تضم الحلة بين بساتينها الخضراء وجاري مياهها العذبة العديد من اقدم المعالم والمقامات المقدسة في العراق.. فهي من المدن التي حباها الله بتاريخ مشرف وآثار وشواخص مازالت معالمها حاضرة تمزج بين ارث الحضارات المتعاقبة.. وعلى الرغم من تقادم السنين إلا أنها تنبض بالحياة حتى يومنا الحاضر وتؤرخ أصالتها وعمقها الحضاري والتاريخي .
نجد على اطراف هذه المدينة الغراء والى اليمن من الطريق المؤدي الى مدينة النجف الاشرف مقام ولادة نبي الله إبراهيم الخليل، والى جواره الصخرة التي اختبأت خلفها أمه تخلصا من محاولة قتل النمرود لها كما ورد في الروايات.. ويحاذيها موقع المحرقة التي اعدت لحرقه عليه السلام على يد النمرود ايضاً وترابها الذي يشبه الرماد، والتي ويقابلها من جهة الغرب ( برج بورسيا ) ذلك الصرح البابلي الذي قد يكون هو برج بابل الشهير الذي ورد ذكره في التاريخ.. وهناك معالم أخرى مثل مرقد نبي الله أيوب عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام ومنطقة البئر التي اغتسل بها نبي الله ايوب التي تقع على مسافة قريبة من المرقد والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم ويتردد عليه الناس للزيارة وطلب الشفاء بأذن الله .
في الحلة العديد من المقامات المباركة كمقام نبي الله الخضر عليه السلام الكائن في محلة الاكراد القابعة على شاطي النه، ومقام معجزة رد الشمس لأمير المؤمنين وايضاً مقام الإمام علي في حي الشاوي، فضلاً عن مقام الإمام جعفر الصادق في الحي الجمهوري محاذيا لضفاف شط الحلة، ومقام غيبة الامام الحجة في سوق الصفارين في قلب المدينة.. وكل هذه المقامات تسالم الناس على صحة البعض منها وأخرى لم يحصل الاطمئنان على صحتها غير أنها تمثل معالم ومشاهد تاريخية مقدسة قائمة حتى اليوم في المدينة وهي مثار اهتمام للزائرين من داخل المدينة و خارجها .
مقام الغيبة..
اشتهر هذا المقام المقدس اشتهارا لا لبس فيه في مدينة الحلة مركز محافظة بابل وهو يعرف بـمقام الأمام المهدي أو الغيبة ويقع في سوق الصفارين بالقرب من السوق الكبير وسط الحلة، وتحف به منتشرة في محيط المنطقة مقامات كثيرة بل مئات من المراقد في أزقة الحلة وشوارعها وتقع اغلبها في محلة الجامعين التي تعد أقدم محلة في الحلة و يعود تاريخها إلى ما قبل تمصير المدينة، حيث تشير الدلائل ان مقام الامام الحجة في مدينة الحلة يعد من المقامات التاريخية المباركة وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة في رحلته في القرن الثامن الهجري .. وقيل ان هذا المقام كان تابعا الى مدرسة العلامة الحلي وهو جامع الحلة الكبير وان العلامة الحلي وهو من علماء القرن الثامن عشر التقى الامام الحجة عليه السلام في هذا المكان حسب ما ورد في بعض المصادر منها كتاب يحمل عنوان تأريخ مقام الامام المهدي للباحث النجفي احمد علي مجيد وفيه تأريخ مفصل عن هذا المقام.
يشغل المقام المبارك حيزاً بسيطا بين صفوف من المحال التجارية المتهالكة في زقاق ضيق لا يتعدى عرضه الثلاثة امتار في اطراف سوق الحلة الكبير، حيث يتربع مقام الغيبة - الذي يبدو كالقصر الشامخ بقبته المطرزة بالنقوش المرسومة على القاشاني الازرق - وسط مجموعة من الاسواق المتفرعة من السوق الكبير وبالخصوص سوق الصفارين الذي لا يبعد عن شط الحلة سوى بضع مئات الاقدام.
وايضاً تشير اغلب الدلائل الواردة في الوثائق القديمة للأوقاف العراقية، ان مساحة المقام الاصلية ليست هي الموجودة حالياً.. فجامع الحلة الكبير المجاور له حالياً تابع للمقام في الاصل، وإن اسم الجامع مشهور في القدم بجامع الغيبة.. وقد أخذ بهذا الاسم والشهرة على جهة التسالم يداً عن يد وخلفاً عن سلف.. لكن السلطة الحاكمة في العراق عمدت الى اقتطاع مساحة الجامع من المقام ليبقى مهملاً وبمساحة لا تتجاوز الثلاثين متراً مربعاً، وبقي على ذا الحال حتى رمم وجدد اليوم بجهد من الموالين المخلصين والمؤمنين وتمت اعادة بنائه من جديد وتوسيع مساحته واعادة بنائه بطابقين وعلى الطراز الإسلامي، وزين بنقوش من المرايا والكاشي الكربلائي وبعض تشكيلات الشناشيل الحلية، إضافة الى تجديد واستبدال الشباك الخاص بالمقام بآخر مسكوك من النيكل والنحاس المطلي بالذهب والمرصع بالمينا الرائعة .
السلام عليك يا بقية الله في ارضه وسمائه ..السلام عليك يا سفينة النجاة.. السلام عليك يا عين الحياة ..السلام عليك يا مولاي بجوامع السلام ورحمة الله وبركاته.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق