حسين جاويش (توفي ١٢٣٧ هـ / 1821 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (59) بيتاً:
كلُّ الرزايا دون وقــــعةِ (كربلا) تُنسى وإن عظمت تهونُ عظامُها
نكثتْ عهودَ المصطفى حسداً لمنْ ضلّـــتْ عن النهجِ القويمِ طغامُها
واللهِ ما قتلَ الحسينَ ســـوى الألى سـجـــدتْ مـخـافةَ بأسِه أصنامُها (1)
حسين بن إبراهيم بن داود الحلي المعروف بـ (ملا حسين جاويش)، ولد في الحلة (2) وهو من أسرة تعرف بـ (آل جاويش) وهي أسرة حلية عريقة يقول عنها الشيخ محمد علي اليعقوبي:
(وقد وجدت شهادات موقعة بخطوط جماعة منهم في وثيقة رسمية مصدقة من نائب الحلة ــ القاضي ــ سنة (١١٠١ هـ) ــ أي 1688 م ــ وهي تخص بعض أوقاف السادة الأقدمين من آل كمال الدين ومن الشهود فيها عثمان بن مصطفى جاويش ــ جد المترجم ــ ويوجد حتى اليوم شارع قديم في إحدى محلات الحلة الشمالية يدعى بـ الجاووشية بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاووس نسبة إلى الأسرة المذكورة التي نبغ منها شاعرنا المترجم ويعرف في المجاميع القديمة بالملا حسين جاووش....) (3)
أما بخصوص الشاعر فيقول عنه اليعقوبي: (مولده ونشأته ومسكنه ووفاته في الحلة ولم يتحقق لدينا تاريخ ولادته لنعرف مدة عمره سوى أن وفاته كانت سنة ١٢٣٧ هـ ولم يكن ممن يجتدي بأشعاره أو يساوم ببنات أفكاره وإنما كان يمتهن بعض الحرف التي يعتاش منها وهو معدود في شعراء أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر تبودلت بينه وبين أدباء عصره مراسلات ومساجلات ونظم كثيراً من القصائد في جملة من الحوادث التي وقعت بين أهل الحلة والعشائر والحكومة يومئذ كما جاء في تاريخ الحلة بهذا القرن وشعره جزل الألفاظ عذب الأسلوب مكثر فيه من رثاء آل الرسول (صلى الله عليه وآله). رأيت له قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) في كتاب (المجالس والمراثي) للفاضل الأديب الشيخ أحمد بن الحسن قفطان النجفي سنة ١٢٨٥ هـ) (4)
وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (كان فاضلاً أديباً، وشاعراً لبيباً، وناثراً حسن الأسلوب، لا يفتر عن مطارحة الأدباء ومذاكرتهم ولم تزل له قصيدة في الوقائع التاريخية، وكان مع ذلك أكثر شعره في الأئمة عليهم السلام) (5)
وقال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان شاعراً أديباً بارعاً متحرفاً بصناعة، وكان لا ينفك عن مطارحة الأدباء ومذاكرتهم ولم تزل له قصيدة في الوقائع التاريخية التي وقعت بين أهالي الحلة والعشائر مع الحكومة وأكثر شعره في الأئمة عليهم السلام) (6)
وقال الخاقاني: (والملا حسين تقرؤه من شعره فيبدو أنه من الذوات التي ترفّعت عمّا في أيدي الناس من حطام، لم ينظم للتكسب، ولم يمدح للوفر، وإنما كل ما نظمه جاء في أغراض شريفة تخص الأئمة والعلماء والشعراء) (7)
وقال الشيخ عبد الحسين الأميني: (شاعر فحل زهت به الفيحاء في القرنين الثاني عشر والثالث عشر لم تعده المعاني الفخمة والحجاج القويم المفرغ في قوالب جزلة) (8)
توفي الملا حسين في الحلة ودفن في النجف الأشرف
شعره
ويقول من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام):
أيُـولّـى أمـرُ الـخــــــــلافـةِ إلا من بني أصلَها وشادَ عـــــلاها
سـيـدُ الأوصياءِ في كلِّ عصرٍ تـاجُـهـا عـقـدُها مــــــنارُ هُداها
ذاكَ مـولـىً بــــسـيـفِــهِ وهـداهُ آية الشركِ والضــــــلالِ محاها
من رقـى منـكبَ النبيِّ وصلّى مـعـه فـي الـسمــــــاءِ لمَّا رقاها
ردَّ شمسَ الضحى وكلّمه الميـ ـتُ جهـاراً بــــــبــابـلٍ إذ أتـاهـا
كـم لـه فـي الـكـتـابِ آيـةُ مدحٍ خُـصِّـــــــصتْ فيه والنبيُّ تلاها
ولـكـمْ صـالَ فـي دجـنّـةِ نـقـعٍ فـجـلا ليـلَـهـا بـفـجرِ ضــــــياها
ذو أيـادٍ فـيـهـا الـمـنى والمنايا فالورى بين حزنِــــــها ورجاها
يا إمامَ الهدى ومن فاقَ فضلاً وسـما قـدرةً وقـــــــدراً وجــاهـا
جَـلّ مـعناكَ أن تحيط به الأفـ ـكارُ هيهاتَ حـــــــارَ فيه ذُكـاهـا
أنـتَ خـيـرُ الأنامِ طـرَّاً وأعلى رتـبة بـعــــــــد سـيِّدِ الرسلِ طه
لـيـسَ سرُّ الغيوبِ مـولاي إلّا حــكـــــــــمة أنت كاشفٌ لغطاها
حـاشَ للِه أن تُـضـاهـى بمخلو قٍ تعـــــــاليتَ رفـعةً أن تُضاهى
بكمُ الأرضُ مُهِّدتْ واستقامتْ حيث كنتم في الذكرِ خط استواها
وبــكــمْ آدمٌ دعــا فــتــلــــقّــى كــلــمـــــــاتٍ مـن ربِّـهِ فـتـلاهـا
دونـكـم مـن حـسينِكم بكرُ فكرٍ حـكـت الــــــــبدرَ بهجةً وحكاها (9)
وقال من قصيدته في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تبلغ (60) بيتاً ــ وقد قدمناها ــ:
زحفتْ عليها للطغاةِ كــــــتـائـبٌ أمـويّـةٌ مـــــلأ الـفضا إرزامُها
فتكتْ بها أرجاسُ حــربٍ فانثنى بيدِ الـــذئابِ فريسة ضرغامُها
قُتلتْ على ظــــــمأ وكوثرُ جدِّها مــــنـه الأنـامُ غـداً يُـبلُّ أوامُها
للهِ أدمـيـــــــــــة بـشـهـرِ مـحرمٍ لرضى ابن هند يُستحلُّ حرامُها
فرؤوسُها من فوقِ خرصانِ القنا وعـــلى الصعيدِ رميّة أجسامُها
ومنها:
يا ذروةَ الشرفِ انهضوا فسراتُكمْ ذبحتْ بسيفِ الظالمينَ كـرامُها
خـــــضبَ الدماءُ جباهها ولطالما للهِ طـــالَ سـجــودُهـا وقـيـامُها
يا يومَ عاشوراءَ كمْ لكَ في الحشا قـبساتُ وجدٍ لا يبوخُ ضـرامُها
كم فيكَ مــــــن أبـنـاءِ أحـمـدَ فتيةً شـمّ الأنــوفِ كــبـا بِهـا إقدامُها
يا صاحبي قِفْ بالطفوفِ مخاطباً أيـنَ الألى بــــانوا وأيـن مقامُها
الله أكـبـرُ أي غــــــــــاشـيـةٍ بـهـا دارُ الـنـبـوَّةِ دُكـدكـت أعـلامُـها
الله أكـبـرُ أيّ جُـلّـى فَـــــــــــتـتتْ أحشاءَ خيرِ الرسلِ وهوَ ختامُها
عجباً لهذا الخلقِ لا يــــــبكي دماً عِوَض المـدامعِ كلها وغـــلامُها
لـفـتىً بـكـاهُ مـحـمـدٌ ووصـيُّـه الـ ـهـادي أمـيـــرُ الـمؤمنينَ إمامُها
ومنها:
قد أجَّجُــــــــوها في السقيفةِ فتنةً في الآلِ يومَ الطفِّ شبَّ ضرامُها
كتبــــــوا صحيفـتـهـم وقالوا أنها حـــــتى القـيـامة لا يفضُّ ختامُها
فــــتـداولـتـهـا بـعـدهـمْ أبـنـاؤهـا فـتضـــــــــاعفتْ لمّا جنتْ آثامُها
قدمتْ على حربِ الحسينِ ببغيها وتـسـابـقتْ لــــــــــــقتالِه أقـدامُها
نـقـضـتْ عـهـودَ نـبـيِّـها فــي آلهِ فلبئسَ ما قد أخلفته لـــــــــــئامُها
يا سادةً جلّت مناقبُ فضــــــــلِها من أن تحيط بوصفِها أوهــــامُها
وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (40) بيتاً ومنها في يوم الغدير:
إذ قـامَ أحمد خاطباً وبكفِّه كفُّ الوصيِّ على الحدائجِ معلما
مَن كنتُ مولاهُ فهذا حيدرٌ مـــــــــــولىً له وبذاكَ كلٌّ سلّما
أوصـــاهمُ بولائهِ وودادِه وله عليهــــــــــم بالوصيّةِ حتّما
واليومَ قد أكملتُ دينكمُ بهِ نزلتْ وللنعماءِ صـــــرتُ مُتمِّما (10)
........................................................................
1 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 246 / ذكر منها (38) بيتا في البابليات ج 2 ص 38 ــ 39 / وفي أدب الطف ج 6 ص 254 ــ 255 (37) بيتاً / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 169 ــ 170 (38) بيتاً
2 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 239
3 ــ البابليات ج 2 ص 37
4 ــ نفس المصدر ج 2 ص 37 ــ 38
5 ــ الطليعة ج 1 ص 50
6 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 190
7 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 240
8 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 239
9 ــ ذكر منها (16) بيتاً في شعراء الحلة ج 2 ص 250 ــ 251 / أعيان الشيعة ج ٥ ص ٤١٢
10 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 248 ــ 250
اترك تعليق