الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 17/شوال/1440هـ الموافق 21 /6 /2019م :

ايها الاخوة والاخوات نشهد هذه الايام بدء العطلة الصيفية لطلبة الجامعات وطلبة المدارس او قرب انتهاء الامتحانات النهائية لبعض اخر من هؤلاء الطلبة، وهذا يعني انتهاء موسم شهد فيه الاساتذة في الجامعات والمدرسون والمعلمون والمدرسات والمعلمات وطلبتنا الاعزاء الذين يقدّر عددهم بالملايين شهدوا انتهاء موسم كانوا فيه في حال من الجد والاجتهاد والسهر والمطالعة والكتابة ليبدأوا رحلة جديدة يشهدوا فيها قسطاً من الراحة والاستجمام العقلي والفكري والنفسي ليتهيئوا ويستعدوا لموسم دراسي اخر اصعب واشق..

كيف نستطيع ان نتعامل ونتعاطى مع هذا الموسم من التعطيل الصيفي بما يحقق النتائج المرجوة لأبنائنا الطلبة؟

هنا ايها الاخوة والاخوات حتى يتضح لنا اهمية ما سنذكره نبين النقاط التالية:

عدد الطلبة بالملايين فهم يشكلون نسبة كبيرة من ابناء مجتمعنا وهؤلاء الطلبة هم بناة المستقبل وهم املنا ان يبنى مستقبل ناجح ومزدهر في مستقبل هذه السنين، هؤلاء الطلبة هم في عمر الشباب ومرحلة الشباب تمثل المرحلة الحيوية والمزدهرة للنشاط والتألق والابداع الفكري والعقلي فهي فرصة ثمينة للبناء الصحيح والناجح.

نحن كيف نستطيع ان نستثمر هذه العطلة الصيفية بما يحقق النجاح والبناء الصحيح لجيل المستقبل؟

وكيف نتعامل التعامل الذي ينظر اليه العقلاء والاسلام؟

ما هي نظرة المجتمع المجتمعات التي تقدمت وازدهرت وكيف تعاملت مع مثل هذا الموسم من التعطيل بحيث حققت النجاحات لمجتمعها وخصوصاً مجتمع الطلبة؟

من هنا تأتي اهمية ما سنذكره من توجيهات وتوصيات بهذه المناسبة..

في الواقع نحن حينما ننظر الى كيفية تعاطي مجتمعنا مع هذا التعطيل الصيفي نجد هناك تارة استخدام صحيح واستخدام عقلائي واحياناً هناك استخدام ضار وسيء للطلبة في هذا الموسم او تضييع لهذه الفرصة بحيث نفوّت على انفسنا ومجتمعنا وطلبتنا الاعزاء كيفية الاستثمار الصحيح والعقلائي لهذه الفرصة التي تمر على الطلبة..

خصوصاً نلتفت تارة لا ننظر الى الشيء بنفسه بل لابد ان ننظر الى الشيء ضمن الاطار العام..

نحن لو نحسب في حياة الطالب من الابتدائية ثم المتوسطة والاعدادية والجامعة موسم التعطيل اربعة اشهر من بين ثمانية اشهر من الدراسة مع وجود التعطيل في موسم الدراسة لا يصفى الا النصف من السنة موسم دراسة ونصفها تعطيل..

نحسب هذه التعطيل الذي هو نصف سنة في عمر الطالب ستة سنوات ابتدائية ثم ست سنوات ثانوية ثم اربع سنوات جامعة فسيكون التعطيل حوالي نصف عمر الطالب في حياته الدراسية ثم اذا نظرنا الى عددهم ثم نظرنا ان هؤلاء هم سيتولون الوظائف المهمة التعليمية والثقافية والخدمية في مستقبلنا وهم من يتصدون الى المسؤولية.. لذلك ندرك اهمية التعامل والتعاطي مع هذا الموسم..

نحتاج هنا الى مجموعة من التوصيات:

في الواقع نحتاج الى بناء الثقافة المجتمعية العامة الصحيحة، ماذا نفهم من العطلة الصيفية؟ ماذا يراد من العطلة الصيفية؟

نحتاج الى ثقافة مجتمعية ماذا يراد من التعطيل الصيفي ثم نحوّل هذه الثقافة المجتمعية العامة الى منهج وتطبيق في الحياة حتى نستطيع ان نوظّف هذه الطاقة للطلبة في البناء الصحيح لهم ولمستقبلنا..

في الواقع ان الطلبة والمدرسون يشهدون موسماً شاقّاً ومتبعاً من الدراسة والتحصيل، هنا بحسب الطبيعة الانسانية يحتاج هذا الانسان ان يأخذ قسطاً من الراحة حتى يستعد الى موسم دراسي أصعب وأشق واوسع، ولكن تارة الراحة يُفهم منها موسم للكسل والخمول والتعطيل للطاقات، هذا فهمٌ لدى الكثير، الطالب كذلك يحتاج الى قسط من الراحة لكي يستعد ويتهيأ لموسم اصعب واوسع.. هل الاستعداد للموسم الاشق بالكسل والخمول والراحة وتضييع هذا الوقت الثمين ربما في امور ضارة وغير نافعة على الاقل؟

في الواقع النظرة العقلائية ونظرة الاسلام يراد ان يكون هذا الموسم موسم الاستجمام وفرق اخواني بين الكسل والخمول والراحة والتعطيل وبين الاستجمام العقلي والفكري والنفسي والجسدي للطالب والمدرس والاستاذ..

كيف نحوّل هذا الموسم الى موسم استجمام عقلي وفكري ونفسي نجدد فيه طاقة الطالب وطاقة الاستاذ؟

هنا هذا يتوقف على مجموعة من الامور:

اولا ً: لابد ان يكون لدينا توعية وفهم لنعمة الفراغ في حياة الانسان، ورد في الحديث : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

ولذلك في احاديث اخرى : (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).

هذا الطالب فارغ من المسؤوليات والمهام اذا تخرّج انشغل بمسؤوليات كثيرة وظيفية واجتماعية وغيرها، الآن عنده فراغ وهذه نعمة من الله تعالى اغتنم هذه النعمة، لماذا نغتنمها؟!

الاغتنام معناه ان تستثمر هذه الطاقة وهذه النعمة نعمة الفراغ فيما يؤدي الى بناء الطالب البناء الصحيح.

كيف نبني الطالب البناء الصحيح؟

الطالب خلال موسم الدراسة هو مشغول الاساتذة والمدرسين والعائلة ببنائه البناء العلمي والاكاديمي التخصصي من علوم اللغة والرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم..

هل هذه العلوم تكفي لبناء شخصية الطالب الناجح وبناء شخصية ناجحة في الحياة؟ كلا، هذه مهم ولكنه لا يكفي لوحده، هذا سيتحمل مسؤولية قيادية ومسؤولية اجتماعية واسرية وعلاقات عمل وعلاقات عمل واجتماعية اذا لم يتم بناءه البناء المتكامل والصحيح لا ينجح في حياته، لا يكفي ان نبنيه بناء علمي اكاديمي فقط وهو مهم ولكن لا يكفي لوحده..

ايها الطالب ايها العائلة الان لديكم فراغ استثمروا هذه الفرصة في استكمال بناء شخصية الطالب، كيف؟

اود ان ابين نقطة مهمة نلتفت اليها وهي خلل اجتماعي لدى الكثير..

نحن نحتاج ايضاً ان نُشيع ثقافة التشارك والتعاون والتآزر في تحمل المسؤولية، كثير منّا يحمّل الاخرين عبء المسؤوليات بتمامها، يقول الاخرين هم مسؤولين عني تعليمياً وتربوياً واجتماعياً وخدمياً وانا ليس علي شيء..!! وهذا واقع الكثير منا! وهو يتهرّب من اداء ولو جزء من هذه المسؤولية ويطلب ان تكون المسؤوليات تُلقى على عاتق الاخرين بتمامها ومجاناً وجاهزة وهو لا يتحمل جزء من المسؤولية وهذا خطأ كبير لا يُبنى المجتمع هكذا ابداً..

لابد ان يُشاع لدينا مجتمعياً ومؤسساتياً ثقافة التشارك والتعاون والتآزر في تحمّل المسؤوليات بتمامها كلٌ بحسب طاقته هذا الواجب الوطني والتربوي يقتضي هكذا ان الجميع يتشارك..

الآن نحن في بلدنا في العطلة الصيفية نحتاج ان نبني ابنائنا وبناتنا البناء الديني والاخلاقي والعقائدي والتربوي والنفسي الاجتماعي الصحيح وهذه فرصة في العطلة..

هناك الكثير من المراكز دينية وعقائدية وتنموية وغير ذلك مهنية هي لديها الامكانيات ان تقيم دورات ولديها الاستعدادات الفنية والمهنية وان تبني هؤلاء الشباب والشابات البناء الديني والعقائدي والاخلاقي التربوي الصحيح..قد كثير من هذه المراكز لديها الامكانيات الفنية ولكن ينقصها المال..

 ليس صحيح اخواني انا ابني وبنتي على هذه المؤسسات هي تتحمل كل المسؤولية في بناء هؤلاء الطلبة والطالبات البناء الصحيح الاجتماعي والتربوي والعقائدي وانا ليس عليَّ شيء من المسؤولية..، كما اننا نستثمر العطلة و ندخل ابنائنا وبناتنا دورات التقوية في الدروس ونصرف الكثير من الاموال على ذلك والكثير من الجهد وهذا مطلوب ان يكون موسم العطلة الصيفية للتقوية في الدروس التخصصية ونبذل جهودنا واموالنا في بناء ابنائنا وبناتنا البناء الاكاديمي العلمي التخصصي، ولكن ايضاً مطلوب ان أبني ابني وبنتي ان أبني شخصيته بناء ديني اخلاقي تربوي يتحمل ويشعر بالمسؤولية ويبني شخصيته البناء الناجح المتكامل للمستقبل، نحن ايضاً علينا مسؤولية ايضاً، كما نحن عوائل تصرف كثير من الاموال والجهد في هذا البناء عليها ايضاً ان تهتم وتصرف الكثير من اموالها في بناء ابنائها وبناتها هذا البناء المتكامل التربوي والاخلاقي والعقائدي والديني..

الآن ابنائنا وبناتنا في خطر عظيم بسبب ما غزانا من كثرة هذه القنوات الفضائية وشبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي والالعاب الالكترونية الجذابة التي تجعل كثير من ابنائنا وبناتنا يسهرون الى الصباح.. لذلك علينا ان نهتم في مقابل هذا ببناء ابنائنا وبناتنا البناء التربوي والديني والاخلاقي الذي من خلاله ينجحون في حياتهم النجاح المأمول وهذا يتطلب اخواني جميعنا نشارك في المسؤولية كل جهة في المجتمع عائلة ادارة مدرسة جامعة اساتذة مدرسين معلمين الكل يتحمل هذا البناء واستثمار العطلة الصيفية في البناء الصحيح..

اخواني سابقاً حينما كُنّا شباناً شهدنا في ذلك الوقت كانت الاجيال هناك تهتم بالعطلة الصيفية البعض يذهب الى العمل لكي يجمع شيئاً من المال حتى يساعد عائلته في تحمّل مسؤولية الحياة، والبعض يذهب لكي يتعلم مهنة وحرفة حتى يستفيد منها مستقبلاً والبعض ينمي مواهبه في مجالات متعددة..، نحن كذلك نحتاج ان نتوجه ونلتفت الى اهمية هذا البناء في حياتنا وهذا ايضاً من الامور المهمة..

طبعاً الطالب يحتاج الى فترة من الراحة والترويح عن النفس فممكن ان تكون هناك سفرات هادفة وناجحة وذلك اما تأخذه في سفر الى اماكن دينية تعرّفه بسيرة الرموز الدينية في تلك الاماكن، او رحلة سياحية تعرّفه على عظيم خلق الله من الجبال والطبيعة الساحرة الجميلة وتطلعه على عظيم خلق الله تعالى..

ايضاً اُلفت نظركم الى قضية مهمة ارجو الاهتمام بها والالتفات اليها:

نحن التقينا مع عدد من الشباب خلال هذه الفترة بعضهم طلبة بعضهم موظفون اهتموا بعمل تطوعي خيري،  التفتوا اخواني توجه وتوجيه الطلبة والطالبات نحو الاعمال التطوعية الخيرية في العطلة الصيفية، بعض من الشباب اجتمع مع آخرين وجمعوا شيء من المال البسيط ثم توجهوا الى عوائل الايتام والفقراء والشهداء وساعدوهم بهذا المال البسيط في قضاء حوائجهم، بعض من المجتمع شاهد هذا العمل فعلاً خالص وعمل فعلا ً تطوعي خيري ساعدهم ونتج عن ذلك كثير من الخدمات الانسانية، ينبغي تعويد الشباب والشابات على الشعور بالمسؤولية وعلى روح التكافل الاجتماعي واحفزه على ان يشترك في هذه الاعمال وان تشجع العوائل ابنائها على الذهاب والاشتراك في هذه الدورات، الان في كثير من المدن تقام دورات لبناء شخصية الطالب والشاب والشابة البناء الصحيح والعائلة تشجع ابنائها وتساهم في المشاركة في هذه الدورات وتشجع اولادها وتحثهم على المشاركة في هذه الدورات والاعمال الخيرية..

ايضاً نأمل من اخواننا اساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين والمدرسات والمعلمات في آخر السنة يجتمعون مع طلبتهم وطالباتهم ان يوجهونهم على هذا الامر المهم يقول لهم هذه العطلة عدة اشهر فاغتنموا هذه الفرصة ويعلمونهم الاسلوب الصحيح لاغتنام هذه الفرصة ويحذرونهم من سوء الاستخدام وسوء التوظيف لهذه العطلة ويحذرونهم من كثير من المواقع الالكترونية المفسدة والضارة عقائدياً واخلاقياً ويحذرونهم من الاستخدام السيء لهذه النعمة وهي نعمة العمر ونعمة الشباب ونعمة الفراغ وتوظيف هذه النعم فيما ينفع الشاب والشابة..

المأمول من اساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين ان ينبهوا هؤلاء الطلبة ويوجهونهم على اهمية استثمار هذا العمر وهذه الفترة من حياة الطالب وهي فترة الشباب المزدهرة ويحذرونهم من تضييع هذه النعمة وهذا العمر في امور ضارة او غير مفيدة او امور ليست بذات جدوى..

لذلك اخواني هذه مسؤولية الجميع وهؤلاء ابنائنا وبناتنا هم مستقبلنا الذي ننتظره لذلك علينا ان نبينهم البناء الصحيح والبناء المتكامل مثل ما نبنيهم بناء علمي اكاديمي تخصصي علينا ان نبنيهم بناء عقائدي صحيح اخلاقي صحيح تربوي صحيح اجتماعي صحيح حتى ينجح في حياته النجاح المأمول فإن الحياة الناجحة لا تقوم فقط على النجاح في الجانب العلمي الاكاديمي التخصصي ابداً بل هو جزء من النجاح الكامل حينما نبني شخصية الطالب والشاب البناء المتكامل الذي يعتمد على المنهاج العلمي الاكاديمي والمنهاج العقائدي والمنهاج التربوي والاجتماعي والاسري كل هذه المجالات في الحياة اذا نجحنا في بناء ابنائنا وبناتنا وفق هذا البناء الصحيح والمتكامل استطعنا ان نشكل مجتمعاً ناجحاً ومزدهراً ومتقدماً..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات