926 ــ محمد رضا الشبيبي (1306 ــ 1384 هـ / 1889 ــ 1965 م)

محمد رضا الشبيبي (1306 ــ 1384 هـ / 1889 ــ 1965 م)

قال من قصيدة في مدح الشيخ هادي كاشف الغطاء تبلغ (35) بيتاً:

وطُفْ بالعيسِ أوقفها     بـحيثُ متالعِ (الطفِّ)

ربـــوعٌ حلّها الهادي     فـحلّتْ عقدةَ الصرفِ

إمامٌ خــــــــلفه الدنيا     عنتْ في آخرِ الصفِّ (1)

الشاعر

الشيخ محمد رضا بن محمد جواد بن محمد بن شبيب بن راضي بن إبراهيم بن صقر بن الشبيبي (2)، من أعلام العراق والعالم الإسلامي، عالم وأديب ومفكر ومحقق وفيلسوف ومجاهد، شكل مع أبيه الشيخ محمد جواد الشبيبي وأخيه الشيخ محمد باقر الشبيبي محوراً مهماً من محاور الجهاد ضد الحكم العثماني والاستعمار الإنكليزي، وكانوا من قادة ثورة العشرين، وقد ترجمنا مواقفهم في موضوع الشيخ جواد الشبيبي

تنتمي الأسرة الشبيبية المعروفة في النجف، إلى جدها الأعلى شبيب الذي ترجم له السيد محسن الأمين بقوله: (الشيخ شبيب ابن الشيخ إبراهيم بن صقر جد الأسرة المعروفة بآل الشبيبي في العراق، نشأ في الجزائر، جزائر العراق المعروفة شمال البصرة وفي ملحقاتها) (3)

درس الشبيبي على يد والده وحضر الأبحاث العالية عند السيد حسين الحمامي، والشيخ فتح الله النمازي المعروف بـ شيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والشيخ محمد حسن المظفر، والشيخ محمد جواد الجزائري، والسيد مهدي بحر العلوم، والسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ هادي آل كاشف الغطاء والسيد مهدي الطباطبائي وغيرهم.

كانت النشأة التي نشأها الشيخ محمد رضا الشبيبي قد عبّدت له الطريق لأن يتربع على منصتي العلم والأدب، فالبيئة والمحيط اللذان عاشهما قد تكفلا بصقل مواهبه وجعله علماً من أعلام البلاغة والبطولة (4)

الجهاد ضد الاحتلال والاستعمار

جمع الشبيبي إلى جانب قصائده الوطنية والوجدانية المليئة بالعواطف والأحاسيس الملتهبة مواقفه البطولية في سوح الجهاد، فكان مثالاً حياً للإنسان الوطني المخلص الذي يطمح إلى الحرية لبلاده والتحرر من أغلال الاستعمار، كما كان أنموذجاً رائعاً لقادة الفكر وحاملي لواء النهضة الفكرية والاجتماعية ليس في العراق فحسب بل في جميع البلدان التي تسعى للنهوض والتقدم فكانت مبادئه السامية ومواقفه المشرفة نبراساً تهتدي به الأجيال جيلاً بعد جيل.

وينقل السيد الأمين بعض صفحات التاريخ الجهادي للشبيبي فيقول: (حمل المترجم لواء الدعوة إلى الاصلاح السياسي والاجتماعي في شعره ونثره منذ نشأ وكانت له رسالة من هذا القبيل في بلاد العرب والعراق وفي أقاليم الفرات خاصة.

ثم يقول الأمين: طالب الشبيبي في الاجتماع الذي عقد في مدينة النجف بحكومة دستورية يرأسها ملك عربي. وعبر بذلك عن رغبات أحرار العراق على صورة أثارت امتعاض الحاكم العام فقاطعه في تلك الجلسة ضارباً ــ أي الحاكم ــ بقبضة يده على المنضدة ولكن بدون جدوى والواقع ان أشق ما كان يشق على البريطانيين يومئذ هو ذلك الشعور الحي بالكرامة لدى أبناء العراق الأحرار. ولنا أن نقول إن جملة من الحوادث التي أريقت فيها الدماء نشأت في العراق عن خشونة في اللهجة أو عجرفة استعمارية في اللقاء اعتبرها الجانب العراقي جارحة لكرامته. ماسة بشرفه وهكذا فإن الشعور الحي بالكرامة ونزعة الاستعماريين المعروفة في الشموخ والكبرياء ضدان لا يجتمعان وما أكثر الشواهد على ذلك في احداث العراق خلال فترة الاحتلال. ولا حاجة إلى القول بأن للشبيبي مواقفه المعروفة في هذا الدور الخطير من أدوار الكفاح بين الشعب العراقي والسلطة المحتلة خصوصاً في بعض المراكز المعروفة كالحلة وكربلاء والنجف والديوانية وبغداد فإن الروح الوطنية التي بعثت يومئذ كانت قائمة على نشاط عدد من العلماء ورجال الدين والوجوه والزعماء والشباب في المدن والأرياف المذكورة. وكان هو في طليعتهم) (5)

ويقول الأستاذ علي الخاقاني: (شارك الشبيبي في بناء الحكم الوطني، وكافح الاستعمار في عهد الاحتلال كما ناوأ الأتراك من قبل واشتغل في طليعة المشتغلين بالقضية العربية والعراقية...) (6)

ويقول روفائيل بطي: (ولا ريب في أنَّ الأُستاذ الشبيبي من أقطاب الحركة الفكرية والنَّهضة الوطنية في ديار العراق. وقد ظهرت مواهب شخصيته البَارزة في ابتكاره الخطط السياسية في الظروف الحرجة، وإنَّ حنكته في هذه الأمور حملت القوم على انتدابه أثناء انعقاد مُؤتمر الصُّلح، إلى أداء مهمة خطيرة الشأن في الحجاز، قام بأدائها خير قيام على أثر وصوله مكة المُكرمة في ٦ ذي الحجة سنة ١٣٣٧، ثم فارق الحجاز إلى الشام وغرضه درس المسألة العربية هناك، وظلَّ في جِلَّق مع إخوانه المُجاهدين إلى أن نشبت الثَّورة في العراق، ففارق دمشق قافلًا إلى العراق بطريق البادية يوم الأربعاء ١٤ صفر سنة ١٣٣٩ (٢٧ تشرين الأول سنة ١٩٢٠)، ووصل بغداد في ١٠ ربيع الأول سنة ١٣٣٩، حيثُ أَقبل على استئناف ما أخذ نفسه به من الجد والاجتهاد المُتواصل إلى الآن، وهو مُنصرف إلى الدرس والبحث والتفكير والتأليف، وله آراء فلسفية وأدبية يطولُ شرحها، من ذلك رأيه أنَّ عناصر الشر في الحضارة الحديثة أكثر من عناصر الخير) (7)

كلمة الحق

ندد الشبيبي بسياسة العثمانيين المهينة ضد العراقيين بعامة والنجفيين بخاصة وما نجم عنها من دخول العراق في دياجير الجهل والفساد فحث على الثورة ضده ومن ذلك قوله:

يا من بظلِّ بنـي عثمانَ قـد نشـأوا     أضحيتمُ، إنّ ظلَّ الــــقـومِ مُنتقلُ

مـاذا نـؤمِّلُ فـي إدراكِ غــــــايتِنـا     مِـن السيـاسةِ كــــــلاّ إنَّهـا حِيـلُ

يـا مَن يعـزُّ علينـا أن نـــــــؤنّبهـمْ     في حيث لا يـنفعُ التأنيبُ والعذلُ

جفـوتمونا وقلتـمْ: نحــــنُ ساستكم     مُنىً مطيـــتهـا الإخفـاقُ والفشـلُ

كـم تنبـذونَ لنـا ذنـــــبـاً فنعذركـمْ     لقـد تقطـــــعـتِ الأعـذارُ والعلـلُ

أما صفحنا عن الماضـي لأعينِكمْ     أمـا أديـــــلـتْ لكـم أيـامُنـا الأولُ

أمـا استجيشتْ كمــا شئتم كتـائبُنـا     حتى تفايضَ منها السهلُ والجبلُ

أما مشتْ تذرعُ الدنيا أما انقطعتْ     بهـا المتايـه والغيطـــانُ والسبـلُ

أمـا أطاعوا أمـا برّوا أمـا عطفوا     أمـا احتفوا بمواليهمْ أمـا احتفلـوا

بـاللهِ لا تجـرحـوا أكبادَنـا ودعـوا     جراحَ (برقة) و(البلــقان) تندملُ

تـأبـى الحـــــوادثُ إلاّ أن نـملّكـمُ     ولا ـ ودينِ التآخي ـ مــا بِنا مَللُ

أيـنَ الرهينُ بـــأموالٍ لنـا ذهبـتْ     ومَـن يُقيـدُ بإخوانٍ لنــــــــا قتلوا

إمّـا شهيـدٌ معلَّــــى فـوقَ مشنـقـةٍ     أو مـوثقٌ بحبـالِ الأسـرِ مُـعتقـلُ (8)

وحتى بعد إعلان الحكومة العراقية فقد تصدى للفساد الإداري وصدع بكلمة الحق ومن شعره في ذلك:

أخـــــطأ الحقَّ فريقٌ بائسٌ     لم يلومــــونا ولاموا الزمنا

خسرتْ صفقتكمْ مِن معشرٍ     شرَوا العارَ وباعوا الوطنا

أرخصوهُ ولو اعتاضوا به     هذهِ الدنـــــــــــيا لقلَّتْ ثمنا

يا عبــــيدَ المالِ خيرٌ منكمُ     جهلاءٌ يعبـــــــــدونَ الوثنا

إنني ذاكَ الـــــعراقيُّ الذي     ذكرَ الشامَ وناجــــى اليمنا (9)

إنني أعتدَّ نـــجداً روضتي     وأرى جنَّةَ عدني عــــــدنا

وهكذا يستمر الشبيبي صادعاً بالكلمة الحرة والموقف الشريف والمبدأ السامي بعد ان انحرف أكثر السياسيين عن مبادئهم, أما هو فقد بقي أميناً وفياً صادقاً لخدمة أمته ووطنه:

تـــعسَّفَ قومٌ بالعراقِ وساوموا     على وطنٍ - ما سيمَ يوماً - بأثمانِ

هــمُ احتقبوا الأزراءَ يقترفونها     وقالوا: جنـى عمداً وما هوَ بالجاني

هــمُ استعجلوا اللذاتِ ينتهبونَها     وهمْ بدّلوا بـالجوهرِ العرضَ الفاني

وقد تنكرُ الحرَّ العراقيَّ أرضُه     فينأى ليدنو مـــــنه مَن ليسَ بالداني (10)

ولم يقتصر على الإصلاح السياسي في شعره, بل دعا إلى الاصلاح الاجتماعي ومعالجة كثير من القضايا الاجتماعية التي أعطت صورة حية عن حقيقة الواقع السياسي والاجتماعي في تلك الفترة يقول مخاطبا الشباب:

أنْتُـمُ – مُـتّعْتُـمُ بالّـسّـؤْدُدِ     يا شبابَ اليَوْمِ - أشْياخُ الغَدِ

يا شَباباً دَرَسُوا فاجْتَهًدوا     لِيَنالــــــــوا غايَـةَ الْمُجْتَـهِـدِ

وَعَـدَ اللهُ بِكُــمْ أوطانَـكُـمْ     ولَقَـدْ آنَ نَـــــجـازُ المَـوْعِـدِ

أنتُـمُ جِيــلٌ جَديـدٌ خُلِقُـوا     لِعُصُـورٍ مُقْـبِـــــلاتٍ جُــدُدِ

كَوّنوا الوَحْدَةَ لا تَفْسَخُها     نَزَعـاتُ الـرّأْيِ والـــمُعْتَقَـدِ (11)

ومن شعره الفلسفي

ما العــبقريُّ الفذُّ إلّا فكرة     إن ماتَ عاشَ بها الرميمُ الهامدُ

لا بدَّ مِن نقدِ الزمانِ فإنما     نـــــحنُ المعادنُ، والزمانُ الناقدُ (12)

مناصبه العلمية والسياسية

شغل الشبيبي عدّة مناصب علمية وسياسية، فقد اختير رئيساً للمجمع العلمي العراقي، ونادي القلم العراقي، کما انتُخب رئيساً لمجلس الأعيان (1935) ومجلس النوّاب (1944)، ورئيساً للجبهة الشعبية المتحدة، وشغل منصباً وزارياً في الدولة هو وزارة المعارف عدّة مرّات (من 1924 ــ 1948) وكان عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع اللغوي في القاهرة، ومنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة عين شمس بالقاهرة (13)

مؤلفاته

دلت مؤلفاته على ثقافة عالية وموسوعية حيث تنوعت بين الأدب والتاريخ والفلسفة واللغة ومن مؤلفاته:

1 ــ تاريخ الفلسفة من أقدم عصورها إلى اليوم ولا سيما الفلسفة العربية.

2 ــ أدب النظر في فن المناظرة

3 ــ التذكرة في نعت ما عثر عليه من الكتب والآثار النادرة

4 ــ فلاسفة اليهود في الإسلام: يشتمل على تلخيص فلسفة ابن كمونة وابن ملكان وغيرهما من مشاهير فلاسفة اليهود في الإسلام.

5 ــ المسألة العراقية

6 ــ تاريخ النجف: تأريخ مطول لمدينة النجف الأشرف قديماً وحديثاً مع تطور العلوم والآداب فيها.

7 ــ المأنوس في لغة القاموس

8 ــ مؤرخ العراق ابن الفوطي: وهو من أهم كتبه، قال عنه الدكتور حسين علي محفوظ: (إن الذي حمل الشبيبي على إخلاد ابن الفوطي وجعله معنياً به، وعظمّه في عينه؛ هو تشابه الرجلين، فهما اللذان أرخا العراق، ودونا أخباره، وتصيدا أبناءه) (14)

9 ــ أصول ألفاظ اللهجة العراقية

10 ــ فن التربية في الإسلام

11 ــ لهجات الجنوب

12 ــ ابن خلكان وفن الترجمة

13 ــ القاضي ابن خلكان: منهجه في الضبط والإتقان

14 ــ أدب المغاربة والأندلسيين

15 ــ رحلة في بادية السماوة

16 ــ رحلة إلى المغرب الأقصى

17 ــ تُراثنا الفلسفي، حاجته إلى النقد والتمحيص

18 ــ مذكرات الشبيبي: حول انتفاضة النجف عام (1917) وما جرى فيها من أحداث ومعلومات تفصيلية مهمة حولها وقد اعتمد عليه عدد من المؤرخين والكتاب منهم: عبد الرزاق الحسني، والدكتور علي الوردي، والباحث حسن الأسدي في كتابه: (ثورة النجف على الانكليز)، والشيخ جعفر محبوبة في كتابه: (ماضي النجف وحاضرها)

19 ــ معجم وأصول اللهجة العراقية

20 ــ التربية في الإسلام ــ بحث مقارن

21 ــ إحصاء العلوم للفارابي

22 ــ الفكر الشيعي

23 ــ الرحلات الداخلية في عهد الأتراك

24 ــ رحلات الشمال إلى كركوك

25 ــ رحلة من شرقي دجلة إلى غرب الفرات

26 ــ ديوان شعر

إضافة إلى عشرات البحوث والمقالات التي نشرت في الصحف والمجلات العربية (15)

في أقوال الأعلام

قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (شاب أديب وشاعر لبيب، قد حصل على جملة من العلوم العر بية، حسن النظم جيده، قوي النثر أيده، شعره يفوق الشعرى العبور، ذو ذهن وقاد، وفكر نقاد.....) (16)

قال عنه الأستاذ علي الخاقاني: (من أشهر مشاهير عصره، عالم جليل، شاعر فذ، كاتب قدير..) (17)

وقال أيضاً: (شخصية مشرقة السيرة، وذات تاريخ ناصع لم يلوث بدرن الإلتواء مع المستعمرين والمأجورين، ولم يخنع لقوة الغاشمين، وهو يستمد هذه الفضائل من أب كان مثال الحق والنبل، فقد ورث منه كثيراً من صفات الإنسان الكامل، وراح يصور آثاره بما يتمكن عليه من روح نقي وقابلية مثلى، وصبر على محن، وإحن مادية أضرت به كثيراً، ولكنه خرج منها وهو رافع الرأس لم يدنس بدرن العار والاستئجار، ولم يخضع لشيء يقلص من ظل كرامته ويخجل جاهه...) (18)

وقال السيد جواد شبر: (أشهر أعلام الادب ووجه العراق الناصع... ولخصوبة ذهنه وسعة آفاقه الفكرية لم يقتصر على العلوم القديمة بل شارك في فنون اخرى فبرع في البلاغة والفلسفة حتى نبغ في سن مبكرة واشترك مع شيوخ الأدب يومذاك وجال في ميادينه بين النابهين من رجاله وهو في طليعة حاملي مشعل الحركة الفكرية والنهضة الوطنية في العراق، فقد جاهد في إحياء الثقافة والآداب العربية على عهد الأتراك يوم كانت معالم اللغة مطموسة، وطرق جميع الفنون فنظم في التربية والسياسة والوصف والغزل والوجدانيات والوطنيات، وحسبك ما نشرته الصحف والمجلات، وله في البلاغة والبيان ملكة نادرة حيث لا يقل نثره عن شعره وبحوثه الممتعة الطافحة بالمادة ترويها أمهات المجلات وهو بالإضافة إلى محاسنه الكثيرة لغوي كبير ومن الخبراء المتضلعين. قام أيام الثورة العراقية بخدمات جليلة ومهام خطيرة وانتدب من قبل وجوه العراق من علماء وزعماء وأحرار فأوفد إلى الحجاز لمقابلة الملك حسين وتسليمه المضابط التي نظمها العراقيون ووقعوا عليها وذلك عام ١٣٣٧ ه‍ـ سافر الشيخ فوصل الحجاز بعد عناء شديد واجتمع بالشريف وأطلعه على الحال فأرسلها الشريف إلى نجله الامير فيصل في باريس، ولم يعد المترجم له حتى تم تعيين فيصل ملكاً على العراق فجاء معه هو وجملة من الزعماء. والشبيبي شخصية متعددة الجوانب وقد تقلب في المناصب وهي تزدهي به وتفتخر بكماله وببزته الروحية وكأنه زان المناصب ولم تزنه) (19)

توفي الشبيبي في بغداد ودفن في النجف الأشرف، فانتهت بموته مسيرة نضال وكفاح، وانطوت صفحة مشرقة من تاريخ إنسان لم يعرف الراحة في سبيل الحرية الوطنية والعدالة الاجتماعية والسياسية

قال الأستاذ زكي المهندس في تأبينه: (لقد كانت وفاته الفجائية صدمة هزت أعصاب العلماء في جميع البلاد العربية فالمصاب فيه عام والفجيعة فيه شاملة. وقال أيضاً لقد قضى الفقيد في مجمعنا نحو عشرين عاماً كان فيها خير مثال للحيوية والجد والإخلاص... إلى أن قال على المجمع أن يرثي الفقيد الكريم لا يبكي فيه عضواً مجمعياً نشيطاً منتجاً فحسب وإنما يبكي فيه عالماً من أعلام العروبة وركناً من أركان النهضة الفكرية العربية وداعية من دعاة الحق والخير والسلام) (20)

شعره

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (45) بيتاً:

لا طفتَ في مقلتي بلْ لا طـفقتَ كرى     ألِفتُ بـــــــــــعدَ الأليفِ السهدَ والسهرا

هيهاتَ لم يقضِ جفني مـنكَ لي وطراً     كــــــــــلا ولا عنَّ عندي ذكره وطرى

حلوتَ إلّا لعينــــــــــــــي فالسهادُ بها     إن مرَّ مطعمه مُرَّا حـــــــــــــــلا ومرا

ما سرَّني الســـائحُ الجازي ولا خفقتْ     حشايَ للبارقِ الـــــــــخفَّاقِ حينَ سرى

ولا ارتمى بـــي رسيماً حفَّ مصحرُه     بكورِها أتــــــــــــــحرّى الأرسمَ الدثرا

قُل للــــــــــــــذينَ صبوا للحبِّ بعدكمُ     نزَّهتُ شـــــــــعريَ عمَّا يصنعُ الشعرا

صَـــمَتكَ يا سمعُ بل أصمتكَ يا كبدي     صــــــــمَّاءُ لم تبقِ لي سمعاً ولا بصرا

ملمةٌ لمَّ شعثُ البغي نــــــــــــــــازلها     وحلَّ حينَ عرا للــــــــــــدينِ أيّ عُرى

يومٌ جلا ابنُ عـــــــــليٍّ فيهِ ذا شـطبٍ     لمْ تنسَ منه الأعـــــــادي صارماً ذكرا

مذرَّبٌ مــــــــــــثلَ بردِ الصلِّ رونقُه     برّاءٌ مِن صـــــــــــــدئٍ في متنهِ فبرى

مــــــحا سطورَ العدا مِن ماءِ جوهرِه     لــــــــــــــــــكنه للنسورِ الحائماتِ قِرى

تــنشـي معاني الردى منه فلستَ ترى     مِن إثرِ تـــــــلكَ المعاني للعدى صُوَرا

كالنهرِ مُتـــــــــــّصلٌ في بحرِ راحتِه     يـــــــــــــــموجُ حداً فلولا عزمُه لجرى

أو كالشهابِ بليلِ النـــــــــــقعِ تحسبُه      ناراً فلولا ندى كفَّيهِ لاســـــــــــــــــتعرا

واخى بشدةِ فـــــــــــــتكٍ رجَّ صعدتَه     فأصبحَ الصــــــــــــفُّ منظوماً ومُنتثرا

مـــــــــــــــيالةٌ لا يملُّ الطعنَ حاملُها     ســــــــــــــمراءَ لمْ يتطلّبْ غيرَها سمرا

كأنَّها غـــــــــــــــصنٌ إن تروِ نبعتَها     دمَ الكماةِ اجتنوا منها الـــــــــردى ثمرا

يــــــــــهزُّها مثلَ فوقِ الريحِ عاصفةً     والوبلُ منهمراً والـــــــــــــسيلُ مُنحدِرا

ماضــــــــي القوائمِ لو أجريتهنَّ على     وجــــــــــــــــــهِ الغديرِ تعدّاه وما عثرا

وراؤه البرقُ يكبو دونَ غـــــــــــايتِه     أما ترى لمحَه غيظاً عــــــــــــليهِ ورى

ما ماجَ بحرُ دمِ الــــــــــقتلى فأغرقَه     إلّا على كـــــــــــــــــلِّ موجٍ منهمُ عَبَرا

ينحو مُشيــــــــحاً على متنيهِ مُعترِكاً     أضـــــــــــحى به سدفُ الهيجاءِ مُعتكِرا

مــــــــــــخاطرٌ بنفيسِ النفسِ ينشدُها     (لا يمتطي المجدَ مَن لا يركبُ الخطرا)

طويلُ صــفِّ العدى قد صفَّ أغلمةً     طـــــــــــــــــالوا وصفُّهمُ مِن قلّةٍ قصُرا

ســـــــــــــبعينَ قلّوا عديداً غيرَ أنَّهمُ     يـــــستـــــــــنزرونَ عديدَ القومِ إن كثرا

إن قـــابلوا قــــلبَ جيشٍ عادَ مُنفتحاً     ببأسِهم أو جــــــــــــــــناحاً عادَ مُنكسِرا

العابرينَ وبحـــــــرُ البيضِ مُلتـــطمٌ     والتاركــــينَ الأعـــــــــادي بالظبا عبرا

والمسغبينَ عتاقَ الــــخيلِ تحـــملهمْ     والمسبغينَ على الأعـــــــــداءِ بردَ ثرى

فديتُ منهمْ نصيراً قــــــامَ يـــعضدُه     برأيهِ قبلَ ماضي السيفِ مُـــــــــنتصرَا

موكَّلٌ بسدادِ الثغرِ كمْ فتـــــــــــحتْ     قـــــــــناتُه مِن طلا أعدائــــــــــــهِ ثغرا

العاقدُ الــــــــــعَلَمَ المنشـــورَ يحملُه     والوحــــــــشُ سربٌ على آثارِه حُــشِرَا

وأقبلتْ زمرُ الأعـــــــــــداءِ حاشدةً     فـقالَ يا عــــــــزمُ كُنْ لـــي مثلهمْ زُمُرا

ردَّ الأشاهبَ شقرا ســــيلُ صارمِه     بعـارضٍ يصــــــــبغُ الأوضاحَ والغُررا

حــــــــــتى إذا حــتَّمَ الباري مقدَّرَه     أجـرى عـليه القضــــــــاءُ الحتمُ والقَدَرَا

فخرَّ لم تـــــــــبقَ فيهِ بيضهمْ رَمَقَاً     بلى أطـــــــــاحته مــــن أوجِ العُلى قمرا

ملقىً وكمْ تـركتْ بيضُ الصفاحِ بهِ     جُرحاً يعـــــــــومُ بــــهِ المسبارُ لوْ سُبِرا

وظلَّ يُدمي عـــــــليهِ غربَ ناظرِهِ     أخٌ يجيلُ بـــــــــــــضاحي وجهِهِ النظرا

سبعونَ ألفاً تولّى خـــــــــيرَ معتزمٍ     لــــــــــــــقاهمُ فتولّــــــــى شملهمْ خِوَرَا

أعيــــــــــــــــاهمُ أن ينالوهُ مبارزةً     فصوَّبوا الـرأيَ لـمَّا صــــــــعَّدوا الفكرا

ووجَّــــهوا نحوَه في الحربِ أربعةً     الــــــــــسيفَ والسهمَ والخطيَّ والحجرا

ونافذٌ شــــــــكَّ نحرَ الطفلِ مُلتمِساً     فليتَه لا عــــــــــــــــــدا مِن قوسِهِ الوترا

برتْه نحوَ بــــــــريءٍ كفُّ حرملةٍ     سهماً ولكن لأوداجِ الوصــــــــــــيِّ بَرَى

يا سائقَ النيبِ بالأســـرى يجشِّمُها     قِفها أيُــــــــــــسرى بآلِ المصطفى أسرَا

كلّفتها دلجَ المسرى فهـــــلْ سُبِيتْ     الله، تحسبُ فـــــــــــــــيهِ الرومَ والخزرا

غلّستها فهيَ لا تــــــــــنفكُّ ناظرةً     على رؤوسِ العوالي أنـــــــــــجماً زُهُرا (21)

وذكر له السيد جواد شبر بيتين قال عنهما: (قال ينحو باللائمة على أحد قتلة الحسين بن علي عليه ‌السلام، ذلك هو بجدل بن سليم الكلبي الذي حارب الإمام الحسين (ع) وجاء إليه بعد قتله لينال من سلبه شيئاً فلم يجد حيث سلبه القوم جميع ثيابه، لكن رأى خاتمه في خنصره حاول انتزاعه فلم يقدر لجمود الدم عليه فتناول قطعة سيف وجعل يحز الخنصر حتى قطعه وأخذ الخاتم، فقال شيخنا الشبيبي:

ما بالُ بجدلَ لا بُلّتْ مضاجعُه     قد حزَّ إصبعَه في مخذمٍ ذربِ

لو كـانَ يطلبُ منه بذلَ خاتمِه     لــقالَ هاكَ، وهذا قبلُ فعلُ أبي (22)

..............................................................................

1 ــ شعراء الغري ج 9 ص 68 ــ 69

2 ــ شعراء الغري ج 9 ص 3

3 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٣١ في ترجمة شبيب جد الأسرة الأعلى

4 ــ أعيان الشيعة ج ٩ ص ٢٨٧

5 ــ أعيان الشيعة ج ٩ ص ٢٨٧ ــ 288

6 ــ شعراء الغري ج 9 ص 7

7 ــ الأدب العصري في العراق العربي: القسم الأول (المنظوم) ج 1 ص 114

8 ــ ديوان الشبيبي عنيت بنشره جمعية الرابطة العلمية الأدبية ــ مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ــ القاهرة 1359 هـ / 1940 م ص 27 ــ 29 من قصيدة تبلغ (42) بيتاً

9 ــ نفس المصدر ص 105 ــ 106 من قصيدة تبلغ (21) بيتاً

10 ــ نفس المصدر ص 39 من قصيدة تبلغ (12) بيتاً

11 ــ نفس المصدر ص 81 ــ 82 من قصيدة تبلغ (26) بيتاً

12 ــ ص 193 من قصيدة تبلغ (31) بيتاً

13 ــ الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 4 ص 266

14ــ موقع رؤيا للدراسات التخصصية بتاريخ 3 / 11 / 2017

15 ــ الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 4 ص 266

16 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 149

17 ــ شعراء الغري ج 9 ص 3

18 ــ نفس المصدر ص 4 ــ 5

19 ــ أدب الطف ج 10 ص 202 ــ 203

20 ــ من الكلمة التي ألقاها في تأبين الشبيبي في الحفل الذي أقامه مجمع اللغة العربية في القاهرة في 3 / 3 / 1965

21 ــ شعراء الغري ج 9 ص 59 ــ 61

22 ــ أدب الطف ج 10 ص 204

كما ترجم له وكتب عنه:

الأب ماري أنستاس الكرملي ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي مجلة مجمع اللغة العربية العدد 7 ص 335

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 2 ص 718

الشيخ أغا بزرك الطهراني / نقباء البشر ج 2 ص 745

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 6 ــ 7

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 165

الأستاذ جعفر الخليلي / هكذا عرفتهم ج 2 ص 109

يوسف عز الدين / شعراء العراق في القرن العشرين ج 1 ص 117 ــ 130

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 6 ص 128

أحمد أبو أسعد / الشعر والشعراء في العراق ص 82

جعفر صادق حمودي / معجم الشعراء العراقيين المتوفي في العصر الحديث ولهم ديوان مطبوع ص 326

عبد الرزاق الهلالي / دراسات وتراجم عراقية ج 9 ص 39

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين ج 3 ص 165

سعد ميخائيل / آداب العصر في شعراء الشام والعراق ومصر ص 251

أحمد حامد الشربتي ــ الشبيبي في حكمه وأمثاله ــ دار الشؤون الثقافية العامة ــ بغداد 1986

سمير الصفار ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي حياته وشعره ــ دار الزهراء- بيروت

علي جابر المنصوري ــ محمد رضا الشبيبي ومكانته الأدبية بين معاصريه ــ مطبعة بابل ــ بغداد

قصي سالم علوان ــ الشبيبي شاعراً ــ منشورات وزارة الإعلام العراقية ــ 1975

كمال لطيف سالم ــ محمد رضا الشبيبي ــ بغداد 1990

علي عبد شناوة ــ الشبيبي في شبابه السياسي - محمد رضا الشبيبي ودوره الفكري والسياسي حتى العام 1932 ــ رسالة ماجستير ــ دار كوفان للنشر 1995

الدكتور ياسر علي عبد ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي شاعر الرِّقة والجمال ــ مجلة القادسية للعلوم الإنسانية المجلد 22، العدد 3 (30 سبتمبر/ أيلول 2019)، بتاريخ 30 / 9 / 2019 ص 45 ــ 63

الدكتور علي متعب جاسم ــ التناص، أنماطه ووظائفه في شعر محمد رضا الشبيبي ــ مجلة واسط للعلوم الإنسانية العدد (10) ص 33 ــ 56

باسم عبد الحميد حمودي ــ الشيخ محمد رضا الشبيبي شاعراً ــ صحيفة المدى العدد 1665 بتاريخ 25 / 11 / 2009

كاتب : محمد طاهر الصفار