تحتَ أغصانِ سدرةِ المُنتهى

إلى الرسول الأعظم (ص)

عليهِ الماءُ سلَّمَ ثُمَّ صَلّى     وَلَمْ يَقْتُرْ عليهِ الغَيمُ ظِلّا

تُرافِقُهُ الرِّمالُ إلى هدوءٍ     يُحوِّلُ شَوكَها البَرّيَّ فُلّا

وتَشْرَبُهُ المَدينَةُ مِثْلَ شَمْسٍ     أزاحَتْ عَنْ قلوبِ الناسِ لَيلا

فَفي يُمناهُ أسئلةٌ/ ضَبابٌ     وأجوِبَةٌ وضوحٌ ليسَ إلّا!

وفي يُسراهُ قِنديلٌ مُضيءٌ     وزَيتونٌ إلهيٌّ تَجَلّى

مُفارقةً تُفَنِّدُ كُلَّ تيهٍ     وجوديٍ، بلاءَ النورِ أبْلى

حديثُ شِفاهِهِ المَهموسُ وَحْيٌ     سَماويٌّ نَما في الأرضِ نَخْلا

على خُلُقٍ عَظيمٍ قالَ رَبّي     فَما عَبَسَ النبيُّ ولا تَوَلّى!

لهُ بابٌ مُشَرَّعَةٌ وكَفٌّ     لكُلِّ السائلينَ تَقولُ أهلا

بوادٍ ليسَ ذي حَبقٍ وماءٍ     يَمُدُّ الحُبَّ نحْوَ اللهِ حَبْلا

تَماهى في الحَقيقةِ قابَ عَرشٍ     ولَمْ يَسْلَخْ عَنِ المَضمونِ شَكْلا

رأى في المُنتهى سِرَّاً تَخَفّى     دَنا مِنْ رَبِّهِ حَتّى تَدَلّى

ليجلسَ تحتَ سِدْرٍ لؤلؤيٍّ     ويهبِطَ بَعدَها لكنْ لأعلى

مُحَمَّدهُ صناعَتُهُ بذوقٍ     لَهُ كانَ اصطَفاهُ الربُّ خِلّا

نَما في صَدرهِ المأمونِ وِدٌّ     لينزَعَ عَنْ صدورِ القومِ غِلّا

بدفءِ المُحكماتِ أتى نبياً     بشيراً يكنزُ الوحيَ المُحلّى

لأيتامٍ بيثربَ، للحَزانى     لمَنْ لمْ يَعرفوا في الأرضِ أهْلا

لكي تكتظَّ ذاكِرةُ القُدامى     بفَلسَفةِ النبوَّةِ كانَ سَهلا

يُفتِّشُ في الأزقَّةِ عَنْ حَياةٍ     عَليها صارَ كُلُّ المَوْتِ فَحلا

ويَبسمُ في الوجوهِ ليَعتَريها     سَلامٌ مستحيلٌ ليسَ يَبلى

سَماحَتُهُ الرَّسولةُ من بَياضٍ     فَريدٍ مِنْ حِراءٍ قَدْ أطَلّا

أوى للغارِ يبحَثُ عَنْ فَضاءٍ     عَليٍّ، إنَّ هذي الأرضَ سُفلى

لَكَمْ تعبَ الهواءُ وصارَ كَهلاً     تَنَفَّسَهُ الهَواءُ فعادَ طِفلا

وفي لُغَةِ المَجازِ خُدوشُ جَزْمٍ     تشافَتْ مُذْ رَأَتْ مَعناهُ يُتلى

على سَمْعِ النَوافذِ كُلَّ صُبْحٍ     لتُزهِرَ مُفرَداتُ اللوزِ حَقلا

يُربّي الشكَّ كَيْ يَنمو يَقيناً     ضَرورياً لِمَنْ في الشَكِّ ضَلّا

تُخبّئُ راحتاهُ فُصولَ قَمْحٍ     وتَمراً مِنْ مَذاقِ الشَهْدِ أحلى

إلى أُمِّ القُرى لتظلَّ أُمَّاً     لهُ، مِنْ دونِهِ سَتكونُ ثَكلى

فَراسَتُهُ التي تَسْتَلُّ خيطَ الـ     ـنباهَةِ تَغْزِل الأحكامَ عَدْلا

تَساوى عِنْدَه الإنسانُ قَدْرَاً     ولَمْ يَفْصِلْهُ مَولى .. ثُمَّ مَولى

ملامِحُهُ مِنَ التَقطيبِ تَخلو     وما رَدَّتْ يداهُ الغُرُّ سُؤْلا

رذاذُ وضوئِهِ القُدسيِّ يَهمي     على صحرائِنا فتَصير خَضلى

شاعر : حسن سامي