قال من قصيدة تبلغ (35) بيتاً:
وطُفْ بالعيسِ أوقفها بـحيثُ متالعِ (الطفِّ)
ربـــوعٌ حلّها الهادي فـحلّتْ عقدةَ الصرفِ
إمامٌ خــــــــلفه الدنيا عنتْ في آخرِ الصفِّ
الشاعر
الشيخ محمد رضا بن محمد جواد بن محمد بن شبيب بن راضي بن إبراهيم بن صقر بن عبد العزيز بن دليهم البطائحي الشبيبي، من أعلام العراق والعالم الإسلامي، عالم وأديب ومفكر ومحقق وفيلسوف ومجاهد، شكل مع أبيه الشيخ محمد جواد الشبيبي وأخيه الشيخ محمد باقر الشبيبي محوراً مهماً من محاور الجهاد ضد الحكم العثماني والاستعمار الإنكليزي، وكانوا من قادة ثورة العشرين، ولقب الشيخ محمد رضا الشبيبي بـ (سفير الثورة).
تنتمي الأسرة الشبيبية المعروفة في النجف، إلى جدها الأعلى شبيب الذي ترجم له السيد محسن الأمين بقوله: (الشيخ شبيب ابن الشيخ إبراهيم بن صقر جد الأسرة المعروفة بآل الشبيبي في العراق، نشأ في الجزائر، جزائر العراق المعروفة شمال البصرة وفي ملحقاتها) (1)
وكان أول من سكن النجف من هذه الأسرة هو ولده محمد بن شبيب، من فخذ يُسمى (المواجد) من آل حميد وتحالفوا منذ القدم مع قبيلة بني أسد، ومسكنهم الجزائر في جنوب العراق.
ولد الشيخ محمد رضا الشبيبي في النجف الأشرف، وكان والده الشيخ محمد جواد من علماء النجف الكبار وأدبائها الأعلام، ولقب بـ (شيخ الأدب)، درس الفقه والأصول على يد جماعة من كبار الأساتذة، كما كان في الرعيل الأول من أدباء العراق وشعرائه الكبار الذين سجلوا صفحات مشرقة في تاريخ العراق الحديث وقد ترك بعد رحيله ستة أولاد تخرجوا من مدرسته التحررية التي انطلقت ضد الحكم العثماني الجائر وممن حملوا السلاح بوجه الاستعمار البريطاني فألهبوا النفوس وشحذوا الهمم في سبيل استقلال البلاد وحريتها وهؤلاء الأولاد الستة هم: الشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ محمد باقر الشبيبي، ومحمد جعفر، ومحمد علي، ومحمد حسين، ومحمد رشاد، وأبرزهم الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي كانت حياته كلها جوانب مشرقة وقلما اجتمعت هذه الجوانب في شخصية مثل هذه الشخصية الفذة.
والدة الشيخ محمد رضا الشبيبي تنتمي إلى أسرة الطريحي النجفية المعروفة، فهي كريمة المجتهد الشيخ عبد الحسين الطريحي الأسدي.
درس الشبيبي على يد والده وحضر الأبحاث العالية عند السيد حسين الحمامي، وشيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والشيخ محمد حسن المظفر، والسيد مهدي بحر العلوم، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ هادي آل كاشف الغطاء وغيرهم.
كانت النشأة التي نشأها الشيخ محمد رضا الشبيبي قد عبّدت له الطريق لأن يتربع على منصتي العلم والأدب، فالبيئة والمحيط اللذان عاشهما قد تكفلا بصقل مواهبه وجعله علماً من أعلام البلاغة والبطولة.
الجهاد ضد الاحتلال والاستعمار
جمع الشبيبي إلى جانب قصائده الوطنية والوجدانية المليئة بالعواطف والأحاسيس الملتهبة مواقفه البطولية في سوح الجهاد، فكان مثالاً حياً للإنسان الوطني المخلص الذي يطمح إلى الحرية لبلاده والتحرر من أغلال الاستعمار، كما كان أنموذجاً رائعاً لقادة الفكر وحاملي لواء النهضة الفكرية والاجتماعية ليس في العراق فحسب بل في جميع البلدان التي تسعى للنهوض والتقدم فكانت مبادئه السامية ومواقفه المشرفة نبراساً تهتدي به الأجيال جيلاً بعد جيل.
تم اختيار الشبيبي في بعثةٍ عسكرية مرسلة الى عشائر الكرد الفيليين في الجنوب الشرقي من العراق لمنع الانكليز من التغلغل أو التسلل من جهة الحدود الشرقية وعن طريق البصرة والأهواز، وكان ذلك بالتحديد أواخر عام 1914 وكان ذلك سبباً لحقد بريطانيا عليه بعد انتهاء الحرب، كما كان أحد أعضاء الوفد الذين دعوا إلى التشاور في شأن مصير البلاد وقد ضم الوفد أكثر من عشرين شخصية من العلماء الأعلام وشيوخ العشائر
كان الشبيبي في طليعة الثوار الذين خرجوا لقتال الإنكليز من النجف بقيادة المجاهد السيد محمد سعيد الحكيم وشارك في معركة الشعيبة، وتولى مسؤولية مكتب النجف لجمعية الاتحاد والترقي التي عملت على إقامة حكومة وطنية. ثم سافر إلى الحجاز لمقابلة الملك الحسين بن علي واطلاعه على سير الثورة في إطار التأسيس للمملكة ومعه وثائق موقعة من علماء النجف وكربلاء وزعماء ورؤساء عشائر الفرات الأوسط، وقد أخفاها في طريقه في جلد صنعه للقرآن الكريم وتخفى حتى استطاع الخروج من العراق، وكانت الغاية من حمل هذه الوثائق هو اطلاع العالم على رأي العراقيين ومطالبهم بحقوقهم المشروعة وأن لا يخنق الاستعمار البريطاني صوت الثورة في الداخل، بعد مماطلة الإنكليز ومماطلتهم في تلبية حقوق الشعب العراقي.
ثم سافر من الحجاز إلى سوريا وفي سوريا وافته أنباء الثورة العراقية الكبرى، يقول الأستاذ علي الخاقاني: (شارك الشبيبي في بناء الحكم الوطني، وكافح الاستعمار في عهد الاحتلال كما ناوأ الأتراك من قبل واشتغل في طليعة المشتغلين بالقضية العربية والعراقية...) (2)
كلمة الحق
ندد الشبيبي بسياسة العثمانيين المهينة ضد العراقيين بعامة والنجفيين بخاصة وما نجم عنها من دخول العراق في دياجير الجهل والفساد فحث على الثورة ضده ومن ذلك قوله:
يا من بظلِّ بنـي عثمانَ قـد نشـأوا أضحيتمُ، إنّ ظلَّ الــــقـومِ مُنتقلُ
مـاذا نـؤمِّلُ فـي إدراكِ غــــــايتِنـا مِـن السيـاسةِ كــــــلاّ إنَّهـا حِيـلُ
يـا مَن يعـزُّ علينـا أن نـــــــؤنّبهـمْ في حيث لا يـنفعُ التأنيبُ والعذلُ
جفـوتمونا وقلتـمْ: نحــــنُ ساستكم مُنىً مطيـــتهـا الإخفـاقُ والفشـلُ
كـم تنبـذونَ لنـا ذنـــــبـاً فنعذركـمْ لقـد تقطـــــعـتِ الأعـذارُ والعلـلُ
أما صفحنا عن الماضـي لأعينِكمْ أمـا أديـــــلـتْ لكـم أيـامُنـا الأولُ
أمـا استجيشتْ كمــا شئتم كتـائبُنـا حتى تفايضَ منها السهلُ والجبلُ
أما مشتْ تذرعُ الدنيا أما انقطعتْ بهـا المتايـه والغيطـــانُ والسبـلُ
أمـا أطاعوا أمـا برّوا أمـا عطفوا أمـا احتفوا بمواليهمْ أمـا احتفلـوا
بـاللهِ لا تجـرحـوا أكبادَنـا ودعـوا جراحَ (برقة) و(البلــقان) تندملُ
تـأبـى الحـــــوادثُ إلاّ أن نـملّكـمُ ولا ـ ودينِ التآخي ـ مــا بِنا مَللُ
أيـنَ الرهينُ بـــأموالٍ لنـا ذهبـتْ ومَـن يُقيـدُ بإخوانٍ لنــــــــا قتلوا
إمّـا شهيـدٌ معلَّــــى فـوقَ مشنـقـةٍ أو مـوثقٌ بحبـالِ الأسـرِ مُـعتقـلُ
وحتى بعد إعلان الحكومة العراقية فقد تصدى للفساد الإداري وصد بكلمة الحق ومن شعره في ذلك:
أخـــــطأ الحقَّ فريقٌ بائسٌ لم يلومــــونا ولاموا الزمنا
خسرتْ صفقتكمْ مِن معشرٍ شرَوا العارَ وباعوا الوطنا
أرخصوهُ ولو اعتاضوا به هذهِ الدنـــــــــــيا لقلَّتْ ثمنا
يا عبــــيدَ المالِ خيرٌ منكمُ جهلاءٌ يعبـــــــــدونَ الوثنا
إنني ذاكَ الـــــعراقيُّ الذي ذكرَ الشامَ وناجــــى اليمنا
إنني أعتدَّ نـــجداً روضتي وأرى جنَّةَ عدني عــــــدنا
وهكذا يستمر الشبيبي صادعاً بالكلمة الحرة والموقف الشريف والمبدأ السامي بعد ان انحرف أكثر السياسيين عن مبادئهم, أما هو فقد بقي أميناً وفياً صادقاً لخدمة أمته ووطنه:
تـــعسَّفَ قومٌ بالعراقِ وساوموا على وطنٍ - ما سيمَ يوماً - بأثمانِ
هــمُ احتقبوا الأزراءَ يقترفونها وقالوا: جنـى عمداً وما هوَ بالجاني
هــمُ استعجلوا اللذاتِ ينتهبونَها وهمْ بدّلوا بـالجوهرِ العرضَ الفاني
وقد تنكرُ الحرَّ العراقيَّ أرضُه فينأى ليدنو مـــــنه مَن ليسَ بالداني
ولم يقتصر على الإصلاح السياسي في شعره, بل دعا إلى الاصلاح الاجتماعي ومعالجة كثير من القضايا الاجتماعية التي أعطت صورة حية عن حقيقة الواقع السياسي والاجتماعي في تلك الفترة يقول مخاطبا الشباب:
أنْتُـمُ – مُـتّعْتُـمُ بالّـسّـؤْدُدِ يا شبابَ اليَوْمِ - أشْياخُ الغَدِ
يا شَباباً دَرَسُوا فاجْتَهًدوا لِيَنالــــــــوا غايَـةَ الْمُجْتَـهِـدِ
وَعَـدَ اللهُ بِكُــمْ أوطانَـكُـمْ ولَقَـدْ آنَ نَـــــجـازُ المَـوْعِـدِ
أنتُـمُ جِيــلٌ جَديـدٌ خُلِقُـوا لِعُصُـورٍ مُقْـبِـــــلاتٍ جُــدُدِ
كَوّنوا الوَحْدَةَ لا تَفْسَخُها نَزَعـاتُ الـرّأْيِ والـــمُعْتَقَـدِ
ومن شعره الفلسفي
ما العــبقريُّ الفذُّ إلّا فكرة إن ماتَ عاشَ بها الرميمُ الهامدُ
لا بدَّ مِن نقدِ الزمانِ فإنما نـــــحنُ المعادنُ، والزمانُ الناقدُ
مناصبه العلمية والسياسية
شغل الشبيبي عدّة مناصب علمية وسياسية، فقد اختير رئيساً للمجمع العلمي العراقي، ونادي القلم العراقي، کما انتُخب رئيساً لمجلس الأعيان (1935) ومجلس النوّاب (1944)، ورئيساً للجبهة الشعبية المتحدة، وشغل منصباً وزارياً في الدولة هو وزارة المعارف عدّة مرّات (من 1924 ــ 1948) وكان عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع اللغوي في القاهرة، ومنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة عين شمس بالقاهرة
مؤلفاته
دلت مؤلفاته على ثقافة عالية وموسوعية حيث تنوعت بين الأدب والتاريخ والفلسفة واللغة ومن مؤلفاته:
1 ــ تاريخ الفلسفة من أقدم عصورها إلى اليوم ولا سيما الفلسفة العربية.
2 ــ أدب النظر في فن المناظرة
3 ــ التذكرة في نعت ما عثر عليه من الكتب والآثار النادرة
4 ــ فلاسفة اليهود في الإسلام: يشتمل على تلخيص فلسفة ابن كمونة وابن ملكان وغيرهما من مشاهير فلاسفة اليهود في الإسلام.
5 ــ المسألة العراقية
6 ــ تاريخ النجف: تأريخ مطول لمدينة النجف الأشرف قديماً وحديثاً مع تطور العلوم والآداب فيها.
7 ــ المأنوس في لغة القاموس
8 ــ مؤرخ العراق ابن الفوطي: وهو من أهم كتبه، قال عنه الدكتور حسين علي محفوظ: (إن الذي حمل الشبيبي على إخلاد ابن الفوطي وجعله معنياً به، وعظمّه في عينه؛ هو تشابه الرجلين، فهما اللذان أرخا العراق، ودونا أخباره، وتصيدا أبناءه) (3)
9 ــ أصول ألفاظ اللهجة العراقية
10 ــ فن التربية في الإسلام
11 ــ لهجات الجنوب
12 ــ ابن خلكان وفن الترجمة
13 ــ القاضي ابن خلكان: منهجه في الضبط والإتقان
14 ــ أدب المغاربة والأندلسيين
15 ــ رحلة في بادية السماوة
16 ــ رحلة إلى المغرب الأقصى
17 ــ تُراثنا الفلسفي، حاجته إلى النقد والتمحيص
18 ــ مذكرات الشبيبي: حول انتفاضة النجف عام (1917) وما جرى فيها من أحداث ومعلومات تفصيلية مهمة حولها وقد اعتمد عليه عدد من المؤرخين والكتاب منهم: عبد الرزاق الحسني، والدكتور علي الوردي، والباحث حسن الأسدي في كتابه: (ثورة النجف على الانكليز)، والشيخ جعفر محبوبة في كتابه: (ماضي النجف وحاضرها)
19 ــ معجم وأصول اللهجة العراقية
20 ــ التربية في الإسلام ــ بحث مقارن
21 ــ إحصاء العلوم للفارابي
22 ــ الفكر الشيعي
23 ــ الرحلات الداخلية في عهد الأتراك
24 ــ رحلات الشمال إلى كركوك
25 ــ رحلة من شرقي دجلة إلى غرب الفرات
26 ــ ديوان شعر
إضافة إلى عشرات البحوث والمقالات التي نشرت في الصحف والمجلات العربية
في أقوال الأعلام
قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (شاب أديب وشاعر لبيب، قد حصل على جملة من العلوم العر بية، حسن النظم جيده، قوي النثر أيده، شعره يفوق الشعرى العبور، ذو ذهن وقاد، وفكر نقاد.....) (4)
قال عنه الأستاذ علي الخاقاني: (من أشهر مشاهير عصره، عالم جليل، شاعر فذ، كاتب قدير..) (5)
وقال أيضاً: (شخصية مشرقة السيرة، وذات تاريخ ناصع لم يلوث بدرن الإلتواء مع المستعمرين والمأجورين، ولم يخنع لقوة الغاشمين، وهو يستمد هذه الفضائل من أب كان مثال الحق والنبل، فقد ورث منه كثيراً من صفات الإنسان الكامل، وراح يصور آثاره بما يتمكن عليه من روح نقي وقابلية مثلى، وصبر على محن، وإحن مادية أضرت به كثيراً، ولكنه خرج منها وهو رافع الرأس لم يدنس بدرن العار والاستئجار، ولم يخضع لشيء يقلص من ظل كرامته ويخجل جاهه...) (6)
