الأسس الجمالية للرسوم الشعبية الدينية..

يعلم كثير من متابعي ومحبي الفنون التشكيلية بأن فن الموروثات الشعبية هي بطبيعتها فنون محافظة تعبر عن طرائق عمل وتفكير وسلوك تقليدي، و من شأن هذه الفنون أن تحافظ على ما تركه الأجداد، وبالتأكيد فان لها موتيفات وأدوات ورموز وأغراض فكرية وعملية نفعية خاصة بها، فهي فنون تراثية تحاكي ما قام به الآباء والأجداد وتحافظ عليه من التلف والضياع وتنقله نقلا مباشرا قد يكون جامدا أحيانا، أو من دون تغير أو تطوير واضح .

تعد الفنون التشكيلية وسيلة لتفريغ الشحنات النفسية والمشاعر و التجارب الإنسانية المختلفة في سياق أحداث تؤثر في الفنان كما تؤثر في المجتمع، وحسبما يمتلكه الفنان الشعبي من موهبة فأنه يمتلك بذلك القدرة على أحداث تغير في شكل الخامة الطبيعي لتتحول الى صورة مبتكرة ذات صفات جمالية محملة بالمعاني والمضامين الفكرية ، أو تكون في شكل تصميمات تستخدم للأغراض النفعية، وتستمد التجربة الجمالية للفنون الشعبية مقوماتها من خلفيات مرجعية فكرية وتاريخية، وهنا يسعى الرسام الشعبي لأن يبدع أشكالاً تحمل مضامين هذه المرجعيات وتولد بالتالي متعة جمالية بصيغة تشكيلية، ويعد موضوع الجمال في الفنون من الإشكاليات المتشعبة فقد دارت حوله آراء وأفكار كثيرة، فقد أصدر أفلاطون حكماً بأن الشكل وليس المضمون هو ما يجعل العمل الفني جميلاً، في حين كان تلميذه أرسطو مقتنعاً بأن هنالك ثلاثة مكونات أساسية للجمال تتمثل بالكلية ، والتآلف ، والإشعاع أو النقاء المتألق، وقد نشأت الأفكار الخاصة بالتوازن والانسجام الشكلي واللوني، والتناسب والنظام، وكذلك مفهوم القطاع الذهبي وضرورة الاعتدال، أو التفريط، عن ذلك المصدر الثقافي القديم.

ولو رجعنا قليلا الى الوراء ولاحظنا بعض من اساليب الفنون المسيحية ، اوجدنا ان الأيقونات كانت تعد أحد الوسائل المهمة لنشر التعاليم المسيحية، فهناك أيقونات معينة استخدمها الرسام المسيحي ليؤكد وجود الله الواحد الاحد اذ ان وجوده أزلي أبدي قائم بنفسه فوق المادة ، وفوق الروح، ليس ذاتاً وليس صفة ، أنه علة العلل ولا علة له، أي أنه مبدأ الوجود كله وجميعه ، فالرسام هنا عادة ما يختار و يتخيل مكانا مفترضا ينظم فيه توزيع الكتل لتكوين مشهد عام يوحي بفكرة الموضوع بناءً على ما جاء من تسلسلات، فيعمد الى وضع مركز بصري او اكثر، ويضع فاصلاً جوياً او سماء بينهما أو فراغاً ليتم الفصل بين القدرة الألهية التي هي العلة الأولى، وبين ما نتج عنها، بمعنى آخر بين السماء والأرض .

ومن جانب اخر ساهمت الخطوط بانواعها وبالخصوص المنحنية منها في أحداث وخلق توازن في الاعمال الفنية الشعبية من خلال تكرارها في الهالات المحيطة برؤوس المقدس من واستدارة اسرج الخيول وملابس شخصيات العمل الفني، ولإعطاء انطباع بالمشهد الطبيعي للتضاريس من رمال وتربة صلبة ونخيل وخيام وغيرها، اذ أستخدم الرسام في بناء هذه الاشكال الخطوط المنحنية والمستقيمة والمنكسرة الحادة الزوايا، مما يثير انتباها حادا عند المشاهد، فبعض هذه الخطوط يثير انتباه حاداً يعبر عن الظلم والقسوة والقلق ، فضلاً عن تعبيره عن الجفاف والعطش كما في اللوحة اعلاه، والتي تميزت بأنتشار الخطوط وتنوعها بين أفقية ومائلة وشاقولية ومنحنية مما يعطي بعدا جمالياً في التعبير عن الشكل والمضمون، اذ أن تأثير الخط لا يبدو واضحا ما لم يكن في حالة بوليفونية أي مختلطاً مع أنواع أخرى من الخطوط ، وهنا تبدو براعة التعبير الفني عند موافقة نسبة أنتشار الخط للتعبير عن المضمون والشكل الفني.

 أما ما يتعلق باللون فأن اللوحة اعلاه قدمت أنسجاماً لونياً وتدرجاً من الأسفل الى الأعلى، فشدة اللون التي تزداد في الأسفل تخفف تدريجياً بالصعود الى الأعلى حسب تسلسل البناء التكويني ، فوضع اللون القاتم بعض الشيء على الأرض والذي يخفف وصولاً الى النور المشع من السماء في الطبقات العليا القريبة من مصدر أشعاعها ، وكل هذه الاشكال او المساحات اللونية طرحها الفنان ببساطة مطلقة، فالبساطة وعدم التعقيد والفطرية في تحويل الأفكار الى صورة حسية يعد محاولة لنقلها بصيغة واقعية وتعبيرية مما يساعد على أضفاء سمة جمالية ، خاصة أذا ما كانت هذه الأفكار تخص العقيدة الدينية، فعندما يراد أرجاع الفن والتمثيل الفني والجميل الى مبدأ وحيد فهذا المبدأ يكون هو الدين حتماً .

كاتب : سامر قحطان القيسي