الخطبة الدينية لسماحة السيد أحمد الصافي بتاريخ 29 شعبان 1438 هـ الموافق 26 /05 /2017 م

يحتاج الإنسان الى إرادة قويّة وتوجّه حقيقيّ الى الله تعالى لكي يكبح جماح غرائزه

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله الذي حبانا بدينه واختصّنا بملّته وسبّلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنّه الى رضوانه، حمداً يتقبّله منّا ويرضى به عنّا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره -شهر رمضان- شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام، الذي أنزل الله تعالى فيه كتابه الكريم هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان.. إخوتي أبنائي آبائي أهل شهر رمضان وأهل التدبّر في القرآن وأهل ضيافة الرحمن، أخواتي بناتي أمّهاتي بنات وربيبات العفّة والتقوى المستعدّة للنيل من بركات هذا الشهر الشريف، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.. أوصيكم جميعاً أحبّتي ونفسي الآثمة بتقوى الله تبارك وتعالى والاستعداد لهذا الشهر الشريف شهر الخير والبركة والرحمة، أهلّه الله تعالى علينا وعليكم برحماتٍ لا تنقطع وجعلنا في هذا الشهر ممّن تشمله عناية الله سبحانه وتعالى، وأن يجعل أيّامنا فيه خير أيّام ولياليه خير ليالي وأنفاسنا تسبيحاً وتحميداً له جلّ شأنه..

لعلّ من جملة ما ندب اليه الشارع المقدّس تهذيباً للنفوس وإعادة هذا العبد الى الله تبارك وتعالى هو هذا الشهر المبارك شهر رمضان، وقد اهتمّ به القرآن الكريم وبيّن أنّ هذا الشهر هو الشهر الذي كان ظرفاً لنزول القرآن الكريم، ونزلت سورةٌ مباركة كاملة هي سورة القدر مبيّنةً أنّ فيه ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، إعظاماً لهذا الشهر الشريف واهتماماً به وتنبيهاً لنا للاستفادة منه قدر المستطاع، وكان الإمام السجّاد(صلوات الله وسلامه عليه) أيضاً حاضراً في توجيهنا كما هي عادته وعادة أجداده وأبنائه في أن يرأفوا بهذه الأمّة المرحومة، ويبيّنوا لهم ما ينفعهم غداً يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم.

ولذلك تناول الإمام السجّاد(عليه السلام) هذا الشهر الشريف بدءً وختاماً مرحّباً بهذا الشهر المبارك، ومبيّناً جزيل فضل وأهمّية هذا الشهر، وأيضاً في نهاية الشهر له حضورٌ آخر وهو وداع شهر رمضان، ويبيّن الإمام(عليه السلام) أنّ هذا الشهر كان نعم الأنيس ونعم الصاحب، وكانت فيه إفضالات كثيرة علينا ولابُدّ أن تُستثمر، الإخوة الأعزّاء ما ذكره الإمام زين العابدين(عليه السلام) في الصحيفة المباركة وهو الدعاء إذا دخل شهر رمضان، لا بأس أيّها الإخوة الأعزّاء ما دمنا في بداية الشهر الشريف أن يستعدّ الإنسان للدخول له ونعتبر أنّ هذا الشهر المبارك هو ضيفٌ عزيزٌ، سيحلّ علينا وسيكون بيننا لمدّة شهرٍ ثمّ ينصرف عنّا إن أبقانا الله تعالى لتمام هذا الشهر، وبالنتيجة لا يكون هو المستعدّ وإنّما لابُدّ أن نكون نحن الذين نستعدّ لاستقبال هذا الضيف الكريم والمبارك، وهو في كلّ عامٍ يحلّ علينا ثمّ يذهب على أن يجدّد معنا عهداً ليعود الينا في العام القابل، وهكذا نبقى ما دمنا في الدنيا نستقبل في كلّ سنةٍ هذا الشهر المبارك، الإمام زين العابدين(عليه السلام) بعد أن يبيّن فضل وأهميّة هذا الشهر يذكر مقاطع مهمّة، قطعاً لا نستطيع أن نستوعب تمام ما في هذا الدعاء لكن بما أنّنا لا زلنا في البدء سنقف عند بعض الفقرات المهمّة، من جملة ما قال(سلام الله عليه)، يقول: (اللهمّ صلّ على محمد وآله وألهمنا معرفة فضله وإجلال حرمته والتحفّظ بما حضرت فيه، وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا الى لغو ولا نسرع بأبصارنا الى لهو...) الى آخر الفقرات التي بيّنها.

لاحظوا إخواني طريقة الإمام(عليه السلام) بالتعامل مع هذا الشهر المبارك، طبعاً من قبله النبيّ(صلّى الله عليه وآله) الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين أيضاً في بداية شهر رمضان المبارك له الخطبة المشهورة التي تعوّدنا في بعض السنين أن نقرأها وهي أيضاً موجودة في كتب الأدعية ولعلّ كتاب مفاتيح الجنان الذي لا يخلو منه بيت يتضمّن هذه الخطبة الجليلة للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، إذن نحن أمام أيّام تختلف عن سائر الأيّام، وليالٍ تختلف عن سائر الليالي، الإمام(عليه السلام) يقول: (وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك)، طبعاً لا يخفى على حضراتكم أنّ بعض الأعمال في شهر رمضان تكون حراماً وتكون خارج شهر رمضان حلالاً كالأكل والشرب هما حلال -يعني الأكل الحلال والشرب الحلال-، هذا في نهار شهر رمضان يكون حراماً وفي غير شهر رمضان هو مباح، وهناك بعض الأعمال تكون في شهر رمضان حراماً وفي غير شهر رمضان حراماً، وبعض الأعمال تكون في غير شهر رمضان حراماً وفي شهر رمضان أيضاً حراماً لكنّها غير مفسدة للصوم مع أنّها حرام، وهذا التقسيم هو بالنتيجة تقسيمٌ يذكره الفقهاء، من جملة الأشياء التي تكون في شهر رمضان محرّمة وخارج شهر رمضان محرّمة هي المعاصي، فلا توجد معصية خارج شهر رمضان هي معصية وداخل شهر رمضان هي غير معصية، و قد تكون بعض الافعال في شهر رمضان معصية ولكن في خارج رمضان لا تكون معصية كما مثّلنا في الأكل والشرب، أمّا أن تكون خارج شهر رمضان هي معصية وداخل شهر رمضان هي غير معصية فلعلّ هذه المفردة غير موجودة.

الإمام(عليه السلام) يريد أن ينبّهنا الى قضيّة، يقول: (وأعنّا على صيامه...) بماذا؟ قال: (...بكفّ الجوارح عن معاصيك)، نلتفت لهذا التعبير منه، طبعاً الصيام إخواني هو صيامٌ له وضعٌ ظاهريّ أنّ الإنسان يمتنع عمّا حرّمه الله تعالى، وله وضعٌ باطنيّ خاصّ فيه استعداد وفيه تربية، الإمام(عليه السلام) يقول: (أعنّا على صيامه) أي أنّ الله تعالى جعل هذا الشهر شهره فأراد منّا أن نصومه، الإمام(عليه السلام) يقول: يا إلهي هذا شهرٌ فيه طاعة وأنت تُعيننا على هذه الطاعة، وكما قلنا سابقاً أنّ الطاعة نحوٌ من التوفيق (اللهمّ ارزقنا توفيق الطاعة)، الإمام(عليه السلام) يقول: (أعنّا على صيامه) ما هو مورد الإعانة؟ قال: (بكفّ الجوارح عن معاصيك)، -التفتوا- سواءً كانت معصية في داخل شهر رمضان، الجارحة تشتهي الأكل –مثلاً- والأكل في شهر رمضان حرام، والجارحة تمتدّ الى الحرام، وقد تكون معصية لكنّها غير مخلّة بالصّوم لكنّها معصية، الإنسان ينظر الى ما لا يحلّ النظر اليه هذه معصية، الإنسان يمدّ يده الى ما يحرم عليه هذه معصية قد لا يكون لها دخل في إفساد الصوم لكنّها تكون محرّمة، الإمام(عليه السلام) يدعو الله تعالى أن يعينه بكفّ هذه الجوارح (العين، الأذن، اليد، الرجل...) كلّ هذه الجوارح أن يكفّها ويمنعها من أن ترتكب المعصية، حتى تكون هذه النفس نفساً صائمة عن المفطر وعن المعصية، صائمة عن المفطر وعن الإثم وإن لم يكن مفطراً.

هذه التربية التي لابُدّ أن نستفيدها من الصوم لأنّها تنمّي فينا هذه الملكة -ملكة الابتعاد عن المعصية-، ولذلك يقول الإمام: اللهم أعنّا، ونحن دائماً في كلّ صلواتنا نقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فلابُدّ أن نستعين بالله تبارك وتعالى، لا يُمكن أن ننقل قدماً وقدماً بلا إعانة الله تبارك وتعالى، لذلك هذا الشعور من المؤمن تجاه الله تبارك وتعالى في خصوص شهر رمضان لابُدّ أن تكون له شأنيّة خاصّة، فالإنسان لا يتعوّد أن تكون أيّام شهر رمضان كأيّام غيره من الشهور، معنى ذلك قلّة الاحترام لهذا الشهر الشريف، نعم بقيّة الأيّام غير مرخّص للإنسان أن يعصي لكن في خصوص شهر رمضان هناك شيء إضافيّ، أنّ هذا الشهر فيه حرمة لله تبارك وتعالى، يُنسب هذا الشهر أنّه شهرٌ الله تبارك وتعالى وهذا الشهر فيه هذه الفضيلة كما قلنا فضيلة إنزال القرآن الكريم وفيه فضيلة ليلة القدر وفيه ما فيه، ولابُدّ للإنسان أن يُعان وخير معينٍ هو الله تبارك وتعالى، يعينه في أن يكسر هذه الشهوة عن كلّ محرّم -لا قدّر الله- تسوّل له نفسه أن يرتكب ذلك، ولذلك قال: (وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك) أيّ معصيةٍ سواءً كانت معصية مفطرة أو لم تكن مفطرة، أن الإنسان يتفكّه بأعراض الناس، في المسألة الفقهيّة قد تكون ليست من المفطرات لكن هذه من الكبائر، أن الإنسان في شهر رمضان إذا صام لا يُمكن أن يصوم عن الأكل والشرب فقط وإنّما هذا شيء سهل، الجهاد النفسي يكمن في اجتناب هذه المحرّمات، ولذلك عندما يصل لحالة الإفطار لا يشعر بالازدواجيّة، لا يشعر بالتناقض ما بين كونه صائماً وبين أن يكون قد تعدّى على حرمات الناس، طبعاً بعض الناس يتحدّى الآخرين في شهر رمضان ويُعلن الإفطار علناً، هذا له عقوبة مضاعفة لأنّ هذا لم يحترم الجوّ العامّ الذي يريده الله تبارك وتعالى وإن كان معذوراً، إخواني هناك أدبيّات الشارع المقدّس اهتمّ كثيراً بالحفاظ على هذه الأدبيّات، الآن لو افترضنا أنّ إنساناً وقراً لا يُمكن له أن يمشي أمام الناس بثوبٍ لا يليق به، الشارع احترم هذا الرجل قال له: لا يجوز أن تهتك نفسك، خصوصاً إذا كان هذا اللباس لباس شهرة –كما نعبّر عنه-، الشارع لا يرضى بذلك، أيضاً الشارع عنده هذا الشهر شهرٌ عظيم لا يرضى أن ننتهك هذا الشهر بأن نتصرّف فيه بتصرّفات لا تُناسب هذا الشهر، ولذلك الكثير من الفقهاء يفتون أنّ الإنسان المضطرّ للإفطار يأخذ بمقدار الضرورة، ويُكره له التملّي لأنّه لابُدّ أن يحترم هذا الشهر، هذه الضوابط الأدبيّة مع الله تعالى يكون الإنسان محطّ عناية الله تعالى، الإنسان يقول: إلهي وإن كنت مفطراً لكنّي أحترم هذا الشهر الشريف، لا أن يتجاهر ويتحدّى وهو أدنى من أن يتحدّى، سرعان ما تمضي الأيّام والليالي والسنون والإنسان يقف على حافّة القبر وتُقدّم له تلك الأعمال التي يتمنّى أن لا تكون قد صدرت منه، الإمام(عليه السلام) يطلب الإعانة من الله تعالى (وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك) أي الابتعاد عن هذه المعاصي، حتّى ندخل في حالة دورة تدريبيّة أخلاقيّة رياضيّة للنفس، تؤهّل الإنسان أن يخرج منها بنتيجة طيّبة.

ثم يقول الإمام(عليه السلام): (واستعمالها فيه..) أي هذه الجوارح في رمضان (..بما يرضيك)، وهذه الجوارح -كما قلنا- لعلّه في بعض الأدعية السابقة أنّ الله تعالى خلق لنا هذه الجوارح حتّى نستعين بها على أمورنا، وكثير من الأمور سواءً كانت الأمور الضرورية لنا يعني معيشة أنفسنا أو أن ندافع فيها عمّا يحدق بنا من خطر أو أن نساعد فيها الآخرين، ولعلّ في هذا الشهر الشريف –إخواني- من المناسب جدّاً أن يرتّب الإنسان وضعه في نقطة، أنْ ما هي أسوء صفة ذميمة عند الإنسان، الإنسان يعرف أنّ بعض الصفات عنده صفة ذميمة لكنّه لا يتجرّأ أن يغيّرها، كلّ إنسان لو خلا وطبعه سيصل الى هذه النتيجة، يرى نفسه أنّه -مثلاً- محبٌّ للأكل بشراهة أو إنسان يحبّ المال حبّاً كثيراً أو الإنسان يحبّ أن يتصيّد عورات الناس، كلّ إنسان يعلم أنّ هناك صفة عنده وهذه الصفة ذميمة، نسأل الله أن يجنب الجميع الصفات الذميمة، ممكن أن يتعاهد في هذا الشهر الشريف أنّه يرتّب وضعه ويُبرمج أوقاته لأن يتخلّص من هذه الصفة سيستطيع، ولعلّ –إخواني- أكثر الغرائز ضغطاً على الإنسان هي قضيّة الأكل والشرب، هذه الغريزة تضغط على الإنسان ضغطاً كبيراً، في شهر رمضان الإنسان يستطيع أن يمنع نفسه لوقتٍ معيّن وهذه ستكون حجّة عليه في بقيّة الغرائز، إذن هو يستطيع أيضاً أن يكبح جُماح تلك الغرائز مجرّد أنّه يحتاج الى إرادة قويّة وتوجّه حقيقيّ الى الله تعالى، وهو نوع من الإعانة، الله تعالى كما يُعين على الطاعات يُعين الإنسان أن يتخلّص من المعاصي، وهذا الدعاء (أعنّا على صيامه) لاحظوا الجانب السلبيّ (بكفّ الجوارح عن المعاصي)، وأعنّا أيضاً على استعمال هذه الجوارح في شهر رمضان بما يُرضيك.

وخطابنا الآن إخواني هي دعوة الى كلّ الأعزّاء ممّن وسّع الله تبارك وتعالى عليه في جاهه في رزقه، أنّه في هذه الشهر الشريف فليشترِ الجنّة من طرق عديدة، ولعلّ أفضل هذه الطرق في هذا الشهر أن يتفقّد العوائل الفقيرة المتعفّفة، وهو يستطيع أن يُخرِج من فضل ماله ما يخفّف عن تلك العوائل هذا التعب الذي يحصل من شهر رمضان، وأنتم تعرفون هناك عوائل -أسأل الله تعالى أن يحفظها- حريصة جدّاً على تعليم أبنائها الأمور الشرعيّة منذ الصغر، ولذا تجد طفلاً قد لا يصل الى العشر سنوات الأهل يعوّدونه على الصوم، وبنت عمرها سبع سنوات الآباء يعوّدونها على الصوم، وقد يُكمل هؤلاء تمام النهار وهم عوائل قطعاً تحتاج الى من يُعينها على هذا الاستمرار، أنت بحمد الله تعالى ممّن فضّل الله تعالى عليك وجعل يدك يد خير، ارنُ ببصرك الى هؤلاء العوائل وحاول أن تشركها أن تعينها على الصيام بتوفير ما تحتاج اليه في تمام هذا الشهر، ومن الجميل أنّ الإنسان يفكّر بالآخرين، أنّ الإنسان يشعر بالآخرين، أن اجعل الآخرين في محطّ مشروعك الى الله تعالى، نحن عرضنا بخدمتكم في أكثر من مطلب كلٌّ منّا مشروعٌ لصاحبه في الآخرة، إن حفظتُ غيبتك حصلتُ على ثواب، إن تجاوزتُ عليك أثمتُ، إن حافظتُ على مالك كنتُ أميناً، إن امتدّت يدي الى مالك كنتُ سارقاً، كلٌّ منّا مشروعٌ لصاحبه الى الآخرة، وهذه المشاريع الأخرويّة كلّنا نحتاج اليها وكلّنا نفتّش عنها.

إخواني التفتوا يأتي ذلك اليوم الذي لابُدّ أن نمرّ به، كلٌّ منّا يفتّش ويسأل هل لي من عملٍ صالح؟! هل لي من مثوبة؟! لعلّي فعلتُ كذا!! من هول ما نرى يوم يفرّ المرء من الذين يكونون في أوج علاقتهم الآن مع المرء، أمّه أبوه أخوه صاحبته زوجته، الإنسان يتنصّل عن هؤلاء لأنّه سيرى أهوالاً لا يُمكن أن تُتصوّر، وإنّما تأتينا الأخبار والآيات على أنّ هذه النار كأنّها تميّز من الغيظ بتعبير القرآن، وهذه النار لا تشبع دائماً هي في نداء: هل من مزيد؟!! من منّا يستطيع أن يرى فضلاً عن أن يكون فيها -والعياذ بالله-، الخطاب للجميع نحن ما زلنا في الدنيا نشتري سلامتنا في هذا الشهر الشريف، ولا تعتقدوا إخواني أنّ النبيّ والأئمّة كانوا يأمرون بشيء إذا لم يكونوا سبّاقين لفعله، ولم ينهوا عن شيء إذا لم يكونوا سبّاقين للانتهاء عنه، الإمام زين العابدين يشتري الجنّة ويُطعم العبيد، والإمام زين العابدين(عليه السلام) صاحب مأساة، قطعاً احدودب ظهره من مأساة الطفّ، فالذي رآه يوم العاشر ليس أمراً سهلاً ولا يقوى عليه أحد، مع ذلك كان لا ينسى –وحاشاه- هذه العلاقة بينه وبين الله تعالى، من خلال ماذا؟ من خلال الاهتمام بالناس وهو يُمكن أن يشتري الجنّة بغير ذلك، وهؤلاء العبيد يطعمهم بنفسه الشريفة ثمّ يعتقهم في شهر رمضان وأواخر شهر رمضان، يعلّل ذلك، لماذا؟ قال: لعلّ الله تعالى يعتقني أيضاً من النار، تربية حقيقيّة إخواني، لو كان الإمام زين العابدين الآن فينا لفعل نفس الفعل، هذه التربية لا تتغيّر الآن يُمكن أن ندخل الجنّة من أوسع أبوابها، كم الآن من الشهداء السعداء الأتقياء خلّفوا عوائل هم بأمسّ الحاجة ولا يتكلّمون ولا يمدّون أياديهم، أنت بادر الفقير العفيف قبل أن يطرق بابك، أنت اطرق الأبواب كما كان يصنع زين العابدين وكما كان يصنع الأئمّة(عليهم السلام) وكما يصنع أمير المؤمنين(عليه السلام)، صاحب هذا الشهر الذي أريق فيه دمه الطاهر.

الإنسان وإن تأخّر إفطاره فأنت تعرف هناك لذّة، أنا أُطيل بهذا الكلام لأهميّته في هذا الوضع، هناك لذّة لا يشعر بها أحد إلّا من يمارسها، تعلم هناك لذّة عندما يصل وقت الإفطار وبعض العوائل لا يملكون شيئاً وفجأةً الله يهيّئُك على باب هذا الفقير وتقدّم لهم طعام الإفطار، وتأتيك دعوة بل تصعد الى الله تعالى دعوة من فم هذا الطفل أو هذه المرأة أو هذا الشخص وهذه الحرمات، دعوة الى الله تبارك وتعالى أن يوفّقك الله تعالى، وأن يوسّع عليك الله تعالى، وأن يبارك بك الله تعالى، لعلّ الكثير من أعمالك مشوبة بالرياء فدعاؤك لا يُستجاب، الله تعالى جعل إجابة الدعاء في نفس هذه المرأة أو نفس هذا الطفل أو الشيخ، الكلام للجميع ولا أحد يُستثنى من ذلك، نشتري الآخرة فهذا الشهر لا زلنا في أوائله وإن شاء الله تعالى يحلّه ويهلّه علينا بالبركات والخيرات وعلى جميع المسلمين أينما كانوا.

هذا الشهر إخواني فيه بركة، وعلى الإنسان أن يعرّض نفسه الى البركة والله تعالى غير بخيل، الله إذا أعطى أعطى ولا يقف في عطائه أحد، إنّما نحتاج نفوساً تتقدّم قبل أن تفكّر أصلاً في هذا الأمر نفوساً متعوّدة على فعل الخير، فيا إخواني الأعزّاء في هذا الشهر المبارك هناك بعض المجاهدين، وأنا أحبّ قبل أن أفرغ من الخطبة الأولى أن أبيّن حقيقة، هناك تاريخٌ مهمّ لهذا البلد وهذا التاريخ لا يجب أن يرسمه هؤلاء الأبطال الموجودون الآن في ساحات القتال وحدهم، بل لابُدّ أن تكون لهم مساند وتكون لهم دعامات، ونعم الدعامات الى الآن التي كانت من الإخوة الأعزّاء الذين يسّر الله تعالى أمورهم المعيشيّة، وكانوا نعم العون في هذا الشهر الشريف فليزدَدْ هذا العون، عندما يقف على الساتر ويُقاتل ويحفظ البلاد ويتّصل بأهله سيطمئنّ، هذا الشخص عندما يسمع من أهله كلاماً أن "الحمد لله إنّ أمورنا وإفطارنا وإعانتنا على الصوم بحمد الله يأتينا الرزقُ من حيث لا ندري"، أتعرفون هذه الكلمة ماذا تُعطي لذلك المجاهد من عزم؟!! سوف لا يشغله شاغل سيركّز اهتمامه على ما فيه من الواجب، سيركّز اهتمامه على أن يكون هذا الشهر من أسعد الأشهر عنده، مَنْ منّا يشتري الآخرة بتفقّد العوائل المتعفّفة الفقيرة؟!! أنا اعتقد أنّنا كلّنا نحتاج الى هذه ولا أحد منّا يستكثر من الخير، كما قلت يوم القيامة نفتّش لأنّنا لا نعلم أيّ الأعمال مرضيّ عند الله تعالى وأيّ الأعمال كانت فيه شائبة، سنفتّش عن الأمور التي كانت عندنا فتأخذنا الحسرة ونقول: يا ليتنا استكثرنا من إطعام الناس!! يا ليتنا تفقّدنا الأيتام الذين كانوا بين ظهرانينا!! لكنّي كنت أسوّف اليوم وغداً الى أن أحصل على وفرة مالٍ أكثر، وهذا التسويف ألهاني فأدركني الموت ولم أنتفع من مالي ومن أفكاري شيئاً، بل العكس لعلّ بعض الناس عندي كانوا يُعيقون هذا العمل، وشرّ الإخوان من زيّن معصية الله، أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: (شرّ الإخوان من زيّن معصية، ومن أعانك على عدم البرّ، ومن وقف دون البرّ).

هذا شهرٌ مبارك أسأل الله تعالى أن يعين الإخوة بأنفسهم بأموالهم بعوائلهم، إذا امتدّ وقت الإفطار ورأيت طعاماً جيّداً وهو حلالٌ عليك تذكّر أنّ هناك من لا طمع له بما عندك بل بنصف ما عندك، فقط تذكّر هذا الشعور وأعتقد أنّه شعور جيّد ولو ليومٍ واحد وهذا يوم وذاك يوم، صدّقوني الرّحمات الإلهيّة تحتاج الى مقدّمات ومن جملة المقدّمات الله يرانا ماذا نفعل وقت الشدائد، أيحنّ بعضنا على بعض؟! أيرأف بعضنا على بعض؟! ننظر الى الآخرين وأتكلّم حقيقةً هل يوجد بيننا من ينأى جانباً وترقرق عيناه بالدموع لأنّه يعلم أنّ هناك أناساً لا يملكون شيئاً وهم صائمون؟!! هذا الشعور سببُ التوفيق إخواني يفكّر الإنسان حتى إذا انتهى شهر رمضان يخرج هذا الواحد منّا بشيء آخر بأدب آخر، وآداب الله تبارك وتعالى آداب كثيرة أعاننا الله تعالى وأدّبنا إن شاء الله تعالى كما يقول النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (أدّبني ربّي فأحسن تأديبي).

نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يتأدّبون بالقرآن وبأقوال العترة وبالأحاديث الشريفة، وأن يعيننا الله تعالى على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، ويوفّقنا في هذا الشهر الشريف بعمل صالح بقيام الليل وصيام النهار وتفقّد جيرتنا وإخوتنا، سائلين الله تبارك وتعالى أن ينعم علينا وعلى بلادنا وعليكم بالأمن والأمان وموفور القبول، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

المرفقات