كتبَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى ملوك العالم وأمرائه يدعوهم الى الاسلام ومن هذه الكتب أرسل كتاباً إلى أبي حارثة أسقف نجران، دعا فيه أهل نجران إلى الإسلام فشاور الأخير جماعة من أصحابه، فأشاروا عليه أن يَبعث وفداً يمثل أهل نجران إلى المدينة للقاء رسول الله والتفاوض معه.
فقدم وفد منهم إلى المدينة والتقى برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتداولوا الامر بينهم حتى اقترح نبينا الكريم على الوفد المباهلة بأمر اللّه بقوله الحق ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ))، وذلك بأن يخرج الطرفان إلى الصحراء ويدعُو كل من الجانبين الآخر بما لديه .. فرضوا باقتراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخرجوا إلى الصحراء في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام في العام العاشر للهجرة للنبوية المباركة، ولكنّهم أحجموا عن المباهلة لما شاهدوا ما عليه رسولُ اللّه من حالة معنوية وروحانية عظيمة ورأوا الصدق منه ومن معه، فقد اصطحب رسول الله إلى المباهلة أربعة من أفضل أحبته وأعزته وهم أهل بيته وعترته الطاهرة علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وما إن اقتربوا صلوات الله عليهم حتى ركع كبير النصارى وقال لمن معه (إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة)..فلم يجرؤ النصارى على المباهلة فطلبوا المصالحة، وتقرّر أن ينضوون تحت مظلة الإسلام وهم على دينهم شريطة أن يدفعوا الجزية .
ذهب العديد من الفنانين وعبر مراحل التاريخ الإسلامي إلى رصد وتوثيق الأحداث الهامة في حياة رسول الله وآل بيته الأطهار" صلوات الله عليهم "، وذلك بتحويلها إلى مواضيع فنية ذات بعد جمالي خاص يتوافق مع الفكر الإسلامي ومعتقداته التي أكدت على إظهار جوهر الأشكال لا ظاهرها بعيداً عن تشخيصها وتجسيمها بصور قريبة من الواقع، فألتجأ كثير منهم نحو مسمى الفن المقدس ومحاكاته لروحية الأشكال وعكس إبداع الله في خلقه بعيداً عن التشبيهات الوثنية التي كانت سائدة في عصور ما قبل الإسلام .
عمد الفنان المسلم في أغلب أعماله إلى رسم الشخوص المقدسة وهي تحمل معها رموز ابتدعها لتعكس جوهر المقدس من الأشخاص من خلال اقتباسه لصفات وخصال الشخصيات المهمة من ما ذكر في الكتب السماوية المقدسة أو الروايات المتواترة الموثوقة التي نقلت إليه عبر الأجيال ، والتكوين الفني أعلاه أحد الإبداعات الفنية التي تجسد حدثاً مهماً في تأريخ الإسلام والمسلمين المتمثل بيوم المباهلة المبارك.
اللوحة من منجزات الفنان المبدع عبد الحميد قديريان، وكما هو معروف عنه فهو قد أحب فن الرسم منذ طفولته وبدعم من أسرته درس وتطور في هذا المجال وعمل في مجالات فنية أخرى كالسينما والمسرح بصفة ماكيير ثم أبدع كمصمم للديكور والأزياء فضلاً عن مهارته في فن الاضاءة والانارة.. مما زاد من خبراته اللونية في مجال الرسم ، وقد شارك في أكثر من أربعين معرضاً للفنون التشكيلية بين شخصي ومشترك إضافة إلى كثير من الأعمال الفنية المتفاوتة بين الرسم والنحت والفنون الأخرى .
يمثل العمل علامة دالة لحدث المباهلة وسط الصحراء، مما أستدعى الرسام لاستحضار البنية اللونية التي تختص بجغرافية المكان وتمثلات شخوص اللوحة وعناصرها، فأقام حدود بين عناصر اللوحة حتى تبين للمشاهد إنها ثلاث لوحات متجاورة، وجاء ذلك بتدرج لوني متفاوت بين الغامق والفاتح بغية إبراز شخوص اللوحة المسطحة ، فضلاً عن البعد المنظوري المميز في فن المنمنمات المسمى بمنظور عين الطائر .
ولم يكتفِ عبد الحميد بتصوير الرموز الدينية المهمّة في هذه اللوحة فحسب، بل عني بتصوير المكان وتتويج أعلى رؤوس المقدسات بشعلة من النار واخفاء الوجه بهالة بيضاء إيمانا منه بقدسية وأهمية الشخوص على يمين اللوحة الممثلة بشخص الرسول الكريم وعترته الطاهرة سلام الله عليهم، كما هو حال أغلب المخطوطات والمنمنمات القديمة بمختلف أصولها عربية كانت أو تركية أو فارسية أو غيرها.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق