مما لا شك فيه ان المدة التاريخية التي ولد فيها الامام المنتظر بن الحسن العسكري شهدت إجراءات قمعية قام بها الجهاز الحاكم من السلطة العباسية الذين كانوا ينتظرون ولادة المنتظر الذي سيهدم عروش الظالمين، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أنْ ملئت ظلماً وجوراً.
فكان أبوه الامام حسن العسكري (عليه السلام) يعيش تحت إقامة الجبرية ورقابة قاسية، بالإضافة الى ذلك كان على الامام (عليه السلام) حماية مولوده الجديد من السلطة العباسية التي تطارده دائماً، كان عليه أنْ يقوم ببعض الأعمال التي تؤكّد وتثبت وجود الإمام المهدي (عليه السلام) تجاه مواليه الذين يعتبرون المولود الجديد إمامهم الثاني عشر بحسب النص النبوي الشريف "الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها".
وعليه يمكن القول ان خبر ولادة الإمام (عجل الله فرجه) باعث للهلع والاضطراب في نفوس السلطة الحاكمة، وهذا ما استدعى أنْ يخفي الإمام حسن العسكري (عليه السلام) خبر ولادته عن السلطة العباسية، وفي نفس الوقت كان عليه أنْ يثبت وجود ولادة المهدي (عجل الله فرجه) ولترسيخ هذه الفكرة في عقول وأذهان الشيعة على مر التاريخ ، فقد اختار (عليه السلام) مجموعة من خيرة أصحابه ومواليه ، وبخاصة أولئك الذين يرتبط الإمام (عليه السلام) عن طريقهم مع شيعته وخاصّته وينقلون إليه المراسلات والتوقيعات ليكون هؤلاء ممن يستطيع حمل هذه الأمانة والمسؤولية في تبليغ خبر ولادة القائم إلى الناس.
فقد روى الشيخ الصدوق عدّة روايات تبيّن أسماء هؤلاء الذين ائتمنهم الإمام حسن العسكري (عليه السلام) على هذا السر ومنهم على سبيل المثال الا الحصر ما رواه أبي غانم الخادم قال: "وُلد لأبي محمد عليه السلام ولد فسمّاه محمداً، فعرضه على اصحابه يوم الثالث"، وقال (عليه السلام): "هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً"، وبذلك استطاع الإمام حسن العسكري (عليه السلام) أنْ يمنع تسرّب خبر الولادة الى السلطة العباسية طيلة الخمس سنوات التي قضاها المولود الجديد مع والده (عليه السلام).
هناك حقيقة ان قضية المصلح العالمي المنتظر، نالت الاهتمام الكثير من قبل علماء الإسلام ومفكريهم فقد بحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنة والعقل فالكل منهم متّفق على أنّ الإمام من ضروريات الدين، وإنّ ختام المسيرة البشرية متوّج بظهوره (عجل الله فرجه)، ولقد أطلق البعض على ذلك اليوم تسمية يوم المستضعفين والمحرومين وهي خير حافز للعمل في سبيل نشر الإسلام والخلاص من الظالمين، ولأنّ الإمام (عجل الله فرجه ) ليس هدفه تخليص المسلمين وانّما تخليص البشرية بأجمعها من الظلم، ومن هنا فنحن نعتقد بأنّ هذا المدّ المستمر للظلم العالمي هو في الواقع من موجبات بعث الأمل في النفوس المستضعفة لمن يخلّصها، فإذا جاء الإمام وظهر وأقام دولته النموذجية العادلة، فمن الطبيعي أنْ تنساق له الأرض، وهذا هو معنى التمكين في الارض بمعناه الشامل أي لكل الكرة الارضية، ومن هنا جاء الاحتفال في يوم 15 شعبان المبارك يبعث لروح الامل في الأمّة، وخاصة هذه الأيام، حيث أنّ الأمّة تعيش حالة من حالات اليأس، ولابدّ أنْ نضاعف الاهتمام في كل سنة بإحياء ذكرى النصف من شعبان، لإحياء هذا الأمل في نفوس الأمّة أو المستضعفين، إنّه (عجل الله فرجه الشريف ) له موقع متميز من بين ائمة اهل البيت كلهم، وهو يحمل هموماً كبيرة وعلى طول التاريخ، وهو كجدّه النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتألم من أنين عمه العباس بعد معركة بدر، فهؤلاء مظهر أسماء الله الحسنى، الودود الرؤوف الرحمن الرحيم، وإمامنا الحجّة (عجل الله فرجه) من موجبات تميّزه بين أئمة أهل البيت أنّه يحيي آمال الأنبياء، فالأنبياء (عليهم السلام ) كانوا يدعون للإمام المهدي لعلمهم بأنّ جهودهم سوف تسدّد في ختام البشرية على يد خاتم الائمة والأوصياء الا وهو الامام المنتظر (عجل الله فرجه) .
اترك تعليق