وقال السيد جواد شبر: (أشهر أعلام الادب ووجه العراق الناصع... ولخصوبة ذهنه وسعة آفاقه الفكرية لم يقتصر على العلوم القديمة بل شارك في فنون اخرى فبرع في البلاغة والفلسفة حتى نبغ في سن مبكرة واشترك مع شيوخ الأدب يومذاك وجال في ميادينه بين النابهين من رجاله وهو في طليعة حاملي مشعل الحركة الفكرية والنهضة الوطنية في العراق، فقد جاهد في إحياء الثقافة والآداب العربية على عهد الأتراك يوم كانت معالم اللغة مطموسة، وطرق جميع الفنون فنظم في التربية والسياسة والوصف والغزل والوجدانيات والوطنيات، وحسبك ما نشرته الصحف والمجلات، وله في البلاغة والبيان ملكة نادرة حيث لا يقل نثره عن شعره وبحوثه الممتعة الطافحة بالمادة ترويها أمهات المجلات وهو بالإضافة إلى محاسنه الكثيرة لغوي كبير ومن الخبراء المتضلعين. قام أيام الثورة العراقية بخدمات جليلة ومهام خطيرة وانتدب من قبل وجوه العراق من علماء وزعماء وأحرار فأوفد إلى الحجاز لمقابلة الملك حسين وتسليمه المضابط التي نظمها العراقيون ووقعوا عليها وذلك عام ١٣٣٧ هـ سافر الشيخ فوصل الحجاز بعد عناء شديد واجتمع بالشريف وأطلعه على الحال فأرسلها الشريف إلى نجله الامير فيصل في باريس، ولم يعد المترجم له حتى تم تعيين فيصل ملكاً على العراق فجاء معه هو وجملة من الزعماء. والشبيبي شخصية متعددة الجوانب وقد تقلب في المناصب وهي تزدهي به وتفتخر بكماله وببزته الروحية وكأنه زان المناصب ولم تزنه) (7)
توفي الشبيبي في بغداد ودفن في النجف الأشرف، فانتهت بموته مسيرة نضال وكفاح، وانطوت صفحة مشرقة من تاريخ إنسان لم يعرف الراحة في سبيل الحرية الوطنية والعدالة الاجتماعية والسياسية
قال الأستاذ زكي المهندس في تأبينه: (لقد كانت وفاته الفجائية صدمة هزت أعصاب العلماء في جميع البلاد العربية فالمصاب فيه عام والفجيعة فيه شاملة. وقال أيضاً لقد قضى الفقيد في مجمعنا نحو عشرين عاماً كان فيها خير مثال للحيوية والجد والإخلاص... إلى أن قال على المجمع أن يرثي الفقيد الكريم لا يبكي فيه عضواً مجمعياً نشيطاً منتجاً فحسب وإنما يبكي فيه عالماً من أعلام العروبة وركناً من أركان النهضة الفكرية العربية وداعية من دعاة الحق والخير والسلام) (8)
وقد رثاه الشاعر المصري عزيز أباظة باشا في قصيدة طويلة قال منها:
قمْ فأدِّ الــــــــــــــعـزاءَ للأسلامِ في زعيمٍ وشـــــــــاعرٍ وإمامِ
الشبيبيّ أين ثاني الـــــــــشبيبيِّ إذا طَمَتِ الــخطوبُ الدوامي؟
أذكروا الشيخَ رائـــداً يدفع الشر قَ إلى مرقبِ المعالي الجسامِ
في بواكيرِ سنّه حــــينَ أنفُ الـ شرقُ نهبَ الإذلالِ و الإرتمامِ
داعياً لايني لــــــــــتجتمعَ العر بُ قلاداً كرائماً في نظــــــــامِ
صاولَ الشيخُ لم يثبّطه قولُ الـ خَلقِ أقلعْ عن هذهِ الأوهـــــــامِ
طبَّقَ الــــعربَ والعروبةَ هدياً كلما أطبقتْ غواشــــــي الظلامِ
ما اختشـاعُ العراقِ فيكَ بأقسى مِن أسى الــقدسِ والتياعِ الشامِ
ومــــصـابٌ مشى ليثربَ وانتا بَ جراءً ولفَّ بالأهــــــــــرامِ
كلُّ جرحٍ يـلتامُ يوماً وجرحُ الـ ـشـــــرقِ مُذ بنتَ ليسَ بألملتامِ
شعره
للشبيبي قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) نقلها الأستاذ علي الخاقاني (9) عن الشيخ شريف بن عبد الحسين ابن صاحب الجواهر (10) يقول فيها:
لا طفتَ في مقلتي بلْ لا طـفقتَ كرى ألِفتُ بـــــــــــعدَ الأليفِ السهدَ والسهرا
هيهاتَ لم يقضِ جفني مـنكَ لي وطراً كــــــــــلا ولا عنَّ عندي ذكره وطرى
حلوتَ إلّا لعينــــــــــــــي فالسهادُ بها إن مرَّ مطعمه مُرَّا حـــــــــــــــلا ومرا
ما سرَّني الســـائحُ الجازي ولا خفقتْ حشايَ للبارقِ الـــــــــخفَّاقِ حينَ سرى
ولا ارتمى بـــي رسيماً حفَّ مصحرُه بكورِها أتــــــــــــــحرّى الأرسمَ الدثرا
قُل للــــــــــــــذينَ صبوا للحبِّ بعدكمُ نزَّهتُ شـــــــــعريَ عمَّا يصنعُ الشعرا
صَـــمَتكَ يا سمعُ بل أصمتكَ يا كبدي صــــــــمَّاءُ لم تبقِ لي سمعاً ولا بصرا
ملمةٌ لمَّ شعثُ البغي نــــــــــــــــازلها وحلَّ حينَ عرا للــــــــــــدينِ أيّ عُرى
يومٌ جلا ابنُ عـــــــــليٍّ فيهِ ذا شـطبٍ لمْ تنسَ منه الأعـــــــادي صارماً ذكرا
مذرَّبٌ مــــــــــــثلَ بردِ الصلِّ رونقُه برّاءٌ مِن صـــــــــــــدئٍ في متنهِ فبرى
مــــــحا سطورَ العدا مِن ماءِ جوهرِه لــــــــــــــــــكنه للنسورِ الحائماتِ قِرى
تــنشـي معاني الردى منه فلستَ ترى مِن إثرِ تـــــــلكَ المعاني للعدى صُوَرا
كالنهرِ مُتـــــــــــّصلٌ في بحرِ راحتِه يـــــــــــــــموجُ حداً فلولا عزمُه لجرى
أو كالشهابِ بليلِ النـــــــــــقعِ تحسبُه ناراً فلولا ندى كفَّيهِ لاســـــــــــــــــتعرا
واخى بشدةِ فـــــــــــــتكٍ رجَّ صعدتَه فأصبحَ الصــــــــــــفُّ منظوماً ومُنتثرا
مـــــــــــــــيالةٌ لا يملُّ الطعنَ حاملُها ســــــــــــــمراءَ لمْ يتطلّبْ غيرَها سمرا
كأنَّها غـــــــــــــــصنٌ إن تروِ نبعتَها دمَ الكماةِ اجتنوا منها الـــــــــردى ثمرا
يــــــــــهزُّها مثلَ فوقِ الريحِ عاصفةً والوبلُ منهمراً والـــــــــــــسيلُ مُنحدِرا
ماضــــــــي القوائمِ لو أجريتهنَّ على وجــــــــــــــــــهِ الغديرِ تعدّاه وما عثرا
وراؤه البرقُ يكبو دونَ غـــــــــــايتِه أما ترى لمحَه غيظاً عــــــــــــليهِ ورى
ما ماجَ بحرُ دمِ الــــــــــقتلى فأغرقَه إلّا على كـــــــــــــــــلِّ موجٍ منهمُ عَبَرا
ينحو مُشيــــــــحاً على متنيهِ مُعترِكاً أضـــــــــــحى به سدفُ الهيجاءِ مُعتكِرا
مــــــــــــخاطرٌ بنفيسِ النفسِ ينشدُها (لا يمتطي المجدَ مَن لا يركبُ الخطرا)
طويلُ صــفِّ العدى قد صفَّ أغلمةً طـــــــــــــــــالوا وصفُّهمُ مِن قلّةٍ قصُرا
ســـــــــــــبعينَ قلّوا عديداً غيرَ أنَّهمُ يـــــستـــــــــنزرونَ عديدَ القومِ إن كثرا
إن قـــابلوا قــــلبَ جيشٍ عادَ مُنفتحاً ببأسِهم أو جــــــــــــــــناحاً عادَ مُنكسِرا
العابرينَ وبحـــــــرُ البيضِ مُلتـــطمٌ والتاركــــينَ الأعـــــــــادي بالظبا عبرا
والمسغبينَ عتاقَ الــــخيلِ تحـــملهمْ والمسبغينَ على الأعـــــــــداءِ بردَ ثرى
فديتُ منهمْ نصيراً قــــــامَ يـــعضدُه برأيهِ قبلَ ماضي السيفِ مُـــــــــنتصرَا
موكَّلٌ بسدادِ الثغرِ كمْ فتـــــــــــحتْ قـــــــــناتُه مِن طلا أعدائــــــــــــهِ ثغرا
العاقدُ الــــــــــعَلَمَ المنشـــورَ يحملُه والوحــــــــشُ سربٌ على آثارِه حُــشِرَا
وأقبلتْ زمرُ الأعـــــــــــداءِ حاشدةً فـقالَ يا عــــــــزمُ كُنْ لـــي مثلهمْ زُمُرا
ردَّ الأشاهبَ شقرا ســــيلُ صارمِه بعـارضٍ يصــــــــبغُ الأوضاحَ والغُررا
حــــــــــتى إذا حــتَّمَ الباري مقدَّرَه أجـرى عـليه القضــــــــاءُ الحتمُ والقَدَرَا
فخرَّ لم تـــــــــبقَ فيهِ بيضهمْ رَمَقَاً بلى أطـــــــــاحته مــــن أوجِ العُلى قمرا
ملقىً وكمْ تـركتْ بيضُ الصفاحِ بهِ جُرحاً يعـــــــــومُ بــــهِ المسبارُ لوْ سُبِرا
وظلَّ يُدمي عـــــــليهِ غربَ ناظرِهِ أخٌ يجيلُ بـــــــــــــضاحي وجهِهِ النظرا
سبعونَ ألفاً تولّى خـــــــــيرَ معتزمٍ لــــــــــــــقاهمُ فتولّــــــــى شملهمْ خِوَرَا
أعيــــــــــــــــاهمُ أن ينالوهُ مبارزةً فصوَّبوا الـرأيَ لـمَّا صــــــــعَّدوا الفكرا
ووجَّــــهوا نحوَه في الحربِ أربعةً الــــــــــسيفَ والسهمَ والخطيَّ والحجرا
ونافذٌ شــــــــكَّ نحرَ الطفلِ مُلتمِساً فليتَه لا عــــــــــــــــــدا مِن قوسِهِ الوترا
برتْه نحوَ بــــــــريءٍ كفُّ حرملةٍ سهماً ولكن لأوداجِ الوصــــــــــــيِّ بَرَى
يا سائقَ النيبِ بالأســـرى يجشِّمُها قِفها أيُــــــــــــسرى بآلِ المصطفى أسرَا
كلّفتها دلجَ المسرى فهـــــلْ سُبِيتْ الله، تحسبُ فـــــــــــــــيهِ الرومَ والخزرا
غلّستها فهيَ لا تــــــــــنفكُّ ناظرةً على رؤوسِ العوالي أنـــــــــــجماً زُهُرا
وذكر له السيد جواد شبر بيتين قال عنهما: (قال ينحو باللائمة على أحد قتلة الحسين بن علي عليه السلام، ذلك هو بجدل بن سليم الكلبي الذي حارب الإمام الحسين (ع) وجاء إليه بعد قتله لينال من سلبه شيئاً فلم يجد حيث سلبه القوم جميع ثيابه، لكن رأى خاتمه في خنصره حاول انتزاعه فلم يقدر لجمود الدم عليه فتناول قطعة سيف وجعل يحز الخنصر حتى قطعه وأخذ الخاتم، فقال شيخنا الشبيبي:
ما بالُ بجدلَ لا بُلّتْ مضاجعُه قد حزَّ إصبعَه في مخذمٍ ذربِ
لو كـانَ يطلبُ منه بذلَ خاتمِه لــقالَ هاكَ، وهذا قبلُ فعلُ أبي
..............................................................................
1 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٣١
2 ــ شعراء الغري ج 9 ص 7
3 ــ محمد رضا الشبيبي ودوره السياسي والفكري حتى العام 1965 ــ علي عبد شناوة ص 202
4 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 149
5 ــ شعراء الغري ج 9 ص 3
6 ــ نفس المصدر ص 4 ــ 5
7 ــ أدب الطف ج 10 ص 202 ــ 203
8 ــ من الكلمة التي ألقاها في تأبين الشبيبي في الحفل الذي أقامه مجمع اللغة العربية في القاهرة في 3 / 3 / 1965
9 ــ شعراء الغري ج 9 ص 59
10 ــ مثير الأحزان في أحوال الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 138
11 ــ أدب الطف ج 10 ص 203
ترجم له وكتب عنه:
الأب ماري أنستاس الكرملي ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي مجلة مجمع اللغة العربية العدد 7 ص 335
الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 2 ص 718
الشيخ أغا بزرك الطهراني / نقباء البشر ج 2 ص 745
كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 6 ــ 7
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 165
الأستاذ جعفر الخليلي / هكذا عرفتهم ج 2 ص 109
رفائيل بطي / الأدب العصري في العراق العربي ج 1 ص 114
يوسف عز الدين / شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 117 ــ 130
خير الدين الزركلي / الأعلام ج 6 ص 128
أحمد أبو أسعد / الشعر والشعراء في العراق ص 82
جعفر صادق حمودي / معجم الشعراء العراقيين المتوفي في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع ص 326
عبد الرزاق الهلالي / دراسات وتراجم عراقية ج 9 ص 39
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين ج 3 ص 165
سعد ميخائيل / آداب العصر في شعراء الشام والعراق ومصر ص 251
أحمد حامد الشربتي ــ الشبيبي في حكمه وأمثاله
توفيق التميمي ــ سفير الثورة الفراتية ومعلم الوطنية العراقية
السيد حسن الأمين ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي علّامة العراق وشاعر العرب
الدكتور سعدي غزاي عمران ــ محمد رضا الشبيبي عندما يكون السياسي شاعراً
سمير الصفار ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي حياته وشعره
علي جابر المنصوري ــ محمد رضا الشبيبي ومكانته الأدبية بين معاصريه
قصي سالم علوان ــ الشبيبي شاعراً
كمال لطيف سالم ــ محمد رضا الشبيبي
هلال ناجي ــ الشبيبي وأدب المغاربة الأندلسيين
علي عبد شناوة ــ الشبيبي في شبابه السياسي - محمد رضا الشبيبي ودوره الفكري والسياسي حتى العام 1932
الدكتور ياسر علي عبد ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي شاعر الرِّقة والجمال
الدكتور علي متعب جاسم ــ التناص، أنماطه ووظائفه في شعر محمد رضا الشبيبي
باسم عبد الحميد حمودي ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي شاعراً
الدكتور صالح جواد الطعمة ــ مكانة الشبيبي في الكتابات العربية
اترك تعليق