علي ابن ابي طالب في غدير خم أميراً للمؤمنين

يقطع المؤرخون وأهل السير ان النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) ادى مناسك الحج لبيت الله الحرام في السنة العاشرة الهجرية، التي يطلق عليها حجة الوداع . خرج (صلى الله عليه واله) ومعه جميع المسلمين بأمر من الله تعالى ، فلما قضى النبي الاكرم مناسكه انصرف راجعاً الى المدينة ومعه عدد غفير من الجموع وفي منتصف الطريق بين مكة والمدينة في منطقة غدير خم، وهي بقعة تتشعب فيها الطرق الى العراق ومصر والمدينة المنورة، وذلك قبل ظهر يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، ونزل اليه جبرائيل(عليه السلام) في الآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[1] .

فأمر النبي الاكرم ان يرد من تقدم منهم، فجمعهم، وقام خطيباً وسط الناس واسمع الجميع صوته فقال(صلى الله عليه واله) "ايها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟". قالو: الله ورسوله اعلم. نزل النبي الاكرم   واخذ بيد علي ابن ابي طالب ليرفعها عالياً حتى رأى الناس بياض ابطيهما، ويهتف في تلك الحشود :"ان الله مولاي، وانا مولى المؤمنين، انما اولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واحب من احبه، وابغض من ابغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار". وبعد أدائه هذه الرسالة هبط الوحي جبرائيل (عليه السلام) بالآية الكريمة في قوله تعالى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[2]،  وعليه ان خطبة الغدير هي اخر خطبة خطبها النبي الاكرم، ولهذه الخطبة اهمية بالغة في الفكر الامامي ففيها اظهار الحق وتثبيت امر الولاية للإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام)، ولو ثبت المسلمون على التمسك بها واثبات احقيتها وعدم التحريف في نقلها والتشكيك بمصداقيتها، لما وجدنا خلافات سياسية ودينية ومذهبية.

ويمكن القول، لم تكن هناك فرصه للاحتفال بعيد الغدير، حيث انه ولد شهيداً ! فقد جاء عيد الغدير في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة للسنة العاشرة، وجاءت السقيفة في اليوم الثامن وعشرين من صفر للسنة الحادية عشر، بنتائج على انقاض الغدير، متمثلة بإقصاء ومحاربة الامام علي بن ابي طالب فالتغيرات السياسية اجهضت عيد الغدير، ولكن ظلت في قلوب الأحرار تتناقله الاجيال بعيداً عن عيون الحكام. وذلك ان عيد الغدير بقى في وادي النسيان بعيداً عن ذاكرة الامة وضميرها، ومطارداً من قبل السلطات، لما ينطوي عليه من مخاطر تهدد وجودهم غير الشرعي.

وهناك حقيقة تاريخية، ان النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) لم يكتفِ بإعلان الامام علي بن ابي طالب اماماً وخليفته، وانما عمد الى خطورة اخرى لترسيخ الصورة وحفظها في ضمير الامة عندما بادر الى تتويج الامام علي (عليه السلام) بعمامته "السحاب" ومن المعروف ان العمائم هي تيجان العرب[3].

ونستنتج من كل ما تقدم ان عيد الغدير عيد اسلامي أصيل لا يقل اهمية عن عيدي الفطر والاضحى المباركين ، حيث انه اقترن باكتمال الاسلام واتمام النعمة على المسلمين، فالاحتفال بهذا العيد هو شكر لله ، وتقديس لما جاء به النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) ووفاء ومودة لآل النبي الاكرم .

جعفر رمضان

 

[1] سورة المائدة، الآية 67.

[2] سورة المائدة ، الآية 3

[3] عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي ، الجامع الصغير، (بيروت:1994)، ج2، ص93

المرفقات