الهزيمة بعد الانتصار

بعد تفوق المسلمين في المبارزة بدا رجحان الكفة للمسلمين واندحار المشركين وانحسارهم فصار المسلمون، واخذ جيش المشركين في التقهقر وأبلى اسد الله واسد رسوله حمزة بن عبد المطلب والامام علي بن ابي طالب "عليهما السلام"، بلاء شديداً وصدقوا القتال فحشوا المشركين حتى كشفوهم عن المعسكر، ونهكوهم قتلاً وانهزم المشركون[1] الا ان ذلك لم يبقى دائما، اذ حصل ما يغير مجرى الامور وانعكس سير المعركة، اذ رأى الرماة من فوق جبل ما حصل للمشركين قالوا :" اي قوم الغنيمة الغنيمة، لم تقيمون عانا في غير شئ، قد هزم الله تعالى العدو، وهؤلاء اخوانكم قد ظهروا، وهم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع اخوانكم" [2] ، وعلى اثر ذلك نزل الرماة ولم يبقى الا دون العشرة وذهب الباقون الى عسكر المشركين، وعندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم ، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم ، وهم مشغولون بجمع الغنائم، فأصبح المسلمون وسط الحلقة، فهزموهم فقتلوا فيهم قتلا ذريعا:﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ  ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ  وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾[3] .

هناك سؤال يطرح نفسه وهو، لماذا انتصر المسلمون أوّلاً؟ ولماذا انهزموا أخيراً؟ الجواب على ذلك السؤال انتصروا لأنهم كانوا يقاتلون في سبيل الله حتى لحظة الانتصار، وكانت رغبتهم هي مرضاة الله ونشر عقيدة الاسلام، وإزالة كل العقبات عن طريقها، حيث لم يكن لهم أي دافع ماديّ امامهم.

ولماذا انهزموا؟ قد تغيّرت الاهداف والنوايا عند أكثر المسلمين بعد تحقيق الانتصار الالهي، ونسوا على أثره أوامر النبيّ الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" وتعاليمه، حيث توجهت أنظارهم إلى الغنائم التي تركتها قريش في ساحة المعركة.

وفي خضم المعركة حصل اغتيال لئيم لحمزة بن عبد المطلب، لقد كان حمزة مسلماً مجاهداً وبطلاً فدائياً في سبيل الله والإسلام، وقد فعل حمزة بقريش الأفاعيل في بدر ولذلك كانوا يتشوقون لقتله مع ذلك لم يجرؤ احد على مواجهته، ولذلك عمدوا الى تحريض وحشي على قتله غيلة ووعدوه على ذلك حريته التي هي أعظم ما يكافأ به العبد .

ومن مبلغ حقد قريش وحنقها على بطل الابطال، انهم مثلوا به أشنع تمثيل بعد مقتله وذلك أن وحشيا لما قتل حمزة شق بطنه واخرج كبده، فجاء بها الى هند بنت عتبه زوجة أبي سفيان تحقد عليه أشدّ الحقد، وقد عزمت على أن تنتقم من المسلمين لأبيها مهما كلَّف الثّمن ، فقال: هذه كبد حمزة، فمضغتها ثم لفظتها ونزعت ثيابها وحليتها، فأعطته لوحشي، ووعدته اذا جاء مكة ان تعطيه عشرة دنانير[4].

فقد اغتنمت هند زوجة أبي سفيان، فرصة انشغال المقاتلين المسلمين، وارتكابها بحق الشهداء الأبرار جناية فظيعة لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيلاً، فهي لم تكتفي بالانتصار الظاهري، بل عمدت إلى التمثيل بحمزة بن عبد المطلب، تمثيلاً مروّعاً، فخمشت وجهه، وقطّعت الأنفة، وجدعت الأذنة، نكاية بالمسلمين، وإطفاءً للحقد الدفين، وبذلك ألحقت بها  وبأوليائها عاراً لا ينسى.

وأخيرا انتهت معركة أحد، وقد قدم المسلمون فيها سبعين، أو أربعة وسبعين، أو واحداً وثمانين شهيداً، على روايات مختلفة، بينما لم يتجاوز عدد قتلى قريش اثنين وعشرين[5]، لم يكد يسلم بيت من بيوت المؤمنين من شهيد او جريح او مصاب في غال وعزيز، وعلى رأسهم بيت النبوة فانه "صلى الله عليه واله" اصيب في جسده الشريف واصيب في عمه حمزة ً.

واذا كان من اهم نتائج غزوة احد ظهور غش المنافقين واليهود وحقدهم فانهم شمتوا بالنبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" ، كذلك كان من نتائج واثار غزوة احد ان همت قريش وبعض من الاعراب ان يشنوا هجوما على المدينة ظنا منهم ان النبي الاكرم واصحابه قد اصابهم الوهن والضعف وانه لم تعد بهم قوة والفرصة مواتية للقضاء عليهم .

جعفر رمضان عبد

 

[1]  محمد يوسف الشامي ، سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ، (بيروت: دار الكتب العلمية ،1428)، ج4، ص195.

[2] محمد العابد ، حديث القرآن عن غزوة بدر واحد والحديبية وفتح مكة وحنين وتبوك، اطروحة دكتوراة، ص85.

[3] سورة آل عمران، الآية 152.

[4] للمزيد من التفاصيل ينظر: ابن كثير، البداية والنهاية،(بيروت :دار الكتب العلمية ،1426).

[5] عبد الملك بن هشام بن ايوب ، السيرة النبوية،(بيروت: دار الكتب العلمية 1424) ، ج3 ، ص79

المرفقات