن خلفه))[7].

وبإسناده ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله وأبا جعفر(عليهما السلام) يقول: ((مَن أحَبَّ أن يكون مسكنُه الجنَّة ومأواه الجنّة فلا يدّع زيارةً المظلوم ، قلت: ومَن هو؟ قال : الحسين بن عليٍّ عليهما السلام صاحب كربلاء ، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحُبّاً لأمير المؤمنين وحُبّاً لفاطِمَة أقعده الله على مَوائد الجنّة ، يأكُل معهم والنّاس في الحساب))[8].

وعن أبي اُسامة زَيدٍ الشّحّام قال: سمعت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) يقول: ((مَن أتى قبر الحسين عليه السلام تشوّقاً إليه كتبه الله مِن الآمنين يوم القيامة، وأعطى كتابه بيمينه، وكان تحت لِواء الحسين عليه السلام حتّى يدخل الجنّة فيسكنه في درجته، إنّ الله عزيز حكيم))[9].

 وروي عن أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام): ((أنَّ مَن أحبّ أن يكون مسكنه الجنّة ومأواه الجنّة فلا يَدعَ زيارة المظلوم، قلت: مَن هو؟ قال: الحسين بن علي صاحب كربلاء، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحبّاً لأمير المؤمنين وحُبّاً لفاطمة عليهم السلام أقعده الله على موائد الجنّة، يأكل معهم والنّاس في الحساب))[10].

والسبب في حصول هذه الكرامات للزائر، هي أن قاصد الإمام الحسين(عليه السلام) قاصد الله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث الآنف الذكر، وزيادة الرزق وطول وقصر العمر ودفع السوء ومدافعه كله بيد الله تبارك وتعالى، والمقر بإمامته امتثال لأمر الله وتعالى وطاعة له، الذي أمر رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) بالتبليغ لها، ومن يطيع الله يجعل الله حياته حياة طيبة من دون منغصات في الرزق والعمر ومدافع السوء، إذ يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيمْ}[11].

أما كيفيتها التي نستفيد منها فائدة تامة، ونعني بها الحصول على جميع الآثار والجزاء المترتب عليها سواء كان في الدنيا أو الآخرة، والقضية ننظر إليها بمعزل عن الكرامات التي تنال الزائر، والكيفية التي ينبغي أن يأتي عليها الزائر للحسين(عليه السلام) هي:

أولاً:

مادام أن زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) هي زيارة لله تعالى فيلزم أن لا تكون أمر عادي يقوم به الإنسان، بل تحتاج إلى تهيئة خاصة تتناسب وطبيعة اللقاء بالله تعالى من تنقية النفس الإنسانية وتزكيتها باطناً وتقيد الفعل بما يرضى بإدائه ظاهراً خصوصاً طهارة المال الذي يستخدم في الإتيان للزيارة والمبيت والمأكل والمشرب وما أشبه، لذا ورد في الرواية الشريفة أن من آداب زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) كما روى الشيخ في المصباح عن صفوان قال استأذنت الإمام الصادق(عليه السلام) لزيارة مولاي الإمام الحسين(عليه السلام) وسألته أن يعرفني ما أعمل؟ فقال(عليه السلام): ((يا صفوان صُم ثلاثة أيام قبل خروجك، وأغتسل في اليوم الثالث، ثم أجمع أليك أهلك ثم قل اللهم أني استودعك اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي وكل من كان مني بسبيل الشاهد منهم والغائب اللهم أحفظنا بحفظك بحفظ الإيمان وأحفظ علينا اللهم أجعلنا في حرزك ولا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من نعمة وعافية وزدنا من فضلك إنا أليك راغبون، ثم أخرج من منزلك خاشعاَ وأكثر من القول: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله، ومن تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وأله صلوات الله عليهم، وأمضِ وعليك السكينة والوقار))[12].

فالتهيئة تشمل:

1- الصيام ثلاثة أيام

2- والاغتسال في اليوم الثالث.

3- ثم جمع العيال والأهل للتوديع وهو مختص بمن جاء من مكان بعيد.

4- قراءة الدعاء المخصوص.

5- الخروج بهيئة خاصة، هي هيئة: الخشوع، ويعني: تلك الحالة الناتجة عن المعرفة والإيمان بالله(عَزَّ وجَلَّ) والمزور(عليه السلام) ليحصل الإقبال التام عليه بالقلب والجوارح.

6- الذكر الكثير وهو قول: (لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله).

7- تمجيد الله سبحانه وتعالى، أي الثناء عليه كقولنا ما يقول القرآن الكريم: {... الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله...}[13].

8- الصلاة على النبي وآله(صلى الله عليه وآله).

9- المسير على سكينة ووقار.

10- قلة الكلام إلا بخير

11- أن تكون نظيف الثياب.

12- يلزم توقير الزيارة.

13- يلزم أن يغض الزائر البصر.

14- ترك الجدال.

ثانياً:

الإتيان لزيارته بهيئة خاصة لا تشبه الهيئات التي نذهب بها للقاء بعضنا البعض الآخر لخصوصية أني ذاهب لزيارة ولقاء مظلوم، إذ ورد في الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ((إذا زرت أبا عبد الله (عليه السلام) فزروه وأنت حزين مكروب شعث مغبر جائع عطشان، فإن الحسين(عليه السلام) قُتل حزيناَ شعثاَ مغبراَ جائعاَ عطشاناَ...))[14].

ثالثاً:

أن يتجنب الزائر ما لذ وطاب من الطعام والشراب ويقتصر عما هو بسيط وضروري للحفاظ على نشاط بدن الإنسان وتقويته على العبادة، فقد روي بسنده: ((أن لا يتخذ الزاد في سفر زيارته(عليه السلام) مما لذَ وطاب كاللحم المشوي والحلاوة، بل يغتذي بالخبز واللبن))[15]، ومخالفة ذلك يوجب عتب الأئمة الطاهرين لعدم مناسبته المقام والحال، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ((بلغني أن قوماَ إذا زاروا الحسين(عليه السلام) حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه، ولو زاروا قبور آبائهم وأحبائهم ما حملوا معهم هذا))[16].

 وقال(عليه السلام) للمفضل بن عمر في حديث معتبر: ((تزورون خير من أن لا تزوروا ولا تزورون خير من أن تزوروا))[17]، قال فقلت: قطعت ظهري؟ قال(عليه السلام): ((تالله إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيب حزين وتأتونه بالسفر!. كلا حتى تأتوه شعثاَ غبراَ))[18].

فالأجدر بالزوار أن يراعوا هذا الأمر في سفر زيارة الحسين(عليه السلام)، ويفترض أنه إذا دعاهم أخلائهم في المدن الواقعة على المسير إلى المأدبة رفضوا الدعوة، وإذا عمدوا إلى حقائبهم وسُفرهم يملؤونها بما طاب من مطبوخ الزاد كالدجاج المشوي وغيره من الشواء أبو ذلك وصدوا عنه قائلين: إننا راحلون إلى كربلاء ولا يجدر بنا أن نتغذى بمثل ذلك.

رابعاً:

أن تزور الحسين(عليه السلام) وأنت عارف بحقه، وهو قيد احترازي، لذا جاء مكرّراً وبكثرة كاثرة مع تعدد في الصياغة والأسلوب، ومنها مجيئه بأسلوب الشرط، فإذا عرف حقه وحرمته وولايته فأنه يغفر له تبارك وتعالى[19]، إذ روى ابن قولويه بإسناد متصل قوي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أنه قال: ((من زار الحسين(عليه السلام) عارفاً بحقه يأتمّ به، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))[20]، وكلمة (يأتم به) الواردة في الرواية تقتضي بالضرورة الاعتقاد بإمامته، والعلم بحجيته، وأنّه إمام مفترض الطاعة من الله تبارك وتعالى، الركن الركين في معرفة حقه(عليه السلام)، لذا اكتفت بها بعض الأخبار.

فظاهر هذه اللفظة (يأتمُّ به) هو الاتّباع والاقتداء العملي، علاوة على الاعتقاد القلبي، ما يعني أنّ عبارة (عارفاً بحقّه) تتقوم بركنين أساسيين:

1- الاعتقاد.

2- والاتباع.

فلا يكفي محض الاعتقاد في زيارته لترتّب الأثر من غفران الذنوب جميعاً، ودخول الجنّة، بل أنّ الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول، أو كما في الحديث المعروف أنّ الإيمان: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، فقد روى ابن قولويه القمي بسنده عن سعد بن عبد الله قال حدثني أحمد بن علي بن عبيد الجعفي، قال: حدثني محمد بن أبي جرير القمي، قال: سمعت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) يقول لأبي: ((من زار الحسين بن علي(عليهما السلام) عارفا بحقه كان من محدّثي الله فوق عرشه، ثمّ قرأ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}))[21].

 ومعنى ذلك أن من غفرت ذنوبه كلها رضي الله عنه وطابة له الدنيا واستقامت، فمن أراد الآثار العظيمة لهذا الفعل ليحظى بسعادة الدنيا والآخرة وخيرها فليزر الحسين(عليه السلام) على الشاكلة التي ذكرناها ليحظى بما يريد.

 

 

الهوامش:-----------------------------------------------------

[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج: 14، ص: 500.

[2] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج: 10، ص: 185.

[3] سورة البقرة: 115.

[4] الزيارة الجامعة.

[5] راجع: لسان العرب، ابن منظور، مادة (زور)؛ مفردات غريب القرآن، الراغب الاصفهاني، مادة (زور).

[6] من لا يحضره الفقيه، محمد بن علي بن بابويه القمي، ج:2، ص:348.

[7] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 152 فما بعد.

[8] المصدر السابق.                                      

[9] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 152 فما بعد.

[10] المصدر نفسه.

[11] سورة النساء: 13.

[12] بحار الأنوار، ممد باقر المجلسي، ج: 98، ص: 197.

[13] سورة الأعراف: 43.

[14] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 252.

[15] انظر: مفاتيح الجنان، عباس القمي، ج:1، ص: 509.

[16] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 250.

[17] نفس المصدر.

[18] نفس المصدر.

[19] راجع: الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج4، ص582.

[20] كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، ص: 267-268.

[21] نفس المصدر.

: الشيخ مازن التميمي