820 ــ عبد الله بن عوف الأزدي (توفي 65 هـ / 685 م)

عبد الله بن عوف الأزدي (توفي 65 هـ / 685 م)

قال من قصيدة تبلغ (52) بيتاً في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والدعوة لأخذ ثأره:

عليهمْ سلامُ اللهِ ما هــبَّت الـصــبا     وما لاحَ نجـمٌ أو تحـــدَّر هاويا

سقى الله قبراً ضمَّنَ المجدَ والتقى     بغربيةِ (الطفِّ) الغمامَ الغواديا

فيا أمَّةً تاهتْ وضـــــــلّتْ سفـاهةً     أنيبوا فأرضوا الواحدَ المتعاليا (1)

الشاعر

عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي (2) وورد باسم عوف بن عبد الله بن الأحمر (3) وقد ذكره المحقق الكرباسي باسم عبد الله وقال إن اسم عوف هو تصحيف (4)

وعبد الله بن عوف هو شاعر التوابين، عده ابن حجر من الصحابة (5) وقد شهد عبد الله مع أمير المؤمنين (عليه السلام) صفين وكان من مواقفه في هذه المعركة هو أنه لما منع معاوية الماء عن جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) أرسل علي (عليه السلام) شبث بن ربعي الرياحي، فازداد القتال. فأرسل معاوية عمرو بن العاص في جند كثير، فأخذ يمد أبا الأعور ويزيد بن أسد.

ثم أرسل على الأشتر في جمع عظيم، وجعل يمد الأشعث وشبثاً، فاشتد القتال.

فقال عبد الله بن عوف الأزدي الأحمري:

خلوا لـنا ماءَ الفراتِ الجاري     أو أثبتـــــــوا لجحفلٍ جرّارِ

لــــــكلِّ قرمٍ مستميتٍ شاري     مـــــــــطاعنٍ برمحِهِ كرَّارِ

ضرّابِ هاماتِ العدى مغوارِ     لمْ يخشَ غيرَ الواحدِ القهَّارِ

وقاتلوهم حتى خلوا بينهم وبين الماء وصار في أيدي أصحاب علي (6)

ثم خرج ابن عوف مع التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ولما قتل أغلب التوابين وقلّ عددهم، أشار عليهم أميرهم الخامس رفاعة بن شداد بالرجوع عندما طلبوا منه أخذ الراية بعد أن رأى أنهم ميّتون لا محالة فقال لهم: (لعل الله يجمعنا ليوم هو شر لهم).

ولكن عبد الله بن عوف كان له رأي آخر وهو الاستمرار بالقتال حتى مغيب الشمس ثم السير على مهل فقال له:

(هلكنا و اللّه لئن انصرفنا ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك عن آخرنا، و ان نجا منا ناج أخذته العرب يتقربون به إليهم فقتل صبرا هذه الشمس قد قاربت الغروب، فنقاتلهم على خيلنا فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل و سرنا حتى نصبح و نسير على مهل و يحمل الرجل صاحبه و جريحه و نعرف الوجه الذي نأخذه). (7)

فاستصوب رفاعة رأيه وأخذ الراية ورجع للقتال بمن معه وحاول جيش الشام القضاء عليهم واستئصالهم في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس لكنهم فشلوا لبسالة التوابين وبطولتهم.

أما قصيدته فهي من المكتمات، وهي من القصائد التي (كنّ يكتَّمن في ذلك الزمان) (8) وقد ذكرها المرزباني بقوله: (له قصيدة طويلة رثى بها الحسين بن علي عليه السلام، وحضّ الشيعة على الطلب بدمه، وكانت القصيدة تُخبّأ أيّام بني أُميّة) (9)

والمكتّمات هي قصائد تحمل شعارات ومضامين معارضة للسلطة وتحريض الناس ضدها ودعوتهم للثورة ضدها.

يقول أبو الفرج الأصفهاني: (كانت الشعراء لا تقدم على رثاء الحسين مخافة من بني أمية وخشية منهم) (10)

وكما كانت تخبأ في زمن بني أمية فقد أضيع منها وقد ذكر السيد جواد شبر أربعة عشر بيتاً ومنها، وقال: (لا عجب إذا ضاع أكثر القصيدة وذهب جلها ولم يبق منها إلا هذه الأبيات لأن الدور لبني امية والضغط على شيعة أهل البيت كان قائماً على قدم وساق ، لذا يقول المرزباني: وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني أمية حيث كانوا يأخذون الناس بالترغيب والترهيب ومتى حورب الشخص بهذين العاملين محى اسمه ومات وانطفأ ذكره) (11)

أما عدد أبياتها فيقول الأستاذ جورج قنازع: (ونخص بالذكر تلك القصيدة التي قالها الشاعر عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي في رثاء الحسين والتي أورد بعض أبياتها المرزباني وقال نقلا عن الكلبي إنها كانت تخبأ أيام بني أمية إنما خرجت بعد ذلك وهي قصيدة طويلة تقع في اثنين وخمسين بيتاً نجد معظم أبياتها في أمالي الشجري) (12)

قال الأزدي من قصيدته:

صحـوتُ وودعتُ الــصـبا والغوانيا     وقلـتُ لأصحابي أجــــيـبـوا المــناديا

وقـولوا له إذ قـامَ يــدعـو إلى الهدى     وقبــــل الـدعا لبـــــيــك لبيـك داعـيـا

ألا وانع خـــيرَ النــــاسِ جدَّاً ووالداً     حـسـيـناً لأهلِ الـدينِ إن كــنـتَ ناعـيا

وقوموا له إذ شـــــــدَّ للحـربِ أزرَه     فكل امـرىءٍ يُجـزى بمـا كـان ساعـيا

وقـودوا إلى الأعـــــــداءِ كلَّ مضمَّرٍ     لحوقٍ وقـودوا الســابحاتِ الـنواجـيـا

وسيروا إلى الأعــداءِ بالبيضِ والقنا     وهـزُّوا حـــــراباً نحـوهـم والعــواليـا

وحنّـوا لخيـرِ الـخــلقِ جَـــدَّاً ووالـداً     حسينٌ لأهـــلِ الأرضِ لا زالَ هـاديـا

ألا ابكوا حسيناً مـعدنَ الجودِ والتّقى     وكـانَ لـتـضعيـفِ المثوبـةِ راجـــــــيا

ألا ابكـوا حسيـنــاً كلّمـــا ذرَّ شـارقٌ     وعنـد غــسوقِ الليـلِ فابكوا إمـــــاميا

ويبكي حسيناً كـل حـــــــافٍ وناعلٍ     ومن راكبٍ في الأرضِ أو كانَ ماشيا

لحـا الله قومـاً كـاتبـوه لغــــــــدرِهم     وما فيهــمُ مــن كــــــــان للديـنِ حاميا

ولا من وفى بـالعهدِ إذ حُمي الوغى     ولا زاجــــــــــراً عنه المضليـنَ ناهيا

ونـــــــــحنُ سمونا لابنِ هندٍ بجحفلٍ     كرجلِ الدبا يــــــــــزجي إليه الدواهيا

فلما التقيـــــــــــــنا بيَّنَ الضربُ أيَّنا     بصـــــــــــفينَ كان الأضرعَ المتوانيا

ليبكِ حسيــــــــــــــناً كلّما ذرَّ شارقٌ     وعندَ غسوقِ اللــــــــيلِ مَن كان باكيا

ولا موفياً بالعهدِ إذ خـــــمسَ الوغى     ولا زاجـــــــــــراً عنه المضلينَ ناهيا

ولا قـائلاً لا تقتـلــــــــوهُ فتـخسـروا     ومن يقتـلُ الزاكــــين يــلقـى المخازيا

ولـم يـكُ إلا نــاكثـاً أو مُـــــــــعـانداً     وذا فجـرةٍ يـأتـي إلــيـهِ وعـــــــــــاديا

وأضحـى حســينٌ للــــرمـاحِ دريئةً     فــغُـودِرَ مســـــــلـوباً لدى الطفِّ ثاويا

قتيلاً كأن لم يــعــرفِ النـاسُ أصلَه     جـزى اللهُ قـومـــــــاً قاتلـــوه المخازيا

فيــا ليتـني إذ ذاكَ كــــــنـتُ شهدته     وضاربتُ عـنـه الشـــانئيـــــن الأعاديا

ودافعتُ عـنه ما اســتطعـتُ مجاهداً     وأغمـــدتُ سيفي فيهــــــــــمُ وسِنـانيـا

ولكن عـذري واضــحٌ غيـرُ مختفٍ     وكـان قعــــودي ظلّـة من ضـــــــلاليا

ويـا ليتني غُــودرتُ فـيمـــن أجـابه     وكنتُ لـه في موضــــعِ القـتـلِ فاديــــا

ويـا ليتني جــاهــدتُ عـنـه بأسرتي     وأهلـي وخلّاني جميــــــــــــعـاً وماليـا

تزلزلـتُ الآفـاقُ مــن عــــظـمِ فقدِهِ     وأضحى له الحــصنُ المحــصَّنُ خاويا

وقد زالت الأطــوادُ من عــظمِ قتلِهِ     وأضحى لـه سامي الشناخـــــيبِ هاويا

وقد كسفتْ شمسُ الضحـى لمصابِهِ     وأضـــــــحـتْ لـه الآفاقُ جهراً بواكـيا

فيا أمّةً ضلّـتْ عـن الـحــقِ والهُدى     أنيبوا فــــــــــإنَّ اللهَ فـي الحكـمِ عــاليا

وتوبوا إلى التوَّابِ من ســوءِ فعلِكم     وإن لــــــم تتـوبـوا تدركـونَ الـمخازيا

وكونوا ضرامـاً بالسيــــوفِ وبالقنا     تفوزوا كمـــــا فازَ الــذي كان ســاعيا

وإخواننا كانـوا إذا اللـيـــــلُ جاءهمْ     تلـوا طولــــه القـــــــرآنَ ثـمَّ المثــانيـا

أصابهمُ أهـلُ الشقــاوةِ والــــــغِوى     فحتـى متى لا يـــبــعـثُ الجيش عاديا؟

عليهمْ سلامُ اللهِ ما هــبَّت الـصــــبا     وما لاحَ نجـمٌ أو تحـــــــــــــــدَّر هاويا

سقى الله قبراً ضمَّـنَ المجدَ والـتقى     بغربيةِ الطفِّ الغمـــــامَ الغــــــــــواديا

فيا أمَّةً تاهتْ وضـــــــــلّتْ سفـاهةً     أنيبوا فأرضوا الواحدَ المتعـــــــــــــاليا

ومن شعر الأزدي ما رواه أبو مخنف عن السري ابن كعب، قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد وأصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبد الله بن عوف بن الاحمر على فرس له مهلوب كَميت مربوع تتأكل تأكلا وهو يرتجز ويقول:

خرجنَ يلــــمعنَ بِنا إرسالا     عوابـســـاً يحــــملنَنا أبطـالا

نريدُ أن نلقــــي بها الأقيالا     القاسطين الـغـــدَّرَ الضّـلّالا

وقد رفضنا الوِلد والأموالا     والـخفرات البيض والحجالا

نرجو به التحــــفة والنوالا     نرضي به ذا النعم المفضالا (13)

................................................

1 ــ ذكر منها (46) بيتاً في كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي ج ٦ ص ٢١١ ــ 213 / ذكر منها (47) بيتاً في كتاب ترتيب الأمالي الخميسية للشجري ــ يحيى بن الحسين الشجري ج 1 ص 235 ــ 237 / ذكر منها (14) بيتاً في أدب الطف ج 1 ص 130 عن كتاب: أدب الشيعة ــ عبد الحسيب طه ــ مصر / ذكر منها (29) بيتاً ديوان القرن الأول ج 2 ص 279 ــ 283 عن مقتل الحسين لابي مخنف ص 171 ، ناسخ التواريخ ج 3 ص 70 / ذكر منها (19) بيتاً في مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ١٦٣ / ذكر منها (8) أبيات في: أصدق الأخبار - السيد محسن الأمين ص ٨

2 ــ كتاب الفتوح - أبن أعثم الكوفي ج ٦ ص ٢١١

3 ــ كتاب ترتيب الأمالي الخميسية للشجري ــ يحيى بن الحسين الشجري ج 1 ص 235 / أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣٨١ 

4 ــ ديوان القرن الأول ج 2 ص 284

5 ــ الإصابة ج 5 ص 128

6 ــ تاريخ الطبري ج 4 ص 570

7 ــ الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٤ ص ١٨٤ / نفس المهموم للقمي جزء 1 ص 518

8 ــ تاريخ الطبري ج 4 ص 274

9 ــ معجم الشعراء ص 126

10 ــ مقاتل الطالبيين ص 121 

11 ــ أدب الطف ج 1 ص 131

12 ــ عبيد الله بن الحر الجعفي: الشاعر الثائر ــ أخباره وأشعاره ص 63

13 ــ مقتل الحسين (ع) - أبو مخنف الأزدي ص ٢٩٢، تحقيق السيد شهاب الدين المرعشي النجفي / مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ١٦٣

كما ترجم له وكتب عنه:

نصر بن مزاحم / وقعة صفين ص ١٦٢

أمالي الشجري / ج 1 ص 179 ــ 180

عباس القمي / الكنى والألقاب ج ١ ص ٤٤٨

جورج قنازع ــ عبد الله بن عوف الأحمر شاعر التوابين مجلة الكرمل العدد 17 ــ 18 لسنة 1998 ص 311 ــ 332

يوسف خليف / حياة الشعر في الكوفة ص 383

المسعودي / مروج الذهب ج 3 ص 93

ابن عساكر / تاريخ دمشق ج ٣٤ ص ٤٨٥

السمعاني / الأنساب ص 224

رباب صالح حسن ــ مكتمة عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي : دراسة أسلوبية

قصي فاضل الخطيب ــ الصورة الفنية في قصيدة (مكتمة) عبد الله بن عوف الأحمر الأزدي

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار