ايها الاخوة والاخوات:
موضوعنا في الخطبة الثانية هو تدني وانخفاض مستوى التعليم في العراق، ما هي أسبابه وما هو العلاج الممكن لهذه الظاهرة؟
لعلّكم اطلعتم من خلال وسائل الاعلام ما اعلنته وزارة التربية من معدلات النجاح في الصفوف المتوسطة في الامتحانات الوزارية للصف الثالث المتوسط وما اعلنته من ان نسبة النجاح هي 34.7%، وبملاحظة نسب النجاح المنخفضة الاخرى في مراحل تعليمية اخرى في التعليم في العراق يمكن ان تكشف هذه الارقام عن تدني وانخفاض على مستوى العموم والاجمال في نسب النجاح في العراق وهذه الظاهرة مؤلمة وتدعو للقلق والسرعة في تشخيص الاسباب ووضع العلاجات المناسبة لها.
نعم، نحن لا ننكر ولا نتجاهل ان هناك نسب من النجاح العالية لبعض الطلبة الذين حققوا معدلات عالية جزاهم الله خيراً ولكن بملاحظة على نحو العموم و الإجمال لهذه المرحلة الوزارية في الصف الثالث المتوسط والنسبة التي اٌعلنت وايضاً النسب لعدد من المراحل يكشف ذلك عن ظاهرة خطيرة في المجال التعليمي وهو انخفاض وتدني في مستوى التعليم.
اخواني نلتفت لماذا هذه الظاهرة تُقلق ؟
اولا ً : اذا لاحظنا الطلبة في هذه المراحل هم يُمثلون القاعدة الطلابية المستقبلية للمرحلة الجامعية وايضاً يمثلون القاعدة للكوادر التعليمية والوظيفية والتي تتصدى للمسؤوليات في مستقبل البلد، هؤلاء هم بعد سنين سيصلون الى الجامعات وبعد الجامعات سيكونون في الوظائف الكثيرة والمهمة والمتشعبة في مؤسسات الدولة، وبالتالي هذا الانخفاض قد يؤشر انخفاضاً في العطاء والاداء مستقبلاً.
الشيء الثاني : ان هذا الانخفاض له انعكاسات نفسية سلبية على الطلبة وعلى اولياء الامور وعلى الكوادر التعليمية وعلى مؤسسات الدولة وعلى الوضع النفسي العام للبلد، لماذا؟؟ لأنه سيولد حالة من الاحباط النفسي وضعف الثقة بالنفس وضعف الثقة بالقدرة التعليمية والتدريسية بالعراق على النهوض بهذا الجيل لكي يكون هناك تطور وازدهار في البلد..
هذه الحالة النفسية التي ستحصل تُنذر بمزيد من الانحدار والتدني مستقبلا ً مما يهدد موقع العراق التعليمي والتربوي الاقليمي والدولي وحتى يؤثر على مستقبل العراق حضارياً وفي مجالات الحياة المختلفة لذلك من هنا اخواني لابد ان يكون هناك اهتمام وعناية كافية توازي هذا التدني والانخفاض في مستوى التعليم ووضع العلاج السريع..
وهنا قبل ان نذكر الاسباب اخواني ونذكر ما هي العلاجات..، من يتحمل المسؤولية في ذلك؟
نحن هنا لابد ان نشخّص بالنسبة الى العملية التربوية هي منظومة متكاملة مرتبط بعضها ببعض آخر ارتباطاً وثيقاً، العملية التعليمية والتربوية نِتاج منظومة متكاملة متربطاً بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً هذه المنظومة التربوية بعناصرها المتعددة ان فشلت فشلت العملية التعليمية وان نجحت بتمامها نجحت العملية التربوية..
نبتدأ بهذه المقومات الثلاثة :
اولا ً : الافراد (طالب، كوادر تعليمية، كوادر ادارات المدارس، كوادر المؤسسات التربوية).
ثانياً : المؤسسات التعليمية : الاسرة، ادارة مدرسة، ادارة مديرية تربية، ادارة وزارة تربية، السلطة التشريعية والتنفيذية التي تتعلق مهامها ووظائفها بالعملية التربوية.
ثالثاً : المنهج التعليمي الذي يُتبّع ولهُ مواصفات خاصة.
هذه المقومات المقومات الثلاثة عبارة عن منظومة مترابطة بعضها ببعض، أي فشل او اخفاق في واحد من هذه المقوّمات يؤدي الى فشل في العملية التعليمية.
نأتي الآن الى ذكر بعض الاسباب التي ذُكرت في هذا المجال ونبينها :
من الاسباب التي ذُكرت وتحتاج الى علاج عدم تطور القدرة التعليمية للكوادر التعليمية والتدريسية بقيت جامدة على حالها، قدرة المعلم وقدرة المدرس في ان يوصل المادة التعليمية الى ذهن الطالب والطلبة مختلفون في مستوياتهم الذهنية والعقلية والاجواء الاجتماعية التي يعيشونها، قدرة هذه الكوادر لم تتطور ولم ترتقي، كثير من دول العالم طوّرت القدرات التعليمية لمعلميها ومدرسيها بحيث استطاعوا ان ينهضوا بالمناهج التعليمية الجديدة..، نحن لم تتطور لدينا هذه القدرات التعليمية.
المعلم بحاجة الى دورات وتطوير هذه القدرة حتى يستطيع ان يوصل المادة العلمية الى الطلبة والا اذا بقي الوضع على هذا الحال لا يمكن ان ترتقي العملية التربوية هنا.
الامر الآخر هو عدم استقرار المناهج الدراسية والتغيير المستمر لها بل صعوبة بعض هذه المناهج للطالب، نحن مع تطوير المناهج التعليمية ولكن لابد ان يُلاحظ فيها ان هذا المنهج التعليمي لايناسب المستوى الذهني والعقلي للطالب ولابد ان تُهيئ المستلزمات حتى يستطيع الطالب ان يستوعب هذا المنهج الدراسي الجديد وإلا هذا التغيير المستمر من دون ان يتناسب مع قدرات المعلمين والمدرسين.. قد لا يستطيع المعلم والمدرس ان يُوصل هذا المنهج الدراسي الجديد الى ذهن الطالب وبالتالي تحصل الكثير من الاخفاقات..
من هُنا لابد ان تكون هناك كوادر تدرس قدرات الطالب والمرحلة والاوضاع التي يعيشها الطالب ثم تضع المناهج التعليمية التي تناسب مستويات الطلبة..
ايضاً من الامور الاخرى المهمة هي الاساليب التعليمية المُتبّعة والوسائل المُتبعة..
ايها الاخوة والاخوات ما زلنا نتبع اسلوب التلقين والطالب تعوّد على ما يُعرف بالدرخ للمادة العلمية، الآن في واقع الدول المتطورة هناك اسلوب التحفيز الذهني او ما يسميه اهل الاختصاص العصف الذهني، هذا الاسلوب يُتبع ايضاً في الدراسة الحوزوية، كيف نعوّد الطالب على ان يستخدم عقله وقدرته الفكرية في ان يفكر ان يحلل ويستنتج.. هذه مسألة مهمة.. نستطيع ان نصنع طالباً ناجحاً اذا ابتعدنا عن هذا الاسلوب التقليدي في ان نلقنّ الطالب المادة العلمية دون ان نعطيه قدرة على ان يفكّر من ذاته يفكر في المادة العلمية ويحللها ويستنتج من هذا التحليل المعلومات المطلوبة للوصول الى النتائج..
هذا الآن في الواقع الاخوة الكثير الآن مطلعون يعرفون ان الكثير من دول العالم التي تطورّت وارتقت الآن اسلوب التعليم تغيّر لديهم اضافة الى الوسائل ما زلنا هذه الوسائل التقليدية المتعارفة فهناك وسائل حديثة تسهّل على الطالب الوصول الى فهم المادة العلمية.
من الامور المهمة هي مسألة عدم احترام الكوادر التعليمية والتدريسية وانتهاك حرمة التعليم من بعض الشرائح..
اخواني نلتفت هذه القضية لا تعني فقط المؤسسات التعليمية تعنينا جميعاً..
لاحظوا اخواني سابقاً كنّا نحترم المعلم والمدرس والاستاذ لذاته سواء كان غنيا، فقيرا، له وجاهة اجتماعية، ليس له وجاهة اجتماعية... لكونهِ معلّم نحترم العلم ونقدس العلم..
هذا المعلم والمدرس والاستاذ نحترمهُ مع قطع النظر عن هذه الامور العارضة..
الآن (لا) في كثير من الاحيان من قبل ربما بعض الطلبة او المجتمع وبعض فئات المجتمع ليس هناك احترام وتقديس للعلم لذاته، قد يحترم المعلم والمدرس لأمور تتعلق بمستواه المعيشي والاجتماعي وغير ذلك من الامور يُحترم لأجل ذلك وقد معلم ما شاء الله ممتاز في قدراته وغير ذلك لا يُحترم لكونهِ فقير وليس لهُ وجاهة ومكانة ومنزلة.. سابقاً لم يكن الأمر كذلك!!
نحن ايها الاخوة والاخوات بحاجة الى ان نشعر بقيمة العلم في حياتنا نحترم المعلم والمدرس.. حتى وصل الامر ان يُعتدى على المعلم والمدرس والكادر التعليمي في داخل المدرسة لأسباب غير مقبولة.. وهذا يؤدي بالنتيجة ان المعلم والمدرس لا يشعر بقيمة العلم ولا يشعر بقيمة المهنة التعليمية ويبقى لا يحترم العلم والعملية التعليمية ولا يهتم بها ولا يكترث لها.. لذلك هناك من الامور والاسباب التي نحتاج نحن مجتمعاً ان نتحرك من اجل ان نُعطي للعملية التعليمية وللمعلم احترامهُ حتى هو يهتم بهذه العملية ويحترم المستوى المطلوب لذلك..
ايضاً من الامور المهمة هي قلّة الابنية المدرسية لبعض المدارس وسبق ان تحدثنا عن ذلك وحتى ان بعض المدارس فيها دوام ثلاثي، وبعض الابنية المدرسية الاجواء الموجودة فيها لا تتناسب مع الاجواء الصحيّة والطبيعية المطلوبة من اجل ان يتعلم الطالب ويصل الى المستوى التعليمي المطلوب.. لذلك مأمول من المسؤولين المعنيين ان يُعطوا اهتماماً وتخصيصات مالية الى هذه الابنية لكي يكون هناك كفاية في الابنية والاجواء الصالحة والمطلوبة من اجل ان يستطيع الطالب ان يصل الى المستويات المطلوبة..
ايضاً توجه الكثير من المعلمين والمدرسين نحو التعليم والتدريس الخصوصي، اخواني هذه من المشاكل الخطيرة، طمعاً من المزيد في التحصيل للمال وعلى حساب ما يُعطى للطالب من استحقاقه التعليمي في المدرسة، لذلك نوجه خطابنا الى الاخوة المعنيين بالعملية التعليمية ان يستشعروا ان العملية التعليمية امانة الهية في اعناقهم وان الطالب امانة الهية في اعناقهم.. امانة من اٌسرهم والعلم امانة في رقابهم.. لابد ان يُعطوا للطالب والتعليم حقّهُ..
من الاسباب الاخرى اخواني تتعلق بالاُسرة لا نجد اهتمام كافي من اولياء الامور بالمستوى الدراسي لأبنائهم ولا يهتمون بتحصينهم وحفظهم من الامور التي تضر مستوياتهم الدراسية ومن الامور الشائعة اخواني في الوقت الحاضر التي لم تكن موجودة في اوقاتنا هي كثرة انشغال الطلبة بالوسائل الالكترونية الحديثة والالعاب التي قتلت وقتهم وطاقاتهم العقلية والنفسية..
ننبه الى هذه القضية اخواني نحن لسنا ضد هذه الوسائل.. بالعكس.. هذه الوسائل فيها الكثير من القابليات والاستعدادت التي تنفع الانسان لو احسن استخدامها ولكن في نفس الوقت فيها الكثير من الامور الجاذبة والمثيرة والمغرية والضارة للطالب في عقله وتفكيره وعاداته واخلاقه وسلوكه ان لم يكن هناك تحصين لهذا الطالب هذا الطالب سيستنزف الكثير من وقته وجهده وعقله وتفكيره في امور ضارة ولا نفع لها..، من واجب الاسرة هنا ان تهذّب هذا الاستعمال وتُعلّمهُ حُسن الاستعمال ويمكن ان تستعمل ايضاً وسائل التعليم الحديثة..
الأمر الاخر الذي اثّر كثيراً هو الاحباط النفسي لدى كثير من الطلبة في انهُ حينما يتخرج وبعد جهد سنين طِوال من التعب والسهر والتحصيل الدراسي انهُ لا يجد فرصة عمل تتناسب مع تعليمه الاختصاصي وما بذله من جهود.. فهو مصيرهُ اما الى البطالة والمشاكل الكثيرة التي تصاحبها او مصيرهُ الى مهنة وضيعة تهدر كرامته وموقعهُ الاجتماعي.. فيحصل شعور عند الطالب انهُ لا جدوى من الدراسة طالما انني في المستقبل حينما اتخرج من الجامعة لا اجد فرصة عمل تتناسب مع جهدي العلمي ومع اختصاصي العلمي..
هذه النقطة هي صحيحة اخواني والمأمول الجهات المعنية وسبق ان خاطبنا الجهات المعنية من الضروري الاهتمام الكبير في المجال الصناعي والمجال الانتاجي واعطاء فرصة كافية ووافية للقطاع الخاص لكي يساهم بالنهوض بالخدمات ويوفّر فرص عمل كبيرة لهؤلاء الخريجين وايضاً في نفس الوقت خطاب لكم ايها الاخوة والاخوات..
اخواني علينا ان ننظر الى جنبة الشهادة الجامعة والدراسة بنظرين : نظرٌ انهُ يوفّر لنا فرصة عمل جيدة وتناسب الانسان وتليق بهِ، ومن الامر المهم ان ننظر ان العلم بذاتهِ ودراسة الطالب بذاته وحصوله على العلم نورٌ في الطريق يوفّر لهُ وسيلة تفكير في الحياة أفضل ويرتقي باسلوب حياتهِ..
لذلك اخواني حُثّوا ابنائكم على ان يواصل الدراسة ويجتهد في دراسته حتى نفترض لم يحصل على فرصة عمل هذه الشهادة لوحدها تمثل نوراً في الطريق ونوراً في الحياة ولابد ان نعلّم ابنائنا قيمة هذا العلم الذي نحصل عليه..
الوصية الاخيرة التي اتقدم بها الى ابنائنا الطلبة جميعاً بعد الذي ذكرناه..
ان الأمل معقود بكم يا ابنائنا الطلبة ان تعطوا التعليم حقهُ في الحياة فإنكم املنا ونظرتنا المستقبلية وقلوبنا جميعاً تتطلع الى ذلك اليوم الذي نراكم فيه قد ارتقيتم مدارج العلم والتربية لتكونوا املنا في التغيير الذي ننشدهُ.. الله الله يا أبنائنا الطلبة في علمكم ومستقبلكم وبلدكم واُسركم عسى ان تقروا عيوننا بمستقبل يداوي جراحنا ويرفع آلامنا ويحقق آمالنا.. انهُ سميع مجيب..
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
حيدر عدنان
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق