تأملات جمالية..

مقطع افقي من جدارية زخرفية منفذة على الكاشي الكربلائي متوسط الحجم ومزينة بشكل مستدير، محيطها الخارجي مكون من ثمانية أقواس تتوسطها من الداخل نجمة ثمانية يتصل من الجانبين بأقواس مزخرفة بعناصر نباتية متنوعة ، ويحيط بالدائرة أغصان متشعبة محملة بأوراق متنوعة وأزهار بسيطة .

تجمع زخارف هذا التكوين الزخرفي بين طابعين ، الأول منهما هندسي الهوية يتمثل في الدوائر والأقواس والشكل النجمي، اما الثاني فهو الطابع النباتي الذي يتمثل في العناصر النباتية المتنوعة من براعم وأغصان وأوراق وأشكال ازهار، حيث يبرز في التكوين غصنين من كل جهة مرسومان بطريقة الالتفاف الحلزوني، يلتقيان عند عقدة رابطة أعلى وأسفل الدائرة ويحيطان بالأشكال الهندسية من كل جانب، فيما تظهر أغصان أخرى داخل الأقواس ، وهي ملتفة أيضاً ومحملة بأوراق صغيرة ، في حين اختفت اشكال الازهار الصريحة في هذا المقطع من التصميم الزخرفي سوى بعض اشكال أزهار بسيطة تكرست في شكلين فقط وتمَّ تكرارهما في جميع أنحاء الزخرفة ، ولم يبرز المزخرف أي ثمار ظاهرة كما في بعض التصاميم الزخرفية من هذا النوع، ولكنه استعاض عنها بإضافة بعض العناصر الهندسية والنباتية داخل شكل النجمة الثمانية، ومن جانب اخر فأننا لا نجد شكلا للزهرية التي تتجمع حولها عناصر العمل في هكذا اعمال كما هو معتاد، ولكن الفنان قد  أحل اشكالا هندسية اخرى محل الزهريات بوصفها مركز البناء الزخرفي، ولا يخفى على المشاهد ان الفنان حاول دمج الأشكال الهندسية بالنباتية في إطار جمالي موحد، وتم ذلك من خلال أضافته مجموعة من العناصر الكأسية داخل الأشكال الهندسية.

حاول الفنان المنفذ للتكوين الفني اعلاه الالتزام بعناصر التكوينات الزخرفية  ومجموعة من العلاقات البنائية التي تمثل القاعدة الاساسية في بناء أي تكوين فني جمالي وهي متمثلة في عناصر الوحدة ،السيادة ،الحركة ،الإيقاع ،الانسجام فضلا عن التضاد والتوازن وعناصر اخرى، وهي بمجملها مبادئ تتجمع برتابة ليعتمدها الفنان المسلم في تنظيم العناصر الفنية للصورة الاسلامية على اختلاف اشكالها وانواعها، فكل عنصر فني لابد له من أن يؤلف مفردة ضرورية في المعنى الوظيفي أو التعبيري الجمالي الذي يهدف الفنان المسلم في الوصول اليه من خلال منجزاته الفنية المختلفة ، وقد كانت في هذه اللوحة الفنية كالاتي:

1. الخط : يلعب الخط دوراً كبيراً في البناء العام لهذا التكوين، فهو قوام الأغصان المتشعبة المتشابكة وملحقاتها ، كما أنه يرسم الأشكال الهندسية ، وقد احتوى العمل اعلاه على قدر من الخطوط الحادة إلى جانب الخطوط النباتية اللينة .

2. الشكل : يبرز الشكل المستدير وسط التكوين كقلب زخرفي مهيمن على بنية التصميم كله فهو محور البناء الزخرفي المتشعب من حوله والمرتبط به .

3. اللون : تتميز زخارف هذه العينة بقدر كبير من التنوع اللوني بين لون الأرضية بالأزرق الغامق ، والدائرة المحددة باللون الشذري وداخلها بالأصفر، والأقواس الملونة  بالأبيض ، كما تبرز الأغصان بلون أصفر ، مع أوراق خضراء وأزهار بلون وردي ، كما يظهر الأسود في الأغصان الملتفة داخل الأقواس ،  وبذلك يكون الفنان قد وظَّف كم ليس بقليل من الألوان المعتمدة في تصميم زخارف الآجر المزجج التي تزدان بها جدران . المساجد والعتبات المقدسة.

4. المساحة : وهنا نجد ان المساحة التي رسم عليها التكوين الزخرفي مستطيلة بشكل عام ، وهي تمثل الجزء الأساس المتكرر.

5. الفضاء : يظهر الفضاء على شكل مناطق صغيرة محدودة بسبب كثافة العناصر الزخرفية إلاّ أنه يعمل كمجال حيوي لحركة الأشكال فوقه ولو بصورة محدودة .

6. القيمة الضوئية : القيم الضوئية البارزة في هذا العمل هي قيم الأزرق الغامق في أرضية اللوحة وكذلك الأسود كقيمة واطئة ، إلى جانب الأصفر والأبيض كقيم ضوئية عالية يليها الشذري والأخضر والوردي كقيم متوسطة .

7. التباين : تنقسم القيم الضوئية في هذا البناء الزخرفي إلى مجموعتين باردة ومحايدة تمثلها درجات الأزرق الغامق والشذري والأسود والأبيض ، والأخضر وأخرى دافئة تمثلها درجات الأصفر والوردي .

8. التناسب : عنصر التناسب واضح في البنية العامة للتصميم بفعل التوزيع المتكافئ لأشكال والإحاطة بالمركز وبفعل الأرضية الموحدة للعمل التي تعمل على احتواء الأشكال جميعاً .

9. التوازن : يلجأ المزخرف إلى موازنة عمله عن طريق ثقل المركز وموازنة الأطراف بكتل متكافئة ، كما يلعب التكرار المتناظر للأشكال دوراً في تحقيق التوازن مع المعالجة اللونية المكررة بانتظام .

10. التطابق : تحقق التطابق في هذه العينة نتيجة لتكرار المفردات الشكلية واللونية في ضوء اعتماد المصمم تطبيق مبدأ التناظر الشكلي على جانبي خط المحور الذي يقسم العمل إلى نصفين متطابقين .

11. الانسجام : تلعب المعالجة اللونية والحركة المتشعبة للأغصان مع التكرار المتناظر للأشكال دوراً أساسياً في تحقيق الانسجام بين مكونات هذه العينة .

12. التكرار ( الإيقاع ) : اعتمد المزخرف مبدأ التكرار المتناظر للأشكال والعناصر على خط محور التناظر الذي يصل رؤوس الأقواس مروراً بمركز الدائرة .

13. السيادة : تمثل الدائرة المكونة من أقواس خارجية مركز السيادة البصرية في هذه اللوحة بفضل موقعها وطابعها الهندسي واللوني المميز .

14. الوحدة : يتسم التصميم بوحدة قوية متماسكة بسبب الحركة المتشعبة للأغصان الملتفة على كامل مساحة الزخرفة والتي تعمل كرابط قوي للعناصر والأشكال ، فضلاً عن التكرار المتناظر والمعالجة اللونية .

 وهنا نجد ان المنحى الجمالي لهذه التشكيلة الزخرفية ينبع من التأليف الفني المتميز بين الأشكال الهندسية والأشكال النباتية والموائمة بين الشكل الدائري والقطاع المستطيل، إذ تدور الأغصان النباتية في تتابع لا نهائي في الالتفافات والحركات المتداخلة وتتشعب الأوراق النباتية عنها والأزهار وكأنها تتولد عن طاقة جمالية لا نهائية قادرة على توليد العناصر الفنية من داخلها بأشكال وألوان متعددة تجتمع أو تفترق في اتجاهات متداخلة، الغاية منها إشباع النظر والحواس وتفعيل الملكات العقلية والخيالية على تأمل الجمال المطلق غير المقيد بالواقع .

كاتب : سامر قحطان القيسي