846 ــ محمد سعيد الحائري الاسكافي (1250 ــ 1319 هـ / 1834 - 1901 م)

محمد سعيد الحائري الاسكافي (1250 ــ 1319 هـ / 1834 - 1901 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (36) بيتاً:

وليسَ كـــــيومِ (الطفِّ) يومٌ فإنه     أسالَ مِن الـــــــــــعينِ المدامعَ عَندما

غداةَ استفزّتْ آلُ حربٍ جموعَها     لحربِ ابنِ مَن قد جاءَ بالوحي معلما

فلستَ ترى إلّا أصــــــــــمَّ مثقفاً     وأبــــــــــــيضَ إصليتاً وأجردَ أدهما (1)

ومنها:

فأضحى لقىً في عرصةِ (الطفِّ) شلوُه     ترضُّ العوادي منه صدراً معظما

ويُــــــــــهدى على عالي السنانِ برأسِه     لأنــــــــذلَ رجسٍ في أميَّةَ مُنتمى

وينكتُه بالـــــــــــــــــــــخيزرانِ شماتةً     يزيدٌ ويـــــــــــــغدو ناشداً مُترنّما

وقال في رثائه (عليه السلام) من أخرى تبلغ (34) بيتاً:

فللهِ يومٌ جرى في (الطفوف)     فقد كانَ في الدهرِ يوماً عصيبا

غــــــداةَ حـسينٍ وخيلُ العدى     تـــــــسدُّ عـليهِ الفضاءَ الرحيبا

دعته لــــــــــينقادَ سلسَ القياد     وتأبـــــــــــــى حميّتُه أن يجيبا (2)

ومنها:

أيــــــا بـدرَ تمٍّ عراهُ الخسوف     فأبدى بوادي (الطفوف) غروبا

أريحانــةُ المصطفى هل ترى     درى الـمصطفى بكَ شلواً سليبا

يعزّ على المصطفى أن يرى     على التــــربِ خدَّكَ أمسى تريبا

الشاعر

الشيخ محمد سعيد بن محمود بن سعيد النجفي المعروف بـ (الإسكافي)، و(النجفي)،  عالم وشاعر وأديب كبير، ولد في النجف الأشرف، وتوفي والده وله من العمر سنتان، درس علوم العربية والفقه والأصول، كما درس الأدب الفارسي وتضلع فيه فحاز من اليراعة في اللغتين أوفر وأوفى نصيب (3)

هاجر إلى كربلاء واستقر فيها فسكن مدرسة (البقعة) التي تقع بين الحرمين وكان يزوره فيها أصدقاؤه من العلماء والأدباء في النجف في مواسم الزيارات. كما كان بدوره يبادلهم الزيارات إلى النجف وكانت وفاته في كربلاء ودفن في الروضة الحسينية المقدسة، ولم يتزوج. (4)

أما عن أصله فقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (قيل أن أصل آبائه راجع الى آل بويه ملوك العراق قديماً) (5)

ويقول السيد جواد شبر: (ومما يجدر ذكره أنه من أسرة تعرف بـ (آل الحاج علي هادي) ولم يكن من آل السكافي (البيت النجفي المعروف) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤولة، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت التي تقطن النجف زهاء الف عام، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية (فرامين) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكم التربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة ١٢٧٦ ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة...) (6)

وذكر الشيخ جعفر محبوبة أسرة الشاعر وأسماهم (بيت الحاج علي هادي) وإنه بيت قديم في النجف معروف بالتقى والصلاح ولهم على عهد الملالي نيابة السدانة في الحرم ولهم دور واسعة مجاورة للصحن الشريف من جهة الشرق وكان لهم طريق الى الصحن من بعض دورهم. (7)

و قال الشيخ أحمد بن درويش علي الحائري في ترجمته: (الجامع لأشتات المفاخر، كانت لآبائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة الحيدرية المنورة حينها كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمان وهو الملا يوسف، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية ولله في خلقه كل يوم شأن). (8)

وقال الشيخ محمد علي الأوردبادي: (كان نائب خازن الروضة الحيدرية ولد في النجف وأخيراً سكن كربلاء شاعر مكثر، سلس النظم وهو أبن أخت الشاعر الشيخ عباس الملا علي البغدادي المعروف) (9)

وقال السيد محسن الأمين: (حصلت له الملكة باللغة الفارسية كما أحرزها باللغة العربية وآدابها حتى كان الفرس والعرب يراجعونه فيما يشكل عليهم من اللغتين وكان ينظم في اللغة الفارسية والعربية) (10)

قال عنه عبد العزيز البابطين في معجمه: (شعره تقليدي في أغراضه وبنيته، يتميز بطول النفس والغزارة ومتانة التركيب، أغراضه محدودة تدور حول المدح والرثاء والمراسلات والتهاني، فترتبط بالمناسبات الاجتماعية، وأكثر شعره في المدح).

شعره

قال من قصيدته الحسينية الأولى:

وليسَ كــــيــــــــومِ (الطـــفِّ) يومٌ فإنه     أسالَ مِــن الـــــــــــعينِ المدامعَ عَندما

غداةَ اســـــــتفزّتْ آلُ حـــربٍ جموعَها     لحــربِ ابنِ مَن قد جاءَ بالوحي معلما

فلـــــــستَ ترى إلّا أصـــــــــــــمَّ مثقفاً     وأبــــــــــــــيضَ إصليتاً وأجردَ أدهما

أضلّت عداها الرشد والــهدي والحجى     وباعــت هــــــــداها يوم باعته بالعمى

أتـــــــــحسبُ أنَّ يـــستسلمَ السبط ملقياً     إليهــا مقـــــــــــــــــاليدَ الأمورِ مُسلّما

ليوث وغـــــــــــىً لم تتخذ يومَ مـعركٍ     بهــا أجـــــــــــــماً إلّا الوشيجَ المقوّما

ولم ترضَ غيرَ الهامِ غمداً إذا انـتضتْ     لــدى الروعِ مشحوذَ الغرارينِ مخذما

ولـــــــــــــــــــهفي لآلِ اللهِ بعدَ حماتِها     وقـــــد أصبحتْ بين المضلّينَ مَغــنما

إذا استنجدتْ فتيانَها الصيدَ لـــــــم تجدْ     برغمِ الــــــعُلى غيرَ العليلِ لها حِــمى

تحومُ بها أجوازَ كــــــــــــــــــلِّ تنوفةٍ     وتُسبى على عجفِ المصاعبِ كــالإما

حواسرَ مِــــــــــن بعدِ التخدّرِ لا ترى     لها ساتراً إلّا ذراعـــــــــــاً ومعــصـما

وزيـــــــــــنبُ تدعو والشجا يستفزّها     أخاها ودمعُ العينِ ينهلُّ عنــــــــــــــدما

أخي يا حِمى عزّي إذا الــدهرُ سامني     هـــواناً ولم يتركْ ليَ الدهرُ مــن حِمى

لقد كان دهري فيــــكَ بالأمسِ مشرقاً     فهــــــــا هوَ أمسى اليومَ بــعدكَ مُظلما

وقد كنتَ لـــــــــــــي طوداً ألوذُ بظلّه     وكهفاً مــــــــــــــــتى خــطبٌ ألمَّ فألّما

أديـــــــــــــرُ بطرفي لا أرى غيرَ أيّمٍ     تجاوبُ ثكلى في الـــــــــــــــنياحةِ أيّما

رحلتَ وقــــــــــــد خلّفتني بين صبيةٍ     خماصِ الحشى حرَّى القلوبِ مِن الظما

عـــــــــــــدمتُ حياتي بعد فقدِكَ إنني     أرى بعــــــــــدكَ العيشَ الرغيدَ مُذمّما

أرى كلّ رزءٍ دونَ رزئكِ في الورى     فللهِ رزءٌ ما أجـــــــــــــــــــلَّ وأعـظما

وقال من الأخرى:

يـقلّ لـــــدمعي دماً أن يـصوبا     ولـلقلبِ مـني أسىً أن يـــــذوبا

لـــــــــــما قـد ألـمّ بـآلِ الـنبيِّ     فأجرى الـدموعَ وأورى القلوبا

ولا مثلَ يومهمُ فـي (الطفوف)     فقد كانَ في الدهرِ يوماً عصيبا

غــــــداةَ حـسيـنٍ وخيلُ العدى     تـــــــسدُّ عـليهِ الفضاءَ الرحيبا

دعته لــــــــــيـنقادَ سلسَ القياد     وتأبـــــــــــــى حميّتُه أن يجيبا

فــــــــــــــــهـبَّ لحربِهمُ ثائراً     بفتيــــــانِ حربٍ تشبُّ الحروبا

فمِن كلِّ أسـدِ وغــــــــىً تتقي     له في الـوغى الأسدُ بأساً مهيبا

وأروع يغشـى الوغى بــاسماً     ووجهُ المــــــــــنيةِ يـبدو قطوبا

فكمْ ثلـــــــمـتْ للمواضي شباً     وكم حطّمت للعــــــوالي كعوبا

إلى أن ثوتْ في الــثرى جثّماً     تـضوّعَ مِن نشرِها التربُ طيبا

وأضحــى فريداً غريبَ الديارِ     بنفــــــسيَ أفدي الفريدَ الغريبا

فراحَ يخوضُ غـمارَ الحتوفِ     ونارُ حـــــــــــــشاهُ تشبُّ لهيبا

يعزّ عـلى المصطفى أن يرى     بـقانــــي الدما لكَ شيباً خضيبا

يعزّ علـى المصطفى أن يرى     بأيدي الــــعدى لكَ رحلاً نهيبا

ويا هل تــــــرى علمتْ فاطمٌ     نساؤكَ رُكّبــــــــــنَ للسبي نيبا

وصدرُكَ يغـــدو مغارَ الجيادِ     وكانَ لــــــــــصدرِ النبيِّ ربيبا

ألانتْ قناتي يـــــــدُ الحادثات     وقد كــــــانَ غمزُ قناتي صليبا

..............................................

1 ــ أدب الطف ج 8 ص 160 ــ 161 / ذكر منها الخاقاني (25) بيتاً في شعراء الغري ج 9 ص 136 ــ 137

2 ــ شعراء الغري ج 9 ص 110 ــ 111 / ذكر منها (21) بيتاً في أدب الطف ج 8 ص 157 ــ 158

3 ــ شعراء الغري ج 9 ص 94

4 ــ أدب الطف ج 8 ص 160

5 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 151

6 ــ أدب الطّف ج 8 ص 158 ــ 159

7 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 1 ص 200

8 ــ الحصون المنيعة ج 2 ص 371 نقلاً عن (كنز الأديب في كل فن عجيب) للحائري

9 ــ سبائك التبر فيما قيل في المجدد الشيرازي وآله من الشعر ص 44

10 ــ أعيان الشيعة ج ٩ ص ٣٤٢

كما ترجم له:

السيد محمد مهدي الموسوي الكاظمي / احسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة ج 2 ص 59

أغا بزرك الطهراني / طبقات أعلام الشيعة ج 2 ص 823

الشيخ محمد حرز الدين / معارف الرجال ج 2 ص 289

كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 175

ميرزا محمد علي حبيب آبادي / مكارم الآثار في أحوال الرجال ج 4 ص 1372

الشيخ عبد الحسين الأميني / شهداء الفضيلة ص 333

محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 12 / ج 2 ص 677 

كامل سلمان جاسم الجبوري / معجم الشعراء ج 5 ص 34

سامي ندا جاسم الدوري / موسوعة شعراء العرب ص 645

إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 3 ص 990

معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين

أحمد بن درويش الحائري البغدادي / كنز الأديب في كل فن عجيب ــ مخطوط

سلمان هادي آل طعمة - شعراء كربلاء ج 5 ص 37 ــ 45

محمد علي اليعقوبي / بحث ــ الشيخ محمد سعيد الإسكافي / مجلة الاعتدال مجلد 4 العدد 7 لسنة 1365 هـ / 1937 م

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار