الخطبة الدينية للشيخ عبد المهدي الكربلائي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 26 ربيع الاول 1439 هـ الموافق 15/12/2017 م

عدم شكر الله على النعم يتسبب  في اختلال التوازن المعيشي والاقتصادي في المجتمع

لابد من الشكر العملي والذي هو توظيف النعم في طاعة الله تعالى ومساعدة افراد المجتمع

النص الكامل للخطبة الاولى

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جل ان يخاف منه الا العدل وعظم ان يرجى منه الا الفضل، اللطيف فلا  يدركه لحظ بصر، العظيم فلا يحيط به عقل بشر، القوي فلا مضاد له في ملكه، المهيمن فلا منازع له في امره واشهد ان لا اله الا الله راحم من استرحمه وعاصم من استعصمه واشهد ان محمدا صلى الله عليه وآله عبده العظيم ورسوله الكريم اوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك اوصي نفسي بتقوى الله تعالى والتوبة اليه والشكر له على ما انعم عليكم فبالشكر تدوم النعم وبالتوبة تدرأ النقم وبالتقوى ينال الرضا وبالتوكل على الله تدرك الطلبات وبالاستعانة به تبلغ الغايات وبالاعتصام به تفثأ الشدائد وتذلل المصاعب وبالثقة بتدبيره واليقين بعدله يحصل الفوز ويتم النجاح.

ايها الاخوة والاخوات سلام من الله عليكم جميعاً ورحمة منه وبركات في الخطبة الاولى نتعرض الى خطبة من خطب امير المؤمنين (عليه السلام) التي يتعرض فيها الى بيان حال الدينا ويذكر اصناف من الناس انتشرت في عهده وربما تنتشر في ازمنة وامكنة متعددة ومختلفة وتكون سبباً في انتشار الفساد والانحراف ويبين في نفس الوقت فئات اخرى من الصلحاء والاخيار وكيف انه يتوجع ويتفجع على فراقهم ثم يستنهض همم هذه الفئات الصالحة للوقوف بوجه اسباب الانحراف والفساد ثم يبين ان طاعة الله تعالى ورضاه والفوز عنده في الجنان لا ينال بمجرد التمنيات والدعاوى بل لابد ان تكون هناك واجبات يأتي بها الانسان المؤمن خصوصاً ما يتعلق بمواجهة اسباب الفساد والانحراف في المجتمع فإذا جاءوا  بذلك نالوا رضا الله تعالى فيقول عليه السلام: عباد الله انكم وما تأملون من هذه الدنيا اثوياء مؤجلون ومدينون مقتضون أجل منقوص وعمل محفوظ فرب دائب مضيع ورب كادح خاسر اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر الا فقيراً يكابد فقرا او غنياً بدل نعمة الله كفرا او بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفرا او متمرداً كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا ثم يتوجع على رحيل الاخيار والصلحاء والاحرار والسمحاء فيقول عليه السلام: اين اخياركم وصلحاؤكم وأين أحراركم وسمحاؤكم وأين المتورعون في مكاسبهم  والمتنزهون في مذاهبهم أليس قد  ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا الدنية والعاجلة المنغصة ثم يقول عليه السلام: فأنا لله وان اليه راجعون ظهر الفساد فلا منكراً مغير ولا زاجرً مزدجر أفبهذا تريدون ان تجاوروا الله في دار قدسه وتكونوا أعز اولياءه عنده هيهات لا يخدع الله عن جنته ولا تنال مرضاته الا بطاعته لعن الله الأمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به.

الامام عليه السلام يشبه الدنيا والتعلق والامل بالدنيا بمنزلة الضيف الذي نزل عند  مضيفه لساعات وايام فهو لا يديم المقام عنده بل لساعات او ايام ثم يرحل عنه وحين اذن هذا الضيف ليس له تعلق بدار المضيف ولا تشبث بها ولا حرص عليها لان مقامه فيها ليس بدائم بل هو زائل لفترة قصيرة ثم يرحل عنها، ينبه الامام عليه السلام الى كيفية التعامل الصحيح مع الدنيا وينهانا عن التعلق بها والحرص عليها فيقول عليه السلام: عباد الله انكم وما تأملون من هذه الدنيا، أهل الدنيا ورجائهم وتعلقهم في الدنيا يشبه حال الاثوياء والاثوياء جمع ثوي والثوي هو الضيف، مؤجلون اي ان هذا الضيف الذي يتعلق في الدنيا مثله كمثل الضيف الذي يأتي الى دار مضيفه اما ان يبقى ايام او ساعات بالنتيجة هو يبقى فترة قصيرة ويرحل عنها عن قريب مثل هذه الاقامة لا يصح للمؤمن العاقل ان يحرص عليها.

مدينون مقتضون يقول الامام عليه السلام اهل الدينا حالهم في اعمارهم مطالبون باستفراغها في طاعة الله تعالى، النعم التي انعم الله تعالى بها عليهم من مال وجوارح وغيرها حالهم يشبه حال المدين، هو مطالب بصورة مستمرة، الدائن يطالبه والمدين يتمنى ان يقضي دينه ولو بالتدريج ثم بعد ذلك عندما يقضي دينه يرتاح كذلك نحن في اعمارنا مدينون لله تعالى بهذا الحق هذا العمر هذه النعم التي انعم الله تعالى بها علينا هي حق لله تعالى في رقابنا ونحن مطالبون محاسبون على هذه العمر وهذه النعم، ليست نعمة الاموال فقط بل جميع النعم من نعم العافية ونعم الجوارح وغيرها كما ان المدين متى يرتاح؟  حينما يؤدي حق الدائن ويدفع الدين الذي بذمته الى الدائن حين اذن يرتاح.

ثم يقول أجل منقوص الانسان مهما عمر في هذه الدنيا له اجل محدد لا يتجاوزه ابدا وهذا الاجل كلما مضت السنون والشهور والليالي و الايام والساعات يبدأ يتناقص ثم بعد ذلك العمل المحفوظ،  العمل المحفوظ كل عمل يقوم به الانسان صالحاً ام طالحاً محفوظ عند الله تعالى بكل تفاصيله.

ان اجل الانسان يتناقص فان لم تكن قد أديت حق الله تعالى سارع الان بادر الى اداء هذه الحقوق لان هذا الاجل ليس بازدياد ولا هو ثابت انما هو يتناقص فتدارك وألحق نفسك وبادر الى التوبة وتدارك ما حصل من تقصير او نقص في اعمالك واداء الحقوق التي عليك لله تعالى او للناس.

عمل محفوظ يقصد به الامام عليه السلام ان كل اعمال الانسان محفوظة مسجلة عند الله تعالى حتى العبادات فانتبه ان كانت هذه العبادات ناقصة هي مسجلة عند الله تعالى او كانت على خطأ انتبه، كل شيء مسجل سارع الان لإصلاح هذه الاعمال او كنت تؤدي العبادات والطاعات ولكن شابها الرياء او صدقات شابها المن والاذى كل ذلك مسجل الان انتبه ماذا يراد منك ان تسجل لأيامك المستقبلية؟

صحح ما مضى من اعمالك او ما صدر منك من تضييع وتقصير، تدارك فكل شيء مسجل عند الله تعالى.   

فرب دائب مضيع ورب كادح خاسر يبين الامام عليه السلام نكتة مهمة، البعض يتصور الدائب هو المداوم على العمل الذي لا يكل ولا يمل.

الكادح الذي يأتي بالأعمال بجهد ومشقة هناك بعض الاعمال سهلة يسيرة وبعض الاعمال صعبة وقاسية فيأتي بها الانسان بجهد ومشقة، بعض الناس يتصور ان مجرد بذل الجهد وتحمل المشقة في الاعمال والمداومة عليها وعدم الانقطاع عنها كل ذلك يمثل الاسباب الكاملة للنجاح والموفقية في الحياة سواء كانت اعمال دنيوية او دينية، الامام يقول لا انت خاطئ ليست هذه القضية ليست الدؤوب في العمل والكدح في العمل والجد والاجتهاد في العمل والتحمل بمجرده ولوحده يكفي لان يكون سببا للنجاح والمرفقية سواء كانت اعمال لله تعالى او كانت اعمال في الدنيا الامام يبين رب دائب مضيع كم من الناس اتعبوا انفسهم ودأبوا في اعمالهم الدنيوية بعد سنين تجدهم يخسرون ويفشلون فيقول الامام ابحث عن الاسباب الكاملة للنجاح استشر حاول ان تضبط عملك ايضا في الاعمال الاخروية كثير من الناس لديهم اعتقادات لديهم صلاة وصوم واعمال اخرى من الطاعة ولكن هذه الاعمال فقدت شروطها، الله تعالى يقول انا لا اريد العمل لمجرده، العمل فيه مقدمات فيه شروط صحة فيه جانب عقائدي من الولاية المطلوبة حتى يكون هذا العمل مقبول، سنين تتعب نفسك في العبادات والطاعات لكن فقدت شروطا من الصحة والقبول يقول كل ذلك سيكون مصيره الخسران والضياع فانتبه حتى في اعمالك الاخروية حينما تأتي بهذه الاعمال انتبه لا يشوبها الرياء لا يشوبها العجب التفاخر على الاخرين لا يدخلها شيء من شوائب حب الدنيا احيانا الانسان لديه علم غزير يدخله حب الجاه حب المقام حب المدح والثناء فيبطل كل علمه ويحبط اجره وتنتهي كل اعماله الى لا شيء فلذلك الامام يقول انتبه ان العمل والجد والاجتهاد والدؤوب في العمل ليس لوحده كافيا بل لا بد من توفر بقية الشروط حتى تنجح سواء اكان في اعمالك الدنيوية او الاخروية فرب دائب مضيع ورب كادح خاسر ثم يقول الامام عليه السلام يقول امعن النظر نلتفت هناك اربع فئات في المجتمع ان بقيت من دون معالجة ستكون سببا للانحراف والفساد وربما انهيار الكيان الاجتماعي في مقابلها ست فئات من الصلحاء والاخيار ما هي مهامهم تجاه الواقع الاجتماعي الذي ينتشر ويتسع فيه الفئات الاربع، الامام عليه السلام يبين الفئات الاربع التي هي سبب الفساد والانحراف يقول الامام اضرب بطرفك، الطرف النظر، يقول امعن النظر اي عندما  تنظر الى المجتمع لا تنظر نظرة سطحية انظر بدقة وتأمل وتفكر في طبقات المجتمع التي تحيط بك في كل مكان فماذا ترى؟ اضرب بطرفك حيث شئت من الناس يقول انظر في كل مكان اي لا تنظر الى حي معين او مدينة معينة  او قضاء بعينه بل انظر للجميع وفي أي مكان كانوا يقول الإمام فهل تبصر الا فقير يكابد فقرا او غنيا بدل نعمة الله كفرا او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا او متمردا كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا، اربع فئات، مراد الامام عليه السلام من قوله حيث شئت من الناس، يريد ان يبين ان هذه الفئات الاربع انتشرت واتسعت في كل مكان وليس في مكان محدد وهذا يؤدي الى الفساد والانحدار ثم انهيار الكيان الاجتماعي.

 اربع فئات، ننتبه ما المقصود بعبارة الامام فلا تبصر الا فقيرا يكابد فقرا، الفقراء على صنفين صنف يتحمل ويصبر ويرضى بقدر الله تعالى له وينتظر الثواب العظيم من الله تعالى، صنف لا يتحمل يقاسي مرارة الفقر وشدته وبسبب مقاساته ينحرف فيقع في الجريمة لسد فقره او ينحرف اخلاقيا او امنيا في سبيل ان يسد فقره هذه الفئة إذا انتشرت بدأت اسباب الانهيار في المجتمع، فلا تبصر الا فقيرا يكابد فقرا او غنيا بدل نعمة الله كفرا لاحظ كيف يشير الإمام الى التوازن، ان الفقر سببه عدم سد حاجة الفقير ، الإمام هنا يشخص الخلل ويجد العلاج إذ يقول عليه السلام او غنيا بدل نعمة الله كفرا، الاغنياء الذين اغرقوا في النعم واترفوا وبدل ان يشكروا نعمة الله بدلوا الشكر بالكفران ما معنى الكفران؟ هنا ليس المقصود بالكفران الكفر الاعتقادي بل المقصود هو كفران النعمة، الاغنياء منهم من إذا أنعم الله تعالى عليه يوظف ماله ونعمه في طاعة الله تعالى وفي اداء الحقوق ومساعدة الفقراء والمحتاجين وهناك غنيا بدل ان يشكر الله تعالى والشكر هنا ليس الشكر باللسان فقط بل هو الشكر العملي وهو توظيف هذه النعم في الموارد التي ارادها الله تعالى ومنها استخدام هذه النعم في طاعة الله تعالى ومساعدة افراد المجتمع.

بعض الاغنياء يتسم بكفران النعمة، البطر ، الاسراف، التبذير، السرف لنعم الله تعالى في معصيته عدم الصرف للنعم من المال وغيره في طاعة الله تعالى يتحول شكر النعمة الى كفران حين اذن يختل التوازن المعيشي والاقتصادي في المجتمع اغنياء مترفون لا يستخدمون هذه النعم في مساعدة الاخرين وفي طاعة الله تعالى فقراء يتضجرون ويسخطون على قدر الله تعالى يتحولون الى عالم الجريمة والانحراف هذه الفئة الثانية في المجتمع او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا الوفر هو التكثير للمال هؤلاء بعض من انعم الله تعالى عليهم يتصورون توهما ان البخل بحق الله، حق الله من الخمس والزكاة واداء بقية الحقوق، الامساك للمال وعدم دفعه للحقوق يتصورون ان ذلك سبب للحفاظ على المال وزيادة المال و الامر ليس كذلك، امسك ماله لم ينفقه في الموارد التي هي من حقوق الله تعالى او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا او متمردا كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقرا هذا النوع من الاشخاص يتمرد يعاند لا يستمع الى المواعظ والنصائح، لا يتقبلها، لا يعمل بها على الرغم من تكرار المواعظ والنصائح متمرد على المواعظ والنصائح فلا يعمل بها، اربع فئات، الامام عليه السلام يقول هؤلاء انتشروا، إذا انتشروا وسكتت الفئات الست القادمة عن معالجة هذه الاسباب والوقوق بوجه هذه الفئات واصلاحها حين إذ يبدأ الفساد في المجتمع ثم يقول الإمام: أين اخياركم وصلحاؤكم واين احراركم وسمحاؤكم، ان شاء الله نكمل في الخطبة الثانية اسأل الله ان يوفقنا للعمل بما وجهنا به امير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد  صدق الله العلي العظيم

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات