هادي الخفاجي (1326 ــ 1412 هـ / 1908 ــ 1992 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
فقدَ الأحبَّةَ والكماةَ بـ (كربلا) وبقي وحيداً لا يَرى مـن مُـنـجدِ
لـمْ أنـسَـه لـمَّا رأى أهلَ الوفا صرعى على حرِّ الثرى المتوقّدِ
ناداهمُ يا أخوتــي وأحــبَّــتـي شـمـلـي انـثـنـى مـن بعدِكمْ بتبدُّدِ (1)
وقال في موضع خيمة القاسم بن الإمام الحسن (عليهما السلام) في المخيم الحسيني في كربلاء:
يا زائراً خيمَ الشهيدِ بـ (كربلا) طُفْ في جوانـبِها بدمعٍ ساجمِ
فإذا وصلتَ لخيمةٍ ضُربتْ بها في يومِ عاشورا لعرسِ القاسمِ
لـمْ أنـسَـه لـمَّـا هوى عن مهرِهِ والـرأسُ مـفـلوقٌ بحدِّ الصارمِ
وقال:
أفراتُ تمنعُ سبطَ آلِ المصطفى مـنكَ الورودَ وقد خُلقتَ لأجلِهِ
إن لـمْ تـكنْ للسبطِ جُدتَ بشربةٍ في (كربلا) هلّا سمحتَ لطفلِهِ
وقال من قصيدة في السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليهما السلام):
فـلـذاكَ قــد صـبـرَ الــنـبـيُّ وآلِهِ صبراً لخطبٍ من زمـانٍ أنكدِ
وأجلّهمْ صبرُ الحسينِ بـ (كربلا) قاسى من الألمِ العظيمِ المُكمدِ
من فـقـدِ أنــصــارٍ وأولادٍ لـــــه مِـن أخــوةٍ طـاحـوا بكلِّ مهندِ
وقال من قصيدة يرثي بها أستاذه الخطيب الكبير محسن أبو الحب ويعزي أخاه وابنه:
تنعاكَ يا حلفَ المنابرِ (كربلا) تنعى الـمـجالسُ في غزيرِ الأدمـعِ
أنـعـاكَ يـا حـلفَ المكارمِ والداً أنـعـاكَ مـن قـلـبٍ شــجــيٍّ مـوجعِ
نفسي أعزّيها بـفـقـدِكَ بــعـدما أخصصْ أخاكَ وشبَله السامي معي
وقال في رثاء الشيخ فخري كمونة:
ذا صـنـوه كـهـفُ الطريدِ محمدٍ مبسوطةٌ لـلـوافـديـنَ مــوائـدُه
هو شـمـسُنا إن غـابَ عنّا بدرُنا وعمادُنا فليقضِ غيضاً حاسدُه
فتأسَّ في سبطِ النبيِّ بـ (كربلا) إذ مـاتَ عنه عزيزُه ومساعدُه
وقال في رثاء الحاج حسن الكواز:
يا مَـن أقــامَ بـ (كربلاء) مُــــؤدِّيـاً للهِ فـرضَ صــيــامِه وصلاتِه
ومـؤدِّيـاً لـلـوالــديــنِ حــقـوقَــهــم وحقوقَ أخـوانٍ لـه بـصـلاتِـه
يا مَن قضى في (كربلاء) مجاوراً سـبـط الـهـدى بحياتِهِ ومماتِه
قـد فـزتَ مـن ربِّ الـسماءِ برحمةٍ وحباكَ ربُّ العرشِ في جنَّاتِهِ
الشاعر
الشيخ هادي بن صالح بن مهدي بن درويش آل عجام الخفاجي، المعروف بـ (الشيخ هادي الكربلائي)، خطيب وشاعر، ولد بمحلة الشيخ بشار في بغداد، وانتقل إلى كربلاء وهو صغير ولم يفارقها حتى وفاته، تلقى تعليمه الأول على يد والده حتى بلغ مرحلة الشباب دخل مدرسة الصدر الأعظم والمدرسة الزينبية فدرس الفقه والأصول عند الشيخ محمد بن داود الخطيب، وعلوم العربية عند الشيخ محمد العماري، وأتجه نحو الخطابة متتلمذاً على يد خطيب كربلاء الشيخ محسن أبو الحب. (2)
كان لمنبره حضوراً جماهيرياً واسعاً وصدىً كبيراً في جميع الأوساط ومختلف الطبقات، يقول فيه السيد سلمان هادي آل طعمة: (تفوق في مضمار الخطابة تفوّقاً منقطع النظير فحاز على شهرة واسعة في الأوساط الأدبية، وهو من الملتزمين في قراءة التعزية وفي المناسبات الخاصة على أرض كربلاء حيث واقعة الطف ليتناغم الزمان والمكان في أذهان رواد هذه المجالس وكان متفنناً ومؤثراً لأنه يجيد لهجات الوافدين على مجالسه أولئك الذين ينتمون إلى أقطار عربية شتى كالعراق والخليج العربي وغيرها وكان يجتذب أسماع جمهور عريض من المستمعين ويوغل باستعمال المفردة الشعبية (العامية) ويبتغي من ذلك إيصال أفكاره إلى ذهن السامع مع تمكنه من اللغة الفصحى وإحاطته بها إحاطة تامة) . (3)
ويقول عنه السيد داخل السيد حسن: (الشيخ هادي الكربلائي مدرسة مستقلة في الخطابة الحسينية الخالصة، منفرد بأسلوبه النائح، متميز بصوته الشجي الساخن، مجيد لمختلف الطرائق والأطوار المنبرية، وخصوصاً الطريقة الفائزية المشهورة، والتي يتفاعل معها الجمهور لاسيما الجماهير الحسينية في الخليج). (4)
فالشيخ هادي الكربلائي، هو الفارس الذي أطلّ من صهوة المنبر الحسيني على أنصع صفحة في التاريخ البشري، صفحة الثورة الحسينية الخالدة، فراح يؤكد عمق الانتماء العقائدي لمدينة كربلاء المتمثل برمزها الخالد الإمام الحسين (عليه السلام) ويجسد إيمانه المطلق وعقيدته الصادقة بقضيته، فدخل قلوب الناس بوجهه النيّر وصوته الشجي المليء بالحزن والأسى واللوعة، فاصطبغت مراثيه بصبغة الحزن العاشورائي الأصيل واكتسبت طابعه النبيل فكان لنشيجه المفجع عند ذكره للصور المأساوية في مقتل الحسين صدى وأثراً كبيراً في النفوس وإثارتها على البكاء، فكان (بشر بن حذلم) كربلاء ببكائه وحزنه ودموعه، فالحدث الحسيني كان حاضراً دائماً في ذهنه ولم يغب عن باله، وكان يراه في كل ما يثير أشجانه ولواعجه.
لقد خلا قلب شيخنا من كل حب سوى حب الحسين، فكانت علاقته بكربلاء حميمية إذ كان يشمّ في ترابها عطر الإمامة وأريج النبوة فلم يفارقها منذ سكنها واقتصرت خطابته على أرضها حصراً ولم يخطب في أي بلد آخر رغم الإلحاح المتواصل من قبل بعض محبي منبره.
وكان يمتلك ثقافة واسعة وملمّاً بأحداث التاريخ الإسلامي وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) يقول آل طعمة فيه: (والشيخ هادي ممن جللته الثقافة والتوجيه السليم حتى صار كالمرآة، إنه من بين تلك الأسماء التي استأثرت اهتمامنا واستحوذت علينا في ميدان الخطابة المنبرية، ويكاد يسحرنا بأسلوبه المتين، ويثير إعجابنا بسعة اطلاعه وعمق ثقافته على امتداد عشرات السنين فهو رجل وديع يغمر قلبه الإيمان وتزخر روحه بمبادئ الخير والإحسان رزين يتكلم بتؤدة متزن الحديث كان مثالاً يحتذى به وقدوةً صالحة في هذا المضمار...) (5)
كان الشيخ هادي مدرسة في المنبر والأخلاق والتقوى وقد تخرج من مدرسته أعلام الخطباء منهم: السيد مصطفى الأشيقر، والسيد مرتضى القزويني، والشيخ مرتضى الشاهرودي، والشيخ عامر الكربلائي، وأولاده صالح وبهاء وعلاء وآخرون.
لقد حمل الشيخ هادي مسؤولية رسالة المنبر الحسيني وأخلص لها ونذر لها نفسه حتى آخر لحظة من عمره وقد فتح له المنبر آفاقاً واسعة من العلم والأدب والشعر، يقول آل طعمة: (هو شاعر جزل تميز بحدة الذهن وقوة الملاحظة ويغلب على شعره الطابع الديني كما هو شأن شعر الفقهاء..) (6)
فقد كان شاعراً بالفطرة إذ استمد أغلب شعره من واقعة كربلاء ووظفها في شعره واستلهم مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) في قضيته العادلة التي آمن بها وكرس حياته كلها لها، فمزج رؤيته نحو شخصية الإمام ومبادئه وبطولته وتضحيته بالحزن والأسى لما جرى عليه (عليه السلام) في كربلاء
شعره
قال في إحدى قصائده في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
فَـقَـدَ الأحـبـةَ والـحماةَ بـكـــــــربـلا وبـقـي فـريـداً لا يـرى من مُنـجدِ
لـمْ أنـسَـه لـمـا رأى أهــــــلَ الـوفـا صرعى على حرِّ الـثرى المُتـوقِّدِ
نــاداهـــمُ يــــــا أخـوتـي وأحـبـتـي شملي انثنى مـن بـعـدكـمْ بِـتـبَــددِ
قوموا انظروا ما حلَّ بي من بعدكمْ ففراقـكـم يـا أهل ودِّي مُـجـهــدي
قـطـعَ الـرجـا مـنهمْ وعـادَ مُـودِّعـاً حرمَ المـهـيـمـنِ من عـقائلِ أحـمدِ
فـبـرزنَ مـن حـرمِ الإلــــهِ لـنــدبِـهِ ولـهـى بـنـعـيٍ مــوجــعٍ وتـوجُّــدِ
وعـلـيـه دُرنَ صـوارخــاً ونـوادبــاً ولـنـعيها قـد ذابَ صُـمُّ الـجـلــمـدِ
وأشـدّهـا حـرقـاً عـقـيـلـةُ حـيـــــدرٍ تدعو أخاها السبطَ في قلبٍ صدي
مـن بـعـد فـقـدِكَ يـا حـمانـا مـلـجـأٌ لـلـحـائـراتِ ولـلـيـتــــامـى الـفُـقَّـدِ
من ذا ترى يحمي حماهـا إن غدتْ مـن ضـربِ أعـداهـا تدافعُ بـالـيـدِ
وقال من أخرى في علي الأكبر (عليه السلام):
مـنـهـمْ شــبـيـهُ مـحـمـدٍ لـما ســطـا بـجـمـوعِهم وبكفِّـه الـبـتّـارُ
أضـحــى يـبـيـدُ قـرومَهم بحسـامِهِ حـتـى جـرتْ بدمائِهمْ أنهـارُ
من صيدِهم من قالَ من رُعبٍ به: هذا النبيُّ المصطفى المختارُ
أمْ حـيــــدرُ الــكـرارِ ذا ما بيـنـكـم وافـى فـطالتـكـم بـه الأقـدارُ
فـهـناكَ نــاداهـمْ بـصوتٍ مـعـلـمـاً مُـذ كـرَّ فيهـم: جـدُّه الـكـرارُ
والطهرُ سبطُ المصطفى هـو والـدٌ هـذا حـسـيــنٌ مـن لـه أنـوارُ
ومن أخرى في القاسم بن الإمام الحسن (عليهما السلام):
لكنَّ شـبـلـكَ قـــاسمـاً لـمـا سطا عـن عـمَّـه جلّا قتاماً غيـهـبـا
أروى من الأعداءِ عضباً ظامياً وحشاهُ من حرِّ الظما قد أُلهبا
مـا كـرَّ فـيـهـم باسمـاً بحسـامِـهِ إلّا ووجـهُ الـمـوتِ منه قطَّـبـا
كمْ قد فرى بالسيفِ أوداجاً وكمْ قـرمـاً بـيـومِ نـزالـهِ قد أرعَبا
وقال من أخرى:
لستُ أنسى الحسينَ حــيــن تــلقّى من عداهُ بالطفِّ خـطباً جسيما
طــلــبــوا منه أن يـبــايــعَ رجـساً من بني حربٍ فاسـقاً وزنـيـمـا
فـأبى السبط شــاهـــــراً لــحــسامٍ فيه يسقي العدى شـراباً حميمـا
مُـرهــفٌ فـــيهِ قد أبــادَ الأعــادي وعلى الكافرينَ صـبَّ الجحيما
ما سطا باسماً على الـخـــيـــلِ إلّا تركَ الشوسَ في الرغامِ رميما
بـعـد ما شادَ لــلــهــدى ما تـداعى ثمّ وفّى للإلهِ عهداً قـديـــــــمـا
خرَّ قطبُ الوغى على التربِ ظامٍ جـسـمُــه بـالـظـبا جريحاً كليما
فــبــكــتــه الــســمــا هـناكَ نجيعاً وبـهــا مــأتــمُ الــعـزاءِ أقـيــما
وبـنـــاتُ الـهـدى بـرزنَ حـيـارى تـندبُ الندبَ والهُمامَ الكريــمـا
وأمــــامَ الـنـسـاءِ حـِلـفَ الـرَّزايـا زينبٌ من غدتْ تُقاسي العظيما
تـنـدبُ الـسبطَ والـدمـوعُ هـوامـي ولـظـى الـوجدِ في الفؤادِ أُقـيما
حـرَّ قـلـــــبـي لـقـلـبِـهـا مـذ رأتـه وبـنو الشركِ منه حزُّوا الكريما
يـا أخـي مـن تـرى يـذودُ الأعـادي بعدكم من ترى يحامي اليتيما؟
وقال
أيُّـهـا الـراجي نـجــــاةً فـي غـدٍ بـلْ كـلُّ حينْ
إنني أهـديـكَ إن شـــئـ ـتَ إلى حصنٍ حصينْ
خُـذ من الرحمةِ حــاءً ثـمَّ مـن يـاسـيـنَ سـينْ
ثـم يـاءً مــن عــلــــيٍّ ثـمَّ نـونـاً مـن مُـبـيــنْ
فهوَ في الطفِّ غــياثٌ رحـمـةٌ لـلـعـالــمـيــنْ
ذاكَ سبطُ الطهــرِ طه عـبـرةٌ لــلـمـؤمـنـيــنْ
مَن بيومِ الطفِّ فــرداً كـم حـمـى حوزةَ ديـنْ
بــذويـــهِ ونـــســــــاهُ ثـمَّ فـي قـطـعِ الـوتـينْ
لـسـتُ أنـسـاهُ يــنادي مُـفـرداً هـلْ مِن مـعينْ
لـيـذبَّ الــيــومَ عـــنّا مِـن طـغـاةٍ مـشـركـينْ
ما رأى الـسبط مُجيباً لـيـتـنـي أفدي الحـسينْ
عـنـدها نادى بصوتٍ تــركَ الــكـونَ حـزينْ
هــذهِ نـفـسي لدينِ الـ ـمصطفى جدّي الأمينْ
وحُـمـاتـي ثــمّ ولـدي ثـمّ أهـلـي الــطـيـبـيـن
ولأجــلِ الـديـنِ هذي زيـنـبٌ تُــبـدي الحنينْ
فـي نــســاءٍ نـادبـاتٍ حـولَ آســادِ الــعـرينْ
وقال:
يا ابنَ الحسينِ السبطِ أي نور الهدى إنّي ســواكــمْ قـــطّ لا أختارُ
أرجو الشفـاعـةَ مـنـكـمُ يـومَ الـجـزا فلقد أضرّت (هاديَ) الأوزارُ
وقال في رقية بنت الحسين (عليهما السلام):
يا قاصداً فـي الـشـامِ أقـدسَ مرقدٍ لـرقـيـةٍ أكــــرمْ بــذاكَ الــمـرقدِ
هـذي الـيـتـيـمةُ لم تزلْ في عبرةٍ تبكي أباها فــي المساءِ وفي الغدِ
وتـقـولُ أيـنَ أبي مضى يا عمّتي فـتـجـيـبُ فــي سفرٍ طويلٍ مُجهدِ
وبوسطِ ذاكَ الطستِ لمَّا أنْ رأتْ رأسَ الحسينِ يضيءُ مثلَ الفرقدِ
وقال فيها (عليها السلام) أيضاً:
يــا زائــراً لــمـراقـــــدٍ أعـلاهـمـا ربُّ البرية
هـمْ مِـن سُـلالــةِ أحـمدٍ من فاطمـيِّ وفـاطـمية
والآن أنــــــتَ بـمـرقـدٍ لـيـتـيـمـةٍ تُـدعى رقية
بنتُ الحسينِ وجدُّها الـ ـهادي وجــدّتها الزكيّة
مِـن بـعدِ والدِها سـرتْ حـسـرى وعمَّتُها سبيّة
شـاءَ الإلــهُ بــأنْ تـمـو تَ بغربةٍ عبرى شجية
وقال في الشهيد حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله عليه):
لحبيبِ الحسينِ وابنِ مظاهرْ موقفٌ بالـطـفوفِ فـيـهِ مـفـاخـرْ
نـصـرةٌ للحسينِ خيرِ البرايا فـخـرُه فـي الـورى جليٌّ وظاهرْ
هيأةٌ بـالـطفوفِ فيكَ تسامتْ تطلبُ النصرَ منكَ يا خيرَ ناصرْ
.................................................
1 ــ أشعاره عن ديوانه: ديوان الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي جمعه نجله الشيخ علاء الدين الكربلائي / مؤسسة البلاغ للصحافة والطباعة والنشر, بيروت 1424 هـ / 2003 م كتب مقدمته الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر / شعراء كربلاء ج 6 ص 173 ــ 183
2 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 170
3 ــ نفس المصدر ص 170 ــ 171
4 ــ معجم الخطباء ج 2 ص 129
5 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 171
6 ــ نفس المصدر والصفحة
اترك تعليق