من خطبة للإمام الحسين عليه السلام يوصي فيها بتقوى الله

نص الخطبة

«أُوصيكم بِتَقوَى اللهِ، وأُحذِّرُكُمْ أيّامَهُ، وأرفَعُ لكُم أعلامَهُ، فَكَأَنَّ المَخُوفَ قَد أفِدَ بِمَهُولِ وُرودِه، ونكيرِ حُلولِه، وبَشِعِ مَذاقِهِ، فَاعتَلَقَ مُهَجَكم[1]، وحالَ بَيْنَ العَمَلِ وبَينَكم، فَبادِروا بِصِحَّةِ الأجسامِ في مُدَّةِ الأعمارِ، كَأَنَّكُمِ بِبَغَتاتِ طَوارِقِه[2] فَتَنْقُلُكُم مِنْ ظَهرِ الأرضِ إلى بَطنِها، ومِنْ عُلوِها إلى سُفُلِها، ومِنْ أُنسِها إلى وَحشَتها، َمِنْ رَوحِها وضَوئِها إلى ظُلمَتِها، ومِنْ سَعَتِها إلى ضِيقِها، حيثُ لا يزارُ حَميمٌ ولا يُعادُ سَقيمٌ ولا يُجابُ صَرِيخٌ، أعانَنَا اللهُ وإيّاكم على أهْوالِ ذلِكَ اليَومِ، ونَجّانا وإيّاكُم مِنْ عِقابِهِ، وأوجَبَ لَنا وَلَكُم الجَزِيلَ مِنْ ثَوابِهِ.

عبادَ اللهِ فَلَوْ كانَ ذلِكَ قَصْرَ مَرماكُم ومَدى مَظْعَنِكُمْ[3] كانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَستَفرغْ عَلَيهِ أحزانَهُ، ويَذهَلُهُ عَن دُنياهُ، ويُكثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنه، فكيفَ وَهُوَ بَعدَ ذلِكَ مُرتَهِنٌ بِاكتِسابِه، مُستَوقِفٌ على حِسابِه، لا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُه ولا ظَهِيرَ عَنهُ يَدفَعُهُ، ويَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكنُ آمَنَتْ مِنْ قَبلُ أو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيراً، قُلِ انتَظِروا إنّا مُنْتَظِروُن.

أُوصيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ فَإنَّ اللهَ قَد ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقاهُ أنْ يُحَوِّلَهُ عَمّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ويَرزُقَهُ مِنْ حَيثُ لا يَحتَسِبُ، فَإيّاكَ أن تَكوُنَ مِمَّن يَخافُ عَلَى العِبادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَيَأمَنُ العُقَوبَةَ مِنْ ذَنبِه، فَإنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى لا يُخدَعُ عَن جَنَّتِهِ ولا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِه إنْ شاءَ اللهُ».

المعنى العام

(أُوصيكم بِتَقوَى اللهِ، وأُحذِّرُكُمْ أيّامَهُ، وأرفَعُ لكُم أعلامَهُ، فَكَأَنَّ المَخُوفَ قَد أفِدَ بِمَهُولِ وُرودِه، ونكيرِ حُلولِه، وبَشِعِ مَذاقِهِ، فَاعتَلَقَ مُهَجَكم، وحالَ بَيْنَ العَمَلِ وبَينَكم).

أطلب منكم الالتزام بالخشية والخوف من الله تعالى، وأخوفكم وأطلب منكم التحرز من أيام الله تعالى التي تحدث عنها في القرآن الكريم (يوم كألف سنة... الخ) (يوم التلاق...) وارفع لكم ما تهتدون به من هدي الله تعالى، فكأن الأمر الذي تخشونه قد دنا وقرب إليكم بفزع ورعب وروده، وصعوبة نزوله، وكريه طعمه، فتعلق بقلوبكم تعلقاً شديدا، وصار مانعا بينكم وبين العمل.

(فَبادِروا بِصِحَّةِ الأجسامِ في مُدَّةِ الأعمارِ، كَأَنَّكُمِ بِبَغَتاتِ طَوارِقِه فَتَنْقُلُكُم مِنْ ظَهرِ الأرضِ إلى بَطنِها، ومِنْ عُلوِها إلى سُفُلِها، ومِنْ أُنسِها إلى وَحشَتها، َمِنْ رَوحِها وضَوئِها إلى ظُلمَتِها، ومِنْ سَعَتِها إلى ضِيقِها).

أسرعوا وعجلوا إلى اغتنام الصحة قبل السقم في طاعة الله تعالى، وأنتم على وشك أن تفاجئكم الدواهي التي تأتي ليلا فتحولكم من على سطح الأرض إلى جوفها وباطنها، ومن ارتفاعها إلى أدنى نقطة فيها، ومن ما هو لطيف ومسر للنفس إلى ما هو ضد ذلك من النفور والكدورة، ومن الراحة والسعة وطيبة العيش إلى ذهاب نورها وشدتها، ومن رحابتها ويسارها إلى شدتها.

(حيثُ لا يزارُ حَميمٌ ولا يُعادُ سَقيمٌ ولا يُجابُ صَرِيخٌ).

يشير الإمام علي عليه السلام إلى أن هذا المكان لا يحصل فيه اللقاء بين الأحبة ولا يفحص المريض ولا يطمئن على صحة ولا يغاث ا لمستغيث.

(أعانَنَا اللهُ وإيّاكم على أهْوالِ ذلِكَ اليَومِ، ونَجّانا وإيّاكُم مِنْ عِقابِهِ، وأوجَبَ لَنا وَلَكُم الجَزِيلَ مِنْ ثَوابِهِ).

ساعدنا الله تعالى وإياكم على رعب وخوف ذلك اليوم الذي هو يوم القيامة، وخلصنا الله وإياكم من أذاه وآلامه، وجعل لنا ولكم الكثير العظيم من العطاء وحسن الجزاء.

(عبادَ اللهِ فَلَوْ كانَ ذلِكَ قَصْرَ مَرماكُم ومَدى مَظْعَنِكُمْ كانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَستَفرغْ عَلَيهِ أحزانَهُ، ويَذهَلُهُ عَن دُنياهُ، ويُكثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنه، فكيفَ وَهُوَ بَعدَ ذلِكَ مُرتَهِنٌ بِاكتِسابِه، مُستَوقِفٌ على حِسابِه، لا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُه ولا ظَهِيرَ عَنهُ يَدفَعُهُ، ويَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكنُ آمَنَتْ مِنْ قَبلُ أو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيراً، قُلِ انتَظِروا إنّا مُنْتَظِروُن).

يوجه الإمام عليه السلام نداءه إلى من هو مؤمن عابد لربه فيقول لو كان ذلك الأمر الذي سبق بيانه هو غاية هدفكم ومسافة وغاية مسيركم كان كافيا ليشغل العامل منكم في طاعة الله تعالى وكافيا لصب تمام غمه وهمه عليه، وكافيا ليشغله ويغفله عن زبارج الدنيا وزخارفها، ويكثر تعبه لنيل النجاة من أهوال ذلك اليوم، فكيف لا يذهل ويهتم بذلك اليوم الذي سيكون فيه حيث لا معين فيعينه ولا حامل لثقله أحد، ولا دافع عنه البلاء، وفي هذا اليوم لا يفيد نفس إيمانها وهي لم تكن مؤمنة في الدنيا وغير عاملة في طاعة ربها، فقل ترقبوا ونحن معكم نرقب.

(أُوصيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ فَإنَّ اللهَ قَد ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقاهُ أنْ يُحَوِّلَهُ عَمّا يَكرَهُ إلى ما يُحِبُّ ويَرزُقَهُ مِنْ حَيثُ لا يَحتَسِبُ، فَإيّاكَ أن تَكوُنَ مِمَّن يَخافُ عَلَى العِبادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَيَأمَنُ العُقَوبَةَ مِنْ ذَنبِه، فَإنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى لا يُخدَعُ عَن جَنَّتِهِ ولا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِه إنْ شاءَ اللهُ).

تقدم في بداية الخطبة بيان قوله أوصيكم بتقوى الله، ويشير الإمام الحسين بن علي عليهما السلام إلى أن الله تعالى تكفل لكل من يخافه ويخشاه أن ينقله عنما لا يريده وينفر منه إلى ما يرغبه ويحبه ثم يأتي برزقه من غير الأسباب التي سعى فيها ومن حيث لا يحتمل، ثم يرشد الإمام عليه السلام أن تكون من الناس الذين يخشون على مصر غيرهم بسبب ذنوبهم ولا يخافون على مصايرهم وهم في اطمئنان من نزول العقوبة عليهم مع وقوع الذنب منهم، ويقول الإمام عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه الحيل ولا يستطيع أحد أن يمكر فيظهر مرة ويخفى مرة أخرى لينال جنة الله تعالى فإن ذلك لا ينال إلا بالطاعة الخالصة.

 

بحث أخلاقي

التقوى ميزان القرب الإلهي

كل ما يخرج من فم العصمة والطهارة لابد أن يكون مهما ومعصوما ولا يخالف العقل أو الشرع، ومما أكد عليه الإمام السبط عليه السلام في خطبته الثانية هو التمسك بهذا الأمر المهم الذي يعد ميزانا لقرب العبد من مولاه وعلامة على أفضليته على غيره ممن لم يتحلى به ألا وهو (التقوى).

التقوى لغة: هو الحذر الخوف والتجنب.

الخشية والخوف وتقوى الله: خشية وامتثال أوامره واجتناب نواهيه[4].

التقوى اصطلاحا: هو الامتثال لأمر الله تعالى والانتهاء عن نهيه خوفا منه وتجنبا لغضبه وعقوبته.

لهذه الصفة دلالات تدل على من يتصف بها، كما أن لها آثاراً عظيمة تنعكس على نفس صاحبها انعكاسا هو بأمس الحاجة إليه في الدنيا والآخرة فلذا نجد أن الإمام الحسين عليه السلام يقتفي أثر العِدل الأكبر (القرآن الكريم) في الحرص على الوصية بهذه الصفة المهمة، ولكي نقف على ما جاء في الكتاب الكريم ونطلع على لطف المولى جل وعلا بعباده لابد لنا من التأمل في قوله تعالى:

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [5].

وما كان هذا الأمر الإلهي بالتقوى إلا لكي ينتفع العبد بآثارها ويكسب السند المنيع والملجأ الحصين وينال البركات في الدنيا والرضا والشكر الإلهي في الآخرة.

فإن التقوى هي خير الوصايا وأفضل العواقب كما ورد ذلك على لسان إمام المتقين عليه السلام بقوله:

«أُوصِيكُم عِبادَ اللهِ بتَقوَى اللهِ؛ فإنّها خَيرُ ما تَواصَى العِبادُ بِه، وخَيرُ عَواقِبِ الأُمورِ عِنْدَ اللهِ»[6].

ولأهمية الوصية بالتقوى حرص أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته الكرام عليهم السلام على افتتاح خطبهم وكتبهم ورسائلهم بالوصية بالتقوى وهذا ما تؤكده النصوص الآتية:

1ــ قال عليه السلام:

«أُوصِيكُم عِبادَ اللهِ بتَقوَى اللهِ الّذي ضَرَبَ الأمثالَ، ووَقَّتَ لَكُمُ الآجالَ»[7].

2ــ قال عليه السلام:

«أُوصِيكَ بتَقوَى اللهِ ــ أي بُنَيَّ ــ ولُزومِ أمرِهِ، وعِمارَةِ قَلبِكَ بِذكرِهِ»[8].

3ــ قال عليه السلام:

«أُوصِيكم عِبادَ اللهِ بتَقوَى اللهِ الّذي ألبَسَكُمْ الرِّياشَ، وأسبَغَ علَيكُمُ المَعَاشَ»[9].

4ــ عنه عليه السلام:

«أُوصِيكم عِبادَ اللهِ بتَقوَى اللهِ، وأُحَذِّرُكُم أهلَ النِّفَاقِ»[10].

5ــ عنه عليه السلام:

«أُوصِيكُم عِبادَ اللهِ بتَقوَى اللهِ، وأُحَذِّرُكُم الدُّنيا»[11].

وهناك المزيد من هذه الوصايا تركناها للاختصار.

آثار التقوى في الدنيا

نذكر هذه الآثار وفق هذا التبويب لتسهيل حفظها من قبل القارئ، فلذا تجنبنا شرحها ولكي لا ندخل في الإسهاب والإطالة وإلا فإن لكل أثر من آثارها شرحاً طويلاً يحتاج إلى صفحات كثيرة.

1ــ إنها تورث البركة كما في قوله تعالى:

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[12].

2ــ إنها تورث الفلاح كما في قوله تعالى:

(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[13].

3ــ إنها تشبه بأخلاق الأنبياء كما ورد في قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«علَيكَ بالتُّقى؛ فإنَّه خُلقُ الأنبياءِ»[14].

4ــ إنها تورث خير الدنيا والآخرة كما ورد في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«مَن رُزِقَ تُقىً فَقَد رُزِقَ خَيرَ الدُّنيا والآخِرَةِ»[15].

5ــ إنها سبب في دفع الهلاك وحفظ ما يزرع العبد من زرع معنوي أو مادي، كما ورد في قوله عليه السلام:

«لا يَهلِكُ علَى التَّقوى سِنخُ أصلٍ، ولا يَظمَأُ علَيها زَرعُ قَومٍ»[16].

6ــ إنها سبب في نجاة الهاربين من الظلم، وسبب في نيل المطالب، وسبب في النصر على الأعداء الظالمين كما أنها حرز وعز لمن يتحلى بها وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:

«إنّ التَّقوى أفضَلُ كَنزٍ، وأحرَزُ حِرزٍ، وأعَزُّ عِزٍّ، فيهِ نَجاةُ كُلِّ هارِبٍ، ودَركُ كُلِّ طالِبٍ، وظَفَرُ كُلِّ غالِبٍ»[17].

7ــ إنها سلامة من الخسارة والتلف وهذا ما أشار إليه الإمام أبو جعفر عليه السلام لسعد الخير:

«أُوصِيكَ بِتَوَى اللهِ؛ فإنّ فيها السَّلامَةَ مِن التَّلَفِ والغَنيمَةَ في المُنقَلَبِ»[18].

8ــ إنها حرز وصيانة من إغواء الفجار وقوة لحفظ النفس أمام إغراء الشهوات واللذات، وحرز من الضلال ولذا قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ مَن فَارقَ التَّقوى أُغرِيَ باللَّذّاتِ والشَّهواتِ، ووَقَعَ في تِيهِ السَّيِّئاتِ، ولَزِمَهُ كَبيرُ التَّبِعاتِ»[19].

9ــ إنها تدفع وساوس الشيطان وتفتح البصيرة والبصر كما في قوله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[20].

10ــ إنها تكسب صاحبها الشرف كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«التَّقوى ظاهِرهُ شَرَفُ الدُّنيا، وباطِنهُ شَرَفُ الآخِرَةِ»[21].

11ــ إنها توجب الغنى والعز والأنس كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ما نَقَلَ اللهُ عَزَّ وجلَّ عَبداً مِن ذُلِّ المَعاصي إلى عِزِّ التَّقوى إلاّ أغناهُ مِن غَيرِ مالٍ، وأعَزهُ مِن غَيرِ عَشيرَةٍ، وآنَسَهُ مِن غَيرِ بَشَرٍ»[22].

12ــ إنها شفاء لأمراض القلوب والأجساد معاً، ونور للعقول، وطهارة للنفوس، وهذا ما أرشد إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنَّ تَقوَى اللهِ دَواءُ دَاءِقُلوبِكُم، وبَصَرُ عَمى أفئدتِكُم، وشِفاءُ مَرَضِ أجسادِكُم، وصَلاحُ فَسادِ صُدورِكُم، وطَهورُ دَنَسِ أنفُسِكُم، وجَلاءُ عَشا أبصارِكُمِ، وأمنُ فَزَعِ جَأشِكُم، وضِياءُ سَوادِ ظُلمَتِكُم»[23].

13ــ هي خلاص من المآزق والشدائد، وهي سبب في تحصيل الأرزاق من حيث لا نحتسب كما في قوله تعالى:

(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[24].

14ــ هي نجاة من الفتن وخلاص من الحيرة كما ورد عن إمام المتقين أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«اعلَموا أنّهُ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) مِن الفِتَنِ، ونُوراً مِن الظُّلَمِ»[25].

15ــ هي سبب في كشف الهموم كما ورد عن إمام المتقين أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«مَنِ اتَقى اللهَ سبحانَهُ جَعَلَ لَهُ مَن كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجاً»[26].

آثار التقوى في الآخرة

لاشك في أن للتقوى آثاراً عظيمة لا يستغني عنها عباد الله تعالى بشيء سواها ومن هذه الآثار:

1ــ إنها توجب شكر المولى عز وجل لعبده في آخرته كما في قوله تعالى:

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[27].

2ــ إنها توجب رحمة المولى عز وجل بعبده كما في قوله تعالى:

(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[28].

3ــ إنها توجب الفوز في الآخرة، كما قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«التَّقوى غايَةٌ لا يَهلِكُ مَنِ اتَّبَعَها، ولا يَندَمُ مَن عَمِلَ بِها؛ لأنّ بالتَّقوى فازَ الفائزونَ، وبالمَعصِيَةِ خَسِرَ الخاسِرونَ»[29].

4ــ إنها توجب تقربك من الله تعالى وتحتفظ من العذاب، حيث قال أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«التَّقوى آكَدُ سَبَبٍ بَينَكَ وبينَ اللهِ إن أخَذتَ بِه، وجُنَّةٌ مِن عَذابٍ ألِيمٍ»[30].

5ــ إنها سبب في قبول الأعمال كما في قوله تعالى:

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[31].

6ــ إنها تسدد العبد في دنياه فيكون من الفائزين في أخراه، وهي كنز مذخور ليوم الفقر والفاقة، يوم القيامة كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ تَقوَى اللهِ مِفتاحُ سَدادٍ، وذَخيرَةُ مَعادٍ»[32].

7ــ إنها توجب التنعم في الجنان والأنهار بل هي سبب في قرب العبد من ربه كما في قوله تعالى:

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [33].

الهامش:-----------------------------------------------------------------------

([1]) أفِدَ: دنا وقرب. والمهول: المخيف. بشع: صار طعمه كريها. واعتلقه وبه: أحبه حبا شديدا. والمهج: جمع مهجة: دم القلب والمراد نفس القلب.

([2]) البغتات: جمع بغتة أي فجأة.

([3]) الجزيل: الكثير العظيم من كل شيء. والقصر: الغاية. والمرمى: ما ترمى إليه السهام. والمدى: المسافة والغاية. والمظعن: المسير.

([4]) المعجم الوسيط: ص1052.

([5]) سورة النساء، الآية: 131.

([6]) ميزان الحكمة: ج11، ص4810، ح22346.

([7]) ميزان الحكمة: ج11، ص4810، ح22347.

([8]) نهج البلاغة: الخطبة 31. ميزان الحكمة: ج11، ص4811، ح22349.

([9]) نهج البلاغة: الخطبة 182. ميزان الحكمة: ج11، ص4811، ح22350.

([10]) نهج البلاغة: الخطبة 194. ميزان الحكمة: ج11، ص4811، ح22351.

([11]) نهج البلاغة: الخطبة 196. ميزان الحكمة: ج11، ص4811، ح22353.

([12]) سورة الأعراف، الآية: 96.

([13]) سورة البقرة، الآيات: 2 ــ 5.

([14]) غرر الحكم: 6086. ميزان الحكمة: ج11، ص4808، ح22331.

([15]) كنز العمّال: 5641. ميزان الحكمة: ج11، ص4808، ح22332.

([16]) نهج البلاغة: الخطبة 16. ميزان الحكمة: ج11، ص4809، ح22336.

([17]) بحار الأنوار: ج77، ص374، ح36. ميزان الحكمة: ج11، ص4809، ح22338.

([18]) الكافي: ج8، ص52، ح16. ميزان الحكمة: ج11، ص4809، ح22339.

([19]) غرر الحكم: 3625. ميزان الحكمة: ج11، ص4809، ح22342.

([20]) سورة الأعراف، الآية: 201.

([21]) غرر الحكم: 1990. ميزان الحكمة: ج11، ص4818، ح22405.

([22]) بحار الأنوار: ج70، ص282، ح1. ميزان الحكمة: ج11، ص4818، ح22409.

([23]) غرر الحكم: 5154. ميزان الحكمة: ج11، ص4819، ح22411.

([24]) سورة الطلاق، الآية: 3.

([25]) نهج البلاغة: الخطبة 183. ميزان الحكمة: ج11، ص4823، ح22436.

([26]) غرر الحكم: 8847. ميزان الحكمة: ج11، ص4822، ح22431.

([27]) سورة آل عمران، الآية: 123.

([28]) سورة الأعراف، الآية: 63.

([29]) كنز العمال: 44216. ميزان الحكمة: ج11، ص4809، ح22340.

([30]) غرر الحكم: 2079. ميزان الحكمة: ج11، ص4819، ح22414.

([31]) سورة المائدة، الآية: 27.

([32]) نهج البلاغة: الخطبة 230. ميزان الحكمة: ج11، ص4815، ح22386.

([33]) سورة القمر، الآيتان: 54 و55.

: الشيخ علي الفتلاوي