61 ــ أحمد الدندن (1250 ــ 1311 هــ / 1834 ــ 1893 م)

أحمد الدندن (1250 ــ 1310 هــ / 1834 ــ 1892 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (19) بيتاً:

حاولتُ نصرةَ جاثمينَ على الثرى     مُتحطمِي الأضـــــلاعِ والأكتافِ

وستـــــــرتُ ستراً من عراةٍ مالها     سترٌ ســــــوى ثوبَـي دمٍ وسوافي

ومقطّعيــــنَ جسومهم في (كربلا)     ورؤوسُهم حملتْ على الأطرافِ (1)

الشاعر

الشيخ أحمد بن حبيب بن أحمد بن محمد بن خميس بن حسن بن علي الدَّنْدَن، ولد في قرية المبرّز بالإحساء التي كانت في ذلك الوقت من مراكز العلم الشيعية المهمة، فدرس فيها على يد كبار علمائها من أمثال السيد هاشم الموسوي المبرزي الإحسائي، وآية الله الشيخ محمد آل عيثان القاري الهجري الأحسائي الملقب بـ(شمس الشموس). (2)

يقول عنه السيد حسن الأمين: (كان من تلامذة السيد هاشم السيد أحمد الموسوي الأحسائي، قائد الحركة العلمية في مدينة المبرز وطن المترجم، ولعله تتلمذ على غيره، وكان من الملازمين لأستاذه المذكور، ومن المقرَّبين لديه، حتى نال رتبة عالية من العلم والفضل وأصبح من العلماء الأجلاء، وكان أستاذه يمدحه ويثني عليه ثناءً بالغاً كما قيل.

وبعد وفاة أستاذه المذكور عام 1309 ه‍ كان المترجم يراسل الشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان الأحسائي، ويسأله عن مسائل علمية طوال سنة كاملة، مما يدل على نشاطه العلمي وشغفه باكتساب المعارف.

توفي حدود عام 1310، أي بعد وفاة أستاذه بحوالي عام واحد كذا أفادنا بعض رجال أسرته وكانت وفاته في وطنه مدينة المبرز من الأحساء ولم يخلف ذرية. وله أخ اسمه الشيخ حسين كان من أهل العلم أيضا، ومن تلامذة السيد هاشم المتقدم، ولا نعلم عن حاله شيئا) (3)

ويقول عنه السيد هاشم الشخص: (إنه كان من العلماء وعلى جانب عظيم من الزهد والورع) (4)

ويقول عنه الشيخ الكرباسي: (عرف عنه دأبه على تثقيف نفسه، وشغفه بالعلم والأدب، وكان كثير الاشتغال بالمسائل العلمية، ونشاطاته المعرفية التي أكسبته فيما بعد حصيلة علمية وأدبية رسخت فيه مواهبه الأدبية وعززت فيه طموحاته الفكرية واجتهاداته الفقهية) (5)

التراث الضائع

تشير ترجمة الشاعر في المصادر التي ترجمت له إلى أنه ترك تراثاً ثراً فقد حفل عمره بالنشاط الأدبي والديني علماً وتأليفاً ودراسةً وتدريساً، لكن للأسف الشديد أن هذا التراث ضاع، يقول الكرباسي: (وأما عن مؤلفاته في مختلف الفنون التي اشتغل بها فيبدو أنها ضاعت ولا نعلم عنها شيئاً، والمصادر نفسها لم تذكر لها أثراً ولعل مصيرها كان كديوانه المخطوط الذي كان موجوداً عند صالح السلطاني الإحسائي كما ذكر ولكنه ضاع) (6)

ولا يخفى ما يشكله ضياع ديوان كامل من خسارة فادحة بحق الأدب خاصة إذا استشف القارئ شاعرية الدندن من خلال ما تبقى من شعره وهو نزر يسير يتجلى فيها مدى ثقافته ولغته وأسلوبه.

يقول البابطين في معجمه عن شعره: (ما أتيح من شعره جله في الرثاء الذي أوقفه على آل البيت مذكرًا بجهادهم، وسعيهم في سبيل نصرة الدين، وله شعر في المدح اختص به الفضلاء من العلماء في زمانه، وكتب في التذكر والحنين إلى ديار ومرابع الأحبة. وهو شاعر تقليدي بدوافع البيئة والثقافة السائدة، يبدأ قصائده بذكر الديار، ومناجاة الصاحبين، والدعاء بالسقيا، ووصف الرحلة والراحلة على عادة الأسلاف. اتسمت لغته بالطواعية والثراء، وخياله بالحيوية والنشاط. التزم النهج الخليلي إطاراً في بناء ما كتبه من الشعر) (7)

يقول الدندن من قصيدته في رثاء الإمام الحسين:

يا من أباحَ السمهـــــريَّ الــوافـــي     طـــعناً ووِردَ مـــشارعِ الأجوافِ

يا خائضَ اللججِ المثيرَ الــنقـــعِ في     أمـواجِــــــــها قِطعاً من الأحقافِ

يا حامي الإسلامِ ليتــــــكَ حـــاضرٌ     وبنـــوكَ أسرى في متونِ عجافِ

أعلمتَ يا خدرَ الظعيـــنةِ طـــوَّحتْ     ببنــاتِكَ الأظعـانُ في الأطـــرافِ

وكريمةُ الحسبيـــنِ لمْ يذهـــبْ بهــا     فـرط المصيبةِ عن حـــياً وعفافِ

لاذتْ بكافيـــها فلمْ يعِـــــــــــها ولمْ     ينظرْ لها فدعــتْ بـــصوتٍ خافي

أحياةُ نفـــسي هل سبيــــلٌ لــي إلى      إحـدى اثنتيـــــنِ بـــقاكَ أو إتلافي

لو كنتَ مجروحاً حمـــلتُ لكَ الدوا      يا مُـهجتي ورجـــوتُ فيكَ الشافي

يا ليــتَ عينكَ لم تـــغبْ عن زينبٍ     والســــوطُ يـــعلوها على الأكتافِ

أبني لويٍّ أينكـــــــــــــمْ عمَّن لوى     عنقـي وغـــــــــلَّ يدي إلى أكتافي

أسبى ويوضعُ منصبي وأنا ابنةُ الـ     ـحــامـــي النزيلِ وعمدةِ الأشرافِ

يا أخوتي من تعهـــــدونَ لزيــــنبٍ     بيـــــــن الأجـانبِ في قُرىً وفيافي

أدركـــــــــتُ مشعرَ حزنِكمْ لكنــني     يـــــــا كعبتي قـهراً مُنعتُ طوافي

وحضرتُ يومَ النحرِ لكنْ لــم أسِقْ     هـــــــدياً سوى أشـرافِ عبدِ منافِ

عتباً على قومي وما عـــــتبي على     صرعى ضرائبَ مرهفِ الأسيافِ

حاولتُ نصرةَ جاثميـنَ على الثرى     مُتحطـــــــمِي الأضـلاعِ والأكتافِ

وسترتُ ستراً من عراةٍ مـــــــــالها     ستـــــــرٌ سوى ثوبَـي دمٍ وسوافي

ومقطّعينَ جسومـــــهم في (كربلا)     ورؤوسُـهم حمــلتْ على الأطرافِ

يا ذلّةً نشرتْ عليَّ مــــــــــــدارعاً     ألبستها طـــــــــولَ الزمانِ ضوافي

يمضي أحبائي وأبــــــــــقى بعدهمْ     عيـــــــــشٌ لعمرِ الله غـيرَ الصافي

ما كانَ أشجاني وقد خـــــــــــلّفتهمْ     صــــــرعى بلا دفنٍ على الأحقافِ

ليتَ الأعادي كلّفـــــــــــوني دفنَهمْ     وحــــــدي وعدُّوا ذاكَ من إنصافي

يا ساكنيْ وادي الطفـــــــوفِ إليكمُ     منــــــــــي التحيــة والسلامُ الوافي

وله قصيدة في القاسم بن الإمام الحسن يقول منها:

عن قاسمٍ بالطـــفِّ هاتِ وأوردِ     أنبـــــــــــاءَ قـــصَّتِه وسبطِ محمدِ

عرضَ الكتابُ وقال يا عماهُ وا     أسفاهُ لي إن فــاتَ أمري من يدي

وبنو أبي ورِدوا مــوارَدهم وما     لي دون موردِ معشري من موردِ

أرأيتَ بي يا عمِّ نقــــصاً دونهم     فيفونَ وعـدكَ همْ وأخلفُ موعدي

تأبى عليَّ نقيبةٌ عزمــــــــــاتُها     وطــأتْ بأخمصِـــــها مناطَ الفرقدِ (8)

.....................................................

1 ــ كتاب دفتر الشجي لناجي الحرز وهو مختارات من مراثي 100 شاعر إحسائي للإمام الحسين (عليه السلام) من مطبوعات الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة 1438 هـ / 2007 م ص 41 ــ 42 / معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 239 ــ 242

2 ــ أنوار البدرين ص 415 – 416

3 ــ مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ٧

4 ــ أعلام هجر من الماضين والمعاصرين ج 1 ص 163

5 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 238

6 ــ نفس المصدر والصفحة

7 ــ عبد العزيز البابطين / معجم شعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين

8 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 243

كما ترجم له:

جواد بن حسين بن محمد الرمضان / أعلام الأحساء في العلم والأدب لسبعة قرون ج 1 ص 46 – 48

كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء من العصر الجاهلي ج 1 ص 89

عبد الله عيسى الذرمان / أعلام الأحساء ج 1 ص 46 ــ 48

المرفقات

: محمد طاهر الصفار