قوله تعالى: ((نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) 49 الحجر.
يمثّل الإعلام بُعدًا كبيرًا ضمن الأبعاد التوجيهية في الخطاب القرآني؛ إذ أكّد القرآن في خطاباته المتكررة بألفاظ متعددة عن التبليغ والإعلام والإنباء بصيغ مؤثرة سايرت أحداث القرون الماضية وواكبت كل جديدٍ من المسائل التي من شأنها أنْ تكون مادة إعلامية مؤثرة على الفرد والمجتمع ولاسيَّما في ظلِّ هذه القنوات التواصلية المعاصرة التي بيَّنت البعد القيمي للأخبار والإعلام والسبق في توريد ونقل الحدث الذي يمكنه تغيير الساكن وبناء الحركة بالشكل الذي يتفنن الإعلامي بتصوير الأحداث عرضًا أو حجبًا أو تكرارًا.
ومن اللافت أنّ الإسلام كمنظومة قيميّة متكاملة حرص على اتِّخاذ الوسائل المشروعة في الوصول إلى الغايات النبيلة, فليس من الأخلاق الإسلامية التسلق في الوصول إلى الأهداف المشروعة عن طريق الخداع أو تزييف الحقائق أو تغييرها بقصد التأثير على الأفراد أو الجماعات؛ لذلك فقد ركّز الإسلام منذ نشأته على الدعوة إلى الله تعالى بالوسائل الإعلامية التي توافق الحقيقة وتلتزم المصداقية, فكانت مؤثرة على النُخب الإيمانية التي اتسمت بطهارة المولد وحسن السيرة؛ ليصل الفكر الإسلامي إلى أقصى حدود الدنيا بخطوط مختلفة يتميز فيها الإسلام المحمدي عن غيره ممن تلبّس بالإسلام وليس له منه إلّا الاسم والإسلام منه بريء براءة الذئب من دم يوسف (عليه السلام).
إنَّ الإعلام اليوم بات يشكلُ خطرًا كبيرًا على الساحة الدَّولية بعد أنْ ترك وظيفته الأساسية في نقل الصورة والحدث بشكل واقعي يمثل الحقيقة إلى أنْ صار أداة للخدعة والتّزييف والتحريف بقصد أو بغير قصدٍ من دون رعاية المسؤولية الشرعية في الاعتماد على الوسائل المشروعة والوصول إلى الغايات النبيلة؛ إذ أصبح همُّ الإعلام السبق والوصول إلى أكبر قدرٍ من الجماهير للترويج لبعض المنصات أو القنوات بفبركة الأخبار وتشويه الحقائق كما في أغلب القنوات المتصدِّرة اليوم في الساحة الإعلامية وقد علِم الجميع بعدم مصداقيتها وتحريفها للواقع لأنَّها انساقت إلى إرادات خارجية تعمل على تخريب البلاد والعباد بما يتيسر لها من القدرات.
ولمَّا كان الإعلام مادة جميع الأحداث ولا سيَّما التاريخية كان لابدَّ من التّحري في النقل والتصريح, وهذا يتأكد في التعامل مع الأحداث والوقائع التي شاركها المعصوم (عليه السلام), فكلُ زيادة أو نقيصة في إعلان الخبر أو تصوير حادث يتعلق بالمعصومين (عليهم السلام) يترتب عليه حكم شرعيٌّ؛ إذ يمثل المعصوم (عليه السلام) حق الله تعالى وحق رسوله (صلى اله عليه وآله)؛ لذلك ينبغي الحذر في التعامل مع النقول التي تؤكّد مسيرة نهضة الحسين (عليه السلام) في ملحمة كربلاء الخالدة, والتركيز على المصادر الموثوقة في بيان الأحداث وتصويرها فهي تعكس مقامات المعصومين (عليهم السلام), ولا يليق بهم وبنهضتهم الاستسلام والانكسار؛ بل ينبغي التأكيد على المواقف الأبية, والشموخ الحُسيني الذي رافق جميع المحطات ضمن مسيرة العشق والولاء لله تعالى سواء قبل شهادته (عليه السلام) أم بعدها؛ إذ شايعت زينبُ (عليها السلام) حسينًا (عليه السلام) في المسيرة وأداء التكليف بنقل الصورة والأحداث بما يتناسب مع أهميَّة الموضوع ويضمن السلامة الفكرية لمستقبلي الأخبار ويحافظ على هيبة أصحاب النهضة وحفظ مقاماتهم الشامخة.
اترك تعليق