نستعرض في هذه الخطبة البعض الآخر من صفات ومقومات الشخصية الايمانية والجهادية لأصحاب الامام الحسين عليه السلام بعد ان استعرضنا ثلاث صفات لهم في الخطبة السابقة وهي:
اولا\ الوعي والبصيرة بحقائق الدين وقياداته الحقّة.
ثانيا\ الجرأة في اتخاذ الموقف الحق والثبات عليه.
ثالثا\ شدة الحب لله تعالى والاستئناس بلقائه.
وهذا الاستعراض لصفاتهم هو لغرضين:
1- الايفاء بجزء من حقهم في تخليد ذكراهم وشمائلهم الالهية.
2- تحفيز الاخرين للاقتداء وذلك لأن البعض قد يتصور ان صفات المعصوم وخصاله يصعب على الانسان العادي ان يقتدي بها لتوهمه ان المعصوم بما هو معصوم يختلف عن بقية البشر ويمكن من تجسيد تلك الصفات الالهية في حين يعسر او يصعب على الاخرين الاقتداء به والتجسيد لصفاته ولو بمرتبة ما- ولكن حين يعرض له اشخاص من غير المعصوم وهو يجسّد هذه الصفات فان ذلك – ربما- ادعى للتأثير والتحفيز للنفس لتجسيد تلك الصفات.
رابع\ الاخلاص للقيادة الحقة وصدق النية: فهؤلاء الاصحاب قد أخلصوا للإمام عليه السلام منذ اول سيرهم معه وحتى استشهادهم فهم مطيعون له ومنقادون لأوامره في كل صغيرة وكبيرة وعلى الرغم من ان الكثرة الكاثرة من الناس كانت أما في معسكر العداوة والحرب للإمام عليه السلام او الخذلان له وترك نصرته وواجهوا مختلف الضغوط الاجتماعية والنفسية والفكرية ولكن مع ذلك كانت شدة اخلاصهم تعطيهم روح الصمود والمقاومة حتى آخر لحظات حياتهم..
ونراهم حين اشتد البأس وعاينوا الحتوف والمنايا ثبتوا مخلصين موقنين.. فهذا عابس الشاكري خاطب الامام عليه السلام قائلا: أمّا بعد فإنّي لا أُخبرك عن الناس ولا أعلَم ما في أنفسهم وما أغرَك منهم، واللهِ أحدّثك عمّا أنا مُوطّنٌ نفسي عليه، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنَ معكم عَدُوَّكم، ولأضرِبَنّ بسيفي دونكم، حتّى ألقى اللهَ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.
فهم جميعاً كانوا يعلمون انهم سوف لا ينالون بذلك مالا ً ولا جاهاً ولا عقاراً ولا سلطة ولا مزية دنيوية أبداً.. بل كان جل همهم رضا الله تعالى ورضا الحسين عليه السلام كما عبر بذلك عابس في آخر قوله: لا أريد بذلك إلا ما عند الله.
خامساً\ الوفاء التام للإمام الحسين عليه السلام: فلقد كان من شدة وفائهم ان الرجل منهم كان يقف امام سيد الشهداء عليه السلام يقيه النبال والسهام ثم يلتفت الى الامام وهو مثخن بالجراح ويقول له: أوفيت يا بن رسول الله؟
فيقول له الامام عليه السلام: نعم.. انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله عني السلام واعلمه اني في الأثر.
وموقف آخر لا يقل تجسيداً لروعة وعظمة العطاء والوفاء ألا وهو موقف جون مولى ابي ذر الغفاري، فقد جاء يستأذن الحسين عليه السلام.. فقال عليه السلام: يا جون انما تبعتنا طلباً للعافية فأنت في اذن مني.
فوقع على قدميه يقبلهما ويقول: انا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم.. الى آخر كلامه.
وحينما قتل وقف عليه الإمام عليه السلام وقال: اللهم بيّض وجهه وطيب ريحه، واحشره مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعرّف بينه وبين آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم..
فكان من يمر بالمعركة يشم منه رائحة طيبة أزكى من المسك.
وموقف آخر لمحمد بن بشير الحضرمي وهو مع الحسين عليه السلام في كربلاء، قد أسر ابنه بثغر الري فقال: عند الله احتسبه ونفسي، ما كنت أحب ان يؤسر وأنا أبقى بعده، فسمع قوله الحسين عليه السلام فقال له: رحمك الله أنت في حلٍّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك.
وهنا يتجلى صدق الولاء وعمق المحبة وشدة الوفاء فالأب في مثل هذه اللحظات ويحركه شدة الحب لابنه ولكن يؤثر القتل مع الحسين عليه السلام على امرين بقاؤه حياً وفكاك ابنه..
فهنا تجلّى شدة الوفاء لأحد اصحابه فيقول: أكلتني السباع حياً إن أنا فارقتك.
سادساً\ الذوبان في حب الامام ونسيان الأهل والأحبة: فأصحاب الامام عليه السلام من صدقهم في حبهم للإمام عليه السلام بذلوا مهجهم وعرّضوا أنفسهم لشدة آلام الجراح وما كان ذلك إلا لذوبانهم في حب الامام عليه السلام والنابع من اعتقادهم بمقام ومنزلة وكمال آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانهم بضعته.. وهو الحب الذي جعل سعيد بن عبد الله الحنفي يدافع عن الامام الحسين عليه السلام في صلاته يتلقّى ثلاث عشرة نبلة في جسده وطعنات سيوف ورماح ويصمد ثم حينما سقط صريعاً من جراحه كان شعوره انه – ربما- لم يفِ حق الوفاء لسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله عليه السلام: أوفيتُ يا بن رسول الله؟
وهذا الحب وذوبان صاحبه في سيد الشهداء عليه السلام هو الذي جعل الأم ترسل ولدها للقتال بين يدي الامام الحسين عليه السلام وحينما عاد أصرّت على استشهاده وقالت له: لا أرضى حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
وهو الذي جعل ذلك الأب الذي أسر ولده فدعاه الامام عليه السلام للرحيل لفك أسره فأجابه: أكلتني السباع حياً إن أنا فارقتك يا أبا عبد الله.
وهذا بخلاف الكثرة والأغلب من الناس حينما يؤثرون أولادهم وزوجاتهم وعشيرتهم وتجارتهم على الجهاد في سبيله والتضحية من اجل الاسلام.
طبعاً اخواني من الشيء المفرح والمُسِر ان مثل هذه المواقف نجدها الان عند هؤلاء الرجال الذين يقاتلون عصابات داعش فكثير من العوائل من الاباء والامهات الذين يحثون ابنائهم على القتال، كثير من الشباب الذين يأنسون بالقتال ضد عصابات داعش.
هو يأتي هنا الى زوجته واولاده لا يأنس بهذه الاجواء ولا يستطيع ان يصبر يترك يقطع اجازته ليذهب للقتال، فمجرد ان يسمع ان المعركة بدأت وهو في اجازة يقضيها مع عائلته واولاده وترى في بعض الاحيان ان احد اطفاله مرضى فتراه يتركهم ويذهب ويقاتل.
وبعض من الجرحى تراه يستعجل ان يُطبب من اجل ان يعود الى المعركة والبعض يأتي بأخيه الى المستشفى ويتركه لا يبقى معه ويرافقه ويذهب الى المعركة ليقاتل.
وكذلك الاب مع ابنه وكثير من هذه المواقف هذه في الواقع نماذج علينا ان نقتدي بها كما اقتدى هؤلاء الرجال بأصحاب الامام الحسين عليه السلام.
سابعاً\ شدة اعتنائهم بالعبادات ومنها الصلاة: لأن روح العبودية لله تعالى هي العبادات وخصوصاً الصلاة لذلك اخواني فعندما حل ظهر يوم عاشوراء والخطر محدق بالحسين عليه السلام واصحابه، قال احد اصحاب الحسين عليه السلام بعدما التفت الى حصول الزوال للشمس.. قال للإمام عليه السلام: يا ابا عبدالله روحي لك الفداء ارى جيش العدو يقترب منكم.. واقسم أنك لن تقتل قبل ان اقتل انا ان شاء الله كما أحب ان أصلي قبل ان اذهب الى جوار الله.
فرفع الامام عليه السلام رأسه الى السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين.. نعم.. هذا اول وقتها.. ثم قال: سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي.
فالمطلوب منا ان نهتم بالعبادات وبالصلاة خصوصاً ونستشعر اهميتها وكونها قوام الدين ونعطيها استحقاقها من الاهتمام.. ولا نقدّم غيرها عليها.
جانب من الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 29/محرم الحرام/1439هـ الموافق 20 /10 /2017م.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق