قلبٌ أشدُّ من المقابرِ ظلمةً

القصيدة مستوحاة من ذكرى الإنتفاضة الشعبانية المباركة

إلى شهداء المقابر الجماعية الذين قتلوا على يد النظام البعثي المقبور

أرملة :

 في غرفةٍ ظلماءِ من ليلٍ شتائيٍ كئيبْ

باتتْ تخبئُ بالوسادةِ وجهَها لتحدَّ من صوتِ النحيبْ

وعظامُها تصطكُ برداً مثلَ أعمدةِ السريرْ

وتقولُ : إنَّ الريحَ في ليلِ الشتاءِ تخيفُني والبابُ يسكنهُ الصريرْ

الزمهيرُ الزمهريرْ

والزيتُ لا يكفي لأوقدَ مِدفأةْ

أنا مثلُها أنا مُطفأةْ

قد ودّعتْ صدري حماماتُ الأنوثةِ مذ رحلتَ وقلنَ لي هذا فراقٌ يا امرأةْ

أنا مُطفأة

الزيتُ لا يكفي ومصباحي يبعثرُ في ضياهُ وفي ثوانيهِ القليلةْ

وأنا أراقبُ كيفَ ينتشرُ الدخانُ وكيفَ تحترقُ الفتيلةْ

أنا في ظلامٍ يا حبيبي مثلَ قبرِكَ نائمةْ

شَعري تمشِّطهُ الدموعْ

عيناي تحلمُ بالرجوعِ إلى الفتاةِ الحالمةْ

يا خيرَ مَنْ صمتوا وقالوا

لمَ لمْ يحنْ منكَ اتصالُ

هلْ صارَ من مرِّ الحرامِ

حديثُكَ الشهدُ الحلالُ

هلْ أصبحتْ لغةُ الغناءِ

كأيِّ شيءٍ لا يقالُ

فالزقزقاتُ لطالما

يحتاجُهنَّ البرتقالُ

أنا في غيابِكَ مأتمٌ

يا مَنْ حضورُك كرنفالُ

وأفزُّ من حُلمي ومن هذا الحوارِ

بسعالِ أطفالي الصغارِ

باتوا بنصفِ عشائِهمْ

ناموا بنفسِ ثيابِهم

تلك التي أخذت ملامحَ حالهمْ من فقرهم ومن الرطوبةِ في الجدارِ

أطفالُكَ المتلهفونَ عليكَ شوقاً لا يملونَ السؤالَ وأينَ بابا

وأنا يمزقني العذابُ وحيرتي

هل ما تزالُ كما عهدتك تحملنْ عني العذابا

على مَهَلٍ فــــوقَ قلبٍ يبابِ   ***   من القهرِ ينزلُ دمـعُ العِتابِ

ويعصرُني الليــــلُ كالميتينَ   ***   مَنْ غيّبتهم سجـــونُ الترابِ

على مهلٍ مثلَ كلِّ الحروبِ   ***   ترصّعُ ذاكــــرتي بالمصابِ

أطلتَ شتــــــاءَكَ في غربةٍ   ***   فلوّنتَ بالشيـبِ عمرَ الشبابِ

ومهدتَ للبـردِ دربَ العظامِ   ***   فباتَ وبالدفءِ طعمُ إغترابِ

فمن شاعرٍ بـــكَ حدَّ العياءِ   ***   ومن شامـتٍ بكَ حدَّ التصابي

آهٍ حبيبي ينزلُ الآن المطرْ

آهٍ حبيبي هل تبلّلَ قبرُك المخبوءُ في الطرقاتِ في اللا أين عني بالمطرْ

هل ماردُ الخوفِ الذي يحتلُني وينامُ يومياً مكانَكَ قربَ دمعي هلْ تُرى يأتيك أو يجتاحُ قبرَكَ كلَّ حينٍ بالخطرْ

هلْ تشعرونَ بكلِّ هذا الخوفِ هذا البردِ يا أهلَ المقابرْ

هلْ تشعرونَ بضغطِ هذا الطينِ أم تستوحشونَ مكانَكمْ أم أنَّكمْ في سكرةٍ من تعبِكمْ وسينتهي حلمُ المسافرْ

هلْ تحلمونَ بعودةٍ أم أنَّكمْ في شغلِكمْ إذ تزرعونَ الأرضَ بالأحزانِ مثل قلوبِنا وتعظمونَ الجهدَ جهدَ الموتِ من هذا الخلاصِ وتبغضونَ صراخَنا وتؤيدونَ الزّيفَ في هذي المشاعرْ

لو لمْ يكنْ هذا الخلاصُ مؤجلا   ***   لم تصبحْ الـكفُّ البريئةُ مِعولا

لو لمْ يكنْ للإنتقـــــــــامِ مناجلٌ   ***   لتحولَ الــكفنُ البغيضُ قرنفلا

لو لمْ نغمِّسْ بالخنــوعِ رؤوسنا   ***   لمْ ننتفضْ بدمـــائِنا نحوَ العلى

لو لمْ نصلْ حدَّ الحضيضِ بذلِّنا   ***   لمْ نشعرنْ معنى كرامةِ كربلا

في كربلا خفّفْ بوطئِكَ مثلما قالَ المعرّي إنَّ أجساداً تئنُ على خطاكَ فهلْ ستشعرُ بالهزيمة

في كربلا أنّى وقفتَ فإنَّ تحتكَ جثةً لأخيكَ أو لأبيكَ إذ هي لم تزلْ معصوبةَ العينينِ تصرخُ بالترابِ وبالظليمة

في كربلا جوعٌ بطعمِ الإمهاتِ الباكياتِ اللاطماتِ وجوههنَّ النائحاتِ على رفاتِ الضائعين مع الملابسِ والمحابسِ والهوياتِ القديمة

في كربلا سببٌ من الأسبابِ ينسخُ ذكرياتِك بالفجيعةِ أو يحوّلُ عمرَك المنفى إلى إلياذةٍ لا تنتهي بالموتِ إلا أنْ تعيشَ الوجدَ حَرقاً مثل أعوادِ البخورِ

في كربلا شيخٌ تكبّلَ بالضياعِ كأنَّ أمراضَ العصورِ جميعَها اختارتْ مواجعَه بلاداً ينحني حدَّ الهوانِ بمعصميهِ خيوطُ أبناءِ السماءِ يشدُّها ولسانهُ للآن يلهجُ بالنذورِ

في كربلا وطنُ القبور

وسام الحسناوي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات

: وسام الحسناوي