330 ــ علي بن سلمان النجفي: كان حياً (1233هـ / 1817 م)

علي بن سلمان النجفي: (كان حياً 1233هـ / 1817 م)

قال من قصيدة تبلغ (37) بيتاً في وصف غارة الوهابيين الوحشية على مدينة كربلاء عام (1216 هـ / 1881 م) وكان الشاعر فيها شاهد عيان وفيها يستنهض الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف):

ألم تـرَ أنَّ الـظـلـمَ أســــدلَ لـيـلَـــه      على الأفقِ والأقطارُ قد مُلئتْ كُفرا

فـمـا الـصـبـرُ والبلوى تفاقمَ أمرُها      فـمِـنْ مُـقـلةٍ عبرى ومن كبدٍ حرَّى

أما كان فعلَ القومِ منكَ بـ (كربلا)      بمرأى أما كـنـتَ الـمحيطَ بها خُبْرا (1)

ومنها:

أفي كلِّ يومٍ فـجـعـةٌ بـعـدَ فـجـعـةٍ      لدى (كربلا) تذكارُها يصدعُ الصخرا

إلى كمْ لنا بالطفِّ شنعاءَ ما رقتْ      لـهـا عـبـرةٌ إلا ألــمَّــتْ بــنـا أخــــرى

وما فـجـعةُ بالطفِّ إلا تـفـاقـمـتْ      عـلـيـنـا ولـم تـبـقـي لـســابـقـةٍ ذكـــــرا

ومنها:

فـهـا (كربلا) هـذا ذبـيحٌ كما ترى      وهذي ــ وقاك الله ــ مسلوبةٌ خِدرا

إذا لم يغث في سوحِكم مستجيرَها      فأينَ سواها المستجارُ ومن أحرى

يـطـلُّ لـديـهـا مـن دمــاءِ ولاتِـكـمْ      ألـوفٌ ومـا عـدّى وأنتَ بها أدرى

الشاعر

قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان فاضلاً كاملاً شاعراً بليغاً أديباً معاصراً للشيخ محمد حسين ابن الشيح محمد علي الأعسم، وكانا خليطين وبينهما مراسلات ومكاتبات ومن شعره يشكو دهره قوله:

وقــائــلــةٍ خـفِّـض عـلـيكَ فما الهوى     عــقــارٌ ولـكـن قــد تـخـيـلُ شاربُه

ومــا الـدهـرُ الا مـنـجــنـونـاً بـأهــلِـه     يَرى فيه أنواعَ الـتـقـلّـبِ صـاحـبُه

ومـا مـن فـتىً في الدهـرِ إلا وقد غدا     يـسـالـمُـه طـوراً وطـوراً يـحـاربُه

فكنْ رجلاً ما خانَه الصـبرُ في الردى     كما سيفُ عمروٍ لم تخنْه مضاربُه

وإن كنتَ مـنـه طـالـبـاً صـفوَ مشربٍ     سـفـهـتْ فأيِّ الناسِ تصفو مشاربُه

ديـارٌ بـهـا لا أنــسَ لــي غـيـر أنـنـي     يـجـاوبُـنـي فـيـها الصدى وأجاوبُه

هجرتُ الـحِـمى لا عن مـلالٍ وإنَّــمـا     يجاذبُنـي عنه العنـا وأجــــــــاذبُه (2)

وقال السيد جواد شبر عن القصيدة: (يظهر من مجرى هذه الأبيات أن القصيدة نظمت على إثر غارة الوهابيين سنة ١٢١٦ هـ على كربلاء وانتهاكهم لقدسية حرم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه‌ السلام وسفك دماء الأبرياء من رجال ونساء فثارت حمية هذا العلوي الغيور فاندفع مستجيراً بصاحب العصر الإمام الغائب حجة آل محمد صلوات الله عليه). (3)

وقد وثق هذه الحادثة شعراً ــ إضافة إلى السيد علي بن سلمان ــ العديد من الشعراء فسجلوا بشعرهم صوراً من الجريمة البشعة التي لن يمحى عارها من تاريخ آل سعود المليء بالإجرام منهم الشيخ محمد رضا الأزري في قصيدة طويلة بلغت أكثر من مائة بيت نقل فيها الصور المأساوية لتلك الفاجعة وقد ذكر ها السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة. (4)

ونرى من لزوم موضوع القصيدة التي تتحدث عن حادثة مؤلمة من تاريخ كربلاء أن ننقل ما سجلته المصادر عن هذه الغارة البشعة التي قام بها هؤلاء الوحوش

الغارة الجبانة

تعد هذه الغارة من أبشع الجرائم بحق الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، حيث قاموا بإبادة مدينة آمنة مطمئنة مؤمنة بالله وبرسوله يقيم أهلها الصلاة ويؤتون الزكاة، هذه الجريمة التي تقشعر لها الأبدان وتشمئز منها النفوس والتي بلغت من البشاعة والقسوة والفظاعة أن أثارت مشاعر السخط والغضب لدى المسلمين وغير المسلمين على حد سواء فوصفتها المصادر الغربية بـ (الغارة الوحشية) المقززة للنفوس والمستفزة لأعمق مشاعر السخط والغضب.

لقد كانت هذه الغارة مدروسة مسبقاً وأختير لها وقتا مناسباً وهو يوم (18 من ذي الحجة) وهو يوم الغدير حيث يخرج معظم أهالي كربلاء والمدن العراقية الأخرى إلى النجف الأشرف لزيارة قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكان اختيار هذا اليوم للهجوم على المدينة من الأساليب الدنيئة والجبانة التي عادة ما يستخدمها الوهابيون في غزواتهم وقد أجمعت المصادر على هول تلك الفاجعة حتى سميت بـ (حادثة الطف الثانية)!

يد العثمانيين تشترك بالجريمة

أشارت المصادر التاريخية إلى ضلوع العثمانيين في هذه الجريمة وإن اتفاقاً جرى بينهم وبين الوهابيين على استباحة كربلاء وإبادة أهلها.

يقول الرحالة ميرزا أبو طالب خان: (في الثامن عشر من ذي الحجة من عام (1216هـ) ــ وهو يوم عيد غدير خم ــ كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة الإمام علي (عليه السلام) إذ داهمهم (25,000) ألف من فرسان الوهابيين يمتطون الجياد العربية الأصيلة، وسبق أن بعثوا قبل هذا التأريخ جماعة منهم إلى ضواحي كربلاء متنكرين بزي الزوار واتصلوا بحاكم كربلاء آنذاك المدعو عمر أغا وعقدوا معه اتفاقا سرياً ولما دخلوا كربلاء تعالت أصواتهم قائلين (اقتلوا هؤلاء المشركين)، وكانت حامية كربلاء تحت قيادة حاكمها المذكور ــ أي عمر أغا ــ وقد انسحب أفرادها إلى قرية الهندية القريبة من كربلاء بموجب الاتفاقية المذكورة) (5)

ويؤكد ذلك المستشرق البريطاني (ستيفن هسلي لونكريك) حيث يقول: (على أن الفاجعة الكبرى كانت على قاب قوسين أو أدنى، تلك الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع الأشعبي, واستعملت باسم الدين. فقد حدث في أوائل سنة (1801) أن تفشى الطاعون في بغداد, فاضطر الباشا (سليمان باشا الكبير) وحاشيته للالتجاء إلى الخالص حيث ابتعد عن منطقة المرض وما استتب حاله هناك حتى فوجئ بنبأ من المنتفك علم به أن القوات الوهابية تحركت للغزو الربيعي المعتاد فأرسل الكهية ــ علي باشا ــ إلى الهندية، إلا أنه ما كاد يغادر بغداد حتى وافت أخبار هجوم الوهابيين على كربلاء ونهبهم إياها، وهي أقدس المدن الشيعية وأغناها...) (6)

