بين عجوز تعكزت على سني عمرها السبعين تسير مع ثلاثة من احفادها متحدية خريف العمر والمرض والارهاب لتقطع مئات الكيلومترات وتغرس في نفوس احفادها حب الحسين "ع" والسير على نهجه، وشيخ قرب عمره من العقد السابع يصر على السير الى كربلاء العشق الحسيني رغم الشلل النصفي الذي اصابه، وشاب بترت يده في الانتفاضة الشعبانية عائلته غير آبه بعوقه، صورة ثلاثية الابعاد للإصرار والتحدي.
تحدت صدام وتتحدى الارهاب
العجوز فخرية علي حسن دأبت على السير منذ ثلاثة عشر عاما رغم الآم الروماتيزم التي تعاني منها أرجلها، مصرة على ان "الحسين علمني ان اتحدى الطاغية المقبور صدام واخفي اولادي الاربعة الذي قارعوا النظام في الانتفاضة الشعبية وانتقل من منطقة المرابعية ومنها الى البتيرة والجزيرة واسير بهم ليلاً واستقر نهاراً ورغم مطاردة الاجهزة القمعية لنا لكنهم فشلوا في الوصول الينا واستمرت عملية الاختفاء".
تتنهد وقد سالت دموعها على خديها قائلة: "في عالم الرؤيا وقف عند رأسي رجل لا يظهر منه الا نور وجهه الساطع" وقال لي "لا تخافي وكنت قد طلبت من امير المؤمنين علي "ع" ان يحفظني واولادي ، فأخذت عهدا على نفسي ان اسير كل عام مواسية السيدة زينب "ع" والسبايا والسجاد في زيارة الاربعين ورغم اني مريضة الا انني اسير وكلما تعبت استريح او ارجع الى بيتي ثم اعاود الكرة مرة اخرى حتى اصل الى مدينة كربلاء"، مؤكدة ان "عزمها من عزم الحسين "ع" يعطيها الصبر والقوة والتحمل".
احمد علي الحفيد الاكبر للعجوز ذي الاربعة عشر عاماً والطالب في الثاني المتوسط يسير مع جدته منذ ثلاث سنوات لان والده مقاتل في الجيش العراقي ويتعذر عليه السير الى كربلاء، يشدد ان "جدته هي من علمته على طريق الحسين وزرعت القضية الحسينية في نفسه"، مبيناً انه "اتفق مع زملائه الطلبة على نقل الدروس التي سيتخلف عنها لمواصلة تفوقه الدراسي لان الحسين يريدنا شباباً متفوقين واعين مسلمين تتباهى بهم عائلاتهم"، بينما اكدت شقيقته زينب 11 عاما التي سارت منذ كان عمرها تسع سنوات انها "ترى في سيرها الى كربلاء هول ما جرى على السبايا والاطفال الايتام خلال مسيرهم الى الشام، وانها لا تشعر بالتعب لان الملايين السائرة تعطي حافزاً لإتمام مسيرة المئات من الكيلومترات، وعلى نفس المنوال تقول شقيقتها نرجس (9 سنوات) انها السنة الاولى التي اسير بها مع جدتي واخوتي واشعر بفرح غامر لان جدتي تقول لي " ان سيرك نحو كربلاء يفرح قلب محمد وآل محمد وقلب زينب والعباس" .
مشلول يسير
لم يقف الشلل النصفي ولا كبر السن عائقاً أمام الحاج يحيى الجوراني للمسير مستعيناً بعربة مدولبة يدفعها حفيده، ليشارك في مسيرة زيارة الاربعينية، فالجوراني الذي بلغ 67 عاماً يعمل مساحاً ويؤكد ان "حركته اليومية صعبة لإصابته من سنين بالشلل النصفي، لكنه ومنذ خمس سنوات شد العزم وعقد النية على الذهاب سيراً الى كربلاء المقدسة ولم يكتفي بهذا الحد بل يصر على القدوم من مدينة الناصرية في محافظة ذي قار الى ساحة سعد مركز مدينة البصرة بالسيارة قاطعاً مئتي كيلومتر ليبدأ رحلته من البصرة ليسير مسافة تتعدى الخمسمائة كيلومتر الى كربلاء المقدسة".
الجوراني اكد انه "أثر في بيئته ومنطقته السكنية واقرباءه في عكس حقيقة الثورة الحسينية واستلهام دروس القوة والبذل والتضحية والعطاء من ملحمة صراع الحق مع الباطل في ارض الطفوف، فالتحق به عدد من اقربائه واحفاده للسير في طريق الحسين، بل وتعداه الامر الى التحاق عائلات من اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى منذ خمس سنوات بالسير الى كربلاء الشموخ".
لايأس مع الاصرار
شارك في الانتفاضة الشعبانية فبترت يده فتعلم الصبر على البلاء من ابي الفضل العباس "ع" فزرع ما تعلمه في نفوس عائلته الصغيرة، ويشير وسام عبد الرزاق من ام قصر "كنت اشعر بالعجز امام اعاقتي وبتر كفي الا ان دروس كربلاء الشجاعة جعلتني اضع ما وقع بي في الانتفاضة الشعبانية وساماً على صدري، وكلما حل موعد الزيارة الاربعينية اصطحبت زوجتي واطفالي الى كربلاء المقدسة، بالرغم من اني اعمل اجيراً في ميناء ام قصر، فللحسين تهون الروح والمال والاهل.
تكمل ام مجتبى زوجته ما ذكره زوجها بالقول " تعلمت من زينب الكبرى الصبر على البلاء وزرع اهداف ثورة الامام الحسين في نفوس ابنائنا وهي مسؤولية الزمنا بها الاسلام تجاه نبيه الكريم وآل بيته، فمنذ خمس سنوات نسير الى كربلاء وقد لاحظنا ان الله سبحانه وتعالى من علينا بكثير من النعم فرزق زوجي تضاعف وحياتنا مفعمة بالالتزام الديني والتربية الصحيحة حتى صرنا مؤثرين وبدأت عائلات اخواتي وقريباتي تلتحق بنا وتسير الى قبلة الاحرار، مشددة ان عوق زوجي يشكل عامل فخر لي، كما اننا لا نشعر بالتعب او الاجهاد خلال المسير ورغم صغر سن بناتي وابني الا انهم يواصلون السير بشكل يلفت الانظار".
البصرة ــ قاسم الحلفي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق