بين شروق وغروب.. ابداع متجدد

اللوحة من ابداع التشكيلي الرائد الفنان كاظم حيدر وقد رسمت عام 1983م بقوام من الوان الزيت على لوح من الخشب وبأبعاد (٨٠ × ١٠٠ سم) وبأسلوب تجريدي خالص وهي تحمل عنوان ( شروق وغروب)، ويتميز حيدر بتجربته الفنية التي عدها البعض احدى اساسيات التحول الأسلوبي الذي شهدته الساحة الفنية العراقية والعربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بعيداً عن الجماعات الفنية التي انبعثت في تلك السنوات باعتبارها قواعد انطلاق في اتجاه الحداثة الفنية.

انشأ الفنان الراحل في المساحة المتوفرة في المنجز اعلاه اشكالا متشابكة ومزدحمة تملأ وسط اللوحة، تكون فيها الاشكال كأنها حروف او اجزاء حروف منفصلة تارة ومتصلة تارة اخرى لتكون متن اللوحة ومركزها السيادي وبأسلوب تجريدي عرف من خلاله رسام اللوحة ، وتقوم هذه الاشكال على علاقة التنافر والمزاوجة بين الألوان، إذ يتنافر الأزرق الغامق وسط العمل المشكل لعناصر لونية وكتابية متعانقة مع قطع الوان البرتقالي والاصفر المختلطة في وسط العمل لتأكيد نزعة الفنان البصرية والمفاهيمية التي تكشف عن الية بنائية من قبيل وصف الاشكال او الايحاء عنها .

 ويؤشر العمل الفني الماثل علاقة الفنان مع بنية العمل نفسه ، حيث ينحو في تركيبها منحى البناء المسرحي سواء كان ذلك في مساحة اللون الاصفر القريب من شكل ستارة المسرح في عمق اللوحة ، او في الخطوط الافقية والعمودية المعتمدة على ابعاد المنظور الوهمية او المتلاشية الاطراف في قطع المساحة الخلفية الممثلة لفضاء اللوحة المتجزئ لأكثر من مقطع، اذ يضع الفنان من خلالها التكتلات الشكلية واللونية  المتوازية او المتقاطعة بشكل متوازن في اللوحة.

 ولو تأملنا اصل هذه العلاقة الفنية وإذا ما بحثنا في مرجعياتها المعرفية لوجدنا انها تمتد إلى عوامل قدسية مطلقه، حيث العلاقة الصميمية بين الإنسان ونتاجه الفني تكون تحت ضغط سلطة ما، فتكون الذات ممزوجة بالإرادة الحرة في ممارسة العمل الإبداعي الفني والتي تفرز مجريات تجربة ما تركت لدى الفنان خزيناً من الانطباعات اللامحدودة والتي دعته إلى استلهام هاتين الظاهرتين الكونيتين ( الشروق والغروب) وما تحملانه من معان سامية ترتبط بالخالق جل جلاله وبما تمثلانه كأيقونة للزمن المتجسد بالماضي والحاضر و المستقبل القريب والبعيد.. وبنظرة تفاؤلية ذات مرجعية فكرية تاريخية عقائدية تدخل ضمن نطاق أو سياق السببية أو الحتمية .

 إن العمل الحالي يشكل صدمة ملموسة للتحوّلات المُتسارعة في ميدان الفن العراقي المعاصر والتصدي لكثرة التحولات الفنية والفكرية، كون فكرة هذه المرحلة تشد الكثيرين إلى ضرورة اتمام إعادة قراءة مفهوم الفن وفق آليات جديدة تعلن الولاء للمرجعيات الفكرية الضاغط في المجتمع ونشر نوع من الثقافة الاسلامية، ليعلن الفنان من خلالها الولاء لعقيدته ومرجعيته الفكرية ويرسخ المبدأ الذي جبل عليه، ومن جانب اخر يؤكد فكرة تراجيديا الرسم لديه و التي احدثت تغيرات جسيمة ومؤثرة في الفن العراقي المعاصر الذي يشهد خلال هذه الفترة انعطافة مباشرة للتطور وعلى المستوى العالمي، وهو ما يظهر بشكل جلي في جنبات العمل الفني الحالي، حيث تثير الإشارات البصرية المنبعثة من السطح التصوري إلى وجود تنافر مقصود بين الصورة الفنية والرموز الواقعية، فالصورة الفنية كما يقترحها العمل الفني هو صورة ناجحة لمقاييس الذات ، ومن ثم ، استجابتها لثقافة الفرد ومحاولة لطرح ثقافة جديدة تواكب التطور وتبعث وسائلها كأداة جذب وسلطة تملي ضرورتها على ذات الفنان، من خلال انتمائه لتلك الثقافة بتغذية ذات تأثير جانبي يمكن من خلال زرع بذرة الترابطية بين الماضي والحاضر، في حين نجد أن الصورة الواقعية التي يستخلصها الفنان من مجمل مشاهداته الفنية..  هي صورة ترتبط في كثير من مفاصلها بالمضمون أو الخطاب الذي يحاول الفنان طرحه من خلال العمل الفني.

 فالعمل الفني الحالي- كما هو حال اغلب نتاجات كاظم حيدر – يعد وسيلة لطرح ثقافة الاحتفاء بالذات كشخصية متفردة تحاول خلق حالة من الإنا والتقديس في نفس الوقت، اذ ان كثير من لوحاته قد حملت أسماءً وتواقيع شخصية كوسيلة للتعبير عن النفس ، ولهذا أيضاً كانت لدوافعه النفسية ومحاولة تسيير ثقافة الفرد الاثر الاكبر والمباشر على نوع العلاقة الطبيعية بين الذات والمجتمع ، مما جعل الذات أمام كم هائل من الرموز ، والتي جعلت من اسلوب الفنان ملزماً بتبني إحداها والتزام صيغة فنية جراء التعامل مع مساحات لونية تمتلك دفء مشاعر الإنسان وعقيدته، فهذا العمل يبدو انه جاء للتعبير عن تغير من يعيش على هامش التحولات الفنية وبين من هو محمل بالثقافة الشعبية والثقافة البرجوازية، كانه يعود بالمتلقي الى الفنون الأولى..  كونها فنون ضاغطة فكريا.

كاتب : سامر قحطان القيسي