كما أكد هذا الاتفاق السيد محمد حسن مصطفى الكليدار حيث يقول: (ولم يجد وصول (الكهية) علي باشا إلى كربلاء نفعاً ذلك لأن حاكم كربلاء آنذاك (عمر أغا) لم يكن ليعمل شيئاً لحماية البلدة وكان متواطئاً مع المجرمين سراً، وعندما قربت فلولهم هرب إلى قرية الهندية القريبة من كربلاء...) (7)

وأشار الأستاذ جعفر الخياط إلى هذا الاتفاق أيضاً فقال: (لكن الملاحظ إن عمر أغا هرب إلى قرية قريبة من كربلاء أول ما علم بالخطر فلم يدافع قط، مع أن الناس كانوا يتهمونه بمخابرة الوهابيين والتواطؤ معهم...) (8)

وقد لقي عمر أغا جزاءه العادل إذ قتله سليمان باشا بعد الواقعة.

الغارة في المصادر

استعرضت المصادر التاريخية الشرقية والغربية هذه الغارة الوحشية بالتفصيل وتناولها المؤرخون والمستشرقون بأدق التفاصيل ووصفوا همجيتها ووحشيتها وبشاعتها والخسائر الكبيرة في الأرواح التي أزهقت فيها وأسماء العلماء الشيعة الذين استشهدوا في هذه الغارة وحجم وتعداد النفائس التي سرقها الوهابيون من حرم الإمام الحسين (عليه السلام) عدا ما سرقوه من البيوت والأسواق وأصداء هذه الحادثة في العالم الإسلامي حيث يصفها لونكريك) بــ (الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية) ويصف كذلك أحداث ذلك اليوم الدموي بالقول:

(حالما انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من شهر نيسان ـ إبريل حتى سارع من بقي في المدينة لإغلاق الأبواب إذ أن معظم أهالي المدينة كانوا في النجف يقومون بالزيارة غير أن الوهابيين ويقدر عددهم بستمائة هجان واربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة فرق ومن وراء أحد الخانات قاموا بالهجوم على أقرب باب من أبواب المدينة وتمكنوا من فتحه عنوة ثم تسللوا إلى داخلها فاندهش السكان وأخذتهم حالة من الذعر وأصبحوا يفرون على غير هدى، أما الوهابيون القساة فقد واصلوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وشرعوا في تخريبها فاقتلعوا القضبان المعدنية والسياج من أماكنها ونهبوا المرايا الكبيرة والنفائس والحاجات الثمينة بينها هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس وسلبوا أيضا زخارف الجدران وقلعوا الذهب من السقوف وأخذوا الشمعدانات والسجاجيد الفاخرة والمعلقات القيمة والأبواب المزخرفة والمرصعة ولم يكتفوا بهذه الأعمال بل قتلوا قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة شخص آخر خارج الضريح، أما المدينة نفسها فقد عاث فيها الغزاة المتوحشون فسادا وتخريبا وقتلوا من دون رحمة كل من صادفوه كما سرقوا كل دار ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ولم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الجميع من وحشيتهم ولا من أسرهم ولقد قدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة فيما قدر الآخرون عددهم بخمسة أضعاف ذلك). (9)

ولنترك الحديث للسيد محسن الأمين في وصف هذه الفاجعة:

(في سنة (1216هـ) جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي النجدي جيشاً من أعراب نجد وغزا به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جل الأهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم 18 ذي الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من ذخائر المشهد الحسيني الشيء الكثير ثم كر راجعاً إلى بلاده). (10)

وتتضح فصول أخرى وتفاصيل أدق عن حجم الفظائع التي ارتكبها آل سعود والأشياء الثمينة والنفائس النادرة التي سرقوها في وصف السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه (تاريخ كربلاء المعلى) حيث يقول بعد أن يصف دخول الوهابيين إلى كربلاء وقتل أهلها:

(وبعد أن أتم سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزاً كان فيه جملة جمعت من الزوار وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرين سيفاً محلّاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأواني ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل: إن من جملة ما نهبه سعود أثاثات الروضة وفرشها منها أربعة آلاف شال كشميري وألفي سيف من الفضة وكثير من البنادق والأسلحة). (11)

وقال السيد عبد الحسين الكليدار أيضاً: (جهّز الأمير سعود الوهابي جيشاً عرمرماً مؤلّفاً من عشرين ألف مقاتل، وهجم على مدينة كربلاء وكانت على غاية من الشهرة والفخامة، ينتابها زوار الفرس والترك والعرب، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيّق عليها وقاتل حاميتها وسكّانها قتالاً شديداً وكان سور المدينة مركّب من أفلاك النخيل مرصوصة خلف حائط من الطين وقد ارتكب الجيش فيها من الفظائع ما لا يوصف. حتّى قيل: إنّه قتل في ليلة واحدة عشرين ألف شخص.

وبعد أن أتمّ الأمير سعود مهمّته الحربية التفت نحو خزائن القبر ــ وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكلّ شيء نفيس ــ فأخذ كلّ ما وجد فيها وقيل: إنّه فتح كنزاً كان فيها جمّة جمعت من الزوار وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة، وعشرون سيفاً محلاّة جميعها بالذهب، ومرصّعة بالحجارة الكريمة وأوانٍ ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر.

ومن جملة ما نهبه ابن سعود أثاث الروضة وفرشها منها 4000 شال كشميري و 3000 سيف من الفضة وكثيراً من البنادق والأسلحة.

وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حال يُرثى لها وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجا بنفسه فأصلح بعض خرابها، وأعاد إليها العمران رويداً رويداً). (12)

تصفية علماء الشيعة

سعى الوهابيون إلى تصفية علماء الشيعة في كربلاء واستهدافهم لحقدهم عليهم, فكان من بين العلماء المستشهدين في ذلك اليوم العالم الجليل السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري الذي ذكره العلامة الأميني (صاحب الغدير) بقوله: (كان من حملة راية العلم فقيهاً محققاً ومحدثاً حكيماً محيطاً باللغة العربية, وملمَّاً بفروع العلم, سليم النفس, حسن السلوك, زاهداً ورعاً قُتل ظلماً في كربلاء على أثر هجمة الوهابيين) (13).

كما ذكره السيد محسن الأمين فقال عنه: (السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري من أحفاد المير السيد علي دفين همدان استشهد على يد الوهابيين يوم (18 ذي الحجة سنة 1216هـ) كان تلميذ البهبهاني (العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني) له مؤلفات في الفقه الاستدلالي مبسوط مع مستطردات ومستطرقات وله كتاب بحر المعارف في العرفان والتصوف ـ فارسي عربي ـ طبع في بمباي وتبريز قتله الوهابيون عند أخذهم كربلاء سنة (1216) فيمن قتلوا وهو أحد العلماء العرفاء المشاهير أخذ في كربلاء عن صاحب الرياض واتصل بعد إقامته في العراق أربعين سنة بنور علي شاه العارف الأصفهاني وأخذ الطريقة عنه وأصبح من جملة مريديه فانصرف إلى رياضة النفس ومجاهدتها وأذن له بلقاء الحاج محمد حسين الأصفهاني ثم عاد إلى كربلاء مؤثراً المجاورة فيها فقتله الوهابيون) (14)

ويذكر السيد محمد حسن الكليدار بالتفصيل هذه الحادثة التي تدل على الهمجية والبشاعة التي جبل عليها الوهابيون فيقول في ترجمة الهمداني الحائري: (من أعلام الدين وحملة العلم فقيه محقق متكلم لغوي ماهر في العلوم زاهد.... استشهد بعد ما أخرجوه من داره بالحبل...) (15)

وإضافة إلى الهمداني فقد استشهد في هذه الحادثة من العلماء الأعلام: الميرزا محمد طبيب الإيراني والميرزا محمد طبيب اللكهنوري وعلي نقي اللاهوري وشقيقه الميرزا قمر علي.

وذكر العلامة الشيخ محمد طاهر السماوي إن من أعيان كربلاء الذين استشهدوا على يد الوهابيين السيد محمد موسى (سادن الروضة الحسينية) وأخوته السيد حسن والسيد حسين وأبناء عمومته (16)

كما يذكر هذه الحادثة بقوله:

ولم يزلْ كلُ مـوالٍ يــعمرُ     فيه إلى أن جاء جافٍ أحقرُ

فشدّ لا يثني هـواه الــثاني     ومزّقَ الكتــــــابَ والمثاني

وهدّمَ الشباكَ والــــــرواقا     واستلب الحليَ والأعـــلاقا

وقتلَ النساءَ والأطـــــفالا     إذ لم يجد في كربلا رجــالا

لأنهم زاروا الغدير قصدا     فأرخـــــــــوه (بغدير) عدّا (17)

وهناك حادثة في ذلك اليوم جرت للسيد علي الطباطبائي صاحب كتاب (الرياض) والذي كانت له رئاسة الحوزة العلمية في ذلك الوقت في كربلاء نقلها العالم الجليل المولى علي التبريزي دلت على أن الوهابيين كانوا يستهدفون إبادة المدينة بشكل عام وعلماء الشيعة بشكل خاص لتصفيتهم، ومجمل الحادثة أنهم قصدوا داره لقتله ولم يكن في البيت سواه وطفل رضيع فلما أحسّ بهم حمل الطفل على صدره واختبأ في أحد زوايا البيت ففتشوا كل البيت إلا تلك الزاوية حيث أعمى الله أبصارهم ونجا السيد علي بأعجوبة. (18)

النفائس المسروقة

"لا تقدر بثمن" هذه العبارة أطلقها كل من ذكر ما سرقه الوهابيون الغزاة من الأموال والنفائس والمجوهرات والتحف الثمينة من داخل الضريح المقدس فقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: (ونهبوا البيوت والأسواق ونفائس الضريح المقدس وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن اقتلعوها من مكانها ثم هدموا الضريح المطهر) ويصف لونكريك ما نهبه سعود وأتباعه من هذه النفائس بقوله: (رجع وحوش نجد الكواسر إلى موطنهم ثقالاً على إبلهم التي حملت بنفائس لا تثمَّن)، كما جاء في وصف عثمان بن بشر الحنبلي البشاعة التي استخدمت في هذه المجزرة التي قام بها الوهابيون بقوله: (فحشد عليها ــ أي كربلاء ــ الوهابيون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في البيوت والأسواق وهدموا القبة الموضوعة التي كانت على القبر وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر). (19)

الضحايا وصدى الحادثة

قدِّر عدد القتلى بخمسة آلاف شخص من الأبرياء قتلوا بطرق وحشية, وعن صدى هذا الحادث الأليم وانعكاسه على الحكومتين العثمانية والإيرانية يقول ريتشارد كوك: (إن هذا الحادث الأليم قد أحدث رعباً وقلقاً في بغداد كلها وسرعان ما انعكس ذلك في استانبول وإيران) ثم يقول: (إن الإيرانيين في الحقيقة قد اشتد هياجهم بحيث إن فتح علي شاه لم يمنعه من التدخل السافر وسوق الجيوش إلى العراق لهذا السبب إلا إرسال مبالغ طائلة من بغداد إليه في الوقت المناسب إرضاء لجشعه المسنون). (20)

وثق السيد علي بن سلمان هذه الحادثة المؤلمة بعد أن أنجاه الله من القتل فقال في قصيدته (21):

أرى هـمــــــمـاً مـكـنـونــةً لا يــقــلّــهـا     فـضا هذهِ الأولى اتّساعاً ولا الأخرى

تـقـطّــــــعُ أمــعـــاءَ الزمـانِ بـحـمـلِـهـا     إذا ذُكـرتْ عندي خطوبُ بني الزهرا

بـهـا طـالـبـاً وِتـراً من الــدهــرِ لا أرى     شـفـاءً لــه مـا لا أزيـــلُ لـــه الــدهرا

أدكُّ بـهـا شــمَّ الـجـبـــــالِ إلـى الــثـرى     وأبـنـي لـنـا فـيـهـا عـلى زحلٍ قصرا

سـتـدري الــــــلـيـالي من أنا ولـطـالـمـا     تـجـاهـلـنَ بـي عـلـماً وأنـكرنني خبرا

بها لـســــــتُ أرضـى أن قـيـصرَ خادمٌ     لـديَّ ولا أرضـى بـذلـكَ مـن كـسـرى

بـسـطـــوة من جـــبـريـلَ تـحـتَ لـوائِـهِ     وقـد جـلَّ ذا قـــدراً ومـــا زاده قــدرا

وصـاحـبُ مـوسـى والـمسيحُ وحــولـــه     مـلائــكــةُ الأفــلاكِ تـنـتـظـرُ الأمـرا

إذا مـا رنــا نـحـوَ الــسـمـاءِ بـــطــــرفِهِ     تـمـورُ بـمـنْ فـيـهـا الـسـماءُ له ذعرا

ولـو شـاءَ نـسـفـاً لـلـجـبالِ لأصـــبــحتْ     ولا شـيء مـنـهـا حيثُ شاءَ ولا قدرا

إمــامٌ تــولّــى كــلَّ آيـــةِ مـــــــــرسَـــلٍ     مـن اللهِ مـنّــاً فـهـوَ آيـتُـــه الــكـبـرى

إمــامٌ يــعــيــدُ اللهُ شـــــــرعـــةَ جـــــدِّهِ     بـه غـضَّـةً أيَّـامَ دولــــتِـــه الـــغــــرَّا

كـأنَّ عـلـيـهِ الـــتــــاجُ رُصَّـــعَ وشـيُــه     بضوءِ سـنـى المرِّيخِ نوراً وبالشعرى

إذا ما رأى الرائي به الهديَ والــهـــدى     رأى من عظيمِ الأمرِ ما يُدهشُ الفكرا

بـه الـدهـرُ مـبـيـضٌّ هـدىً واســتــنـارةً     عـلـى أهـلِـهِ والأرضُ مـشـحونةٌ ذِكرا

متى يطربُ الأســمــاعَ صــوتُ بشيرِهِ     وأنّـى لـسـمـعـي قـولُـه لـكـمُ الـبُــشرى

متى تقبلُ الـرايــــــاتُ من أرضِ مـكَّـةٍ     أمـامـهـمُ نـورٌ يـحـيــلُ الـدجــى فـجرا

وأهـتـفُ مـا بين الـكـتـائـبِ مُـعــــــلـنـاً     بـيـالِ أبـي آبـــاؤكـــمْ قُـتـلـوا صـبـــرا

دمــاؤكــمُ طـلــتْ لـديـهـمْ كــــــديـنِـكـمْ     وفـيـئـكـمُ نـهـبٌ ونـسـوتــكــمْ أســـرى

وآلــكـمُ مـن عــــهـــدِ أحــمــدَ بــيــنـهمْ     قـلـوبُـهـم قـرحـى وأعــيـنـهــمْ عـبرى

وهـمْ تـركـونـا مـطـعـمـاً لـسـيـوفِــهـــم     وهـمْ غـصـبـونـا فـيءَ آبــائِـنــا قـهــرا

إلى مَ الـتـمـادي يـا بـنَ أكــرمِ مــرسـلٍ     وحـتـامَ فـيـهـا أنــتَ مـتّـخــذٌ ســـتـــرا

ألــم تـرَ أنَّ الـــظـــلــمَ أســــدلَ لـيـلَـــه     عـلـى الأفـقِ والأقـطـارُ قد مُلئتْ كُفرا

فـمـا الـصـبـرُ والـبــلوى تــفــاقمَ أمرُها     فـمِـنْ مُـقـلةٍ عـبـرى ومـن كـبـدٍ حرَّى

أما كان فعلَ الـقومِ مــنـكَ بـ (كــربــلا)     بـمـرأى أمـا كـنـتَ الـمـحـيطَ بها خُبْرا

أفـي كـلِّ يـومٍ فــجـعــةٌ بـعـــــدَ فـجـعـةٍ     لدى (كربلا) تذكارُها يصدعُ الصخرا

إلى كمْ لنا بـالـطـفِّ شـنــعـاءَ ما رقــتْ     لـهـا عـبـرةٌ إلا ألــمَّــتْ بــنـا أخــــرى

وما فـجــعةُ بـالـطــفِّ إلا تـفـاقـــمـــتْ     عـلـيـنـا ولـم تـبـقـي لـســابـقـةٍ ذكـــــرا

فـهـا (كـربـلا) هـذا ذبـيـحٌ كــمــا ترى     وهـذي ــ وقــاك الله ــ مـسـلـوبـةٌ خِدرا

إذا لم يغث في ســـوحِكم مــسـتـجـيرَها     فـأيـنَ سـواها الـمـستجارُ ومن أحرى؟

يـطـلُّ لـــديـــــهــا مـن دمـــاءِ ولاتِـكـمْ     ألـوفٌ ومـا عــدّى وأنـــتَ بـهــا أدرى

وكـمْ مـن مـصـوناتٍ عــفــاتٍ تروَّعتْ     وكـمْ مـن دمٍ يـجـرى وكمْ حُرَّةٍ حسرى

وأنـتَ خـبـيـرٌ بـالـرزايــــا ومــا جرى     مِـنَ الـقـومِ مِّـمـا لـم يـدعْ بـعـده صـبرا

أجلْ ربَّما في الشرقِ والغربِ من عما     عـواديـه لا تـخـشـى أثــامـــاً ولا وزرا

مـــصــائـبُ أنـسـتـهـا بـكـرِّ طرادِهـــا     عـلـيـنـا وأن لا مـسـتـجــارَ لـنـا شــمرا

ألـم تـــــــرنـــــا كـشَّــافَ كــلِّ مـلـمـةٍ     نـعـانـي الـرزايـا مــن غـوائـلِـهـم غدرا

أحـاطـوا بـنـا مـن كـلِّ فـــجٍّ وأرهـبـوا     فـمـا أضـيـقَ الـغـبرا وما أبعدَ الخضرا

.....................................................................

1 ــ ديوان القرن الثالث عشر ج 3 ص 285 ــ 288 / أدب الطف ج 7 ص 12

2 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج ٢ ص ٤٥٣

3 ــ أدب الطف ج 7 ص 12

3 ــ دائرة المعارف الحسينية /

4 ــ بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ــ السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة ــ تحقيق عادل الكليدار آل طعمة ــ من منشورات مركز كربلاء للدراسات والبحوث ــ الطبعة الأولى 1435 هـ / 2014 م ص 50 ــ 54

5 ــ رحلة (أبو طالب خان) ص 270 ــ 274 اسمها بالفارسية (مسير طالبي) وأبو طالب بن محمد الأصفهاني رحالة هندي كتب رحلاته عن بلدان آسيا وأفريقيا وأوروبا بالفارسية وترجمت إلى الإنكليزية وطبعت عام (1810) ثم ترجمت إلى الفرنسية وترجمها من الفرنسية الدكتور مصطفى جواد

6 ــ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ترجمة جعفر الخياط 215 ــ 216

7 ــ مدينة الحسين ج 3 ص 217

8 ــ موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخياط ج 8 قسم كربلاء

9 ــ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص 216

10 ــ أعيان الشيعة ج 1 ص 629

11 ــ تاريخ كربلاء المعلى ــ من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة 2015 م ص 26

12 ــ بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ص 48

13 ــ شهداء الفضيلة ص 288

14 ــ أعيان الشيعة ج 8 ص 17

15 ــ مدينة الحسين ج 3 ص 120

16 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 556

17 ــ نفس المصدر ص 109ـ 110

18 ــ بهجة الآمال في شرح زبدة المقال

19 ــ المجد في أحوال نجد ص 106

20 ــ بغداد مدينة السلام ص 236 

21ــ الحصون المنيعة ج ٢ ص ٤٥٣

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار