الإمام الصادق له مشارب شتّى وتفرّد بالإعلان عن علوم في غاية الأهمّية
النص الكامل للخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله كلّما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلّما لاح نجم وخفق، والحمد لله غير مفقود الإنعام، ولا مكافأ الإفضال.. إخوتي أبنائي آبائي أطال الله أعماركم في خير وعافية وعلّمكم ما لم تعلموا، أخواتي بناتي أمّهاتي أحاطكنّ الله تعالى بعنايته وألبسكنّ جلباب الحياء والعفّة، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم أحبّتي ونفسي الجانية بتقوى الله تبارك وتعالى، وبادروا آجالكم بأعمالكم وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحّلوا فقد جُدَّ بكم، أعاننا الله تعالى على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، ووفّقنا الله تعالى وإيّاكم لما يحبّ ويرضى إنّه سميع مجيب.. عظّم الله لكم الأجر بشهادة الإمام جعفر بن محمد الصادق(صلوات الله وسلامه عليه) ورزقنا الله تعالى وإيّاكم ما يُعيننا على شفاعتهم لنا وسهّل الله لنا زيارتهم.
لا شكّ أنّ الحديث عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) حديث عميق، والحديث عن أمير المؤمنين(سلام الله عليه) حديث عميق، والأحاديث عن الأئمّة الأطهار(سلام الله عليهم) أحاديث عميقة، وهذه الحياة الشريفة التي قضاها الأئمّة الهداة(سلام الله عليهم) هي مدعاة الى أن نقف عندها، والإمام الصادق(عليه السلام) له شأنيّة وخصوصيّة تستوجب منّا أن نقف عنده، لمعرفة كيفيّة إدارته لمجموعة من المفاهيم التي سمح الظرف أن يبيّنها(عليه السلام)، وهنا لابدّ من الإشارة الى نكتة، وهذه النكتة بحسب عقيدتنا في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) مهمّة جدّاً، ألا وهي طريقة معرفتنا بالأئمّة(عليهم السلام) والخطّ الطولي الذي ينتهي الى النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لأنّ الأئمّة(عليهم السلام) بيّنوا لنا مطلباً في غاية الأهمّية، الإمام(عليه السلام) يقول: (حديثي حديث أبي...) سأنقل الرواية بالمضمون، يعني أنا وأبي واحد، فإذا جاء الحديث من أبي لا يمكن أن أناقضه، (...وحديث أبي حديث جدّي...) وهذه الحالة غير موجودة إلّا في حالة الانتهاء الى جهة إلهيّة، بمعنى أنّنا عندما نقرأ القرآن الكريم نرى أنّ ما جاء به آدم(عليه السلام) لا يتناقض مع ما جاء به نوح(عليه السلام)، وما جاء به نوح لا يناقض ما جاء به ابراهيم(عليه السلام) وبقيّة الأنبياء(عليهم السلام)، فهم يصدرون عن واحد هو الله تبارك وتعالى الذي أرسل الرسل بمنهاج واحد، وهذه الخصوصيّات الجزئيّة قد تختلف اختلافات يسيرة، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) أصل تشريع الصيام، لكن هل الذين كتب عليهم الصيام كان الصوم مثلما هو عندنا الآن؟ أن يُمسكوا عند الفجر ويفطروا في المغرب؟ غير معلوم. لكن أصل التشريعات ترجع الى واحد، ولذلك الأنبياء(عليهم السلام) كلّهم في مقام واحد، الدين لا يتناقض، ما جاء به ابراهيم(عليه السلام) أم ما جاء به نوح أو موسى أو عيسى أو نبيّنا(صلّى الله عليه وآله) هذه الحالة –حالة التناقض- غير موجودة.
ولذلك يبيّن القرآن الكريم في قضيّة موسى وهارون عندما يرسلهم الله الى فرعون (فقولا إنّا رسول) وفي آية (إنّا رسولا)، وفي آية (إنّا رسول) باعتبارهما يمثّلان جهة واحدة، هذه الحالة يبيّنها الإمام(عليه السلام) أنّ حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي وحديث جدّي حديث أبيه الى أن يصل الى الحسين(عليه السلام) والحسن ثمّ أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين هو حديث النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وعن جبرائيل عن الله تبارك وتعالى، هذه السلسلة من الأئمّة(عليهم السلام) في غاية الأهميّة، ولذلك عندما تتعاطى مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الفقه نرى أنّ الفقه يمتدّ الى زمن الإمام المهديّ(سلام الله عليه)، والأحاديث التي تصدر عن العسكريّ(عليه السلام) نتعامل معها مثل الحديث الذي يصدر عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولذلك بعض الجزئيّات قد ينبّه لها الإمام(عليه السلام) بحسب ما يسمح به الظرف، مع الحفاظ على قضيّة أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لم يستكملوا أعمارهم الشريفة بالمقدار الطبيعيّ، وإنّما الآجال خرمت بسمٍّ أو قتل، أمير المؤمنين قُتل، الإمام الحسن سُمّ، الإمام الحسين(عليه السلام) قُتل واستُشهد، وبقيّة الأئمّة كذلك، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) حظّه من ذلك السمّ أيضاً.
الإمام الصادق له مشارب شتّى وتفرّد بالإعلان عن علوم في غاية الأهمّية، حتّى أنّ بعضها غير مختصّ بعلم الشريعة وإنّما ذهب الى علوم كثيرة جدّاً، وصارت مدرسة الإمام الصادق مدرسة خاصّة، حتّى اشتهر أنّ بعضهم جاء الى مسجد الكوفة ويقول: شاهدت في هذا المسجد أربعة آلاف كلٌّ يقول حدّثني جعفر بن محمد، وهذا العدد كبير بل نصف هذا العدد عددٌ كبير، معنى ذلك أنّ هناك حالة من بثّ هذه العلوم للإمام الصادق(عليه السلام)، وأنا سأنقل مطلبين عنه (سلام الله عليه) لبيان بعض ما جاد به علينا (صلوات الله عليه) والرواية الأولى لعلّها تُذكر للخصوصيّة، لكن أريد أن أبيّن أنّ بعض أصحاب الإمام الصادق -وهو أبو بصير- من شخصيّاتنا العلميّة المعروفة، وله مجموعة كبيرة من الروايات، أبو بصير ينقل ويقول: دخلت على حميدة، وحميدة أمّ الإمام الكاظم و زوجة الإمام الصادق، يقول دخلت على حميدة لأعزّيها بأبي عبد الله(عليه السلام) فقلت: عظم الله لك الأجر بالإمام الصادق. قال: فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمد –وهي كنية لأبي بصير أيضاً يُسمّى بأبي محمد- لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً.. التفتوا الى هذا المطلب المهمّ، الإمام الصادق بعد أن سرى السمّ بجسده الشريف علم أنّ المنيّة حانت، فلا شكّ أنّه يريد أن يوصي، ماذا يريد أن يقول الإمام الصادق؟ وهذه مهمّة أنّ الإنسان في لحظات وفاته وأمثال الأنبياء والأئمّة شيءٌ كثير مهمّ، أنْ ماذا يريد أن يوصي الإمام؟! ماذا يريد أن يبيّن؟! باعتبار أنّ هذا آخر العهد بينه وبين الدنيا، فيكون بمقتضى إمامته حريصاً على الذين سيعيشون من بعده ولو لفترة، فماذا يقول لهم؟ والوصايا عموماً هي من الأمور التي يسعى لها العقلاء لفهم ما أوصى، عادةً الوصيّة تأخذ قيمة حقيقيّة أنّه ماذا يريد؟ فكيف بالإمام الصادق(سلام الله عليه)؟! وهذه حميدة تبيّن أنّه "لرأيت عجباً" مع أنّ أبا بصير متردّد على الإمام الصادق(عليه السلام) في حياته، فتريد أن تقول يا أبا محمد أنت مع ما لك من موقع لكن لحظة الوفاة باعتبارها شأناً عائليّاً، الإمام صنع شيئاً عجباً!! و حميدة -زوجته- متعايشة معه وتعرف كرامات الإمام الصادق وتعرف طريقة الإمام الصادق، وأيضاً هي تعبّر أنّ هذا الأمر هو أمرٌ عجب -شيء ملفت للنظر- ما هو هذا الأمر العجب؟! قالت: لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة. من باب (الأقربون أولى بالمعروف)، اجمعوا كلّ أحد بيني وبينه قرابة عندي كلام معه، قالت: فما تركنا أحداً إلّا جمعناه، فنظر اليهم ثمّ قال.. هذه وصيّة الإمام أو كأنّه آخر وصيّة للإمام الصادق وركّزت عليها حميدة(رضوان الله عليها) ماذا قال؟ قال: (إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة) حقيقةً هذه الكلمة جدّاً جدّاً عظيمة، أوّلاً أثبت الإمام الشفاعة له، في هذه العبارة أثبت أنّ له شفاعة، قال: (إنّ شفاعتنا..) وفي عين الوقت أبعد عنها مجموعة من الذين يتّصفون بصفات، مَنْ هؤلاء الذين لا تنالهم هذه الشفاعة؟ قال: (مستخفّاً بالصلاة).
الإنسان الذي يستخفّ بالصلاة لا تناله الشفاعة، فمن بابٍ أولى لا تنال تارك الصلاة، من هو الذي يستخفّ بالصلاة؟ الذي يستخفّ بالصلاة تارةً يصلّي يوماً ويترك عشرة، وتارةً يصلّي ولكن لا يعتني مستخفّ بها لا يعطيها أهميّة، كما تقول إنّي أستخفّ بزيد، فزيد ليست له قيمة عندي فأنا أستخفّ به وليست له أهميّة عندي، وصيّة الإمام الصادق هذه من وصايا الأنبياء، لأنّه يقول: حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي، وبالنتيجة هذا كلام الله تبارك وتعالى بلسان الإمام الصادق، لاحظوا هو أثبت الشفاعة (إنّ شفاعتنا) لكن هذه الشفاعة مقيّدة، أنّ هذه الشفاعة لا تنال مستخفّاً بالصلاة، ماذا يكشف؟ يكشف تلك الأهميّة الكبيرة للصلاة، والنبيّ(صلّى الله عليه وآله) كان يقول: يا بلال أرِحْنا -التفتوا للتعبير-، أنّ النبيّ كان يترقّب أحبّ شيء عنده، حتّى أنّه قال: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث... من جملتها الصلاة، يقول لبلال أرحنا فالنبيّ في غير راحة لكن إذا جاء وقت الصلاة يرتاح النبيّ، لماذا؟ لأنّه سيُصلّي.
وهذه الصلاة واقعاً هي التي تقوّي الرابطة بين العبد وعلاقته مع الله تبارك وتعالى، الصلاة شيء عجيب إخواني، طبعاً الناس تتفاوت في أداء الصلاة، لاحظوا نحن عندنا الصلاة عبارة عن تعريف للصلاة، ما هي الصلاة؟ نقول الصلاة هي أوّلها التكبير وآخرها التسليم، وتبدأ بالأفعال أوّلاً ثانياً ثالثاً الى آخره، هذا تعريف الصلاة، وعندنا من يتصدّى لأداء الصلاة وهو المصلّي فالصلاة منهجها واحد، الصلاة التي يصلّيها النبيّ ويصلّيها الإمام ويصلّيها العلماء ويصلّيها عامّة الناس هي نفس الصلاة، لا تختلف الصلاة كتعريف كجهة نظريّة، نقرأ في المسائل العمليّة للعلماء -أمدّ الله في أعمار الحاضرين ورحم الله الماضين- هذا تعريف الصلاة، لكن المسألة ليست في التعريف فقط وإنّما في الأداء، تجد إنساناً عندما يصلّي كأنّ العالَمَ خلفه فيستعجل في الصلاة، وكأنّ هناك شيئاً أهمّ من الصلاة، المؤذّن لم يكمل الأذان بعد وهو قد أكمل صلاته وفرغ منها وكأنّها عبءٌ عليه يريد أن يتخلّص منه، وهناك من يتأمّل وهناك من يقف وهناك من يحبّ الاختلاء بالله تبارك وتعالى في الصلاة، فرقٌ هائل ما بين الاثنين، الشاهد أنّ الإمام(عليه السلام) أوصى في خاتمة حياته الشريفة بهذه الوصيّة، ولم يوصِ أحداً معيّناً بل قال اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة، عندي مطلب مهمّ أريد أن أبيّنه لهؤلاء، أنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً في الصلاة، أهمّ شيء هو هذه الشعيرة وهذا الفرض، والقرآن الكريم يصدح (وأقيموا الصلاة) وهي هذه الصلاة، إذن الإمام الصادق(صلوات الله عليه) نطق بهذا المطلب وقدّمنا هذه المقدّمة أنّ حديثه هو حديث النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وعناية الله بالصلاة قرآناً أو على لسان الإمام(صلوات الله عليه).
إذن لو كنّا حاضرين أمام الإمام(سلام الله عليه) وسمعنا هذا الكلام أو الآن نحن نُقل لنا هذا الكلام لابُدّ أن نعتني بهذه الصلاة، ونستجير بالله أن لا نكون من المستخفّين بها لعلّنا ننال تلك الشفاعة التي سنكون ما أحوجنا لها يوم القيامة، نحن ذكرنا في بعض الخطب واقعاً يوم القيامة يوم مهول، نحن قد ننسى أو نغفل لكن الإنسان عندما يدقّق بتلك الأهوال حقيقةً تنحبس الكلمات عنده، ماذا يقول؟!! يومٌ عظيم يومٌ فعلاً تشيب فيه الولدان!! الإنسان لا يعلم مصيره عندما تُعرض الأعمال، المشكلة لا توجد حالة من حالات (ارجعوني لعلّي أعمل)، هذه الغفلة التي نحن فيها –والعياذ بالله- نتيجة سوء أعمالنا، الدنيا ممرّ وكلّنا نمرّ بحالة الغفلة والعياذ بالله، والمشكلة أنّنا عندما نغفل نقبل بغفلتنا، نفس العمل الذي يجعلني أغفل أعيده ثانيةً وثالثةً وكأنّني وطّنت نفسي على أن أكون من الغافلين والعياذ بالله.
والله نحن قد نكون بعيدين عن الله تعالى مع قربه جلّ شأنه منّا وهو أقرب الينا من حبل الوريد، لكنّنا نخوض غمار هذه الدنيا يميناً ويساراً ونكذب ونفتري ونسرق ونغتاب ونفعل الأفاعيل، وهذا كلام لا يُرضي الله تبارك وتعالى، وهذه الشعيرة التي ندب اليها الإمام الصادق(عليه السلام) لأهميّتها، لأنّ الإنسان الذي يحسن الصلاة لا يكذب ولا يفتري ولا يسرق، هذه الصلاة نعم الحصانة للمؤمن حتى ورد أنّها (قربان كلّ تقيّ) يتقرّب بها كلّ تقيّ، وفي رواية أخرى (أنّ الصلاة خيرٌ موضوعٌ من شاء استقلّ ومن شاء استكثر)، والإمام الحسين(عليه السلام) لا ننسى رغم ما مرّ به سيّد الشهداء(عليه السلام) من كلّ المصائب التي رآها سواء كانت في زمن أمير المؤمنين أو زمن أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) أو في زمنه، رغم كلّ المصائب التي مرّ فيها اقرأ دعاء عرفة سترى هذه العلقة مع الله تعالى، ويوم عاشوراء ذلك اليوم الذي لم يعطه الأعداء حتّى فرصة لأن يصلّي، كان حريصاً على أداء الصلاة، ودعا لهذا الرجل الذي عندما نظر وقال يا أبا عبد الله حان وقت الصلاة. لاحظوا تربية هذا الشخص الذي تربّى عند الإمام الحسين، ويعلم أنّ الإمام الحسين أهمّ شيء عنده هو الصلاة، حفيده الإمام الصادق يوصي والإمام الحسين هو الذي نقل هذا العلم الى الإمام السجّاد الى الإمام الباقر الى الإمام الصادق عمليّاً، الإمام الحسين(عليه السلام) يأنس بالصلاة، وفعلاً دعا لهذا الرجل بهذا الدعاء لم يقل: جعلك الله من الشهداء وهو فعلاً استشهد، بل قال: جعلك الله من المصلّين!! الإمام الصادق يريد أن يبيّن هذه الخصيصة لهذا الفعل.
وفي رواية أخرى للإمام الصادق.. نقلنا في بعض أيّام محرّم الحرام عن معاوية بن عمار وهو من الأشخاص الذين كانوا يتردّدون على الإمام الصادق(عليه السلام)، أيضاً طرق الباب يستأذن على الإمام الصادق خرجت له جارية قالت: ادخل، فدخل. يقول رأيت الإمام الصادق ساجداً، يقول فسمعته في دعائه كان كلّ دعائه لزوّار الحسين(عليه السلام)، هذا الدعاء كان الإمام ساجداً ويدعو به لزوّار الإمام الحسين(عليه السلام). أشخصوا أبدانهم وتحمّلوا وشمت بهم الأعداء اللهمّ عوّضهم اللهمّ سلّمهم
اللهمّ ارحمهم.. دعاؤه لزوّار الإمام الحسين هذا الأمر ليس عاديّاً إخواني، أن يأتي معاوية والإمام ساجد كان يمكن أن لا يعطيه إذناً بالدخول ولكن أَذن له حتّى يعرف معاوية قيمة زائر الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذه الأشياء مهمّة عندما ينقل لنا الرواة مفاصل من حياتهم الشريفة مع أنّه لم يُنقلْ لنا قطعاً جميعُ ما مرّ به الإمام الصادق، قطعاً الإمام الصادق هناك علاقة بينه وبين الله تعالى لم نطّلع عليها، لا يوجد عندنا راوٍ ولا الإمام بيّن ولا العائلة بيّنته، هناك حياة خاصّة لكن الذي نقل لنا شيءٌ مهول من كيفيّة التعامل مع الله تبارك وتعالى، وهناك بعض الأشياء على نحو الاستمراريّة بمعنى أنّ هذه الحالة ليست مرّة في العمر، بعضكم -الله يوفّق الجميع- قد يتوفّق مثلاً في ليلة القدر أن ينفرد مع الله تعالى ويبكي، لكن هذه الحالة قد لا تأتيه بعد ليلة القدر، وقد لا يتوفّق لها في ليلة القدر القادمة، فتمرّ عليه في السنة مرّة أو مرّتين، لكن حياة الأئمّة تمرّ عليهم كلّ يوم، الإمام الكاظم وهو ابن الإمام الصادق، السجن إخواني مهما يكن هو سجن، والسجن خلاف الوضع الطبيعي فيه التكبيل والتقييد والألم، لكن الإمام الكاظم يحمد الله تعالى كثيراً وهو في السجن، وشاء الله أن تخرج هذه الكلمات وينقلها البعض، يحمد الله تعالى في السجن، لماذا؟ لأنّ الله سهّل له وفرّغ له وقتاً حتى يعبد، إذن ما أعظم هذه الخصلة!! ما أعظم هذه الشعيرة!! ما أعظم هذا الفرض!! فالإمام الصادق عندما يهتمّ واقعاً لأهميّة هذا المطلب الموجود.
شيء آخر على نحو العجالة أيضاً عن الإمام الصادق(صلوات الله وسلامه عليه).. لاحظوا الإمام الصادق(عليه السلام) يبلغ أحد أصحابه بهذه الوصيّة، طبعاً توجد وصيّة للإمام الصادق طويلة جدّاً وكان المؤمنون -في ما سلف- يعلّقونها في بيوتهم ويقرؤونها كلّ يوم ويعملون بها، وصيّة في غاية الأهميّة أخلاقيّة وتربويّة ودينيّة وعقائديّة، وبعض الأشياء كان الإمام يوصي بها أصحابه، من جملة ما يوصي قال: (أبلغ موالينا السلام وأوصهم...) لاحظوا الوصيّة تدلّ على شيء مهمّ، قال: (وأوصهم بتقوى الله..) هذا واحد (..والعمل الصالح...) هذا اثنان، هذه الوصية ممّن؟ من فحوى القرآن الكريم (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال: (..وأن يعود صحيحُهم مريضَهم..) لاحظوا هذه القيمة الاجتماعيّة، في الحقيقة هي جدّاً مهمّة، -الله يجير الجميع- الإنسان إذا كان مريضاً يأنس بمن يتفقّده، فلان -جزاه الله خيراً- عادني، وفي روايتنا -لاحظوا هذه قضيّة فقهيّة- مستحبٌّ للإنسان إذا زار مريضاً أن لا يطيل عنده إلّا أن يطلب المريض منه ذلك، يقول له: ابقَ. وهذا من الأعمال المستحبّة لكن ما هو الأثر الاجتماعي الذي تتركه؟!! وهذا مهمّ إخواني الإنسان في بعض الحالات لا يكترث، لكن من جملة رحمة الله تبارك وتعالى بنا أن يقلّب أحوالنا في بعض الحالات، كيف؟ الإنسان الصحيح يمرض، وهذا المرض من رحمة الله تعالى عليّ حتى أستشعر حالة المرضى، فإذا كنت مريضاً أأنس بمن يتفقّدني، ألم يأتني أحد؟ ألم يتّصل بي أحد؟ لماذا أُترك وحدي؟ هذه تزيد آلام المريض، ولكن عندما يرى أنّ إخوته بجنبه يُحيطون به أحدهم يسأل أحدهم يتفقّد هذه تخفّف الأعباء الجسديّة والنفسيّة عنه كثيراً، فإذا كنت صحيحاً وأخوك مريض فأنت اسعَ أن تتفقّده، الإمام يوصي قال: (..وأن يعود صحيحُهم مريضَهم، وليعدْ غنيّهم على فقيرهم..) هذا الغنيّ الذي متّعه الله تعالى بهذا المال، تفقّد الآخرين بمقدار ما تستطيع، لا تجعل هذا الأمر لك فقط فستُسأل يوم القيامة، ولعلّ هذا المال الذي أنت استحقرته عندك وكان قليلاً، وقع في موقعه عند فقير ودعا لك دعوةً -الله العالم- بهذه الدعوة ربّما خفّف عنك وأنقذك، إخواني نحن نستطيع أن نشتري الجنّة، والجنّة حُفّت بالمكاره، تحتاج الى انتصار على النفس، والإنسان إذا عوّد نفسه اعتادت، فالنفس طيّعة والإنسان من الممكن أن يقودها الى برّ الأمان، بجاه أو بمال أو بسمعة اشترِ بها الآخرة، وكلٌّ منّا مشروعٌ الى الآخرة والى الجنّة، أنا وأنت بيننا علاقة، أحفظ غيبتك أكرمك أحاول أن ادعو لك، وهذا إنّما هو لي (إنّما أعمالكم تردّ اليكم) لا نتعوّد على حالة الفرديّة المقيتة، اعملوا أعمال البرّ وافشوا هذا البرّ في ما بينكم، الله تبارك وتعالى يأنس ويفرح، الله تبارك وتعالى يحبّ أن تكون هذه المجاميع المؤمنة مجاميع أحدها يفقد الآخر، والإمام -كما ذكرنا- يقول: حديثي حديث أبي وحديث جدّي الى جبرائيل عن الله تبارك وتعالى، فهذه الوصايا وصايا الله تبارك وتعالى بألسنة الأئمّة(عليهم السلام).
ثمّ قال: (..وأن يشهدوا جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، وأن يتفاوضوا علم الدين، فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا) هذا كلام الإمام الصادق(عليه السلام)، في روايةٍ أخرى (تقرّبوا الى الله تعالى بمواساة إخوانكم)، حقيقةً الإمام الصادق مدرسة واسعة جدّاً الى الآن نحن نغرف منها، أكثر من أربعة عشر قرناً ولم نصل الى جزءٍ يسير منها، أبداً لم نصل فهو بحر، وهذا تشبيهٌ مجازي طبعاً فالإمام لا يشبّه بالبحر بل البحر يشبّه به، لكن تقريب القضيّة هو بحرٌ متلاطم الأمواج وبعيدٌ ساحله وعميقٌ قعره، ولكن ما وصل الينا منه (صلوات الله وسلامه عليه) هو الشيء الذي يُمكن أن نعمل به.
أخذ الله تعالى بأيدينا وأيديكم، وجعلنا الله من المصلّين، وأبعد الله عنّا وعنكم كلّ سوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين. الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق