88 ــ القاضي الجليس (490 ــ 561 هـ / 1097 ــ 1166 م)

القاضي الجليس (490 ــ 561 هـ / 1097 ــ 1166 م)

قال من قصيدة في رثاء أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (56) بيتاً:

وألجمتمُ آلَ النبـــــيِّ سيوفكم     تفرّي من الساداتِ سوقاً وأذرعا

وحلّلتمُ في (كربلاءَ) دماءَهم      فأضحــتْ بها هيمُ الأسنّةِ شرَّعاً

وحرَّمتمُ ماءَ الـفـراتِ عليهمُ     فأصبحَ مـــــحظوراً لديهم مُمنَّعاً (1)

وقال من أخرى تبلغ (36) بيتاً:

وافاهمُ فـــــــي (كربلا)     يومٌ عبوسٌ قمطريرْ

دلفتْ لهم عصبُ الضلا     لِ كأنّما دُعيَ النفيرْ

عــــــــجباً لهمْ لمْ يلقـهمْ     من دونهمْ قَدرٌ مبيرْ (2)

وقال من قصيدة تبلغ (38) بيتاً يمدح بها الملك الصالح طلايع بن رزيك ويستذكر يوم الطف:

إلا تكنْ في (كـربلاءَ) نصرتهمْ     بيدٍ فـكــــــمْ لكَ نصرةٌ بلسانِ

هذا وكمْ أعملتَ في يومِ الوغى     رأياً صليباً في ذوي الصلبانِ

عوَّدتَ بيـــضَ الهندِ ألا تنــثني     مركوزةً بمكــــامنِ الأضغانِ (3)

الشاعر

أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الأغلبي السعدي التميمي (4) الصقلي المعروف بالقاضي الجليس (5) المصري (6) من كبار شعراء الدولة الفاطمية وكتابها وأدبائها، ولد في صقلية بالأندلس وجاء إلى مصر وتولى ديوان الإنشاء للفائز الفاطمي، وكان من أصحاب الملك الصالح وشعرائه، وهو الذي حثه بشعره على الثأر للخليفة الظافر وتولي الوزارة.

لقب بـ (الجليس) لمجالسته الملك الصالح طلايع بن رزيك وقد وصفه الشيخ الأميني بأنه: (من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ... وممن أغرق نزعاً في موالاة العترة الطاهرة) وذكر له مطالع قصائد عدة في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام) نقلا عن كتاب (الرائق) للسيد أحمد البغدادي (7) وقد وصفه العماد الأصفهاني بأنه: (جليس صاحب مصر، فضله مشهور، وشعره مأثور، وقد كان أوحد عصره في مصره نظماً ونثراً، وترسُّلاً وشعراً، ومات بها في سنة إحدى وستين وخمسمائة، وقد أناف على السبعين). (8)

وقال عنه الذهبي: (من أجلاء الأدباء، وكبار الإلباء وهو والد عبد القوي راوي السيرة) (9)

شعره

يقول من قصيدته في مدح أهل البيت (عليهم السلام) وقد قدمناها:

تصاممتُ عن داعـي الصبابةِ والصبى     ولبيّتُ داعــــي آلِ أحـمدَ إذ دعا

عشوتُ بأفــــــكـاري إلى ضوءِ علمهم     فصادفتُ منـه منهجَ الحقِّ مهيعاً

عــــــــلقتُ بهم فليلحَ في ذاكَ من لحى     تولَّيــتهــم فــليـنـعَ ذلـكَ مَن نــعا

تسرَّعت في مدحـي لهـم مـــــــتـبرَّعـاً     وأقلعـتُ عن تركي لـه مـتورًّعـاً

هُمُ الصّـائـمـونَ الـقـائـــــــمـونَ لربِّهمْ     هُـمُ الـخـائـفـوه خـشـيةً وتخــشّعاً

هُمُ القاطـعـوا الليـــــــلَ البـهـيـمَ تهجّداً     هـم الـعامـروهُ سُـجَّــداً فيـه رُكّعاً

همُ الطيبوا الأخيارِ والخيرُ في الورى      يروقونَ مرأىً أو يشوقونَ مسمعا

بهمْ تُـــــــقبلُ الأعـمـالُ من كـلِّ عاملٍ     بـهمْ ترفعُ الطـاعاتُ مِـمَّن تطوَّعا

بأسمـائهم يُـــسـقـى الأنامُ ويـهـطـلُ الـ     ـغمامُ وكـمْ كـربٍ بـهمْ قـد تقـشّـعا

هُمُ الـقـائلــونَ الـــــــــفـاعـلونَ تبرُّعاً     هُــمُ العالـمـونَ العـامـلــونَ تورُّعاً

أبوهمْ وصيُّ المصطــــفى حازَ علمَه     وأودعه مـــــن قـبل ما كانَ أودعا

أقامَ عمـودَ الشــرعِ بعــدَ اعوجـــاجِه     وســاندَ ركــــنَ الـدينِ أن يتصدَّعا

وواســاهُ بالـنـفـسِ النــــفيـسـةِ دونهـمْ     ولمْ يــــخشَ أن يلقى عداهُ فيجزعا

وسـمّـاهُ مــولاهـمْ وقـد قـــامَ مــعلـنـاً     ليـتلَوُهُ فــــــي كلّ فــضـلٍ ويـشـفعا

فمَنْ كشفَ الغمَّـاءَ عـن وجـــهِ أحـمدٍ     وقد كربــــــتْ أقــرانـه أن يقطّـعاً؟

ومن هزَّ بابَ الحصنِ في يومِ خيــبرٍ     فزلزلَ أرضَ المشركينَ وزعزعا؟

وفي يومِ بــدرٍ من أحـــــــنَّ قـلــيبـها     جــسوماً بها تـدمى وهـاماً مـقطعاً؟

وكمْ حـاسـدٍ أغـراهُ بالحقدِ فـــــــضله     وذلــــكَ فضـلٌ مـثـلـه لـيـس يُـدّعـا

لــوى غــدرَه يــومَ الغديـــــــرِ بـحقَّهِ     وأعــقبــه يــومَ الــبعــيــرِ واتــبـعـا

وحاربه القرآنُ عنه فما ارعــــــــوى     وعـاتــبَـه الإسـلامُ فـيـه فـما وعـى

إذا رامَ أن يخــفــي مناقبَه جــــــــلتْ     وإن رامَ أن يــطـفـي سـنـاهُ تشعشعا

متى همَّ أن يطوي شذى المسـكِ كاتمٌ     أبى عـرفُه المعــــروفُ إلّا تضوُّعا

وقال من رائيته التي قدمناها:

ما غصبُ فاطـمةٍ تـرا     ثَ محـمد خطبٌ يسـيرُ

كلا ولا ظــلـمُ الـوصـ     ـيِّ وحقه الحقُّ الشـهيرُ

نطــــقَ النـبيُّ بفـضله     وهوَ المبـــشِّرُ والـنذيرُ

جحدوهُ عــــــقدَ ولايةٍ     قد غرَّ جاحدَه الـغـرورُ

غدروا بــه حـــسداً له     وبـــنصِّه شــهدَ الغديرُ

حظـروا عـليه مـا حبا     هُ بـفخـرِهِ وهمُ حضورُ

يا أمَّـةً رعـتِ الـــسها     وإمـامـها القـمرُ الـمنيرُ

إنْ ضلَّ بالعجلِ اليهو     دُ فـقدْ أضــلّكمُ الـــبعيرُ

وقال من قصيدته التي تبلغ (38) بيتاً وقد قدمناها:

وتعودني لمصـــــــابِ آلِ محمدٍ     فكرٌ تعرَّج بي على الأشجـانِ

أأكفُّ حربي عن بني حربٍ وقد      أودى بقبحِ صنيعِها الحسنـانِ

طلبتْ أميةُ ثأرَ بدرٍ فــــــاغتدى     يُسقى ذعافَ سمامِها السبطانِ

جسدٌ بأعلى الـطـفِّ ظــلَّ دريَّـةً     لســــــــهـامِ كـلِّ حـنيِّةٍ مِرنانِ

ها انّ قاتلهمْ وتاركَ نـــــصرهم     في ســــوءِ فعـلـهما معاً سيَّانِ

أُسَرٌ همُ سرُ الــــــنفــاقِ ودوحةٌ     مخصوصـةٌ باللعنِ في القرآنِ

نبذوا كتابَ اللهِ خلــفَ ظهورِهم     وتـتابعوا في طـــاعةِ الشيطانِ

وهفوا إلى داعي الضـلالِ وإنَّما      عكــفوا على وثنٍ من الأوثانِ

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (17) بيتاً:

أما الوصيُّ فحقّه عالـــــــي السنا      وضحَ الصباحُ لمن له عينانِ

فاسأل به الفرقانَ تـــــــعلم فضلَه     إن كـنتَ تفهمُ معجزَ الفرقانِ

مَن كرَّ في أصــحابِ بدرَ مبادراً     وثنى بــخيبرَ عابـدي الأوثانِ

وأقرّ ديـــــــنَ اللهِ فـي أوطــانِــه     وأقــرّ مــــنـهم نـاظرَ الإيمانِ

هل كانَ في أحدٍ وقد دلفَ الردى     أحدٌ سواهُ مـــــجدِّلُ الشجعانِ

واســـــــألْ بخيبرَ عنه تخبـرْ إنه     إذ ذاكَ كانَ مــزلزلَ الأركانِ (10)

وقال من قصيدة أخرى تبلغ (48) بيتاً:

ولم يكن ما أكّدَ المصـــــــــــطفى     يسعى الـمراؤون لإبطالهِ

أجلْ ولا احتالوا لـــــــكي ينقضوا     ديــــــناً قضى اللهُ بإكماله

أحيـنَ أوصــــــــــــــى لأخيـهِ بما     أوصى تراضيتـمْ بإدغاله

أولى لكـــــــمْ قد كــــانَ أولى لكمْ     إسعـادَه فـــي كـلِّ أحـوالِه

واســــــتفـرضوهـا فـــلـتـةً خلسةً     بمـاكـرٍ للـديـــــنِ خـتّـــالهِ

أهوى لها من لم يــكـنْ موقــــــناً     بموقفِ الحشرِ وأهـــــوالِه

وقاطعوا الرحمنَ واســـــــتنجدوا     بعُصـــبِ الشركِ وضُلّاله

فإنْ يكـنْ غُرُّوا بـــــــإمـــــــهـاله     فمــا تغـرُّونَ بإهـمــالـــــه

أعياهمُ كـــــــــــــــيـدَ نبـيِّ الهدى     فانتـهزوا الفرصـةَ في آلِه

أودى الحسينُ ابن الوصيِّ الرضا     بــــــــــفاتكٍ بالدينِ مغتالِه

دمُ النبيِّ الطهرِ من ســـــــــــبطِهِ     سـالَ على أسيــــافِ أقتالِه (11)

وقال:

حبي لآلِ رسولِ اللهِ يعــصمني      من كل إثمٍ وهمْ ذخري وهمْ جاهي

يا شيعةَ الحقِّ قولي بالوفاءِ لهم     وفــــاخري بـهمُ من شئتِ أو باهي

إذا علقتُ بحبـلٍ من أبي حسـنٍ     فقــد عـــــــــلـقـتُ بحبلٍ في يدِ اللهِ

حمى الإلهُ به الإسـلامَ فـهـوَ به     يـزهي على كــــــــلِّ دينٍ قبلَه زاهِ

بعلُ البتـولِ ومـا كـنا لـتـهديـنـا     أئمـةٌ مـن نـبيِّ اللهِ لــــــــــولا هـي

نصَّ النبيُّ عليهِ في الغديـرِ فما     زواهُ إلا ظـنــــــــــــيـنٌ ديـنُـه واهِ (12)

..........................................

1 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٨٥ / أدب الطف ج 3 ص 134

2 ــ الغدير ج ٤ ص 385 ــ ٣٨٦ / ديوان القرن السادس ص 254 / أدب الطف ج 3 ص 135

3 ــ أدب الطف ج 3 ص 152 ــ 154

4 ــ خريدة القصر ج 2 ص 267

5 ــ الأعلام ج 4 ص 16 / أعيان الشيعة ج 4 ص 16

6 ــ تاريخ الإسلام للذهبي ج 39 ص 84

7 ــ الغدير ج 4 ص 387

8 ــ خريدة القصر ج 2 ص 267

9 ــ تاريخ الإسلام ج 39 ص 84

10 ــ أدب الطف ج 3 ص 145

11 ــ أدب الطف ج 3 ص 155 ــ 156

12 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٨٦

كما ترجم له وكتب عنه:

الحموي / معجم الادباء 3 ص 157.

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 3 ص 133

ابن خلكان / وفيات الأعيان ج 7 ص 223 

ابن شاكر الكتبي / فوات الوفيات ج 2 ص 332 ــ 335 

الزركلي / الأعلام ج 4 ص 16 

ابن كثير / البداية والنهاية ج 12 ص 270 

الصفدي / الوافي بالوفيات ج 18 ص 473 ــ 476 

ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة ج 5 ص 292 وص371 

عفيف عبد الرحمن / مُعجم الشعراء العباسيين ص 377 ــ 378

عبد الحسين الشبستري / مشاهير شعراء الشيعة ج 3 رقم 520

مجيد عبد الرّحمن خديم، أ.م.د. فلاح عبد علي سركال ــ التصوير الفني في شِعْر القاضي الجليس بن الحبَّاب

محمد حسين ناجي ــ شعر القاضي الجليس – دراسة تركيبية

المرفقات

: محمد طاهر الصفار