الجمال في تمثلات واقعة ألطف يكمن في أنها تستمد الواقعية في موضوعاتها.. لكنها تعطي مساحة للذاتي في التعامل معه من خلال المرجعية التاريخية والعقائدية للفنان، فالجمال هو تصور ذهني يُطرح للخارج بأسلوب تعبيري يختلف من رسام لآخر كما يختلف من متلق لآخر. واللوحة اعلاه احدى التمثلات الرائعة المتعلقة بمسير ركب الامام الحسين عليه السلام ومن معه وهو في طريقة الى ارض كربلاء .. وهي من المنجزات الرائعة للفنان التشكيلي المعاصر علي بحريني .. عمد بحريني الى تحديد طبيعة المشهد عبر المنظومة التشكيلية العلامية والتكوينية ، وذلك عبر اتسام عناصرها بالكثافة التي تتطلب رصفاً وترتيباً وسياقاً تكوينياً للخط واللون والمساحات والفضاء، حيث يحيلنا الرسام إلى التعرف على المكان والزمان والمسك بزمام الفكرة واستنهاض اللاوعي للتعايش مع اللوحة. وزع علي مفردات اللوحة بصيغة شملت اغلب مساحة السطح التصويري ( بدافع الإلمام بالسرد الحكائي للحدث ) وجعل تنظيمه بطريقة شريط منظوري يمتد الى عمق اللوحة للدلالة على وجود أكثر من بعدين في اللوحة، وأعطى للأشكال رموزها الدلالية المكانية والفكرية المرجعية مع ملاحظة عدم لجوئه إلى صياغة مفردات العمل بطريقة النسبة الاعتبارية، فكل المفردات أخذت شكلها الطبيعي عامدا إلى استخدام الخطوط اللينة كما في فن المينياتور .. مع التأكيد على الخط كعنصر أساسي في بناء الشكل وإظهار التفاصيل التي ميزت مركز سيادة اللوحة . لو تأملنا في تفاصيل اللوحة لوجدنا ان الكتل موزعة بانسيابية وهي سابحة في عمق الصحراء، حيث أن المشهد يشير إلى دلالة مكانية واحدة وهي الصحراء والتي أدت بالاشتراك مع السماء الصفراء الصافية وظيفة التوازن في المشهد أكثر من دلالتها المكانية. كما وتظهر في المشهد سلطة الخط كعنصر أساس في بناء الاشكال وإظهار الكثافة والكثرة في بناء تكوينات القافلة، حيث يلاحظ حدته وتنوعه وانتشاره في بناء الأشكال الإنسانية والحيوانية بالاستعانة بالألوان المختلفة لإظهار الجمهرة وقرب الشخصيات وبعدها عن الناظر، مع ملاحظة امتلاك الرسام لشكل أنساني واحد يتكرر بإضفاء تغيرات محددة في اللحى والشارب وغطاء الراس لبيان الكثرة وإظهار التنوع والفوارق العمرية والجسدية في التكوين، كما أستخدم الظل والضوء والهالات البيضاء تعبيرياً لإظهار العنصر السيادي وتمييز شخوص اللوحة بما يوائم المرويات حول مسير قافلة ابي عبد الله الحسين عليه السلام الى كربلاء ومن يتقدمهم . أعتمد الرسام وبناء على واقعية التمثيل مبدأ التقابل والتناظر لتحقيق الموازنة مع الاستعانة بالخطوط وحركة الفرشاة المموجة في إملاء الفراغ في المساحة قليلة الكتل الإنسانية، مع ملاحظة الاستعانة باللون وتكراره في كل منطقة لتعزيز التوازن وإعطاء أهمية لكل جزء. كما يلاحظ مقدرة الرسام في استخدام الخط واللون معا في استغلال المناطق المضيئة والظلال لإعطاء أحساس بملمس الهوادج والأزياء والرايات . أن الانفعال العاطفي والوجداني وضواغط العقيدة جعلت من الرسام يبدع صورة جمالية تعكس فكره وجهده في التعبير والتأثير، فالأشكال ما زالت حيوية وضربة الفرشاة ليحيلنا إلى انسيابية المسير وصفاء الجو، وجمال المنظر ينقل المتلقي إلى حب وعشق يبعده عن أحساس بجو المعركة، فغاية الرسام أن يمثل الشخصية بروحها ومنزلتها الدينية أما حضور عدتها ما هي إلا ضرورة توصيلية لأدراك معنى العمل وفكرته الأساسية فحقق الشكل جماله وقبوله. سامر قحطان القيسي الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق