849 ــ جواد الشبيبي (1280 ــ 1363 هـ / 1863 ــ 1943 م)

جواد الشبيبي (1280 ــ 1363 هـ / 1863 ــ 1943 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه ‌السلام) تبلغ (27) بيتاً، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء:

ضحى وقعةٍ بـ(الطفِّ) جلّت ودُكدكتْ    معــــاربُها مِن هولِها والمشارقُ

طـــــــــــــــــوائحُها قد طوّحتْ بمُلمّةٍ    على مثلِها تقذى العيونُ الروامقُ

ظلامٌ مُثارُ النــــــــــــــقعِ فيها سحابةٌ    دجـتْ وحرابُ السمهرياتِ بارقُ (1)

الشاعر

الشيخ جواد بن محمد بن شبيب بن إبراهيم بن صقر البطائحي المعروف بـ(الشبيبي الكبير)، (2) من أعلام العراق في الأدب والعلم والجهاد، ولد ببغداد في أسرة علمية وبعد أسبوع من ولادته توفي أبوه، فجاءت به أمه الفاضلة ــ وهي بنت العالم والأديب الشيخ صادق إطيمش ــ إلى النجف حيث كان يقيم، فرباه جده وأحسن تربيته، وكانت له أراض وضياع في قضاء الشطرة فكان يصحبه معه إليها ويرافقه في رحلاته ويغذيه من علمه ويحثه على العلم والأدب. إلى أن توفي جده عام 1296 هـ وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره (3)

يقول السيد محسن الأمين: (وتعلم القراءة والكتابة وجود الخط حتى اشتهر فيه وكان جده المذكور كثير الرعاية له والعناية به حريصاً على تربيته وتهذيبه حتى شدا الشعر والأدب صبياً فزاد إعجابه به وأحبه حباً شديداً وصار يغذيه بهذا ومثله) (4)

وبعد وفاة جده هاجر الشبيبي إلى النجف ومنها إلى بغداد متردداً بينها وبين الكاظمية حتى اتجه إلى النجف قبلة العلم فدرس على يد السيد مهدي الحكيم، والسيد عبد الكريم الأعرجي ــ شارح القوانين ــ والشيخ أحمد المشهدي، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والسيد حسن القزويني، والشيخ محسن الخضري، والشيخ علي الشرقي (5)

ورغم تفوقه في العلم ونبوغه في الفقه إلا أنه اتجه للأدب والشعر يقول السيد الأمين: (ووجد بخطه نبذة في الأصول كتبها أيام درسه غير أنه كان مسوقاً منذ نشأته كما تقدم إلى الأدب منظومه ومنثوره فصرف وكده واستفرع جهده فيهما وقد تميز بالترسل والبيان حتى سمع من غير واحد من رجال الفن إنه أكتب كتّاب هذه الديار وذلك على الأساليب العربية القديمة ورسائله معروفة مشهورة وله من المجاميع الدر المنثور على صدور الدهور وهو مجموع رسائله ومكاتباته). (6)

وكان الشبيبي من شعراء ثورة العشرين وقادتها ضد الاحتلال الإنكليزي مع ولديه محمد باقر ومحمد رضا الذي أطلق عليه لقب (سفير الثورة)، وكانت تربطه علاقات وثيقة مع كبار شعراء عصره منهم: هادي بن عباس الجعفري، وعبد الكريم الجزائري، وجعفر الحلّي، وباقر الهندي، وعبد الحسين الحلي، وغيرهم الذين كانوا يمثلون عماد النهضة الأدبية في ذلك الوقت.

قال عنه الشيخ محمد السماوي: (قبلة الأدب التي تُحج، وريحانته التي تشم ولا تزج، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم، والباذل حيث وجد، فما عرف الضيم، عاشرته فوجدته حسن العشرة، مليح النادرة، صافي النية، حلو الفكاهة، قوي العارضة، مع تمسك بالدين، والتزام بالشرع، مودة لأهل الفضل، وله شعر سهل اللفظ، جزل المعنى، حلو الانسجام) (7)

وقال السيد محسن الأمين: (شيخ شعراء العراق وأحد أعلامه وأعيانه..) (8)

