صدقُ العلاقة الأخويّة مرهونٌ بأن تقف مع أخيك لا أن تقتصر على الانتفاع منه
الواعظ الداخلي يأتي من قوّة العلاقة بالله تعالى ومصاحبة الأخيار
النص الكامل للخطبة الاولى
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله قريب الرحمة، سابغ النعمة، بديع الحكمة، نافذ القضاء، حسن البلاء، عظيم الكبرياء، الذي اصطفى أولياءه على جميع خلقه فأعلى قدرهم، وميّزهم بعظيم حبائه فرفع ذكرهم، وخصّهم بجسيم بلائه ليمتحن صبرهم، ويضاعف أجرهم، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، سامع الدعاء عظيم الأسماء، وأشهد أنّ محمّداً(صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، رفع في النبيّين درجته، وشرّف في العالمين عترته، صلّى الله عليه وآله نجوم الهداية وأقطاب الولاية وأدلّاء المبدأ والنهاية.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى، فخير ما يوصي به المسلمُ أخاه أن يتّقي الله تعالى ويخشاه، وجاهدوا أهواء أنفسكم كما تجاهدون أعداءكم، وتداركوا أنفسكم بالتوبة والعمل الصالح، واستعينوا على ذلك بحول الله وقوّته فإنّه معينكم، واستجيروا برحمته فإنّه مجيركم، وتوسّلوا اليه بالخِيَرة من أحبّائه وأوليائه فإنّه راحمكم ومُجيبكم.
أيّها الإخوة والأخوات سلامٌ عليكم جميعاً من ربّ رحيم غفور ورحمة منه وبركات، تمرّ علينا في اليوم العاشر من شهر رجب -على الأَشْهَر من الروايات- ذكرى ولادة الإمام محمد الجواد(عليه السلام) الذي تولّى زعامة الأمّة وتولّى موقع الإمامة الإلهيّة وهو بعدُ صغيرٌ لم يتجاوز السابعة من عمره، واستشهد والتحق بالرفيق الأعلى وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ولا بأس هنا أن نتعرّض الى بعض ملامح المنهج التربويّ الذي اعتمده الإمام في تربية وتأديب أتباعه وشيعته، نلاحظ أيّها الإخوة والأخوات في سيرة الائمّة(عليهم السلام) أنّهم دأبوا على الاهتمام والاعتناء الشديد بتربية أتباعهم وشيعتهم على مكارم الأخلاق ومحامد الصفات والقيم النبيلة، ودرج الإمام الجواد(عليه السلام) على هذا المنهج الذي دأب عليه آباؤه وأجداده، ولكي نكون وتكونوا مصداقاً لما ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) في بيان كيفيّة إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) حينما قال: (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) فسُئل(عليه السلام) كيف نحيي أمركم؟ قال: (تتعلّمون أحاديثنا وتعلّمونها الناس، فإنّهم لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا)، وهنا نتعرّض في الخطبة الأولى الى بيان بعض ملامح المنهج التربويّ والأخلاقيّ الذي جرى عليه الإمام (سلام الله عليه) مع شيعته وأتباعه في ثلاثة أمور:
الأمر الأوّل: نلاحظ أنّ الإمام(عليه السلام) حثّ أتباعه وشيعته على النشاط الاجتماعيّ وخدمة الناس والسعي في قضاء حوائجهم، كما أنّه حثّهم ورغّبهم جدّاً في النشاط العلميّ والتعليميّ، ومن جملة الأمور والأحاديث التي وردت في ذلك ما خُصّ به أهلُ النِّعَم، هناك البعض من الناس ممّن خصّهم الله تعالى بعظيم النّعم مثلاً نعمة المال، نعمة المنصب، الجاه، النفوذ، المقام العلميّ، المقام المهنيّ..، هؤلاء منّ الله تعالى عليهم بعظيم النّعم، في مقابل ذلك جعل أعظم المؤونة والحاجة من الناس اليهم، الإمام(سلام الله عليه) يبيّن في هذا الحديث أنّه أنت أيّها المؤمن أيّها الإنسان إذا منّ الله تعالى عليك بعظيم نعمةٍ من النّعم التي ذكرناها ففي مقابل ذلك ستكون حاجة الناس ومؤونة الناس اليك أعظم، كيفيّة التعامل مع عِظَم الحاجة من الناس وكيفيّة الحفاظ على هذه النّعم من المال والمنصب والنفوذ والجاه وغير ذلك من الأمور، كيفيّة الحفاظ عليها حتى تقرّ وتبقى لديك أيّها المنعَم عليه لابدّ أن تتحمّل أعباء مسؤوليّة هذه النعمة العظيمة عليك من الله تعالى تجاه الناس في قضاء حوائجهم وخدمتهم، وإلّا إن لم تتحمّلْ عظيم المؤونة من الناس عليك فإنّ هذه النعمة ستفرّ منك وتهرب منك وتذهب الى غيرك، لذلك ورد هنا في بيان هذا الأمر حثّ الإمام(عليه السلام) لنا جميعاً بحسب مقام النعمة ومرتبة النعمة على أن نسعى في خدمة الناس وقضاء حوائجهم، خصوصاً مَنْ منّ الله تعالى عليه بعظيم النعم، وبقاءُ النعمة مرتهنٌ بمدى قيامك بقضاء حوائج الناس وخدمتهم، هذا المال الكثير يبقى إن أدّيت عظيم المؤونة والحاجة من الناس إليك، وهذا المنصب يبقى ويُرتهن وجوده بمدى قيامك بقضاء حوائج الناس وخدمتهم لا بمدى الحفاظ على المكاسب الشخصيّة وغيرها من وراء هذه الأمور، كذلك المقام العلميّ والوجاهة وغير ذلك من الأمور والاحترام والإجلال بين الناس هذا يبقى وهذه نعمةٌ تبقى وترتهن بمدى قيامك بحوائج الناس وخدمتهم، وإلّا إن لم تتحمّل أعباء هذه المسؤوليّة وعظيم المؤونة من الناس سوف لا تبقى هذه النعمة وتفرّ منك ولا تقرّ لديك بل تذهب الى غيرك من الناس، لذلك ورد في الحديث هنا عن الإمام(عليه السلام): (ما عظمت نعمةُ الله على عبدٍ إلّا عظمت عليه مؤونةُ الناس...) النعمة كلّما تكبر وتعظم حوائج الناس تكبر على هذا الإنسان وتعظم، وكلّما صغرت تصغر، هذا قانون إلهيّ أنّ الله تعالى يعطيك هذه النّعم في مقابلها الناس سيحتاجون اليك ممّن تقلّ هذه النعمة لديهم، فيقول الإمام(عليه السلام): (...فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض تلك النعمةَ الى الزوال) يعني إذا كنت لا تتحمّل أعباء مسؤوليّة مؤونة الناس، الفقير لمَنْ يذهب؟ الى الغنيّ. الشخص الذي ليست لديه وجاهة لا يستطيع قضاء حوائجه بنفسه فيحتاج الى صاحب المقام الى صاحب الجاه الى صاحب المنصب لكي يقضي حوائجه، وكلّما ارتفع هذا المقام وهذه الوجاهة والمنصب عظمت حوائج الناس اليه، فإذا أردت أن تحافظ على هذه النعمة اسعَ أكثر في قضاء حوائج الناس وخدمتهم، وإلّا فأنت مهدّد وهذه النعمة ستزول عنك، لذلك يقول الإمام(عليه السلام): (...فمن لم يحتمل تلك المؤونة العظيمة فقد عرّض النعمة الى الزوال).
ثمّ أيضاً في حديثٍ آخر نلاحظ أنّ الله تعالى يخصّ بعض عباده وليس كلّ العباد ببعض النّعم، فهذه تقرّ وتبقى ما بذلوها في خدمة الناس لا في خدمة أنفسهم فقط، كأنّ الله تعالى يقول أنا أُعطيك عظيم النّعمة من المال وغير ذلك من الأمور، فإذا وظّفت هذه النعمة لنفسك فقط سوف لا أُبقيها لديك بل سآخذها منك وأحوّلها الى غيرك، ما كنت باذلاً لهذه النعمة في خدمة الناس وفي النشاط الاجتماعيّ والقيام بالمشاريع الخيريّة وغير ذلك ممّا ينفع الناس وتسعى في خدمتهم وقضاء حوائجهم سأبقيها عندك وإلّا فإنّها ستزول عنك وتذهب الى غيرك ممّن هو على استعداد أن يوظّف هذه النّعم في سبيل خدمة الناس، لذلك يقول ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ويُضيف الإمام الجواد(عليه السلام) في بعض الأحيان الأئمّة يروون عن أجدادهم وفي بعض الأحيان عن أنفسهم، يقول الإمام(عليه السلام) في روايته عن أمير المؤمنين: (إنّ لله عباداً يخصّهم بالنّعم ويقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها الى غيرهم) يعني بعض العباد -ليس كلّ العباد- يخصّهم الله تعالى بعظيم النّعم من الأمور التي ذكرناها، فإذا بذلوها للناس أبقاها وإذا لم يبذلوها نزعها عنهم وحوّلها الى غيرهم، ثم أيضاً في حديثٍ آخر وهنا نقطة مهمّة نلتفت اليها، هؤلاء الذين يسعون في خدمة الناس ويسعون في قضاء حوائج الناس هم أحوج الى هذه الصفة من أهل الحاجة، يعني أنت صاحب المال أو أنت صاحب المقام أو الجاه أو المنصب وغير ذلك من هذه النّعم أنت أحوج الى أن تخدم الناس من صاحب الحاجة الذي يأتيك ويطلب الحاجة منك، كيف؟!! التفتوا الى هذا المضمون إخواني يقول(عليه السلام): (أهل المعروف الى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه...) لماذا؟!! (...لأنّ لهم أجره وفخره وذكره) هذا الأجر حينما يأتي الفقير الى الغنيّ وحينما يأتي الإنسان صاحب الحاجة لكي تُقضى حاجته في مكانٍ ما في دائرة، في وزارة، عند شخصٍ آخر، وأنت تسعى في قضاء حاجة هذا الإنسان وفي خدمته، لمَن الأجر لصاحب الحاجة أم لك؟ هو لك أنت. الفخر عند الناس وعند الله تعالى والذكر الحسن عند الناس وعند الله تعالى لمن؟ لصاحب الحاجة أم لصاحب المعروف وصاحب الخدمة؟ حتماً لصاحب المعروف وصاحب الخدمة والذي يسعى في قضاء حوائج الناس، لذلك أيّها الإخوة المتمكّنون ماليّاً، أصحاب الجاه والمقام العلميّ والمهنيّ، أصحاب المناصب أنتم في معروفكم وإسدائكم الخدمة الى الناس أحوج الى قضاء حوائج الناس من أهل الحاجة، لأنّ الأجر لكم لا لهم، وكذلك ما يترتّب على هذه الخدمة وقضاء حوائج الناس من الأمور الأخرى إنّما تعود لكم فإنّكم أحوج من أهل الحاجة الى اصطناع المعروف.
من المبادئ الأخرى التي ربّانا عليها الإمام الجواد(عليه السلام) وسعى في تربية وتأديب أتباعه وشيعته وكان الإمام يتابعها، -هذه مسألةٌ مهمّة- الأئمّة(عليهم السلام) لا يتركون بيان هذه التوجيهات والنصائح والمواعظ ثمّ يتركون أصحابهم هكذا بل يُتابعون تطبيقها فيما بعد ولو كان بعد سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع فينبّه مرّةً أخرى على هذا التوجيه أو يذكّره بالتوجيه الذي بيّنه قبل سنوات، الإمام(سلام الله عليه) هنا يبيّن -هذا المبدأ الثاني الذي نذكره هنا- كيف نُقيم العلاقات الاجتماعيّة البنّاءة، هناك نمطٌ من المعاشرة هدّامة تورث البغض والحقد والعداوات والهجران والمقاطعة، وهناك تعاملات تبني العلاقة الطيّبة والتوادد والتآلف والتماسك الاجتماعيّ، الإمام(عليه السلام) يبيّن لنا قواعد وأسس بناء العلاقات البنّاءة وكيف نديم المحبّة والمودّة فيما بيننا، فيذكر هنا مجموعة من هذه القواعد بقوله: (ثلاث خصال تجتذب بهنّ المحبّة...) كلّ واحدٍ يتمنّى أن يكون محبوباً من الآخرين لا مبغوضاً وفي نفس الوقت هذه لها منفعة اجتماعيّة بين أفراد المجتمع، ما هي الخصال التي لو أتيت بها كانت لك المودّة والمحبّة والاحترام من قبل الآخرين (...الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة، والرجوع الى قلبٍ سليم)، ما معنى الإنصاف في المعاشرة؟ يعني إنصاف الناس من نفسك كما أنت، يبيّن لنا الإمام كيف أنصف الآخرين من نفسي وكيف أنصف الناس من نفسي، أنا حينما أحبّ شيئاً لنفسي لابُدّ أن أحبّه للآخرين وإذا أكره شيئاً لنفسي أكرهه للآخرين وأحاول أن أدفع هذا المكروه عنهم، في نفس الوقت إذا كنت أحبّ أن يبادلوني بالاحترام والمودّة وعدم الإيذاء عليّ أن أبادلهم بالمثل، هذا إنصاف الناس أيضاً بنفس هذه المعاملة، إنصاف الناس من النفس أن أقرّ بالحقّ ولو كان على نفسي، هذه من الأمور التي تجلب المودّة والمحبّة.
(الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة) هذا أخوك أو صديقك أنت لا تجعل علاقة الصداقة والأخوّة في الأوقات التي أنت تستفيد وتنتفع منه فإذا وقع في الشدّة والمحنة ولا تنتفع منه شيئاً وهو بحاجة اليك تتركه، صدقُ الأخوّة والعلاقة الإسلاميّة الصحيحة أن تواسيه في الشدّة وفي أيام المحنة وفي أيّام الابتلاءات وفي أيّام الضيق، تواسيه بأن تعينه في التغلّب على هذه المشاكل والصعوبات والمحن والشدائد التي يمرّ بها، صدقُ العلاقة الأخويّة مرهونٌ بأن تقف مع أخيك لا أن تقتصر على الانتفاع منه فإذا وقع في الحاجة اليك أنت تتركه مع محنته ومصيبته وابتلائه، بل تقف معه وتعينه على تجاوز هذه المشاكل والمحن، ثمّ (الرجوع الى قلبٍ سليم) أي تتعامل معه بقلبٍ ناصح لا تغشّه لا تخونه ولا تخدعه بل تتعامل معه بقلبٍ صادق في المودّة، لا تريه شيئاً بهذا الوجه وتُضمر له في قلبك شيئاً آخر، لا أنّه في الظاهر وأمامه تمدحه وتثني عليه وفي الخفاء ومن خلفه تغتابه وتتكلّم عليه بالسوء، هذا ليس من الأمور التي تقيم علاقات بنّاءة اجتماعيّة بل تهدم العلاقات الاجتماعيّة وتولّد الكثير من المشاكل والمحن.
أيضاً من الأمور الأخرى المهمّة التي تُبقي علاقة المودّة والمحبّة هو تجنّب سوء الظنّ، يقول الإمام(عليه السلام): (لا يُفسدك الظنّ على الصديق وقد أصلحك اليقينُ له، ومن وعَظَ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعَظَه علانيّةً فقد شانه) في كثيرٍ من الأحيان -إخواني- تفسد القلوب وتفسد المشاعر وتفسد العواطف وتتحوّل من مشاعر الحبّ والاحترام والمودّة الى مشاعر أخرى من البغض والتحسّس من الآخرين، بسبب سوء الظنّ الذي لا أساس له لا عقلاً ولا شرعاً، كثيراً ما يحصل في العلاقات الاجتماعيّة أن نُسيء الظنّ بالأخ والصديق وهذا يحوّل ويُفسد القلب يعني يُفسد المشاعر، هذا أخوك لابُدّ أن تحمل في قلبك مشاعر الاحترام والإجلال والمودّة والمحبّة له، سوء الظنّ يفسد قلبك عليه لذلك يوصي الإمام(عليه السلام) بقوله: (لا يفسدك الظنّ..) يعني سوء الظنّ (..على الصديق وقد أصلحك اليقين له) وإذا أردت أن تنصحه حاول إذا كان هناك بعض الأشخاص الذين يتحرّج منهم حاول أن تنصحه سرّاً وليس أمام الآخرين، أحياناً هناك البعض ممّن يُمكن النصيحة أمامهم والبعض الآخر ليس من الصحيح أن تنصح أخاك وصديقك أمامهم، هو يكره أن تكون النصيحة والموعظة أمامهم حينئذٍ إذا حصل هذا تشينه وتعيبه فلا يكون ذلك نصحاً، واستصلاح الأخيار بإكرامهم والأشرار بتأديبهم.
أيضاً من المبادئ التربويّة المهمّة –إخواني- لنا جميعاً ما يحتاجه الإنسان للنجاح في الحياة ويجنّبه الفشل، ما هي الأمور المطلوبة منّا حتّى ننجح في حياتنا العلميّة، الاجتماعيّة، الاقتصاديّة، المواقف والآراء والانطباعات وغير ذلك من الأمور، القواعد التي نحتاجها للنجاح في الحياة وتجنّب الفشل ثلاث، في بعض الأحاديث: (ثلاث من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة، والمشورة، والتوكّل على الله تعالى عند العزيمة) ثلاثة أمور أوّلها لا تتعجّل ولا تتسرّع، إذا أردت أن تتكلّم لا تتسرّع وتأمّل قليلاً في الكلام هل هو مقبول شرعاً وعقلاً أم غير مقبول؟ ثمّ بعد ذلك تكلّم، وإذا أردت أن تتّخذ موقفاً تأمّل لا تتسرّع، إذا أردت أن يكون لك رأي لا تتسرّع، إذا أردت أن تكون لك عواطف ومشاعر وغير ذلك من الأمور وإذا أردت أن تُقدِمَ على فعلٍ خصوصاً في الأفعال الخطيرة، أو إذا أردت أن تقدم على علاقة اقتصاديّة وتعاقد لا تتسرّع تأمّل، ادرس الأمر جيّداً في جميع هذه المجالات الحياتيّة ثمّ بعد ذلك بعد التأنّي ودراسة الأمر بصورة جيّدة اتّخذ الموقف واتّخذ الرأي وتكلّم، هذه الأمور يتوقّف عليها نجاحها على أن لا يتسرّع الإنسان ولا يتعجّل، (والمشورة) استشر إنساناً (أعقل الناس من ضمّ عقول الناس اليه) أنا عقلي ليس كاملاً فالإنسان غير معصوم، الإنسان حينما يكون ناقص العقل يُضيف رأي الآخرين ويضيف عقل الآخرين الى عقله، أنت حينما تستشير شخصاً آخر خصوصاً من أهل العقل والحكمة والرأي والخبرة، هؤلاء حينما تستشير واحداً أو اثنين كأنّما فكّرت بعقلَيْن أو بثلاثة عقول فضممت عقول الآخرين اليك، هذه المشورة تنجح الرأي تُعطي رأياً ناضجاً حكيماً ينفع الإنسان في جميع المجالات، (والتوكّل على الله تعالى عند العزيمة) يعني أنت أحياناً تفكّر في أمرٍ تُريد أن تُقدم عليه ثمّ عزمت عليه، انتهى حصل القرار والرأي بأن تقدم على هذا الأمر، توكّل على الله تعالى ثقْ بالله تعالى أنّه يمدّك بأسباب النجاح ولا تتردّد، أحياناً الإنسان يعزم على شيء ويتّخذ قراراً ويبقى متردّداً ليست لديه الثقة بالنجاح في هذا العمل الذي يريد الإقدام عليه، أنت إذا عزمت وحصلت لك الإرادة انتهى لا تكُنْ متردّداً أقدمْ ولكن توكّل على الله تعالى ولتكن لديك الثقة بأنّ الله تعالى سينجح مهامّك في هذه الحياة.
ثمّ أيضاً في حديثٍ آخر من الأمور التي يحتاج اليها الإنسان للنجاح في حياته وعدم الفشل، (المؤمن يحتاج الى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممّن ينصحه) توفيقٌ من الله تعالى كيف؟ يعني حسن الظنّ بالله تعالى والثقة بالله تعالى، الإخلاص لله تعالى واعتماد الضوابط والمعايير الشرعيّة في التحرّك وغير ذلك من الأمور هذا أوّلاً، ثانياً الواعظ الداخلي، هذا الرقيب الداخلي والواعظ الداخلي الذي يأتي من قوّة العلاقة بالله تعالى ومصاحبة الأخيار، واعظٌ من نفسه أي أنت حينما تقدم على شيء معيّن ليس دائماً الأخيار والحكماء والعقلاء معك حتّى يردعوك عن أمرٍ قبيح ومنهيّ عنه، إنّما النفس دائماً معك فإذا كان الواعظ من داخل نفسك أمنت أنّه أنت في جميع المواقف والأقوال والآراء وغير ذلك من الأمور هناك واعظ يلازمك دائماً ويوجّهك الى الصحيح، والأمر الثالث قبول ممّن ينصحك، إخواني هذه مسألةٌ مهمّة الإنسان هل يقبل النصيحة من الآخرين؟ يقبل التقييم من الآخرين؟ ليس عيباً وليس انتقاصاً إذا جاء شخصٌ آخر ربّما أقلّ منّي منزلةً علميّةً أو جاهاً اجتماعيّاً أو مقاماً ونصحني، وقال لي هذا خطأ هذا ليس بصحيح، ليس من العيب وليس من الانتقاص أن أقبل هذه النصيحة من الآخرين، من الأمور المهمّة التي يحتاج الإنسان اليها للنجاح في حياته وتجنّب الفشل أن يقبل التقييم والنقد البنّاء من الآخرين ولا يرفض هذا التقييم والنصح منهم، لأنّه ربّما أحياناً يقول هذا مقامه العلميّ أقلّ منّي!! هذا مقامه الاجتماعيّ أقلّ منّي!! ما قيمة هذا الإنسان حتى يأتي وينصحني!! ما أدراك لعلّ هذا الرجل لعقله لحكمته لخبرته في الحياة الآن شخّص أنّ هذا الأمر الذي لديّ أمرٌ خاطئ فعليّ أن أقبل هذه النصيحة وما يعبر عنه بالموعظة أو التوجيه والإرشاد، لأنّه ليس انتقاصاً وإهانةً لي بل ربّما فيه منفعةٌ لي ومن التسديد لي، الى غير ذلك من الأمور التي يذكرها الإمام(عليه السلام) للنجاح في الحياة.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لاتّباع ما جاء به، وما أمرنا به الأئمّة(سلام الله عليهم) من التوجيهات والنصائح والمواعظ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
اترك تعليق