الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 9/رجب الاصب/1438هـ الموافق 7 /4 /2017م :

 

مما لا شك فيه ان للعشيرة ونظامها وتقاليدها واعرافها واحكامها دور مهم وفاعل في الحياة الاجتماعية في العراق لعدة اسباب.. فكيان العشيرة يمثل جزء اساسي من التركيبة المجتمعية في العراق، ايضاً لدى العشائر الكثير من الصفات النبيلة والاخلاق الكريمة وهذه لابد من ترسيخها وتدعيمها ونشرها في مختلف العشائر وفي المجتمع، وان الكثير من الناس اصبحوا يلجأون للعشائر لحل النزاعات والاختلافات للقضاء فيها او لحلّها.. واصبح للعشيرة بما لها من اعراف وتقاليد واحكام دور مهم في حياة المجتمع واصبح دورها اكثر حساسية وخطورة من ذي قبل خصوصاً في الجانب الاجتماعي..على ضوء ما ذكرناه الان في الوقت الحاضر في نفس الوقت الذي ذكرنا فيه هذه الامور مما يؤسف له في الفترة الاخيرة ظاهرة شيوع بعض الاعراف والتقاليد والاحكام التي تتنافى مع القواعد الشرعية والضوابط القانونية مما يشكل خطورة في بعض الجوانب الاجتماعية..من المخاطر على بروز هذه الاعراف والتقاليد والاحكام هو تهديد التعايش السلمي بين افراد المجتمع..فحينما تكون هناك صراعات ونزاعات وتُحل بالحكمة والحوار والتصالح وان طال الوقت باستخدام هذا الاسلوب فهذا يؤدي ان المجتمع يتعايش بسلام.. ولكنّ اذا غُلّبَ العنف واستعمال بعض الاحكام الجائرة حينئذ هذا التعايش السلمي بين افراد المجتمع والعشائر سيكون مهدداً.احياناً بسبب البعض من هذه الاحكام او الاعراف والتقاليد التي تتنافى مع القواعد الشرعية قد يؤدي الى وقوع الحيف او الظلم او الجور على بعض الافراد في المجتمع..ايضاً يؤدي الى ازدياد حالات الهجران والتقاطع بين عشيرة واخرى ويؤدي الى ان المجتمع في كثير من مفاصله تبرز هذه الحالة بينما المفروض ان تكون حالة التواصل والتوادد حتى يكون المجتمع متماسكاً..امر آخر مهم نلتفت اليه وهو ان يغلّب الفوضى على القانون والشرع فهذا من الامور الضارة التي تهدد المجتمع..على ضوء هذه الاثار الضارة لابد لنا ان نرصد ونشخّص ما هي التقاليد والاعراف والاحكام الضارة والسلبية لكي نميزها على الاعراف الجيدة التي يجب ان نتمسك بها..وبعد هذه المقدمة يقع الحديث عن النظام العشائري ودوره في المجتمع في محاور عدة :المحور الاول : الادوار الايجابية للعشيرة في المجتمع :تعد العشائر في العراق مدرسة لمجموعة من القيم النبيلة ومحامد الصفات ومكارم الاخلاق فتلاحظ في العشائر الكرم والجود والشجاعة والشهامة واطعام الطعام وحل المشاكل والنزاعات بالطرق المقبولة والسلمية وغيرها من محامد ومكارم الصفات والاخلاق وهي ترجع في اصولها الى الارث الحضاري لهذه العشائر عبر تاريخها الطويل..فالابناء قد توارثوها عن الاباء والاجداد وحافظوا عليها وتمسكوا بها..ومن اهم ما اتسمت بها العشائر العراقية الكريمة مساهتمها الفاعلة عبر التاريخ في الدفاع عن الوطن والعرض والمقدسات.. وقد ظهر ذلك جلياً في الاستجابة الكبيرة لفتوى المرجعية الدينية العليا بالوجوب الكفائي للدفاع عن العراق امام هجمات الارهابيين الدواعش وكذلك الثورات التي قامت ضد الاحتلال الاجنبي والوقوف بوجه الحكام الظالمين وغيرها من المواقف الاصيلة..الا انه لابد من الحفاظ على هذه القيم الصحيحة والنبيلة والامور الايجابية وان لا يعكرها شائبة الامتزاج ببعض الاعراف والتقاليد السلبية والضارة..

المحور الثاني: المبادئ الاساسية للدور الايجابي والاصلاحي للكيان العشائري:هذا الكلام لكم اخواني جميعاً للعشيرة او الفرد، انت ايها الفرد او أي كيان اجتماعي او العشيرة .. اذا كان يريد له دور اصلاحي واجتماعي وايجابي واصلاحي له ولاسرته وللمجتمع لابد ان يتم اعتماد مبادئ ثلاث مهمة ولابد ان يكون هناك اعتماد لمبادئ مستندة الى الضوابط المقبولة شرعاً وعقلا ً.. حينئذ سيكون للانسان وللعشيرة هنا سيكون دور ايجابي وفعّال وبنّاء واصلاحي في المجتمع بصورة عامة.. فلذلك لابد هنا ان نبين هذه المبادئ حتى يكون هناك وضوح لدى افراد العشائر وشيوخ العشائر يكون هناك وضوح كافي ومعرفة دقيقة بما هو نافع للمجتمع وما هو ضار ومهدد.. المبدأ الاول : عدم تجاوز الحدود الشرعية وثوابت احكام الاسلام.فان المسلم لكي يكون صادقاً في اسلامه لابد ان يلتزم ليس فقط في اداء العبادات كالصلاة والصيام والحج ونحوها فقط بل عليه ان يراعي ما جاء به الدين الحنيف في الجوانب الاخرى ومنها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي وحل النزاعات والاختلافات، تحقيقاً للعدل بين الناس وتجنيباً لهم عن الفوضى والظلم والتناحر الذي يؤدي الى عناء المجتمع وشقائه..قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) – سورة النساء- .المبدأ الثاني : رعاية الضوابط القانونية التي اٌقرت لغرض المصلحة العامة ووفقاً للمبادئ الصحيحة، فانه لا سبيل الى رقي أي مجتمع وتقدمه الا برعاية القانون وتطبيقه وعدم التخلف عن ذلك سواء أكان تطبيقه في مصلحة الفرد او الاسرة او العشيرة ام لا، اذ ان مصلحة الالتزام بالقانون تفوق أي مصلحة اخرى.المبدأ الثالث: اعتماد منهج التسامح والعفو والتغاضي عن الاساءة والابتعاد عن العصبية القبلية والاهواء الشخصية.وهذا مما تدعو اليه كل نفس شريفة وضمير حي ومن يلاحظ النصوص الاسلامية من القرآن الكريم والروايات المباركة يجد عدداً لا يحصى كثرة مما ورد في الحث على التحلي بالصفح والعفو والتسامح والعمل على اصلاح ذات البين وفض النزاعات بالحسنى وتحبيب ذلك بشتى الوسائل كبيان ما في ذلك كله من الثواب الجزيل والاجر العظيم في الاخرة اضافة الى الثمار الدنيوية العظيمة، فاذا حصلت مشكلة يجلس الجميع للتحاور والتفاهم ومحاولة الوصول الى حل سلمي لحل هذا النزاع بدلا ً من التسرّع واستخدام العنف الذي يؤدي الى سفك الدماء والتيتم والترمل وربما يؤدي الى مشاكل وصراعات لا تنتهي..هذه المبادئ الثلاثة لابد من اعتمادها لكي نحافظ على القيم النبيلة.. وسنكمل في الخطب القادمة ما هي بعض الاعراف والتقاليد والاحكام الموجودة لدى بعض العشائر والتي تتنافى مع الاحكام والقواعد الشرعية.. اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا معاصيك وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

 

حيدر عدنان الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات