رسوم الأطفال .. كلمات صامتة

تُعد الطفولة احدى المراحل الأساسية في تكوين شخصية الإنسان لما تتصف به من سرعة في نمو الجوانب الجسمية والعقلية والوجدانية ، وقد فتحت هذه المرحلة مجالاً خاصاً للعديد من الدراسات والبحوث التي حاولت الكشف عن خصائصها وعلاقة تلك الخصائص بالمتغيرات المختلفة ، وكان فن الطفل أحد الموضوعات المهمة التي تناولها الدارسون لمرحلة الطفولة، اذ ان الفن قادر على إعطاء الطفل شعوراً تترابط فيه احاسيسه وتتحد صوره الذهنية مفسرة التساؤلات والمفاهيم الاستثنائية التي تخالج نفسه .

يعود الاهتمام بدراسة رسوم الأطفال إلى أكثر من قرن تقريباً ، إذ أصبحت ميول الأطفال واتجاهاتهم من العوامل التي لا يمكن إغفالها لما تؤديه من دور فعال في بناء شخصياتهم والتعرف على جوانبها الخفية، ورغم سعة الدراسة في هذا المجال ، إلا ان الغموض في تفسير ماهية تلك الرسوم أسفرت عن اختلاف في آراء بعض الباحثين في مجال التربية الفنية وعلم النفس حول الأسباب التي تدفع الطفل للرسم، فمنهم من عدَّ الرسوم الحرة شكلاً من أشكال اللعب وآخر عدها عبثاً، فاللعب عند البعض هو أسمى تعبير عن التطور الإنساني، لأن وحدة التعبير الحر عما موجود بروح الطفل هو أنقى إنتاج للطفل وأكثره روحية وفي نفس الوقت يعد نمطاً أو نسخةً للحياة الإنسانية بجميع مراحلها ففن الطفل عند بعض المختصين أحد مظاهر اللعب .

ومع ذلك لا يمكن عدّ فن الطفل مظهراً من مظاهر اللعب، لوجود فروق جذرية تفصل نشاط اللعب عن النشاط الفني، إذ ان اللعب نشاط سطحي يسيطر على الأفكار بشكل نسبي ولا يتعدى هدفه التسلية، أما الفن فهو نشاط يسيطر بشكل كلي على الأفكار ويتعدى هدفه إلى خلق وإبداع أشكال قابلة للإدراك الحسي، فضلاً عن أن نشاط اللعب نشاط غير محدد قد ينمو ويتحول إلى أحد جوانب النشاط الفني في اللحظة التي يتوجه فيها إلى متلقٍ .

وهذا ينطبق على رسوم الأطفال، إذ يتمتع البعض منهم بقدرات فنية إبداعية عالية تختلف بالدرجة لا في النوع من طفل إلى آخر، فالتعبير التشكيلي للأطفال يعد محاولة فنية يتصل بها الإحساس الذاتي سعياً لتحقيق تكامل مع ما يحيط به من عناصر الحياة المختلفة، فهو يحاول خلق وإبداع خطوط وألوان معبرة عن مشاعرهم البشرية ينقل فيها ما يكمن في عالمه الخاص إلى مشاهدٍ يدرك تلك الرسوم حسياً، فالفن كما هو معروف هو جهد الإنسانية في سبيل إحراز التكامل مع الأشكال الرئيسة بالكون الفيزيائي ومع الإيقاعات العضوية للحياة .

ومن ذلك نستشف ان رسوم الأطفال تعدُّ لغة تعبيرية صورية يستكمل بها الطفل لغته اللفظية لتكون اكثر إقناعاً من الكلمة، يحاول من خلالها إيصال بعض الأفكار والانفعالات والتصورات التي تعجز اللغة اللفظية عن إيصالها للآخرين، فالرسم اكثر إقناعاً من الكلمة في كثير من الأحيان، ورسوم الأطفال هي وسيلة اتصال يحاول الطفل من خلالها تجسيد أفكاره وتصوراته معبراً من خلالها عن الأشياء المعقدة التي يصعب تسميتها، وكذلك عن مشاعره الخاصة للتأثير على الآخرين وايصال رسالته المبتغاة اليهم.

ومن الجدير بالذكر ان رسوم الطفل تعتمد بالدرجة الأولى على مدى نمو وتطور مدركاته التي تكون حسية في مراحلها الأولى وتتحد في المحيط الضيق الذي يعيش فيه ومن ثم تتراكم في ذهنه تأثيرات كثيرة تؤدي إلى زيادة إدراكه بما يحس به ويستمر نمو الإدراك ليصبح كلياً ، وبالأخص في مرحلة المراهقة إذ يكون مدركاً كلياً لتمكنه من ربط العناصر المتشابهة بعضها مع البعض الآخر، أي ان مدارك الأطفال إزاء الأشخاص والمواقف والأفكار تبقى في حالة نمو مستمر مع استمرار نموهم العقلي والنفسي والجسمي والاجتماعي . 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات