الرسم والنفس ..

لا شك ان هنالك ارتباط وثيق وقديم بين الإنسان و الفن ، ودلائل هذا الارتباط ماثلة حتى اليوم في الآثار المكتشفة لرسوم الإنسان الاول في الكهوف مهما كانت اشكالها وغاياتها ، ولا شك ايضا ان الفن وخلال هذه الاستمرارية لابد أن يخدم أغراضاً حياتية هامة في حياة بني البشر، ولعل حصيلة هذه الأغراض هي إن الفن بكل انواعه يحفز الإنسان للإقبال على الحياة ويساعد في التغلب على أعبائها .

معظم الناس يستطيعون اداء فعل الرسم الذي يتضمن عنصري الشكل واللون ، وهو يعد من اوسع وسائل التواصل البشري واكثرها تعبيراً عن المكنونات النفسية والصراعات الخفية في حياة الإنسان والتي لا يعيها الإنسان عن نفسه و لا يستطيع التعبير عنها باللغة الكلامية  حتى وان كان ملماً بمشاكله النفسية، فالإنسان بطبيعة حاله يتفادى الإحراج بإخضاع الكلمة إلى التحريف أو التمويه مما يجعلها وسيلة تعبيرية اقل حرية واصالة وصراحة، بينما الرسم لا يخضع الفرد لمثل هذه القيود .. وإن فعل ذلك فيكون في فعله هذا كشف لحياته النفسية الخفية .

وللرسم ميزة أخرى لا تتوفر في الكلمة وهي إن بعض الصور والخيالات لا يمكن نقلها إلا عن طريق الرمز، كما يتفادى الرسم المحاذير كالخجل والشعور بالإثم، فهو محصن وراء دروع من الرموز تدرأ عن الرسام أي من هذه المحاذير فالرسم هو وسيلة تعبيرية رمزية .

فإذا كان للشكل حضوره الملموس في العمل الفني فان تذوق مادة لا يكفي وحده، لأنه في مثل هذه الحالة يصبح للمتعة الحسية قيمة في ذاتها ونحن نعرف إن الإنسان يبدي استخفافه بعمل فني معين إذا خلا هذا العمل من الدلالة التعبيرية والبعد النفسي، كما انه يصاب بخيبة أمل إذا ما كان شكل العمل هزيلاً جامداً .. وإذا كان الشكل ليس شرطاً وحيداً لظهور المتعة الجمالية ، فالحقيقة هي إن الفنان يعطي محتوى للشكل ورموزه ليس من خلال ما عرضه وحسب وإنما من خلال الطريقة التي قدم بها هذا العمل الفني والتي لا تخلو من سمات متفردة بالفنان .

إن العلاقة بين النفس والفن لا تحتاج إلى إثبات لأنه ليس هناك من ينكرها وكل ما تدعو الحاجة إليه هو بيان العلاقة التبادلية بين التأثير والتأثر .

فالنفس تصنع الفن والفن يصنع النفس، فالنفس تجمع أطراف الحياة لكي تصنع منها الفن ،والفن يرتاد حقائق الحياة لكي يضيء جوانب النفس .. والنفس التي تتلقى الحياة لتصنع الفن هي النفس التي تتلقى الفن لتصنع الحياة .. إنها دائرة مغلقة لا يفترق طرفاها إلا لكي يلتقيا ، وهما حين يلتقيان يضعان حول الحياة إطاراً فيصنعان لها بذلك معنى  والإنسان لا يعرف نفسه إلا حين يعرف للحياة معنى .

وحقيقة هذه العلاقة ليست شيئاً مستكشفاً للإنسان الحديث لأنها كانت قائمة منذ أن عرف الإنسان وسيلة التعبير عن نفسه،  فقد أحس الإنسان منذ البداية بهذه العلاقة ولمس أثارها وان كان هذا الإحساس مبهماً حتى إذا بلغ مرحلة كافية من النضج راح يتأمل هذه العلاقة ويستكشف أسرارها.

اعداد : سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات