هل القبر الموجود في النجف هو للإمام علي (ع) ؟

الثّابتُ في مصادرنا أنَّ قبرَ الإمامِ عليّ عليه السّلام كانَ مخفيّاً خوفاً مِن وصولِ الخوارجِ وبني أميّةَ إليه وقد جاءَ في كتابِ فرحةِ الغري في تعيينِ قبرِ أمير المؤمنينَ عليه السّلام للنّقيبِ غياثِ الدّين السّيّدِ عبدِ الكريم بنِ طاووس المتوفّي عامَ 693 للهجرةِ قالَ: حَدَّثَنِي الحُسَينُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُصعَبٍ الزَّرَّاعُ [الدَّرَّاعُ‏] وَ أَخبَرَنِي أَبُو الحُسَينِ زَيدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَعقُوبَ بنِ زَكَرِيَّا بنِ حَربٍ الشَّيبَانِيُّ الخَلَّالُ قِرَاءَةً عَلَيهِ فِي رَحَى أَبِي أَيُّوبَ بِالكُوفَةِ قَالَ أَخبَرَنِي الحُسَينُ بنُ مُحَمَّدٍ عَن مُصعَبٍ إِجَازَةً عَنهُ قَالَ الحُسَينُ بنُ مُصعَبٍ الزَّرَّاعُ [الدَّرَّاعُ‏] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي صَفوَانُ بنُ عَلِيٍّ البَزَّازُ قَالَ حَدَّثَنِي صَفوَانُ الجَمَّالُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجتُ مَعَ الصَّادِقِ ع مِنَ المَدِينَةِ أُرِيدُ الكُوفَةَ فَلَمَّا جُزنَا بَابَ الحِيرَةِ قَالَ يَا صَفوَانُ قُلتُ لَبَّيكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ تُخرِجُ المَطَايَا إِلَى القَائِمِ وَ جِدَّ الطَّرِيقَ إِلَى الغَرِيِّ قَالَ صَفوَانُ فَلَمَّا صِرنَا إِلَى قَائِم الغَرِيِّ أَخرَجَ رِشَاءً مَعَهُ دَقِيقاً قَد عُمِلَ مِنَ الكِنبَارِ ثُمَّ تَبَعَّدَ مِنَ القَائِمِ مَغرباً خُطًى كَثِيرَةً ثُمَّ مَدَّ ذَلِكَ الرِّشَاءَ حَتَّى انتَهَى إِلَى آخِرهِ فَوَقَفَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الأَرضِ فَأَخرَجَ مِنهَا كَفّاً مِن تُرَابٍ فَشَمَّهُ مَلِيّاً ثُمَّ أَقبَلَ يَمشِي حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَوضِعِ القَبر الآنَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ المُبَارَكَةِ إِلَى‏ التُّربَةِ فَقَبَضَ مِنهَا قَبضَةً ثُمَّ شَهَقَ شَهقَةً حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ فَارَقَ الدُّنيَا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ هَاهُنَا وَ اللَّهِ مَشهَدُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع ثُمَّ خَطَّ تَخطِيطاً فَقُلتُ يَا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا مَنَعَ الأَبرَارَ مِن أَهلِ بَيتِهِ مِن إِظهَارِ مَشهَدِهِ قَالَ حَذَراً مِن‏ بَنِي‏ مَروَانَ‏ وَ الخَوَارِجِ‏ أَن تَحتَالَ فِي أَذَاه 

 وقد أظهرَ القبر لعامّة الشيعة في عهد الإمام الصّادق عليه السلام، ففي حديثِ صفوانَ عنه عليه السلام بعد ما انتهى من زيارتهِ عليه السلام قال:( قُلتُ يَا سَيِّدِي تَأذَنُ لِي أَن أُخبِرَ أَصحَابَنَا مِن أَهلِ الكُوفَةِ بِهِ قَالَ نَعَم وَ أَعطَانِي الدَّرَاهِمَ وَ أَصلَحتُ‏ القَبر. 

 ( لهذا ربّما أثارَ بعضُهم الشّبهاتِ حولَ ثبوتِ الموضعِ الحاليّ لقبرِه عليهِ السّلام وقد تصدّى السّيّدُ عبدُ الكريمِ بنُ طاووس لهذهِ الشّبهاتِ في مُصنّفِه القيّمِ (فرحةُ الغري في تعيينِ قبرِ أمير المؤمنينَ عليه السّلام ) مُستدلّاً بالعقلِ والرّواياتِ على ثبوتِه. ومنَ الرّواياتِ ما رواهُ عنِ الرّسولِ الأعظمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله( رَأَيتُ فِي كِتَابٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ بنِ طَحَّالٍ المِقدَادِيِّ قَالَ رَوَى الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِعَلِيٍّ ع يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَرَضَ مَوَدَّتَنَا أَهلَ البَيتِ عَلَى السَّمَاوَاتِ فَأَوَّلُ مَن أَجَابَ مِنهَا السَّمَاءُ السَّابِعَةُ فَزَيَّنَهَا بِالعَرشِ وَ الكُرسِيِّ ثُمَّ السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ فَزَيَّنَهَا بِالبَيتِ المَعمُور ثُمَّ سَمَاءُ الدُّنيَا فَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ ثُمَّ أَرضُ الحِجَاز فَشَرَّفَهَا بِالبَيتِ الحَرَامِ ثُمَّ أَرضُ الشَّامِ فَشَرَّفَهَا بِبَيتِ المَقدِسِ ثُمَّ أَرضُ طَيبَةَ فَشَرَّفَهَا بِقَبرِي ثُمَّ أَرضُ كُوفَانَ فَشَرَّفَهَا بِقَبرِكَ يَا عَلِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقبَرُ بِكُوفَان العِرَاقِ فَقَالَ نَعَم يَا عَلِيُّ تُقبَرُ بِظَاهِرها قَتلًا بَينَ‏ الغَرِيَّينِ وَ الذَّكَوَاتِ البِيضِ يَقتُلُكَ شَقِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ مُلجَمٍ فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً مَا عَاقِرُ نَاقَةِ صَالِحٍ عِندَ اللَّهِ بِأَعظَمَ عِقَاباً مِنهُ يَا عَلِيُّ يَنصُرُكَ مِنَ العِرَاقِ مِائَةُ أَلفِ سَيف.

وقد ثبتَ في المصادرِ أنَّ أوّلَ زائرٍ منَ الأئمّةِ عليهم السّلام للقبرِ الشّريفِ هو عليُّ بنُ الحسين زينُ العابدين عليهِ السّلام وقد رُويَت عنهُ الزّيارةُ المشهورةُ المُسماةُ بزيارةِ أمينِ الله، فقد روى عبدُ الكريمِ بنُ طاووس في كتابِه فرحةُ الغري بسندِه عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ الجُعفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ ع‏ مَضَى أَبِي عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ع إِلَى قَبرِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع بِالمَجَازِ وَ هُوَ مِن‏ ناحِيَةِ الكُوفَةِ فَوَقَفَ عَلَيهِ ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ السَّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرضِهِ  ..إلخ وهيَ كما ذكرنا زيارةُ أمينِ اللهِ المشهورةُ التي تُعدُّ منَ الزّياراتِ المُطلقةِ التي يُزارُ بها أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام وقد جاءَ عنِ الإمامِ الباقرِ عليه السّلام في نهايةِ هذهِ الزّيارةُ مَا قَالَهُ أَحَدٌ مِن شِيعَتِنَا عِندَ قَبرِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع أَو عِندَ قَبرِ أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ ع إِلَّا رُفِعَ فِي دَرَجٍ مِن نُورٍ وَ طُبِعَ عَلَيهِ بِطَابَعِ مُحَمَّدٍ ص حَتَّى يُسَلَّمَ إِلَى القَائِمِ ع فَيَتَلَقَّى صَاحِبَهُ بِالبُشرَى وَ التَّحِيَّةِ وَ الكَرَامَةِ إِن شَاءَ اللَّه. 

كما زارَه الإمامُ الباقرُ عليه السّلام معَ والدِه عليه السّلام. روى صاحبُ كتابِ فرحةِ الغري بسندِه عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ الجُعفِيِّ عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ ع قَالَ: كَانَ أَبِي عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ع قَدِ اتَّخَذَ مَنزِلَهُ مِن بَعدِ مَقتَلِ أَبيهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ع بَيتاً مِن شَعرٍ وَ أَقَامَ بِالبَادِيَةِ فَلَبِثَ بِهَا عِدَّةَ سِنِينَ كَرَاهِيَةً لِمُخَالَطَةِ النَّاسِ وَ مُلَاقَاتِهِم وَ كَانَ يَصِيرُ مِنَ البَادِيَةِ بِمَقَامِهِ بِهَا إِلَى العِرَاقِ زَائِراً لِأَبِيهِ وَ جَدِّهِ ع وَ لَا يُشعَرُ بِذَلِكَ مِن فِعلِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ فَخَرَجَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيهِ مُتَوَجِّهاً إِلَى العِرَاقِ لِزِيَارَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ أَنَا مَعَهُ وَ لَيسَ مَعَنَا ذُو رُوحٍ إِلَّا النَّاقَتَينِ فَلَمَّا انتَهَى إِلَى النَّجَفِ مِن بِلَادِ الكُوفَةِ وَ صَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنهُ فَبَكَى حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ بِدُمُوعِه‏.

ومرَّ معنا في أوّلِ حديثنا زيارةُ الإمامِ الصّادقِ للقبرِ وإعلانُه عنهُ لأصحابِه

 و زارَهُ الإمامُ الهادي عليه السّلام كما روى صاحبُ كتابِ فرحةِ الغري بسندِه عَن أَبِي القَاسِمِ بنِ رَوحٍ وَ عُثمَانَ بنِ سَعِيدٍ العَمرِيِّ عَن أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ العَسكَرِيِّ عَن أَبِيهِ ص‏ وَ ذَكَرَ أَنَّهُ ع زَارَ بِهَا فِي يَومِ الغَدِيرِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَشخَصَهُ فِيهَا المُعتَصِمُ يَقِفُ عَلَيهِ ص وَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ هِيَ تَقرُبُ مِن كُرَّاسَةٍ وَ نِصفِ قَطعِ الثُّمُنِ وَ آخِرُهَا الَّذِينَ‏ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَ لا هُم يَحزَنُونَ‏ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد 

وهذا لا يمنعُ أن يكونَ قد زارَهُ الإمامانِ الحسنُ والحسينُ عليهما السّلام سرّاً لأنّ عدمَ الوجدانِ لا يعني عدمَ الوجودِ وإنّ إنتشارَ زيارتِهم لهُم ربّما نقضَ الغرضَ منَ التّعميةِ على قبرِه فقد عاشَ الإمامانِ عليهما السّلام عصرَ إنتشارِ البُغضِ والعداءِ لأميرِ المؤمنينَ عليه السّلام منَ الخوارجِ والأمويّين.

المرفقات