من كتاب الله.. السيدة أم البنين (عليها السلام).. كرامات من وحي معجزات
ورد في الحـــديث القدسي: (عبـــدي أطـــعني أجــعــلْك مثلي أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما امرتك تقول للشيء كن فيكون)(1).
من هنا تنشأ معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء (عليه السلام)، والفرق بينهما أن الأولى على سبيل التحدي، بخلاف الثانية فإنها على سبيل إظهار فضل الوليّ أو ما أشبه.
والسيدة أم البنين (سلام الله عليها) صاحبة الكرامات الكثيرة التي نقلت عنها متواتراً وشوهدت كذلك، وذلك بالنذر أو التوسل بها لتشفع عند الله .. بإهداء ختمة أو قراءة القرآن الكريم لها أو ما أشبه.
وقد كُتبت عشرات الكتب وهي تسجل وقائع مشهودة من كرامات أم البنين فاطمة الكلابية زوجة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإن كثيراً من كراماتها المتواترة لا يسع المقام لبيانها.
هذا ومن الواضح فإن قوانين الكون -وهي لا تعد ولا تحصى- إنما هي بأجمعها بإرادة الله سبحانه، والكرامة خارقة للقانون الكوني العام، وهي تدخل تحت قانون المستثنيات، فتكون أيضاً بإرادته تعالى، فالإرادة تشمل المستثنى والمستثنى منه كما لا يخفى.
فمن جعل النار محرقة جعلها برداً وسلاماً؟(2).
ومن جعل الماء لازماً لتساوي السطوح جعله فرقاً فرقاً كل فرقة كالطود العظيم؟(3).
ومن جعل القلب حينما يتوقف تسقط الأعضاء وأجهزة البدن عن العمل، جعله يرجع إلى التحرك بإحياء الموتى؟
وهكذا في سائر المعجزات والكرامات، من غير فرق بين أن يكون الفاعل نبياً أو وصياً، حياً كنبي الله عيسى (عليه السلام) أو متوفياً كنبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهكذا الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
وليس الأمر خاصاً بهم (عليهم السلام)، بل يشمل النساء الطاهرات، كفاطمة الزهراء والسيدة زينب (عليهما السلام) (4)، بل وحتى العلماء كما مرّ في الحديث القدسي.
ثم إنه ليس باختيار الإنسان نفسه أن يصبح نبياً أو إماماً وإنما لقوله تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)(5).
أما أن يصبح ولياً من أولياء الله كالمقدَّس الأردبيلي (قدس سره)(6)، والسيد بحر العلوم (قدس سره)(7)، فهو باختيار الإنسان وذلك بتطبيقه ما تقدم من قوله تعالى في الحديث القدسي: (عبدي أطعني...)(8).
ولو سمح التوفيق لبعض الأفاضل ليجمع كرامات أم البنين (عليها السلام) المذكورة، فمن غير البعيد أن يجمع أكثر من ألف كرامة بإذنه سبحانه؛ قال عزّ وجل: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(9).
لاسيما وأن صاحبة الذكرى هي عظيمة الشأن؛ لم يأتها كما يأتي النساء كالغيرة من شريكاتها وأولادها، فالتي تفتخر بل تفضل أبناء فاطمة الزهراء (عليها السلام) زوجة الإمام علي زوجها على أولادها لأمر عظيم لم ولن ينقل لنا التاريخ قط مثله، بل لم تفعله امرأة مهما كان مذهبها ومأربها في مسيرة الحياة البشرية، إلا أن ربيبة (بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ)(10) جسدت أروع صور الوفاء ونفي الغيرة المادية التافهة لتسجل لنا أن المرأة المؤمنة عظيمة بإيمانها وطاقاتها المعنوية والعاطفية عندما تقرر نصرة الحق وتقف مع إمام زمانها وهو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالي (عليهم السلام) -من ولد الزوجة الأخرى لزوجها- بل تضحي بأولادها الأربعة فداء لأولاد شريكتها طالما أن المسيرة إلهية وسوف يحشر كل قوم بإمامهم وإمامها هو الحسين (عليه السلام)، وهي أفضل من جسد (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) بتلبية صرخة عاشوراء عام 61 للهجرة.
هكذا بصيرة لإمراة جعلت الآخرة بوصلة حركتها وحياتها الحقيقية فحري أن تستجلب رحمة الباري تعالى وفيوضاته ليعطيها كرامات جليلة تحاكي معجزات الرسل الخارقة المنصوص ذكرها في كتاب الله.
فليس بالضرورة أن يكون المعجز النبوي الرسالي فقط لاثبات صحة نبوة ورسالية صاحب النبوة والرسالة الإلهية فقط، بل تتسع الدائرة لتكون فيضا إلهيا يمنحه الرب تكريما لصاحب الرسالة وشأنه الكبير.
.
.
.
الهوامش:
1- كلمة الله: ص140.
2- إشارة إلى قوله تعالى في قصة إبراهيم (عليه السلام): (يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) سورة الأنبياء: 69.
3- إشارة إلى قوله سبحانه في قصة موسى (عليه السلام) (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) سورة الشعراء:63.
4- وهكذا أمهات الأنبياء والأئمة ومن أشبه، كالسيدة نرجس والسيدة حكيمة والسيدة فاطمة المعصومة (صلوات الله عليهم وعليهن أجمعين).
5- سورة الأنعام:124.
6- أحمد بن محمد الأردبيلي (ت 993 هـ) المعروف بالمقدس الأردبيلي والمحقق الأردبيلي, كأن عالما فاضلا مدققا عابدا ثقة ورعا عظيم الشأن جليل القدر معاصرا للشيخ البهائي وله عدة مصنفات منها: مجمع الفائدة والبرهان في شرح الأذهان، تعليقات على القواعد العلامة الحلي، بحر المناقب وغيرها، ينظر: الحر العاملي، أمل الآمل: 2/23، الأمين أعيان الشيعة: 3/80.
7- هو السيد مهدي بن السيد مرتضى بن السيد محمد البروجردي المعروف ببحر العلوم، المنتهى نسبه الشريف إلى السبط الأكبر الحسن بن علي (عليه السلام) وهو من الذين تواترت عنه الكرامات ولقائه الحجة (صلوات الله عليه)، ولد في مشهد الحسين (عليه السلام) بكربلاء سنة 1155هـ وتوفي في النجف الأشرف 1212هـ.
8- كلمة الله: ص140.
9- سورة العنكبوت: 69.
10- سورة النور: 36.