64 ــ الجوهري الجرجاني (توفي 380 هـ 990 م)

الجوهري الجرجاني (توفي 380 هـ / 990 م)

 قال من قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) تبلغ (25) بيتاً:

وجـدي بكوفانِ ما وجدي بكوفانِ     تهمي عليه ضلوعي قبـلَ أجفاني

أرضٌ إذا نفحتْ ريحُ العراقِ بها     أتتْ بشــــاشتُها أقصى خراسـانِ

ومن قتيلٍ بأعلى (كربلاءَ) علـى     جهدِ الـصدى فتراهُ غـيرَ صديانِ

وذي صفـائحَ يستسقي الــبقيعُ به     ريَّ الجوانحِ من روحٍ ورضوانِ (1)

الشاعر

أبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني المعروف بالجوهري، عالم وأديب وشاعر من شعراء الوزير البويهي الصاحب ابن عباد ومن ذوي المكانة الرفيعة عنده، فكان يرسله ممثلاً عنه إلى الملوك والأمراء، أطلق الثعالبي على الجرجاني لقب (نجم جرجان) وقال عنه: في صنائع الصاحب وندمائه وشعرائه فسكن دورة صناعة الشعر في ريعان عمره وعنفوان أمره وتناول المرمى البعيد بقريب سعيه وكان في إعطاء المحاسن إياه زمامها كما قيل جذع بين على المذاكي القرح وكان الصاحب يعجب أشد الإعجاب بتناسب وجهه وشعره حسنا وتشابه روحه وشمائله خفة وظرفا ويصطنعه لنفسه ويصرفه في الأعمال والسفارات وعهدي به وقد ورد نيسابور رسولا إلى الأمير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة يملأ العيون جمالا والقلوب كمالا) (2)

ثم ذكر الثعالبي كتاب الصاحب الذي أرسله إلى أبي العباس الضبي في وصف الجرجاني والثناء عليه وما له من المكانة عنده فقال: (وحين انكفأ إلى حضرة الصاحب وجهه إلى أبي العباس الضبي بأصبهان وزوده كتابا بخطه ينطق بحقائق أوصافه وأخباره....) (3)

 يقول الصاحب يصف الجرجاني من رسالة طويلة: (فضله برهان حق، وشعره لسان صدق، ومن أطبق أهل جلدته على أنه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان بعيداً ولا قريباً، أو لأختها طبرستان قديماً ولا حديثاً مثله، ومن أخذ برقاب النظم أخذه، وملك رق القوافي ملكه، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره، وقبل أن تحدثه الآداب، وقبل جري المذكيات غلاب - أبو الحسن الجوهري - أيده الله ...) (4)

وكان الصاحب قد أرسله مبعوثاً عنه إلى الأمير أبي الحسن ناصر الدولة سنة (377 هـ)، كما ذكر هو في الكتاب ثم بعثه بعدها إلى أبي العباس الضبي في أصفهان.

يقول عنه الشيخ عباس القمي: (كان شاعراً أديباً مشهوراً وهو صاحب القصائد الفاخرة الكثيرة في مناقب أهل البيت ومصائب شهدائهم الأبرار) (5)

وقال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (مقياس من مقاييس الأدب، وأحد أعضاد العربية، ومن المفلقين في صاغة القريض، كان من صنائع الوزير الصاحب ابن عباد وندمائه وشعرائه، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره وأوليات أمره، وكان يرمي إلى المغازي البعيدة بلفظ قريب، وترتيب سهل، وكان في إعطاء المحاسن إياه زمامها) (6)

له قصائد في أهل البيت (عليهم السلام) سماها: (القصائد الفاخرة في مناقب العترة الطاهرة) (7)

توفي الجوهري بجرجان وكان الصاحب بن عباد قد بعثه رسولاً إلى الأمير أبي الحسن ناصر الدولة. سنة 377 ووجهه بعدها إلى أبي العباس الضبي إلى إصفهان، ولما انقلب من إصبهان إلى جرجان لم تطل به الأيام حتى أصبح مقبورا (8)

شعره

امتاز شعره بقوة السبك والمضمون ودل على ثقافته الواسعة، يقول في يوم الغدير ويعدد بعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام):

أما أخـــــــــذتُ عليكمْ إذ نزلــتُ بكمْ     غـديــرَ خمٍّ عقــــــوداً بعدَ أيمـانِ؟

وقد جذبتُ بضبعيْ خيرَ من وطئَ الـ     ـبطحاءَ مِنْ مضــرِ العليا وعدنانِ

وقلتُ واللهُ يــــــــــــأبى أن أقصِّرَ أو     أعِفَ الرســــالةَ عن شرحٍ وتبيانِ

هذا عليُّ مـولى مـــــــــــن بُعثـتُ له     مـولىً وطـــابقَ سرِّي فيه إعلاني

هذا ابنُ عمِّي ووالي مِنبـــري وأخي      ووارثـــي دونَ أصحابي وإخواني

محلُّ هذا إذا قايســـــــــتَ من بـدني     محلَ هارونَ من موسى بن عمرانِ (9)

وفي يوم الغدير أيضاً وحديث رد الشمس له (عليه السلام):

وغديــرُ خمٍّ ليــسَ يُـنكرُ فضلُه     إلّا زنيـــــــــمٌ فاجـــرٌ كفّارُ

من ذا عليه الشمسُ بعد مغيبِها      رُدَّتْ ببابلَ فـاستبـنْ يا حارُ

وعليهِ قد رُدَّتْ ليومِ المصطفى      يوماً وفي هـذا جرتْ أخبارُ

حازَ الفـضائلَ والــمناقبَ كلّها     أنّى تحيط بــــمدحِهِ الأشعارُ (10)

وقال من القصيدة التي قدمناها في بداية الموضوع وهي في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام):

واخجلتا من أبيهم يومَ يشهدهمْ     مضرَّجين نشاوى من دمٍ قــــــانِ

يقولُ: يا أمَّة حفَّ الضلالُ بها     فاستبدلتْ للعمى كفــــــراً بإيمـانِ

ماذا جنيتُ عليــكمْ إذ أتيـــتكمُ     بخيرِ مـا جـاءَ مـــــن آيٍ وفرقانِ

ألم أجِركمْ وأنتمْ في ضلالَتِكمْ     على شفى حـــــفرةٍ من حرِّ نيرانِ

ألم أؤلّـفْ قلــوباً مِنـــكمُ فِرقاً     مثارةً بيـــن أحقـــادٍ وأضـــــــغانِ

أما تركتُ كتـابَ اللهِ بينـــكـمُ     وآليَ الـغرَّ في جمـــــــعٍ وقـــرآنِ

ألمْ أكنْ فيكمُ غـوثاً لمضطهدٍ     ألـــمْ أكـنْ فيكـمُ مـــــاءً لـظـــمــآنِ

قتلتمُ وَلَديْ صبراً على ظمأٍ      هذا وترجونَ عند الحوضِ إحساني

وفي نهايتها يقول:

أهلُ الـكـسا صلواتُ اللهِ ما نزلتْ      عليـــكمُ الدهرَ من مثنىً ووحدانِ

أنـــتم نـجومُ بني حواءٍ ما طلعتْ     شـمسُ النهارِ ومـا لاحَ السماكانِ

ما زلتُ منكمْ على شوقٍ يُهيِّجُني     والدهـــــــرُ يأمرني فيـهِ وينهاني

حتى أتيتُــــــكَ والتوحيدُ راحلتي     والعدلُ زادي وتقــوى اللهِ إمكاني

وله حسينية أخرى يقول فيها:

يا أهل عاشوريا لهفي على الدينِ     خذوا حدادكمُ يا آلَ ياسينِ

اليومَ قامَ بأعلى الـــطـــفِّ نادبُهم      يقولُ: من ليتيمٍ أو لمسكينِ (11)

وقال من قصيدة يذكر فيها أهل البيت (عليهم السلام):

وللمكارمِ قومٌ لا خـفـاءَ بهمْ     هم يعـــــــــرفونَ بسـيماهُمْ إذا شهِدوا

للهِ معشرُ صـدقٍ كلّما تُليتْ      على الورى سورةٌ من مجدِهمْ سجَدوا

ذريةٌ أبهرتْ (طه) بجدِّهمُ     و(هـل أتى) بأبـــــــــــيهــمْ حيـن تُنتقدُ

.........................................................

1 ــ بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٧٨ / الغدير ج ٤ ص ٨٤ / أعيان الشيعة ج 8 ص 155 / أدب الطّف ج 2 ص 130 / العوالم، الإمام الحسين (ع) ص ٥٧٤ / بقيع الغرقد في دراسة شاملة لمحمد أمين الأميني ج 1 ص 321 / ناسخ التواريخ ج 4 ص 216 / مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 135 / المنتخب للطريحي ص 51 / ديوان القرن الرابع ج 2 ص 190

2 ــ يتيمة الدهر ج ٤ ص ٢٩

3 ــ نفس المصدر ص 29 ــ 30

4 ــ نفس المصدر ص 31

5 ــ الكنى والألقاب ج ٢ ص ١٦٣

6 ــ الغدير ج 4 ص 82 ــ 83

7 ــ الذريعة للشيخ الطهراني ج 17 ص 86 / معجم ما كتب عن الرسول وأهل بيته لعبد الجبار الرفاعي‌ ج 10 ص 42

8 ــ الغدير ج 4 ص 87

9 ــ نفس المصدر ص 82

10 ــ نفس المصدر والصفحة

11 ــ أدب الطف ج 2 ص 131

12 ــ يتيمة الدهر ج ٤ ص ٤٦

كما ترجم له وكتب عنه:

ابن شهرآشوب / المناقب ج 2 ص 203

محمد باقر الخونساري / روضات الجنات ج 2 ص 49

عبد الله الأصفهاني / رياض العلماء ج 3 ص 339

السيد حسن الصدر / تأسيس الشيعة ص 214 

الشيخ عبد الحسين شبستري / مشاهير شعراء الشيعة رقم 587

عبد الإله عبد الوهاب هادي ــ ديوان أبي الحسن علي بن أحمد الجرجاني المعروف بالجوهري، تحقيق / مشترك

المرفقات

: محمد طاهر الصفار