الرمز الفني التشكيلي ودلالاته المجتمعية..

للرموز الفنية صلاة وثيقة بالمجتمع المنتمية اليه، فالمجتمع عادة هو المحدد لمعنى تلك الرمز أو هو الذي يضفي على العناصر المادية معنى ما، فيتجسد كيانها رموزاً متوافقة مع ذائقة مكونات المجتمع وعرفهم الاجتماعي وثقافتهم، ومتلائمة في نفس الوقت مع تطلعهم إلى حياة أكثر نعيماً، فضلا عن العلاقة الجوهرية بين كثير من الرموز والعاطفة الدينية لأفراد المجتمع.

  لذلك نجد إن الرموز الدينية عادة ما تكون مرتبطة وفي اغلب الحالات بالجماعات الاجتماعية* بحيث يدرك الشخص البناء الاجتماعي للمجتمع، اذ ان للنظم الدينية تأثيراً فعالاً في حياة المجتمع ونشاطاته الفنية ، وقد كان تأثير الدين على الفنون واضحاً وعلى مر العصور ، فالدين والالتزام بمبادئه وتأثيره في ممارسة الفنان لفنونه واضح ،على الرغم من وصفه واحداً من مجموعة العوامل والنظم الاجتماعية غير الجمالية التي تؤثر على نتاج الفنان تأثيراً واضحاً وفعالاً بشكل مباشر او غير مباشر، ولا وجود لما يقطع سبيل وجود فنٍ للذات أو فن للمجتمع ، فالفنان إنما يعبر عن ذاته أو عن مجتمعه عبر استلهامه من مفردات المحيط الذي يعيش فيه زماناً ومكاناً.

   وعلى ذلك ينبغي معرفة شيء عن بيئة ومجتمع الفنان فـلكي نفهم العمل الفني أو فناناً ما ، أو مجموعة فنانين ،يجب أن تتمثل لدينا في دقة تامة، الحالة العامة للتفكير ، وعادات العصر الذي ينتمون إليه لأنهم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بهذه الملابسات،

  فكل عصر له فنون تميزه عن غيره وكل فن منها يرتبط ببعضه البعض، وتجمعه مع غيره من فنون عصره سمات مشتركة ناتجة عن الصلات التي تجمع الفنانين من نفس العصر من الناحية الفكرية والبيئية، وعلى الرغم من تنوع الفن على أيدي فنانين مختلفين ، إلا انه يغدو وحدة يشترك فيها الزمان والمكان والفكر، ويخصص لها طابع مميز.

  لذلك اكتسب الرمز في مجتمع ما او عصر ما دلالته الاصطلاحية من الجماعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الرمز، بينما قد لا يكتسب الرمز نفس الدلالة في مجتمعات أو حضارات أخرى تساوقه في العصر نفسه، فان طبيعة المجتمع وأعرافه هي المحدد الاساسي لهوية تلك الرموز، فالرمز شكل له مدلول يحمل صفة ذلك المجتمع بتقاليده وأعرافه ، ومن ثم إبرازه بشكل جلي وملموس إلى المتلقي ، ليأتي الإحساس بقيمة هذا الرمز وما يشكله من قدرة اتصالية مع المتلقي.

  وعلى ذلك فأن الرمز مرتبط أساساً بالهوية والخصوصية ، فلا رمز بلا هوية ولا خصوصية ، ولا يوجد رمز بلا دلالة ذات مرجعيات حضارية وتاريخية تتعلق بأمة من الأمم وشعبها، ولا سيما إن الرمز له جوانب اتصالية كلغة تخاطب واضحة ، وأهداف وأغراض ووظائف معينة وموجهة، فالرمز الواحد قد تجتمع الآراء شعوبا مختلفة عليه وتقره وتتعاقد عليه وقد تختلف بذلك ايضاً.

  ولان المجتمع هو الذي يحدد قيمة الرمز و يضفي على الأشياء المادية معنى معيناً فتصبح رموزاً ،فمن النادر أن نلاحظ عملاً تشكيلياً يكون شعبياً من غير أن يمثل الرمز قيمته ويقربه من ذوق العامة، فحين يتصور الفنان الأشياء المحيطة ويترجمها إلى رموز، فأنه قادر على تحويل الوقائع المادية الظاهرة إلى مجرد رموز في عقله، يفهمها ويترجمها حسب حالته النفسية ووفق انتمائه لمجتمعه، ويعينها وفق رغباته وهو هنا يحقق العلاقة الوثيقة بين الرمز والجمال، ولأنَّ التعبير الفني احد وسائل الرمز عند الإنسان ،فإن الفن يُعد شاهداً أعظم على صدق مشاعر الإنسان ، ودليلاً واضحاً على لون حضارته ومستوى تقدمه ورقيه ، ومبلغ تخلفه وجهله ، وأن يد الزمان تطوي الأجيال البشرية جيلا بعد جيل ليظل التراث المادي متمثلاً في الرمز الفني ليبقى حياً متناقلا بين الاجيال المتلاحقة، كما هو الحال في مجتمعنا الاسلامي الذي حدد رموزه الإسلامية واعطاها هويتها الإسلامية، وإن كان البعض منها مستوحاً من أصول اخرى قد تكون غير اسلامية، فالدين الإسلامي أعطى لرموزه طابعاً خاصاً بها ، ولها دلالاتها المعبرة عن عقيدته الغرة السمحاء. 

*الجماعات الاجتماعية : عرفها البعض في العلوم الاجتماعية، بانها مجموعة تتكون من شخصين أو أكثر يتفاعلون مع بعضهم البعض ويشتركون في خصائص متشابهة، ويكتسبون شعورا جماعيا الانتماء

كاتب : سامر قحطان القيسي