اللوحة من ابداعات الفنان التشكيلي الإيراني المبدع حبيب الله صادقي احد مبدعي الفن الايراني الحديث وهي تجسد مسيرة اربعينية الامام الحسين في العشرين من شهر صفر الحرام التي تحييها في كل عام الحشود المليونية الوافدة الى ارض كربلاء من شتى بقاع العالم، وقد أستند طرح موضوع هذه المسيرة الحاشدة في اللوحة إلى ترتيب المفردات بصورة ايقونة مما جعل المكان يقترب من محاكاة الواقعية شعورياً مع ملاحظة الوضع المسطح في اللوحة الذي يعد من سمات الفنون الشعبية وهذا ما جعل مساحة السطح التصويري مباحة للنظر.. مع الاهتمام المفرط في مجال العلاقات الإنشائية والواضح من خلال اعتماد الرسام - بناء على واقعية التمثيل - على مبدأ التقابل والتناظر لتحقيق الموازنة مع الاستعانة بالخطوط وحركة الفرشاة المموجة في إملاء الفراغ في المساحات القليلة الكتل، حيث استعان الرسام باللون وتكراره في مناطق معينة من فضاء اللوحة لتعزيز التوازن وإعطاء أهمية لكل جزء، كما يلاحظ مقدرة الرسام في استخدام الخط واللون معا في استغلال المناطق المضيئة والظلال لإعطاء أحساس بملمس الاشكال والرايات وحركات بعض شخصيات اللوحة.
في المشهد العام للوحة يعمد صادقي على العودة إلى الفضاء كحاضن لكتله أو أشكاله تحت الضغط العقائدي والمرجع الديني، حيث المحاولة في الربط بين التكوين والعقيدة بخلود الشهداء فمال إلى تكرار الشكل بنظام منسق وتوحد في الهيئة ، ولمحدودية تفاصيل بعض الهيئات والاشكال عمد الرسام إلى التكرار بالتبادل لبيان ضخامة عدد السائرين الى مشهد الامام الحسين عليه السلام في كربلاء.. وهنا نلاحظ تأكيد الفنان على احدى الثوابت الفنية المهمة في الفن الحسيني، حيث ان كل تكوين أو شكل فني لا يبنى ألا على علامة رامزة مستمدة من المرويات وهذا ما بدا واضحا في أشكال بعض شخوص اللوحة والوانها والاجواء السائدة على فضاء اللوحة انطلاقا من المرويات والموروث المتعلق بالمسير الى كربلاء بمناسبة اربعينية الامام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر الحرام من كل عام.
ومن الملاحظ ان الفنان عمد من خلال تقنياته الفنية المستخدمة في اللوحة على ان يتم الانتقال من اللامكان إلى المكان المتمثل بكربلاء وضريح الامام الحسين عليه السلام فتتشكل بها التضاريس الأرضية والإيحاء بالطرقات عن طريق الخط واللون، فبالخط تم تحديد الفاصل بين السماء والارض وبين اللامكان والمكان لإعطاء إيحاء بالمرتفعات والمنخفضات الأرضية ومن ثم يعطي انطباعاً للمشاهد باختلاف الاماكن التي يفد منها الزائرين، وبضربات الفرشاة وخطوطها نلمس حركة الزائرين والتي لا تخلو من دلالة رمزية رابطة للعلاقة ما بين مفاصل اللوحة عموماً والمشهد المعين خصوصا – مرقد الامام الحسين في عمق اللوحة - إذا ما تم أدراك الإشارة المقصودة بمحور المشهد من خلال الكلمات، حيث اختفت مجاوراته في اللوحة وعن طريق تتبع مسار الخطوط وتخالف اتجاهاتها وتكرارها يتم أدراك إيقاع المشهد ليعطي دلالة حب الحسين واحياء الشعائر الحسينية من خلال استخدام التقابل والتناظر والتكرار والتي تعطي مفهوما للحركة والتوازن في المشهد، مع ملاحظة أشتغالات الخط في أظهار الانفعال وردة الفعل والتبادل اللوني في تميز الأشكال وحضورها، وسيادة اللون الاصفر المنير في المشهد وتوسطه كنقطة ارتكاز شكلت مركز البصر الذي يمتد من وسط اللوحة واطرافها الى عمقها لربط مركز البصر بتكوينات اللوحة الاخرى.
وتجدر الاشارة في هذا المكان ان استخدام الرسام المفرط للون الأصفر ودرجاته في تمثلات الأرض والتضاريس والسماء انما جاء ليوائم الحالة النفسية لتلقي العمل وعلاقتها بالموضوع، وقد شكل اللون أرضية تشع من خلالها بقية الألوان المستخدمة في العمل المتمثلة بالغلب من درجات الوان الأحمر والأزرق و الأخضر والتي عن طريقها تشكلت مراكز البصر المتعددة التي ارتبطت بمركز البصر الرئيسي في عمق اللوحة بنفس الأهمية ليدفع البنية اللونية لتشكيل علاقة رابطة لكل فكرة العمل، وبالمحصلة يكون رسام اللوحة قد استطاع التوفيق بين الشكل والمضمون من خلال البنية اللونية المنسجمة مع مجريات المنجز وتفاصيله بتوظيف عقيدته الدينية وملكته الفنية بحنكة ودراية واسقاطها على سطح اللوحة .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق