853 ــ عبد الكريم صادق 1308 – 1392 هـ / 1890 ــ 1972 م)

قال من قصيدة في السيدة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام):

يــا ربَّةَ الخدرِ ما لاقيتِ مِن خجلٍ     عصرُ (الطفوفِ) وما عانيتِ مِن وجلِ

إذ الكفيلُ مضى والرحلُ صِيحَ بهِ     نهباً وجرِّدتِ مِـــــــــن حـليٍّ ومِن حُللِ

مـاذا دهاكِ ابنةُ الزهرا فأنتِ على     ذعرٍ تراكضـتِ فــي الـبيدا على عجلِ

ومـــــا عداكِ وقارٌ مِن أبي حسنٍ     ولا شـــــــــــــمائلُ طــاها سيدِ الرسلِ

دهاكِ واللهِ أنَّ الخـــــــيلَ ضابحةٌ     جاستْ خلالَ الحِمى مِن ســـائرِ السُّبُلِ

وغُودرتْ جنبـــــاتُ الربعِ خاليةً     مِـــــــن كلِّ ذي نجدةٍ يحميـــكِ بالأسلِ

الشاعر

الشيخ عبد الكريم بن عبد الحسين بن إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي، عالم وأديب وشاعر، ولد في النجف الأشرف في أسرة توارثت العلم والأدب، فجده الأعلى يحيى الطيبي كان من كبار العلماء وورث ودرج ولداه إبراهيم ونصر الله على منهجه وسار اولادهما على طريقهما.

وتعد هذه الأسرة ــ صادق ــ التي يعود أصلها إلى قرية الطيبة في لبنان، مفخرة من مفاخر جبل عامل ويعد رجالها في طليعة علماء وشعراء لبنان. يقول السيد حسن الأمين بن السيد محسن العاملي عن هذه الأسرة: (وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والأدب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الأفذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة إلى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه) (1)

في هذه الأجواء العلمية والأدبية نشأ الشيخ عبد الكريم وكان والده الشيخ عبد الحسين هو معلمه الأول، ثم تنقل في دروسه على علماء النجف الأفاضل، ثم عاد إلى موطنه الأصل ــ لبنان ــ وسكن بلدة الخيام حتى وفاته فيها.

قال عنه السيد جواد شبر: (الشيخ عبد الكريم صادق علم من الأعلام وأئمة الشرع الكرام، وسامته تنبيك عن إيمانه وورعه، وأساريره تقرأ عليها تقواه وطيب سريرته، عاش في النجف ولبنان مصلحاً مرشداً وأفنى جل عمره بالصلاح والاصلاح ولا عجب فالأسرة أسرة علم وتقى فهو ابن البطل الكبير الشيخ عبد الحسين صادق وأخو الشيخ محمد تقي صادق والشيخ حسن صادق، دوحة تنفح بالعطر الطيب، كان محل ثقة الجميع في عفافه وتقاه وزهده في الدنيا وانصرافه عنها ويحتل في النبطية صدر البلد، ازدانت به واحتضنته معتزة به فخورة بفضله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (2)

وقال عنه الحاج حسين الشاكري: (عالم فاضل وأديب شاعر ولد في النجف الأشرف وترعرع فيها بين يدي والده العالم الفاضل الشيخ عبد الحسين، ودرس عليه وعلى علمائها الأفاضل حتى بلغ ما يريد وشارك في حلبات الشعر والأدب ثم هاجر مع والده إلى النبطية بلدتهم الأولى في لبنان، حتى إذا توفي والده عام 1361 ه‍ـ تسنم مكانة في الإرشاد والرعاية مع عفاف وتقوى وزهد إلى جانب الأدب والشعر وله مؤلفات مخطوطة وديوان شعر...) (3)

له من المؤلفات ديوان شعر بعنوان: (في رحاب الخيام) وأرجوزة في (الإلهيات) تبلغ 124 بيتاً.

شعره

قال من قصيدة في النبي محمد (صلى الله عليه وآله):

صفّاكَ ربُّكَ واصـــطفاكَ نذيرا     يا مَن بطلعتِكَ الـــــوجودُ أنيرا

هيَ دفقةٌ لــلنورِ من بحرِ السنا     رحبُ الفضاءِ بها غدا مغمورا

هــــيَ قــبسةٌ مِمَّن تجلّى نورُه     للطورِ مِن ســـــينا فدكَّ الطورا

ولدتــــــكَ آمنةُ الفخارِ مُباركاً     ومُــــــــــطيَّباً ومطهَّراً تطهيرا

وحواكَ منها حجرُ أكرمِ حرَّةٍ     وإذا النساءُ كرمنَ طبنَ حِجورا

وقال فيه (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أيضاً:

بالــــــكتابِ المنيرِ أحمدُ جاءَ     معجزاً مفحماً به البلغاءَ

فيه تبيانُ كلُّ شيءٍ وأحصتْ     آيةٌ كــــلَّ حكمةٍ إحصاءَ

ولما فــي الصدورِ فيهِ شفاءٌ     حينما جـهلها يكونُ الداءَ

جاءنا بالـــهدى رسولٌ أمينٌ     خاتماً رسـلَ ربِّه الأمناءَ

جاءَ كالبدرِ جاءَ والليلُ داجٍ     يتـــــجلّى فـمزَّقَ الظلماءَ

وقال في أمير المؤمنين (عليه ‌السلام)

مضى طه وقــــــامَ وصيُّ منه     مديراً مِــن شريعتِه رحاها

وفوقَ مــــــنصَّة الأحكامِ منها     عــــــليٌّ قد تربَّعَ واعتلاها

ففاضــتْ ثمَّ فاضتْ ثمَّ فاضتْ     ركي الفضـلِ طافحةً دلاها

فلو وردته عطشى الخلقِ طرَّاً     لروّى من مـــنابعِه ظماها

لـــــــه من فوقِ منبرِهِ سلوني     سلوني هل بــــها إلاهُ فاها

وفيه (عليه السلام) أيضا قال:

ولاؤكَ حصـــني يا عليُّ وجنّتي     إذا قصرتْ يــــــــومَ القيامةِ حُجَّتي

أفي النارِ ترضى أن يُزجَّ مُعذّباً     وليُّكَ لا يشتمُّ روحاً لـــــــــــــــجنَّةِ

وحبُّكَ منه خامـرَ اللحمَ وهوَ في     غشا الرحمِ في دورِ اختباءِ الأجنّةِ

وإذ ألقمتني ثديَهـــا الأمُّ في اللبا     تــــــــــــــــذوَّقته مـنه لأوَّلِ رشفةِ

ببابِكَ حطّ الرحلَ مولاكَ عالماً     بأنّكَ يا مولى الــــــورى بابُ حطةِ

وقال في يوم الغدير:

هـــــيَ بيعةٌ لكَ يـا عليُّ أقامَها     خيرُ الأنامِ بمشــــــهدِ الإملاءِ

يومُ الغديرِ إذ الـحـجيجُ معرَّسٌ     فيما أحاطَ به مِــن الصحراءِ

وله أقــــــــيمَ مِن الحلائجِ منبرٌ     يحنو عليهِ الــــدوحُ بالإفناءِ

حيثُ الهواجرُ قد ذكتْ نيرانُها     والرمــــــــلُ مُتّقدٌ بحرِّ ذُكاءِ

فعلاهُ خيرُ المرسليـــــنَ محمدٌ     وأتى بتلك الخطبةِ العصماءِ

وقال في الإمام الحسين (عليه السلام):

أعنِ الإبا يرضى الحـــــسينُ عدولا     والخسفُ هل يرضى عليه نزولا

وهـــــــــوَ الذي أنِــــفَ الدنيّةَ قائلاً     أنا ما خُلقـــــــتُ لأن أعيشَ ذليلا

وأنا ابنُ أعراقِ الثرى مِن هــــاشمٍ     وأعزُّ مَــــــن تــحتَ السماءِ قبيلا

فإذا تحدّاني وهـــــــــاجــــمَ منعتي     عاتٍ شهرتُ الصــارمَ المصقولا

ودفعتُ نفسي للمـــــــــــهالكِ قائلاً     لا عـــــــــزّ إلّا أن تـــموتَ قتيلا

لستُ الحسين وليسَ حــــيدرة أبي     إن لـــــم أشقَّ إلى الكفـــاحِ سبيلا

وأخضْ غمارَ الموتِ يتبعُ بعضُها     بعضــــــاً وتعترّ السيـــولُ سيولا

أأهونُ والشرفُ الأصيـــــلُ يلفّني     بــــرداً ويعصبُ مفرقـــي إكليلا

وأبي عـــــــــــليٌّ مَن تردّى بردةً     للـــــــفخرِ تلثمها النجومُ ذيـــولا

والأمُّ فاطمةُ التـــي في القرطِ مِن     عرشِ المـــهيمنِ كانتِ القنـديلا

وأنا الذي هزّ المـــــــــلائكُ مهدَه     ولظهرِ أحمـــدَ كم غدا محمـولا

ولكم تنشّقَ وفرتي ريــــــــــحانةً     طه وقبَّـــــــــــلَ مبسمي تقــبيلا

أحسينُ للدينِ الحنــــــــيفِ وللإبا     وكلاهما لكَ قـــــد غدا مكــفولا

جرَّدتَ عزمَكَ ثائراً وشـــــحذته     سيفاً أغرَّ وساعــــــــــداً مـفتولا

فوقفتَ إذ عبسَ الفوارسُ بـاسماً     وتهزّ فيها الصارمَ الـــــمصقولا

للهِ وقفتكَ الـــــــــــتي كمْ للورى     أدهــــــشتَ ألباباً بها وعــــقولا

................................................

1 ــ مقال نشر في مجلة البلاغ الكاظمية تحت عنوان (علائق شعرية عراقية عاملية) العدد السادس / السنة الثانية

2 ــ أدب الطف ج 10 ص 273

3 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٥ ص ١٦٣

كما ترجم له:

السيد عبد الحسين شرف الدين / بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين ج 2 ص 284

كاظم عبود الفتلاوي / المنتخب من أعلام الفكر والأدب ص 265

كامل سلمان جاسم الجبوري معجم الشعراء ج 3 ص 220 ــ 221

المرفقات

: محمد طاهر الصفار