وقال الأستاذ جعفر الخليلي: (كان اسمه من الشهرة بحيث لا أذكر اسم الأدب بجميع فنونه إلا وكانت له من المناسبة ما تجعل الاتصال وثيقاً باسم الشبيبي الكبير وكان عدد أدباء العربية الموهوبين في عصره كبيراً جداً وعلى كبر هذا العدد فقد كان في الرعيل الأول من المتفوقين والعباقرة وقد كنت أعلم أنه من روّاد مجالس آل الشيخ عباس الجعفري والسيد علي العلاق والسيد حسين القزويني ومن أقران الشيخ هادي ابن الشيخ عباس الجعفري والشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ عبد الحسين الجواهري والشيخ آقا رضا الأصفهاني والسيد علي العلاق والسيد جعفر الحلي والسيد باقر الهندي وكنت أعلم أن لهؤلاء تاريخاً حافلاً بالفضيلة والكرامة واليهم يرجع الفضل في بناء النهضة الأدبية وكذلك له مع الطبقة التي تليهم كالشيخ عبد الحسين الحلي والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي والشيخ عبد الحسين الحياوي وغيرهم وله مع هذه الطبقات نوادر ونكات غاية في الرقة ومساجلات شعرة كثيرة وكان هو المجلي في شعره ونثره ونوادره وسرعة خاطره (9)

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (عالم فاضل وأديب كامل، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه (اللؤلؤ المنثور) وديوان شعره، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين: التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول) (10)

وقال السيد جواد شبر: (شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد... من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته) (11)

وقال عنه الدكتور كامل سلمان جاسم الجبوري: (عالم وأديب وشاعر.. شيخ أدباء العراق ومن قادة ثورة العشرين.. نادم الشعراء وأصبح من فرسانهم مع طيب النفس والظرافة والكياسة في الحديث والتدبر في الأمور وبرع في علوم الأدب وأصاب خبرة واسعة واطلاعا وافرا وأحاط بعلم اللغة أيما إحاطة وقد جمع بين الإكثار والإجادة فشعره مع كثرته جيد رصين وسلس متين انتقل إلى بغداد واستقر فيها وأقام له مجلسا في بيته يرتاده كبار العلماء والساسة) (12)

وقال الخاقاني: (عالم جليل، وأديب فذ، وشاعر خالد، ومفخرة النجف الباقية) (13)

غادر الشبيبي النجف واستقر في بغداد (الكرادة الشرقية) حتى وفاته فيها ودفن في النجف الأشرف

له من المؤلفات كتاب (اللؤلؤ المنثور على صدور الدهور) وهو مجموع نثره، وكتاب (حياة الشيخ خزعل خان) إضافة إلى ديوان شعر

وقد ذكر الخاقاني في ترجمته كثيراً من كتاباته ورسائله ومواقفه الجهادية حيث ترجم له في (257) صفحة وهو ما يوازي كتاباً مستقلاً (14)

شعره

قال السيد الأمين: (وله ديوان شعر ولكنه فقد أخيراً فيما فقد من المسودات الخطيرة الخاصة به بسبب الكوارث الداخلية التي ألمّت بالبلاد أخيراً على أنّ كثيراً من شعره مما يتناقله الرواة وقد نشرت له المجلات قليلا من القصائد والمقاطيع ولقد أعرض عن النظم والكتابة في أواخر حياته)، وقد قام الشاعر السيد محمود الحبوبي النجفي، بجمع شعره ما تفرق من شعره فكان أكثر من 2500 بيت، في 400 صفحة) (15)

وقال الخاقاني: (كان على جودة شعره ورصانته وإبداعه مكثراً مجيداً قل من رأيت من مشايخ الأدب المعاصرين من أكثر وأجاد غيره، وقد بلغ ما نظمه أكثر من أربعين ألف بيت لم نعثر منها إلا على عشرة آلاف بسعي الأستاذ السيد محمود الحبوبي...) (16)

قال من قصيدته في رثاء الإمام الحسين (عليه ‌السلام):

أما آنَ أن تجــــــــــــــري الجيادُ السوابقُ    فتندكُّ منها الراســــــياتُ الشواهقُ

بعيــــــــــــــدات مهوى اللجمِ يحملنَ فتيةً    عليهمْ لواءُ الــــــنصرِ بالفتحِ خافقُ

تطلّعَ فيها قـــــــــــــــــــــــــائمٌ بشروطِها    إذا عــــــــارضتها بالوشيجِ الفيالقُ

ثوابتُ يجـــــــــــــــــــريها شوارقُ بالدما    وكيــــــفَ تسيرُ الثابتاتُ الشوارقُ

جرى الأمرُ أن تبقى لأمـــــــــــرٍ حبائساً    إلــــــــى أمدٍ إن يقضَ فهيَ طلائقُ

حرامٌ عليها الـــــــــــسبقُ إن هيَ أزمنتْ    رباطاً وصدرُ الدهرِ بالجورِ ضائقُ

خـــــــــــــــــفاءً وليّ الأمرِ ما إنَّ موقفٌ    تُسلُّ به منكَ السيوفُ الــــــــبوارقُ

دعِ البيضَ تُنشي الموتَ أسودَ في الوغى    بها من دمِ القتلى المــــراقِ طرائقُ

ذوابحُ إلّا أنـــــــــــــــــــــــــــــــهنَّ أهلّةٌ    صوائحُ إلا أنــــــــــــــهنَّ صواعقُ

رقاقٌ تعلّقنَ الـــــــــــــــــــــــطلى فكأنما    لها عنــــــــد أعناقِ الـــكماةِ علائقُ

زهتْ ظلماتُ الحربِ مـــــــــــنها بأنجمٍ    يُشقُّ بها فجرٌ من الضـــربِ صادقُ

ســــــــــقتْ شفقَ الهيجاءِ أحمرَ أمرعتْ    به مِــــــن رؤوسِ الناكـــثينَ شقائقُ

شقائقُها فـــــــــــــي منبرِ الهامِ أفصحتْ    وما أفصحتْ عند الهديـــرِ الشقاشقُ

صِلِ الـنصلَ بالنصـــــلِ المذرَّبِ مدركاً    تــــــراثٍ لها بيضاً تعـــودُ المفارقُ

ضــحـى وقعةٍ بـ(الطفِّ) جلّت ودُكدكتْ    معــــــاربُـها مِن هولِهـــا والمشارقُ

طــــــــــــــــــــوائحُها قد طوّحتْ بمُلمّةٍ    على مـثلِهـا تقذى العيـــونُ الروامقُ

ظلامٌ مُـــثارُ النــــــــــــــقعِ فيها سحابةٌ    دجـتْ وحــرابُ السمهـــرياتِ بارقُ

عفتْ صــاحبَ الخطبِ الطروقِ منازلاً    لآلِ عليٍّ لــم تطأهــــــــــا الطوارقُ

غداةَ ابنِ حــــــربٍ شبَّ حرباً تسجّرتْ    به حرماتُ الــوحـــي وهـــيَ حدائقُ

فجاءَ بها تستمطــــــــــرُ الصخرَ عبرةً    ومن وقعِها يلــوي الشبابُ الـــغرانقُ

قــــــــــــضى ظمأ فيها الحسينُ وسيفُه    بـــــدا بارقٌ منه وأرســــــــــلَ وادقُ

كفى الطيــــــــرَ أن ترتادَ طعـماً وكفّها    بـــــأسرابِها أنّى استــــــــدارَ خوافقُ

له الصعدةُ الســــــــمرا فقلْ قـلمُ القض‍ا    جـــــرى بالمنايا والصـدورُ المهارقُ

مضى ومضى أصحـابُه عـاطريْ الثنا    ومــصـــرعُهم بالحــمـدِ لا الندِّ عابقُ

نَحَوا وجهةَ الموتِ الــــــــزؤامِ بأوجهٍ    وِضــاحٍ لـــها تصبو الـنبالُ الرواشقُ

هُموا مُذ قضوا عادتْ بناتُ مــــــحمدٍ    قــــــــــــــــــلائدُهـا مبتـزّةً والمناطقُ

ينُحنَ ولا حـــــــــــــــامٍ ويعطفنَ هُتّفاً    بكلِّ محـــــــــــــامٍ فيه تُحمى الحقائقُ

.......................................................

1 ــ أدب الطف ج 9 ص 267 ــ 268

2 ــ شعراء الغري ج 2 ص 179

3 ــ أدب الطف ج 9 ص 269

4 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٨٢

5 ــ شعراء الغري ج 2 ص 180 ــ 181

6 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 282 ــ 283

7 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 38

8 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٨٢

9 ــ هكذا عرفتهم ج 1 ص 55

10 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 202

11 ــ أدب الطف ج 9 ص 269

12 ــ معجم الأدباء ج 2 ص 85

13 ــ شعراء الغري ج 2 ص 179

14 ــ شعراء الغري ج 2 من ص 179 إلى ص 436

15 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٨٣

16 ــ شعراء الغري ج 2 ص 182

كما ترجم له وكتب عنه:

يحيى مراد / معجم تراجم الشعراء الكبير ص 320

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 1 ص 281

حمّود الحمادي الشبيبي الكبير - الشيخ محمد جواد الشبيبي.. حياته وأدبه

الدكتور خضر موسى محمد حمود / معجم الدر الثمين في مدح سيد المرسلين صلى الله عليه وآله ص 141

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 2 ص 143

أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 7 ص 120

الشيخ محمد حرز الدين / معارف الرجال ج 1 ص 202

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 128

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 3 ص 168

أغا بزرك الطهراني / نقباء البشر ج 1 ص 337

الشيخ محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 2 ص 717

حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ج 1 ص 185

الشيخ جعفر النقدي / الروض النضير ص 23

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار