دلالات الالوان النفسية

للون دور حسّاس في إثارة العواطف وهو يتماهى بصورة عامة مع انفعالات الإنسان ، فاللون الأحمر يوازي الغضب والأصفر يوازي الأنانية، والأزرق يوازي الحكمة، وبعض الناس يحبون أو يكرهون ألواناً معينة لأنها ترتبط لديهم بأفكار معينة فمنهم من يحب اللون الأخضر لأنه يذكرهم بفصل الربيع أو بالريف والغابات والأشجار وآخرون يحبون اللون الأزرق لأنه يميل إلى أجواء السماء والبعض الأخر يكره اللون الأحمر لأنه يميل إلى الخطر أو الدم والقتل

إن هذه الألوان المحببة عند قسم من الناس وغير محببة عند الأخر ترجع بالأساس إلى اللاشعور وتكون جزءاً من الاستعداد النفسي والمزاجي لأي  فرد, فالألوان هي بحد ذاتها تحمل قيماً جمالية وليست هناك أي صلة بين القيم الترابطية والقيمة الجمالية للون في حد ذاته فالصلة الجمالية للون هي ببساطة إننا ندخل حدسياً في طبيعة اللون ونقدر عمقه أو دفئه أو نغمته ــ أي ــ خصائصه الموضوعية ، ثم نبدأ بعد ذلك في مطابقة هذه الخصائص مع انفعالاتنا .

تترك الألوان أثاراً من حيث المتعة والألم لأنها ليست معزولة عن الحياة، بل مرتبطة بالأحاسيس والمشاعر والذكريات الأليمة أو الممتعة فأغلب الأحاسيس ترجع إلى الذكريات ، والدرجات في اللون أي القيم اللونية تمتلك أهمية جمالية وعاطفية ونفسية.

إن دلالة اللون نسبية فهي تتوقف على الموقف الذي ترتبط به فقد يرتبط اللون الأبيض عند شخص ما بدلالات الفرح أو الزهد أو الطمأنينة وغيرها من الدلالات ولكنه قد يرتبط عند شخص أخر بدلالات أخرى، فضلاً عن إن إدراك اللون يعد عملية عقلية وجدانية حسية حتى يدرك الإنسان اللون ويحسه ويتفاعل معه، والإدراك هذا يفوق إدراك الحواس فقط لأن العقل هنا يلعب دوراً هاماً بإضافة أبعاد جديدة تفوق الاستقبال الحسي المحدود.                                    

وقد استخدمت الألوان كعلاج نفسي لمرض الأعصاب لتأثيرها السايكولوجي فالأزرق مريح ، والأحمر منشّط والأخضر مهدّئ والأبيض منقٍ، والألوان الهادئة بصورة عامة تعبّر عن الوداعة والاطمئنان حيث تنسجم مع الخيال وبساطة النفس البشرية بينما الألوان الصارخة تعبر عن تعقيد النفس وتمرّدها وكلا التعبيرين يترجمان أحاسيس الذات الإنسانية البسيطة ومكنوناتها .

وليس من الصواب القول إن الحالة النفسية المرضية تعمل على تحرير العبقرية في الفن، لأن الواقع يؤكد أن اختفاء الموهبة طيلة مدة المرض العقلي هي أكثر شيوعاً من ظهورها في نفس الظروف، وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكننا أن نجزم أن الفنان العبقري المريض لا ينتج الروائع إلا في مراحل الصحو الذهني والهدوء التي تتخلل ازماته النفسية الحادة المصاب بها، وقد يكون هذا الشذوذ النفسي قد ترك أثره في أعماله ولكنه لم يكن سبباً من أسباب إبداعها.

كما يعطي الإدراك اللوني تعريفاً عن شخصية الفرد، فالأشخاص ذوو الشخصية التي تتميز بالبساطة والعفوية يميلون إلى الألوان البسيطة على الأغلب، أما الذين يتميزون بشخصية معقدة فغالباً ما يبدون إدراكاً أعظم للرقة واللطف، فالطاقة الموجودة في اللون لها الأثر البالغ على صحة الأفراد وسعادتهم ، فيمكنها أن تثبت شعوراً بالفرح أو الحزن أو تهب الفرد نشاطاً أو خمولاً، وللألوان قابلية في أن تخلق فضاءً يبدو مثيراً أو كئيباً أو دافئاً أو بارداً.                                  

 يهتم الأشخاص الاعتياديون ذوو الشخصيات المنبسطة باللون ولا سيما الألوان الدافئة ، في حين أن ذوي الشخصيات المغلقة ميالون إلى الألوان الباردة من ألوان الطيف، وهم قليلو الاستجابة إلى الألوان عموماً، كما تمتلك الألوان قدرة على التقدم أو التراجع ولكن ليس باعتمادها على اللون المنفرد مثل الأحمر والأزرق ولكن باعتمادها على العلاقة بين الألوان من خلال استعمال وضع غامض ومن حيث الحيز نستطيع أن نرى بعض الألوان تميل إلى خلق مؤثر في ما تحيط به من ناس وأشياء .

وتعمل الألوان الحارة بإيحاء العين عن قرب فتسمى الألوان الأمامية ، بينما تعطي الألوان الباردة تأثيراً بالبعد فتسمى الألوان الخلفية وانتقال النظر من الألوان الباردة إلى الحارة يعطي حركة نحو الخارج.                                                                 

وتنقسم التأثيرات النفسية إلى تأثيرات مباشرة وغير مباشرة ، أما المباشرة فهي لا تستطيع أن تظهر شيئاً ما أو تظهر تكويناً عاماً بمظهر الفرح أو الحزن أو الخفة أو الثقل، أما التأثيرات غير المباشرة أو الثانوية فهي تتغير تبعاً للأشخاص ، ويرجع مصدرها للترابطات العاطفية والانطباعات الموضوعية المتولدة تلقائياً من تأثير اللون .                  

فاللون البرتقالي على سبيل المثال يحدث عاطفة الحرارة والدفء ويمثل موضوعاً ما إذ أن غروب الشمس يثير في نفوس بعض الناس العاطفة والذكريات ويثير في نفس عالم الفيزياء فكرة التحليل الطيفي ، ففكرة الألوان وجماليتها تبدو بصورة فنية أكثر إلى من ينظر إليها بعيني فنان وقد اتخذت نفسه عين المتأمل .

ومن هنا نجد أن للألوان دلالات معينة وارتباطات بالظروف والأحداث التي مررنا بها ، وفي هذا التعليل للأسباب التي تجعل بعضهم يميل إلى ألوان من دون أخرى .

فالتجارب والاختبارات السايكولوجية التي أجريت على مجموعات يختلفون في ميولهم وثقافتهم قد أثبتت أن هناك دلالات عامة لألوان تكاد تشترك فيها الأغلبية العظمى من الناس ذوي الثقافة والبيئة والمناخ الواحد.                                                 

ونتيجة لهذا الارتباط القوي بين الألوان والمعاني نجد أنه يجب أن يكون للألوان التي يفكر فيها الرسام ارتباطا نفسياً بمعانيها وموضوعها لتسجيلها في مخيلته ثم في اللوحة ، فتؤثر بالتالي على نفس المتلقي تأثيراً قوياً مبعثه الشكل والمضمون كتكوين ولون .

وعلى ذلك فان الروائع الفنية التي خلدها لنا كبار فناني العالم الغربي والشرقي من المبدعين في جميع ضروب الفن التشكيلي ما هي إلا أمثلة حية لما تحدثه الألوان من اثر في نفس كل إنسان وهي تؤثر بشكل ملموس في نفس كل فرد منا، وبالتأكيد يتعذر علينا نحن تفسير هذا التأثير النفسي الذي تحدثه الألوان تفسيراً موضوعياً، إذ أن دراسة كل لون على حدة في الجهاز العصبي تتطلب عزلاً تاماً لمزاج الفرد وخبراته التي يرتبط فيها كل لون بانفعالات وعواطف خاصة .

اعداد

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات