764 ــ ممدوح عدوان (1360 ــ 1424 هـ / 1941 ــ 2004 م)

ممدوح عدوان (1360 ــ 1424 هـ / 1941 ــ 2004 م)

قال من قصيدة (رُويَ عن الخنساء):

تُبحّ حناجرُ النُدّابِ من ندمٍ بعاشوراءْ

بهيمِ النهرِ كالمجنونِ، والتمساحُ يسكبُ فيه أدمعَه

ويملأ جوفَه المسعورَ بالحمأ

ولكنَّ القتيلَ بـ (كربلاءَ) يموتُ وسطَ النهرِ مِن ظمأ

وآلافُ الحناجرِ كلَّ يومٍ تتخمُ الدنيا

تؤذّنُ للصلاةِ وللفلاحِ..

ولا يمرّ الصوتُ في الصحراء

ينبّه غافلاً يقضي.. ولا يدري

بأنّ الفقرَ في الملأ

وأنّ النارَ في الدهماءِ

ويأبى أن يمرَّ الصوتُ في الصحراء

يودّع جثةً كانت أبا ذرٍّ

لأنّ الصوتَ قد تمتصَّه الرمضاءُ (1)

....................................................

وقال من قصيدة (سيأتيكم زمان):

أيها الميتون.. سلاماً مميتاً

كل نَبعْ يُحاصَرُ ،

لم يبقَ للشربِ إلا الدماءْ

من ضفافِ المحيطِ إلى (كربلاء)

وحدنا فوقَ رَمْلِ البلاء هوينا،

انتفخنا على الرملِ حتى انفجرنا عفونه

والصبايا تلفّعنَ بالسبيِ،

قيلَ: التجأن إلى السبيِ

قيلَ: سُبين ولم تختلفُ حولهنَّ الظروفْ

قيل: جعنَ، فلم تتحركْ لجوعِ النساءِ السيوفْ (2)

.........................................................

وقال من قصيدة (الدوار)

حين فشلتُ أن أموتَ في رمالِ كربلاء

رجعتُ في قوافلِ البريد

بصقتُ في وجهِ يزيد

لكي يميتني بسجنِه

لكنما جلاده العنيد

أصرَّ أن يخونَ سيده

وأن أعودَ للحياةِ من جديد (3)

.......................................

الشاعر

ممدوح بن صبري عدوان، وعُرف أدبياً باسم ممدوح، شاعر وكاتب ومترجم وروائي ومسرحي غزير الإنتاج، ولد في حماة بسوريا وتخرج في جامعة دمشق - قسم اللغة الإنجليزية 1966، وعمل صحفيّاً في صحيفة الثورة السورية منذ 1964، وكتب المقالة في العديد من الصحف السورية ومجلة الآداب اللبنانية والمجلات العربية الأخرى، وعمل مدرساً لمادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق.

واسم ممدوح الحقيقي هو مدحت الذي سماه به أبوه، ولكن أحد أعيان قريته اقترح تغيير الاسم لكونه يرجع لأصول تركية ولابد من تغييره نظراً لما عاناه الشعب السوري تحت وطأة الاحتلال العثماني. ولم يعرف عدوان اسمه الحقيقي حتى دخل المدرسة.

توفي عدوان بالسرطان وتخليدا لذكراه فقد أسست زوجته السيدة إلهام عبد اللطيف عام 2006 دار نشر باسمه بعد نحو عام من رحيل الشاعر... ثم تولّى ولداه زياد ومروان إدارة هذا المشروع بعد رحيل والدتهما عام 2014.

أعماله

له أكثر من ثمانين عملاً أدبياً وفكرياً توزعت بين الديوان الشعري والكتاب والرواية والمسرحية والعمل التلفزيوني والترجمة حيث كتب 26 مسرحية و22 مجموعة شعرية وروايتين و8 كتب متنوعة و 30 كتاباً مترجماً.

فمن الدواوين الشعرية:

الظلّ الأخضر ــ دمشق 1967

تلويحة الأيدي المتعبة ــ دمشق 1969

يألفونك فانفر ــ دمشق 1977

أمي تطارد قاتلها ــ الدائرة الثقافية 1977

أقبل الزمن المستحيل ــ الدائرة الثقافية ــ منظمة التحرير الفلسطينية 1974

الدماء تدق النوافذ ــ بغداد 1974

للخوف كل الزمان ــ بيروت 1980

لابد من التفاصيل ــ بيروت 1979

وهذا أنا أيضاً ــ دمشق 1984

والليل الذي يسكنني ــ دمشق 1987

أبداً إلى المنافي ــ الدائرة الثقافية 1990

لا دروب إلى روما ــ دمشق 1990

أغنية البجع ــ الجزائر 1997

للريح ذاكرة ولي ــ بيروت 1997

طيران نحو الجنون ــ بيروت 1998

وعليك تتكئ الحياة ــ 1999

كتابة الموت ــ دمشق 2000

حياة متناثرة ــ دار قدمس 2004

مختارات ــ وكالة الصحافة العربية ــ القاهرة 2000

مختارات طفولات مؤجلة ــ دار العين

قفزة في الهواء

ومن المسرحيات:

المخاض ــ مسرحية شعرية

محاكمة الرجل الذي لم يحارب

كيف تركت السيف

ليل العبيد

هملت يستيقظ متأخراً

الوحوش لا تغني

حال الدنيا ــ مونودراما

الخدامة)، (لو كنت فلسطينياً)، (اللمبة ــ مسرحية خاصة بالمعوقين جسدياً)، (زيارة الملكة)، (الزبال ــ مونودراما)، (القيامة ــ مونودراما)، (أكلة لحوم البشر ــ مونودراما)، (الميراث)، (حكايات الملوك)، (القبض على طريف الحادي)، (حكي السرايا وحكي القرايا)، (القناع)، (سفر برلك)، (الغول)، (ريما)، (الحمّام)، (الفارسة والشاعر)، (الكلاب ــ مجموعة مسرحيات قصيرة)، (ثقافة ــعادات ــ مختلفة).

أما في مجال الرواية فله روايتان هما:

الأبتر ــ دمشق 1969

أعدائي ــ بيروت 2000

وكتب في المسلسلات التلفزيونية:

الزير سالم ــ 1996

أبو الطيب المتنبي

نحن دون كيشوت ــ 2002

دائرة النار

شبكة العنكبوت

ليل الخائفين

القبضاي بهلول

اختفاء رجل

جريمة في الذاكرة)، (اللوحة الناقصة)، (قصة حب عادية)، (دكان الدنيا)، (الدوامة)، (دائرة النار)، (أيام الخوف)

وترجم من الكتب:

الشاعر في المسرح لرونالد بيكوك ــ نقد مسرحي

ثلاث روايات لهيرمان هسة هي: الرحلة إلى الشرق، سد هارتا، دميان)، (التعذيب عبر العصور ــ بحث لبرناديت ج هروود)، (تقرير إلى غريكو ــ سيرة ذاتية لنيكولاس كازانتزاكيس)، (خيمة المعجزات (زوربا البرازيلي) ــ رواية، عودة البحار ــ رواية لجورج أمادو)، (حول الإخراج المسرحي ــ بحث مسرحي لهارولد كليرمان)، (الكوميديا الإيطالية ــ بحث مسرحي لبيير لوي دو شاتر)، (عاصفة ــ مسرحية لإيميه سيزار)، (الصبر المتحرق (ساعي البريد) ــ مسرحية لانطونيو سكارمينا)، (المهابهاراتا ــ مسرحية لبيتر بروك)، (صلاح الدين وعصره ــ بحث تاريخي لـ ب.هـ. نيوباي)، (الشيخ والوسام ــ رواية أفريقية لفرديناند أويونو)، (تاريخ الشيطان ــ رواية لويليام وودز)، (الرقص في دمشق ــ قصص لنانسي لينديسفيرن)، (تاريخ التمثيل ــ دراسة لتوبي كول / هيلين كريش شينوي)، الشعر في نهايات القرن (الصوت الآخر) ــ دراسة لأوكتافيو باز)، (الأوديسة (عودة أوليس) ــ مسرحية شعرية لديريك والكوت (نوبل 1992)، (تلفيق تاريخ إسرائيل التوراتية وطمس التاريخ الفلسطيني ــ دراسة كيث وايتلام)، (جورج أورويل ــ سيرة حياة لبرنارد كريك)، (الإلياذة ــ ملحمة شعرية لهوميروس)، (زجاج مكسور ــ مسرحية لآرثر ميلر)

وألف من الكتب التي تناول فيها موضوعات أدبية وتاريخية وسياسية واجتماعية: (دفاعاً عن الجنون)، (تهويد المعرفة)، (حيونة الإنسان)، (جنون آخر)، (هواجس الشعر)

حصل ممدوح عدوان على العديد من الجوائز خلال مسيرة حياته الأدبية منها:

جائزة عرار الشعرية ــ 1997

جائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للابداع الشعري ــ 1998

تم تكريمه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته العاشرة بوصفه واحداً ممن أغنوا الحركة المسرحية العربية.

تم تكريمه في معرض الكتاب في القاهرة عام 2002 عن مختارات شعرية بعنوان (طفولات مؤجلة)

تم تكريمه في دمشق بوصفه رائداً من رواد المسرح القومي 2003

قالوا فيه

كتب عنه الدكتور محمد برغوت مقالاً تحت عنوان (بنية الرمز الشعري عند ممدوح عدوان) قال فيه: (لقد حرص ممدوح عدوان ــ أكثر من شعراء جيله ــ على بعث رموز تراثية عربية وإسلامية، مستوحياً منها مجموعة من المواقف والآراء التي تنطبق على واقع المجتمع العربي ـ عامة ـ والمجتمع السوري في العصر الحديث....)

ثم يقول: (يستلهم الشاعر شخصية: الحسين كرمز من رموز التراث الشيعي الزاخر بدلالات التضحية والفداء، وهذا الاستلهام يستدعي من الشاعر استحضار فترة معينة من التاريخ الإسلامي، ومقابلتها بمرارة الرثاء التي يعاني منها الوجود العربي بعد نكسة حزيران 1967، وكأنه يريد القول بأننا نعيش "كربلاء" جديدة، وأن "عاشوراء" لم تنته بمقتل الحسين الشهيد، وإنما هي ممتدة إلى عصرنا الحاضر.

والشاعر شغوف باستحضار "الحسين" كرمز للجو الجنائزي المهيمن على الشاعر:

ها أنا بدم أتدثر:

إنَّ الدماءَ تدقّ النوافذ

توقّف زحفُ المشاة

بدأ الدمُ من جرحِ كفٍّ تجاهدُ للخبزِ

تجني مجاعتها كلَّ عامٍ

بدأ الجرحُ مِن ماءِ نهرٍ يفيضُ بوجهِ الحسينِ المضرَّج

وتدفّق في النيل

والنيلُ يحملُ وجهَ الشفيعِ المدجّج.

كما يستحضر "كربلاء" في كثير من قصائده، كقوله في قصيدته: "الدوار"

حين فشلتُ أن أموتَ في رمالِ كربلاء

رجعتُ في قوافلِ البريد

بصقتُ في وجهِ يزيد

لكي يميتني بسجنِه

لكنما جلاده العنيد

أصرَّ أن يخونَ سيده

وأن أعودَ للحياةِ من جديد "

إن الشاعر في هذا المقطع لا يخفي تعاطفه مع شهداء الشيعة، في مقابل تنديده الصريح برمز الخلافة "يزيد بن معاوية".

ويحضر "علي بن أبي طالب" كرمز لمجموعة من القيم الإسلامية الإيجابية في كثير من القصائد عند ممدوح عدوان، في مقابل "عثمان بن عفان" الذي يوظفه عدوان كرمز سلبي.

ويقابل الشاعر ما بين هذين الرمزين في قصيدة له بعنوان: "خارجي قبل الأوان":

أنا مِن جندِ علي

فارسٌ لم يرهبِ الموتَ ولم يحفلْ بمغنم

معه في أحدٍ قاتلتُ وحدي

وبكفّي رددتُ السيفَ عن صدرِ النبي

وشهرتُ السيفَ لمّا عضَّني الجوعُ وآلم

باحثاً عن جنةِ اللهِ على الأرضِ بأبوابِ علي

ولكي أثأرَ من أجلِ أبي ذرٍ

أنا كنتُ على عثمانَ سيفاً من حصار

ولكي لا يخلط القومُ وينسوا

ما ترددتُ بأن أقطعَ رأسَ ابنِ العوام

رغمَ علمي أن من يقتله يغشى جهنمْ !

ولكي لا تكثرُ القمصانُ أضحى أقربَ الناسِ إلي

أبغضُ الناسِ علي

وهوَ خلفي

حينما امتشقَ السيفَ ينادي:

"سيفُك الدربُ إلى اللهِ.. تقدم"

أتقدم.

يبدو الشاعر في هذا المقطع الشعري شغوفاً بفروسية علي ـ التي يستمد منها اعتزازه بحمل السيف ـ في مقابل معارضته لعثمان وأتباعه، وبذلك فهو يمنح أبعاداً إيجابية لمواقف علي التاريخية، في حين يبدو عثمان رمزاً لفساد الأوضاع السياسية.

وهذا ما يدفع الشاعر إلى تبني مبادئ "أبي ذر الغفاري" ـ كرمز للثورة على هذا الفساد ـ وعدم تردده في شهر سيفه على عثمان، "وقطع رأس الزبير بن العوام".

إن الشاعر هنا يستحضر مجموعة من المواقف التاريخية التي شهدها عصر الخلافة الراشدية، مندّداً بالرموز التي عاثت الفساد، وخرجت عن دائرة التعاليم الإسلامية.

وفي هذا السياق، يستحضر "معاوية" والصراع بينه وبين علي حول الخلافة:

وحينما انتهتْ حروبُهم

وعقدتْ راياتنا للمنتصر

عاقبني علي من أجلِ الزبير

عاقبني لأجله معاوية

ثم دفعُت بالزكاة للاثنين

ويضيف قائلا في هذه القصيدة مشهّراً بمعاوية:

من ترى أطفأ الوجه؟

نفي الفقير؟

أم معاوية المستعيرُ كلامَ عليٍّ

ليسرقَ شيعته الغافلة

والشاعر هنا ينتقد الوضع السياسي لعصره ـ الذي تميز بالانقسام ـ عبر نسخه للحظة التاريخية التي ظهر فيها هذا الانقسام جلياً بين علي ومعاوية.

ويحرص الشاعر على استخدام التاريخ الإسلامي كوسيلة فنية لنقل أفكار معاصرة لمتلقيه. وهو إذ يسبر أغوار هذا التاريخ؛ إنما يقدم أفكارا ثورية تنم عن مدى إحساسه بالصدمة العنيفة التي تلقاها جيله في العصر الحديث، ولذلك فهو لا يتوانى في تعرية الأنظمة السياسية المسؤولة عن هذه الصدمة المروعة). (1)

وقال عنه الباحث والناقد السوري صبحي حديدي في مقال له تحت عنوان: (البصمة الأسلوبية في قصيدة ممدوح عدوان: دأب رعوي وعصيان مستدام): (القصيدة الأولى في «الظلّ الأخضر»، 1967، أول إصدارات الشاعر والروائي والمسرحي والمترجم السوري ممدوح عدوان (1941ـ2004)، وباكورة مجموعاته الشعرية؛ تحمل عنوان «رُويَ عن الخنساء»، وتصلح فاتحة لتلمّس عدد من خصائص تجربة شعرية بالغة الثراء والخصوبة؛ سوف تتنوّع وتتطوّر وتتقلّب مراراً، على امتداد أطوار زمنية مختلفة، وخيارات متباينة في المحتوى والشكل. ولسوف تحتفظ قصائد عدوان بالكثير من روحية تلك الخصائص، على نحو جلي وديناميكي يتيح الافتراض بأنّ حصيلتها تستكمل ما يشبه البصمة الأسلوبية الفارقة، التي ندر أنها غابت عن أيّ من المجموعات الـ 19 التي صدرت للشاعر....) (2)

وقال عنه الدكتور أحمد بسام ساعي: (استطاع ممدوح عدوان أن يمنح كثيراً من الشخصيات العربية القديمة أبعاداً إيجابية ومفهومات حية جديدة، مسقطاً بعضها على حاضرنا، ومخترقاً ببعضها حجب التاريخ ليكشف عن جوانب جديدة فيها). (3)

وقال عنه الباحث عبد الكريم كاصد في مقال له بعنوان (خفّة الشاعر التي تُحتمل) بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الشاعر ممدوح عدوان: (لم يعد طموحه موقعاً وظيفياً أوحزبياً بل غدا طموحاً فنياً أن صح التعبير جوهره الشعر وامتداداته الفنية الأخرى من كتابات ونشاطات عرف بها ممدوح في ما بعد، يرثي فيها لا المدينة وحدها بل وحتى قريته التي لم تعد ذلك المكان المنشود للخلاص.... أن تجربة ممدوح الشعرية التي ظلّ يؤكدها باعتبارها تجربته الأكثر تمثيلا لإبداعه هي الأعمق في تجاربه الكثيرة في كتابة الأنماط الأدبية الأخرى). (4)

وقال عنه خليل صويلح في مقال وحوار بعنوان: (ممدوح عدوان.... الفارس الخاسر... منتسباً إلى حزب الجوع):

(يرى عدوان أن الاتجاه الذي تطورت به عملية الانحطاط الإنسانية إلى الحيوانية، كان متلاحقاً ومتسلسلاً بوجود الطاغية أو الديكتاتور ليقدّم تحليلاً قل مثيله في التأمل والمنطق والموضوعية بل والشجاعة في الكتب العربية، فيقول: (إننا منذ الثقافات البدائية، حتى ديكتاتوريات القرن العشرين، لا نزال وثنيين في تعاملنا مع الحاكم، وما زلنا نراه إلهاً، أو ابن إله، أو ظل إله، أو ذا صلة بإله ما، أو على الأقل ما زال هو راغباً في أن يقدم لنا نفسه على أنه إله أو من سلالة الآلهة).

ثم يقول صويلح: (يكتب ممدوح عدوان ليرفض بقلمه ما كرّسه التاريخ، ويواجه ما تفرضه الأحداث القاسية على المواطن السوري والعربي، لهذا فإن عالمه الأدبي كان دوماً طازجاً وجديداً ويقوم على مفاهيم فكرية واجتماعية وسياسية مختلفة.

وإن كان علينا أن نفهم تلك السهولة والغزارة والانسجام التي يتدفق بها إنتاجه الأدبي ليرسم عالماً أدبياً خاصاً موازياً للواقع المعاش، لكنه يختلف عنه بمفاهيمه وأفكاره، فإننا نلاحظ أنه ببساطة ينظر إلى الواقع من زاوية مختلفة يفسرها بقوله: «إن الفقراء يغيّرون الصورة من أساسها، لأنهم ينظرون إليها من موقع آخر، ومن زاوية أخرى). (5)

وقال عنه وائل العدس في مقال له بعنوان: (ممدوح عدوان المثقف والأديب المشاكس..):

(عرف بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه، وبكونه المثقف والأديب المشاكس، الذي اخترق الصمت عبر مؤلفاته المتنوعة بين الشعر والمسرح والأدب والترجمة، محققاً شهرة واسعة لا يزال اسمه متناقلاً على ألسنة الأجيال.

امتاز أسلوب ممدوح عدوان بالسلاسة ولغته بالبساطة والقرب من القرّاء، وتجاوزت مؤلفاته على اختلاف محتواها الثمانين مؤلفاً، والتي لا زال العديد منها يطبع وينشر، ومنها ما يستخدم كسيناريو مسلسل حتى بعد وفاته.

هو المبدع في الشعر والمسرح والرواية والكثير من الأعمال التلفزيونية والمقالات، يحمل هواجسنا في أدبه وأعماله، يوثق ويرصد أحوال البشر، ويكشف عن الوحش المختبئ في أعماق الإنسان، ويدق ناقوس الخطر قبل وقت طويل مما وصلنا إليه). (6)

ويقول الشاعر العراقي مظفر النواب: (قليل من الناس من يترك في كل شيءٍ مذاقاً. وممدوح عدوان واحد من هذا القليل فهو الشاعر والكاتب المسرحي، والكاتب الدرامي والصحفي والمترجم والمثقف الصاخب، الحاضر دائماً بحيوية يُحسد عليها وفي كل هذا وذاك هو ممدوح الإنسان الذي يترك نكهته بكل ما تلمسه أصابعه حتى بات واحداً من أعلام المشهد الثقافي السوري). (7)

وقال عنه الكاتب محمد سيدي في مقال له بعنوان: (ممدوح عدوان هل بقي لديه ما لم يقله؟): (الأديب ممدوح عدوان غول الأدب السوري كما سماه النقاد قال كلمته وارتحل تاركا إرثا ثقافيا ضخما وموقفا سياسيا قويا, رحل ممدوح عدوان لكنه باق بين طيات الكتب التي تبقى كلماتها صدى يرددها الجميع، كما رددتها قريته قيرون التي شهدت قدومه للوجود ولم تشهد رحيله.

تألق عدوان مع جيل الستينات في سورية، في الشعر، والرواية والمسرح، والصحافة، وكان له الفضل في ترجمة أعمال مهمة أضافت إلى المكتبة العربية الكثير حيث ظل رغم المرض وحتى في أيامه الأخيرة يشتغل في حقل الإبداع متطلعا إلى الحياة والموت بقوة وشجاعة دونما ترنح أو جزع مستخدما كل أساليبه المعروفة في قتل الوجع.

كان الأديب الراحل مشاغبا أدبيا لكنه كان ناضجا في مشاكسته يستخدم سلاحه بعمق رؤية وبعد فلسفي حتى في معالجاته....) (8)

وقال الشاعر السوري لقمان ديركي في مقال له بعنوان (ظاهرة ممدوح عدوان): (إذا كان هناك من أب للثقافة السورية فإن ممدوح عدوان هو ذلك الأب ..) (9)

وقال الأديب اللبناني شوقي بزيع من مقال له بعنوان (ممدوح عدوان... الحياة وحدها تليق بك): (إن العلاقة بينه وبين الشعر لا تتصل بالمفاهيم والأفكار وباللغة وحدها بل بالسلوك وطريقة العيش ونمط الحياة النادر. فنحن هنا إزاء رجل يعتنق الشعر بوصفه حيوية داخلية وشحنة متجددة من الرغبات ومحفزاً على الأمل وجيشاناً لا ينطفئ في العروق. كأن شاعرية ممدوح موزعة بالتساوي بين نصه اللغوي وبين حياته، تماماً كما هو الحال مع شعراء غابرين أو معاصرين من أمثال مالك بن الريب وأبي نواس وديك الجن الحمصي وبدر شاكر السياب وأمل دنقل وآخرين غيرهم. بعض هؤلاء كتب قصيدة واحدة وبعضهم كتب مجموعة قليلة من القصائد أو الدواوين لكنهم جميعاً قد حولوا حياتهم برمتها إلى قصيدة مدهشة وتبرعوا بأجسادهم إلى المجاز ووقعوا على شعرهم بحبر الفرح الملتبس أو السخرية الفاجعة). (10)

وأجرت الصحفية الأستاذة غادة الأحمد تحقيقا عن الشاعر بعنوان: (ممدوح عدوان: تصنيف النفس يوقع في النمطية) قالت في مقدمته: (ممدوح عدوان من أكثر التجارب الأدبية المعاصرة إثارة للجدل والفضول؛ لما يحمله في شخصه من معين هائل من الثقافة والرؤى والأطياف والجمالات، ولما يميل إليه من عوالم شديدة الثراء والاتساع، فهو شاعر من جيل الستينيات (أواخر الستينيات) الجيل المؤسس للمشهد الثقافي في سوريا... ظل حضوره الإبداعي حاضراً على مدى أربعين عاماً في عطاء غزير ومتنوع...) وقد ضمنته أقوال عدد من الشخصيات الأدبية السورية والعربية في الشاعر من هذه الأقوال:

الكاتب والناقد السوري عبد الله أبو هيف: (من المبدعين العرب القلائل الذين مددوا غنائية الشعر والأدب إلى حوار التاريخ والوجود في الملحمة والدراما والسرد، فمضى بعزيمة نادرة إلى الكتابة المسرحية تفعيلاً للكتابة في زمنها، وتحققاً لإبلاغيتها في تثمير الرؤية للذات والعالم. وقد أفلح كثيراً من النهوض بالتخييل الفني في مدارات التراث العربي، ولا سيما الشعبي منه وتراث الإنسانية بعامة، فلطالما أنجز نصوصاً مسرحية تتناص مع نصوص المواقف الدالة على تقاطعات الوجود والتاريخ والسياسة والاجتماع، وتجلياتها في صراع الأفكار، ولا مجال لتفريد القول في هذه التناصات والمواقف لغناها وعمقها في التعبير عن التجربة الإنسانية. يحتفظ إبداع ممدوح عدوان براهنيته وديمومته من خلال الحرص على وعي التاريخ الذي يرتقي إلى حساسية نادرة في كثير من نصوصه الشعرية والروائية والمسرحية).

الروائي والمسرحي والناقد والشاعر السوري أحمد يوسف داود: (ربما كان ممدوح عدوان نموذجاً متفرداً في الدلالة على الغنى في المشهد الثقافي السوري منذ الستينيات حتى اليوم)

الأديب والشاعر والمترجم السوري ميخائيل عيد: (عُرف ممدوح عدوان شاعراً جميل الشعر، له صوته المتفرد وله مذاقه الخاص وعرفناه كاتباً للمسرح لقيت مسرحياته التقدير والإعجاب، وقد شغلت المعنيين بالمسرح من مخرجين ونقاد ومشاهدين، وعرفناه كاتب قصة قصيرة فأحببناه قاصاً يحكي هموم الناس ويرصد أمانيهم وتطلعاتهم، وعرفناه كاتب مذكرات قوي الذاكرة، دقيق الملاحظة تضيء ومضات فكره الماضي فيتجسد أمام القارئ حياة وكائنات، وكان في الترجمة مجلياً: لقد أحسن انتقاء ما ترجمه وأبدع في الترجمة فأدهش القراء، وشكك كثيرون منهم في أن ما بين أيديهم عمل مترجم.. وممدوح يمزح حين يجد، وهو جاد الجدّ كله في مزاحه، أما حين يسخر فإنما يكون بلغ ذروة الغضب والجد).

الكاتب والروائي والقاص الفلسطيني حسن حميد، رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي: (ومن عجب أن ممدوح عدوان أنجز في المسرح خلال سنوات قليلة فقط ما لم ينجزه أدب المسرح السوري خلال مئات السنين المتوارية، بل لم يكن من إرث مسرحي في سورية يستند إليه ممدوح عدوان.. ما استند إليه ممدوح عدوان مسرحياً.. قراءة وتنقيباً وبحثاً كان مسرحاً عالمياً بالدرجة الأولى، ومسرحاً عربياً بالدرجة الثانية وقد بات على من يود اليوم الإطلاع على المسرح السوري أن يدخل من إحدى بواباته، أعني بوابة ممدوح عدوان المسرحية، ليرى الحيوات الاجتماعية والوطنية والوجدانية والقومية التي انشغل بها الوجدان السوري والعربي. لذلك بمقدورنا القول باطمئنان أن مسرح ممدوح عدوان باعتباره علوقاً بالحياة راهناً ومستقبلاً، يحقق للحياة الثقافية والإبداعية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية في سوريا).

الشاعر السوري عبد النور الهنداوي: (ما أريده فقط، التذكير بعبقرية الخيال، لأنه ــ أي ممدوح عدوان ــ هو الذي خلط الصدفة مع التاريخ وتسلق الفلسفة ولعب بالحداثة وما بعدها). (11)

وقال الناقد المصري صلاح فضل من مقال له بعنوان: (ممدوح عدوان وطفولات مؤجلة): (بوسع القارئ أن يري في ديوان ممدوح عدوان صورة الشام وصبواتها‏،‏ حلاوة بلاغتها وجرأة كلماتها‏،‏ وفيض رقتها وهي تعزف مقطوعات العشق التي جفت في حلوقنا أنغامها‏،‏ كما أن بوسعه أن يستمتع بغمزاتها السياسية وإشاراتها الذكية لعناصر الطبيعة وتقلبات الحياة‏) (12)

وكتب ناصر ونوس عن مسرحية (سفر برلك ـ أيام الجوع) لممدوح عدوان مقالاً بعنوان: (ممدوح عدوان ومسرحة الجوع والتاريخ) قال فيه: (ان "سفر برلك ـ أيام الجوع" نص مسرحي يضيء مرحلة هامة من تاريخنا الحديث، مرحلة مغيبة عن وعي أجيالنا، لا تزال لها امتدادات في واقعنا الراهن)

وقال ناصر ونوس أيضاً من مقال آخر بعنوان: (تحولات المجتمع في مونودراما ممدوح عدوان): (يعتبر ممدوح عدوان أول من كتب المونودراما في سوريا، وأول نص كتبه من هذا النوع كان بعنوان (حال الدنيا) وتبعه بـ (القيامة) ثم (الزبال)، وذلك في النصف الثاني من الثمانينيات. وهي نصوص يعالج فيها الكاتب جملة من القضايا الاجتماعية الراهنة, مثل الفقر والفساد. وكان الممثل زيناتي قدسية قد قام تباعا بإخراج وتمثيل هذه النصوص الثلاثة). (13)

وقال عبد الحفيظ الشمري في مقال له بعنوان: (عليك تتكىء الحياة.. شغف باحتمالات المعاني): (للشاعر ممدوح عدوان تجربة شعرية طويلة توجها بإصدار جديد وسمه بعنوان (عليك تتكىء الحياة) هيأ من خلاله القارىء لان يكون طرفاً في معادلة البحث عن جمالية المفردة واحتمالات المعاني ولتصبح القصائد شرفة يطل منها القارىء والمتذوق على غابة الشعر المكتظة بشجر الأسى ولواعج التعب.)

وقال إسماعيل صبورة في مقال بعنوان (من هو الشاعر ممدوح عدوان .. عبقرية إنسانية نادرة): (تجربة إنسانية مبدعة، حالة من الثقافة المشاكسة والمشاغبة، في وسط مجتمع ساكن متواريًا بين النفاق والخوف، لقد كان الفقر قضية ممدوح الأولى والأخيرة.. وبالنظر لغزارة إنتاجه الأدبي لم ينمق صنعته الأدبية، فأتت أعماله كلها بلغة بسيطة ممتعة وواضحة، إنه يكتب كما يتكلم، يسير كالطاووس بين سرب من الطيور.

ومازالت تطبع كتبه وتوزع بالرغم من وفاته، وتقدم له سيناريوهات مسلسلات تلفزيونية جديدة، مما يؤكد لنا بأنه توفي ولم يمت شأنه شأن المشاهير من العباقرة، الذين ينامون ويتركون لغيرهم أن يتفكروا فيما قالوه... نعم كان هذا حال شاعرنا وأديبنا العظيم ممدوح عدوان). (14)

وقالت ديمة الشكر في مقال بعنوان: (ممدوح عدوان الشاعر المشغوف بالزمن): (إنّ إدراك ممدوح ووعيه لدور الشعر من جهة، ومعرفته بحيثيات الواقعة التاريخيّة من جهة أخرى، دفعته إلى القول الحميم، فهو لا يميلُ البتة نحو الصوت العالي..) (15)

وقال نبيل سليمان في مقال له بعنوان: (ممدوح عدوان أو فضيلة احتراف الكتابة): (اثنان وثمانون عملا إذن خلال أقل من أربعين سنة، وكل ذلك ما عدا المقالات والترجمات التي لم تجمع في كتاب، مما يرسم لممدوح عدوان علامة كبري هي، إلي غزارة الإنتاج، الشغل المحترف. فمن بين ندرة من مبدعينا يبدو ممدوح عدوان، كما كان هاني الراهب، شغيلا محترفا بامتياز، وأغلبنا، سواء تعلل بالتفرغ أم بالإلهام، ينقصه ذلك الشرط الأساسي للإنتاج: الاحتراف، وتعتوره العلة والتعلة الكبريان: الكتابة كهواية في أوقات الفراغ وحسب).

وكتب في رثائه الشاعران محمود درويش وسعدي يوسف قصيدتي رثاء

..............................................................

1 ــ الرمز الشعري ووظيفته في التجربة الشعرية لجيل الستينات في سورية - الدكتور محمد برغوت ــ موقع أنفاس نت بتاريخ 27 / 8 / 2008 عن ديوان: الظل الأخضر لممدوح عدوتن ط 2 دار العودة، بيروت 1982 ص 22 ــ 23

2 ــ البنية الدلالية في المتن الشعري لممدوح عدوان – الدكتور محمد برغوث موقع أنفاس نت بتاريخ 7 / 2 / 2009 من المجموعة الشعرية: أقبل الزمن المستحيل ــ دار العودة. بيروت ط 2، 1982، ص: 44 ـ 46

3 ــ نحو إضاءة نقدية لشعر ممدوح عدوان ــ الدكتور وفيق سليطين ــ مجلة دراسات في اللّغة العربية وآدابها، نصف سنوية محكمة، العدد الثاني والعشرون، خريف وشتاء ١٣٩٤هـ / ٢٠١٦ م ص 49 ــ 60 ص 53 عن الأعمال الكاملة في مجلدين (د.ط) دمشق ــ دار المدى 2005 ج 2 ص 186 / الرمز الشعري ووظيفته في التجربة الشعرية لجيل الستينات في سورية - الدكتور محمد برغوت ــ موقع أنفاس نت بتاريخ 27 / 8 / 2008

 

ــ شبكة أنفاس من أجل الثقافة والإنسان بتاريخ 26 / 8 / 2009

2 ــ جريدة القدس بتاريخ 4 / 5 / 2017

3 ــ نفس المصدر

4 ــ موقع إيلاف بتاريخ 12 / 1 / 2005

5 ــ جريدة الأخبار بتاريخ 11 / 4 / 2022

6 ــ جريدة الفن بتاريخ 24 / 3 / 2021  

7 ــ حوار مع الشاعر حاوره سعيد البرغوثي

8 ــ موقع الجزيرة نت بتاريخ 31 / 12 / 2004

9 ــ موقع جهة الشعر

10 ــ جريدة الحياة بتاريخ 22 / 7 / 2003

11 ــ جريدة الرياض 5 / 203

12 ــ جريدة الإهرام بتاريخ 21 / 12 / 2004

13 ــ جريدة البيان 10 / 5 / 2001

14 ــ مجلتك ــ الموسوعة الشاملة 19 / 2 / 2019

15 ــ موقع الجمل بتاريخ 12 / 12 / 2009

كما كتب عنه وترجم له:

محمد برغوت ــ ممدوح عدوان شاعر الرثاء في دوامة انهيار الزمن العربي

الدكتور محمد سليمان ــ ظواهر أسلوبية في شعر ممدوح عدوان

عصام شرتح ــ ممدوح عدوان.. مدونات الفن الشعري ومختارات شعرية

نهلة كامل ــ ممدوح عدوان.. الفارس الخاسر

محمد منصور ـــ عالم ممدوح عدوان الدونكيشوتي: من استشهاد الحسين إلى أبو علي شاهين

كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء من العصر الجاهلي إلى سنة 2002م ج 5 443

معجم البابطين ج 4 ص 832

بسمة عودة الرواشدة ــ محتوى مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب لممدوح عدوان) وبناؤها الفني، دراسة تحليلية نقدية

سمر زليخة ــ التراجيدي في مسرح ممدوح عدوان

شكري عياد / الأدب في عالم متغير ص 81

سماح عادل ــ ممدوح عدوان.. تنوع في إبداعه سعيا إلى لمس أعماق الإنسان

فيصل دراج ــ ممدوح عدوان: حرية المبدع المتعدد

كاتب : محمد طاهر الصفار