653 ــ علي باقر الحسن (ولد 1420 هـ / 2000 م)

علي باقر الحسن (ولد 1420 هـ / 2000 م)

قال من قصيدة (حكاية اللا منتهى في الحب) وتبلغ (30) بيتاً:

أنّى احتضنتَ السهمَ يا بنَ المصطفى      ماذا دعاكَ بـ (كربلاء) لتحضنَه

تــبّــاً لـه مُــذ عـــانقَ الصدرَ الشريـ     ـفَ تـفـجَّــرتْ أحــقــادُه ما ألعنَه

مِن أيِّ حوضٍ ذلــكَ الــصــبـرُ الذي      تُسقى به واللفحُ وجــهَــكَ لــوَّنه (1)

ومنها:

للآن.. أصـــــــــــداءُ الهتافِ تهزّنا     شــــقَّ الفؤادَ لهيبُه واستوطنه

يا مَــــــــــن أحلتَ لنا الفناءَ خرافةً     المـوتُ شيَّدَ من خلودِكَ مدفنه

لما انحيتَ على السيوفِ بـ (كربلا)     ونهضتَ بالإنسانِ عمّا أوهنه

الشاعر

السيد علي باقر الحسن، شاعر سعودي، وهو (عضو منتدى الينابيع الهَجَريّة)، وقد كتب عنه الأستاذ ناجي بن داود الحرز مقالاً قال فيه:

(حظينا بسعادة وشرف انضمام فارس هذه الحلقة السيد علي بن السيد باقر الحسن الذي يمكننا اعتباره اختصاراً وافياً ورائعاً لتجارب من سبقوه من شعراء «التويثير» المبدعين واختصاراً وافياً أيضاً لمودّتهم وارتباطهم بالمنتدى، فكأنني به يغتصب نفسه اغتصاباً حين مغادرة المنتدى بعد انقضاء وقت اللقاء الأسبوعي وكأنه يتمنى أن يمتد وقت ذلك اللقاء إلى ما لا نهاية.

السيد علي المولود عام 1420 هـ بدأ محاولاته الأولى لمعاقرة كؤوس البيان في سن الثالثة عشرة، ولم تكن بدايته مع الشعر بداية رتيبة، فقد بزغ بدراً مكتمل الألق ليحصل على المركز الأول في مسابقة (الشاعر الناشئ) من نادي الأحساء الأدبي عام 1438 هـ، والمركز الأول في مسابقة (المهارات الأدبية) فرع الشعر على مستوى تعليم المملكة للمرحلة الثانوية في نفس السنة.

عندما قرر السيد علي دخول المضمار شاعراً وعاشقاً، اتجه مباشرة إلى سادن البلاغة وأمير البيان وسيد الفصحاء، يطلب منه الإذنَ ويا له من وقوف على باب عليٍّ:

إيه يا سادن البلاغة هَبني     نقطةَ الباء علني أستفيقُ

وقد وهبه سادن البلاغة نقطة الباء ليكون مستحقا لشرف الانحناء أمام سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله) ليطفئ بعض ظمأه وليزهو الورد والنعناع بين حناياه:

لهديــل روحكَ نغمةٌ وشعاعُ     وعلــــــــــى مداها يُضبط الإيقاعُ

يا سيـدَ الآياتِ خُذ بمسامعي     ضاقتْ بقلبي في الهوى الأضلاعُ

في هَدي وحيِك كوثرٌ متدفقٌ     يـــــجري فيزهو الوردُ والنعناعُ!

وبعدما أروى شاعرنا ظمأه من كوثر جده (صلى الله عليه وآله) كانت البوصلة حينئذ عطش الحسين وكانت الجهة كربلاء:

عمّدتنا نـــخلاً وعشقكَ ســـوسنةْ     يامَن غزلتَ لنا شعاعَ الأنسنةْ

كالضوءِ تختزلُ المســـافةَ عابراً     نحو الخلــودِ فلا تحدّكَ أزمنة

حقّاً هتفتَ: أمـا لنا مـــن ناصرٍ؟     فإليكَ أسمـــاعُ المجرّةِ مُذعِنة

للآنَ.. أصداءُ الـــهتـــافِ تهزُّنا     شقّ الفؤادَ لهــــيبُه واستوطنه

يا من أحلتَ لنا الفـــــناء خرافة     الموتُ شيَّدَ مـن خلودِكَ مدفنة

لمّا انحيتَ على السيوفِ بكربلا     ونهضتَ بالإنسـانِ عمَّا أوهنه

ولا بد هنا من أن يستريح الشاعر في ملكوت أم الحسين وأم أبيها مولاتنا فاطمة عليها وعليهم الصلاة والسلام فهم فاطمة:

باسمِ (البتولِ) تعَمْلَقَت أغـصـاني     واخضرَّ حقلُ الــــعشقِ في وجداني

لم أستفقْ من سكرةِ العشقِ الــذي     أرســـــــــــــى سفينتَه على شطآني

زهراءُ يا رئةَ السلامِ تنفــــــــسّتـ     ـكِ حروفُ شعري.. فاقبلي قرباني

(عمّار) في الولعِ الشفيفِ معلمي     وإليكِ (ســــــــــلمانٌ) حدا سلماني

ملكوتُكِ المُلقى عَـــــــــليَّ رداءه     ختمٌ سماويٌ علـــــــــــــــى إيماني

إي وربك يا علي فإن ميزانك في هواهم من أرجح الموازين، وهنيئا لك

ولكل عشاقهم هذا الحب الهاشمي الذي تقاسمته معهم فأطلق جانحيك في رحاب القدس والطهر بين يدي الإمام العسكري:

نضيدُ العشـــــــــقِ مُحمرَّاً جَنيّا     تقاســــــــمناه حُبّا هاشميا

من الجسدِ الثقيلِ أرحتُ روحي     لأطلقَ في رحابِكَ جانحيّا

ومن عشقٍ إلى عشق، ومن وجدٍ إلى وجد، ومن حكاية إلى حكاية يطوف بنا الشعراء لنرى بأمِّ أعيننا ولنلمس مواقع السهام في أفئدتهم ومكامن الحنين في أكبادهم، حتى وإن كانوا «يقولون ما لا يفعلون» وحتى وإن كانوا يجارون ويبارون أكابر الشعراء العشاق في حلبة الغزل التي فيها تتجلى إمكانياتهم الإبداعية ومدى إمساكهم بزمام اللغة.....

وبمثل هذه الموهبة الثرية وبمثل هذا الإصرار على التألق يستمر أحفاد طرفة بن العبد وسفيان بن مصعب العبدي والشيخ علي بن المقرب في إدهاش الأذواق والقلوب ويبقون متربعين على عرش البيان ما بقي الدهر). (2)

شعره

قال الحسن من قصيدته (حكاية اللا منتهى في الحب) وقد قدمناها:

عــمَّــدتــنــا نــحــلاً وعـشقُكَ سوسنة     يا مَن غزلتَ لنا شــعاعَ الأنسنة

يا ديــمـةً عــصــرتْ جـبــيــنَ فدائها     فــاعـشوشبتْ أرواحُــنا عن بيِّنة

كالضوءِ تــخـتـزلُ الــمـســـافةَ عابراً      نــحـوَ الـخلودِ فلا تـحدُّكَ أزمنة

ها أنــتَ يــا مـولايَ تــكـتـسحُ المدى     ورداً تفتَّقَ فــي القلـوبِ المؤمنة

ذا شوط عــشــقِـــكَ كـــــمْ تسابقنا به     فلذا لهاثُ الـــوجدِ يـعدو أحصنة

أنتَ الــحــسينُ وفي هواكَ تـعـــانقتْ      روحُ الــكـنـيسةِ سيـدي والمئذنة

مــهــلاً وثـــورتُـــكَ الــــولــودُ ثقافةً      هيَ نغمةٌ لــلـثـائــريـــنَ مُدوزنة

حلّقتَ في الطعناتِ تــشــعــلــها هدى     صدرُ الحقيقةِ سادرٌ بـــالأدخــنة

وفــلــقــتَ جــمــــجمةَ الظلامِ بمهجةٍ      حرَّى نهارُ الــمجدِ نزفُكَ عنونة

حــقــاً هــتــفــتَ أمـــا لــنا مِن ناصرٍ      وإليكَ أسـماعُ الــمــجـرَّةِ مُذعنة

للآنَ أصــداءُ الـــهـتـــــافِ تــهــزّني      شقَّ الــفــؤادَ لهيبُه واســتــوطنَه

يـــــــــــــا مَن أحلتَ لنا الفناءَ خرافةً     الموتُ شـــــيَّدَ من خلودِكَ مدفنة

لمّا انحيتَ عـــــلى السيوف بـــكربلا     ونـــــهضتَ بالإنسانِ عمّا أوهنَه

أنــا والــوجـــودُ ومــا تدلّى مِن رؤى     نلقاكَ نـهـجـاً قطرُ جُرحِكَ سَنَّنه

يا مَن أحـلـتَ لـنـا الــفـنـاءَ خــرافـــةً      الموتُ شيَّدَ مِــــن خلودِكَ مَدفنة

حقاً جـعـلـتَ مِن الردى أضــحــوكـةً      مُذ كانتِ الدنيا بــعــيــنِكَ شنشنة

مِن رأسِكَ الــمـقـطـوعِ يــاقوتُ الدما     قــد ســالَ لــغــزاً كلُّ فكرٍ أدمنه

ما ذلــكَ الـــفــجـــرُ الـــذي حــرَّرته     آياً يطلُّ على الــمـدى لـيـطـمْئِنه

كـيـفَ اعـتـكـفــتَ على المُدى مُتبتّلاً      ونهضتَ بالإنـــسانِ عمَّا أوهــنه

أنّى احتضنتَ السهمَ يا بنَ المصطفى     ماذا دعاكَ بـ (كـربلاء) لتحضنَه

تــبّــاً لـه مُــذ عـــانقَ الصدرَ الشريـ     ـفَ تـفـجَّــرتْ أحــقــادُه ما ألعنَه

مِن أيِّ حوضٍ ذلــكَ الـــصـبـرُ الذي     تُسقى به واللفحُ وجـــهَــكَ لــوَّنه

اللهُ أكــبــرُ كــيـفَ جـدتَ على السما     بــدمِ الــرضـيـعِ ودمعِ عينِكَ أبّنه

كــمْ مــأتــمٍ وســطَ الـــوغـى باشرته     والـيـتـمُ أعـلـنَ أنْ خيامكَ سلطنة

كــمْ طــفــلةٍ كــنــتَ الـظلالَ لحزنِها     تــحــنــو وترأفُ والرماحُ مُسنّنة

حــتــى ســقـطتَ مُلـطّخاً بالشوقِ للـ     ـرحــمـنِ يــــا مَـن بالحقيقةِ أيقنه

يا أيّها القنديلُ جــئـــتــكَ ظـــامــــئاً       للنورِ هــبــني منكَ رشفةَ طمأنة

أنا مُذ ركبتُ الشوقَ نحوكَ شاخصاً      وخلعتَ أثـــوابَ الضياعِ المُزمنة

وتبعتُ ما خلفَ الــلــحونَ مِن البكا     آمنتُ أنّكَ دهـــشــةً مُـــتـــفـــنــنة

مَن لي سواكَ إذا هربـتُ مِن الهوى     وطــنــاً يــؤمُّ الــوالــهـينَ لأسكنَه

مَن لمْ يجدْ وطناً يــهــدهـــــدُ جمرَه     فــلــيــتــخـذ مِن سـبطِ طهَ موطنَه

قلبُ الــحـــســـينِ حكايةُ اللا منتهى     في الحبِّ كــي نـحـياهُ كي نتكوَّنَه

وقال من قصيدة (كالشمس في صدر السماوات) وتبلغ (13) بيتاً:

مِن أيــنَ أبـــدأ لا ألــقـى بــدايــــاتي     عادَ الــمـــحــرَّمُ هل تــكــفــيهِ أبياتي

هــلْ بــعــدَ آهـــاتِ طـــهَ إذ تحـضنه     في الــمــــهدِ تجدي مواويلي وآهاتي

مــاذا بــكــفّــكِ يــا شــعـــري لتنثرَه      على مـســامــعِ هـــذا الــعــالمِ العاتي

هلْ للزمانِ سبيلٌ كي نــمــوسِــقــــه     علَّ الــلــحونَ تدفّي طــقــسَــه الشاتي

يا ذلكَ الــجـــرحُ كـــمْ نحياكَ موقدةً      منكَ الــمــآقـــي عــلــى جمرِ المعاناةِ

مذ كنتُ طفلاً على ضلعيَّ قد نُقشتْ      دمعاتُ أمِّي فــصــرنَ الآنَ دمــــعاتي

جيلاً تلا آخراً في الحزنِ ما وئــدتْ      أشــجــانُــنــا حـــــسرةً تأتي بحسراتِ

في مشهدٍ لمْ يزلْ يكسو مـــخـيَّــلـتي     لــطــفــلــةٍ لـــوَّحـــتْ لــلـعـالــمِ الآتي

بنتُ الــحـسـيـنِ أنــا مــشــتاقةٌ لأبي     ودّعــتــه فــاخــتــفى خلفَ الجراحاتِ

شـاهـــدتُه ثمَّ كانَ الرعبُ فـي نفسي     يطغى على البوحِ في وصفِ العذاباتِ

مِن ذلكَ المشهدِ المبثوثِ فـي حدقي     ســافرتُ حتى أقاصي الـحزنِ في ذاتي

جـرحُ الحسينِ وإن طالَ الـزمانُ بهِ      يــظــــلُّ كالشمسِ في صـدرِ السماواتِ

كأسٌ من الوعي في معناهُ يـسكرني     يا لانــتــشـــائـــي بــــهِ في كلِّ حالاتي (3)

....................................................

1 ــ كتاب هو الحسين، وهو عرض للنصوص المشاركة في أمسية (هو الحسين) الشعرية السنوية المقامة في حسينية المصطفى بقرية الدالوة بالأحساء بين عامي (1433 ــ 1442 هـ) ص (281 ــ 285) وهو من جمع مصطفى عبد الله المسيليم الطبعة الأولى (1443 هـ / 2021 م) ص 285 ــ 292

2 ــ المبدعون من شعراء الجيل الرابع.. السيد علي باقر الحسن / صحيفة جهينة الإخبارية بتاريخ 27 / 3 / 2022

3 ــ كتاب هو الحسين ص 281 ــ 284

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار